محاولة الانقلاب الفاشلة في السودان وتداعياتها

اضغط لتحميل الملف

شهد السودان صباح ٢١ سبتمبر ٢٠٢١ “محاولة انقلابية” فاشلة، تمت السيطرة عليها باكرًا، قامت بالانقلاب وحدات من سلاح المدرعات بقيادة اللواء عبد الباقي بكراوي، وتم اعتقال قرابة 21 ضابطًا وعدد من الجنود بجانب عدد من المدنيين، واستسلمت بعض وحدات سلاح المدرعات بمعسكر الشجرة معقل محاولة”الانقلاب” دون مقاومة بعد مفاوضات معهم استمرت قرابة 3 ساعات، وادعت تصريحات المكون المدني بالحكومة ارتباط الضباط بنظام البشير وهو أمر مستبعد نظرًا لضعف الترتيب وعدم جدية المحاولة، فلم تشهد المحاولة تعطيلًا لحركة المرور ولا سيطرة على أي مبني حكومي أو مؤسسة رسمية وكل ما تم تداوله كان تضخيما للوضع من جانب المكون المدني، في حين أنه لم تنشر تعزيزات عسكرية إضافية في المواقع الإستراتيجية مثل القصر الرئاسي، ومقر مجلس الوزراء، والقيادة العامة للقوات المسلحة، أو الشوارع الرئيسية والجسور. وكان بيان المكون العسكري مقتَضبًا للغاية ولا يحمل أي دلالات أو اتهامات لأي جهة داخل الجيش أو خارجه.

وعقب ذلك قام رئيس مجلس السيادة “عبد الفتاح البرهان” ونائبه محمد حمدان حميدتي قائد قوات الدعم السريع بزيارة إلى معسكر الشجرة،موجهًا الشكر لقوات السلاح على حكمتها في التعامل مع محاولة الانقلاب،قائلًا “إن التنافر السياسي وعدم الوحدة والنزاع يضر بالسودان، ومشددًا على ضرورة أن يشارك الجميع في الفترة الانتقالية دون تحزب أو إقصاء.وأكد أن الجيش والدعم السريع يعملان معا وبتنسيق متوائم، مؤكدا عدم إثبات صلة الجماعة الانقلابية الفاشلة في السودان بأي جهة حتى الآن.

أبعاد هذه المحاولة

تأتي هذه المحاولة (إذا افترضنا جديتها) في ظل اضطراب سياسي وأمني واقتصادي، إذ يعاني السودان من مرحلة انتقالية هشة في  ظل الانقسامات العميقة بين الأحزاب والمكونات التي تقود المرحلة، إلا أن البيئة السودانية خصبة لنجاح أي محاولة انقلابية مستقبلًا في ظل الأزمة الاقتصادية الحادة والانفلات الأمني المتزايد وكذلك تنامي دعوات الاستقلال الذاتي لبعض الأقاليم فضلا عن انتشار دعوات تدعو الجيش لتولي السلطة مع تفاقم حدة الخلافات بين المكونين العسكري والمدني.

وتوجد مبالغة كبيرة في توظيف محاولة الانقلاب المزعومة سياسيًّا، وهذا لعدة أبعاد على رأسها تفاقم أزمة شرق السودان المكون من 3 ولايات (القضارف والبحر الأحمر وكسلا)، مع إعلان الغلق التام للإقليم رفضًا لمسار الشرق باتفاقية السلام جوبا،  والمطالبة بحل الحكومة ورفض التفاوض معها، وتفاقم الخلافات بشكل كبير بين المكونين المدني والعسكري مع قرب تسليم قيادة ماتبقى من المرحلة الانتقالية للمدنيين المقرر لها بحسب الوثيقة السياسية أن تتم في نوفمبر القادم، ومن الصعب إتمام هذا الانتقال في ظل التوترات والخلافات العميقة بين الأطراف الحاكمة.

وبالنظر إلى طبيعة المحاولة الانقلابية،فيمكن  وصفها بشكل أكثر دقة بأنها تذمر أو حركة احتجاج داخل المعسكر بسبب الوضع الاقتصادي المتدني وضعف الرواتب داخل الجيش مقارنة بالدعم السريع بجانب العديد من السياسات التي خلقت حالة من عدم الاستقرار،وتم استغلال هذا التذمر للتغطية على  الأزمات المتفاقمة شرق السودان وغيرها، وتدعم ذلك تصريحات قيادات المكون العسكري التي لم تربط ما حدث بأي فصيل سياسي أو أبعاد سياسية مع تأخر تصريحاتهم بشكل كبير، في حين يصر المكون المدني على ربطها بالحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني وهذا ناتج عن حاجته لأي ذريعة تضفي عليه مزيدا من الشرعية ولتجديد روح الثورة والإيحاء بأن هناك خطرًا وتهديدًا، ولابد أن يتكاتف الجميع وراء المكون المدني بعد فشله الذريع على كل الأصعدة، وجاءت كلمة رئيس الوزراء “حمدوك” معبرة عن ذلك، إذ ركز على عدة مضامين، وهي :

  • الانقلاب مدبر من جهات داخل وخارج القوات المسلحة وهو امتداد لمحاولات الفلول منذ سقوط النظام البائد لإجهاض الانتقال المدني الديمقراطي.
  • سبقت المحاولة تحضيرات واسعة تمثلت في الانفلات الأمني في المدن واستغلال الأوضاع في شرق البلاد ومحاولات قطع الطرق القومية وإغلاق الموانئ وتعطيل إنتاج النفط والتحريض المستمر ضد الحكومة المدنية.
  • الانقلاب هو مظهر من مظاهر الأزمة الوطنية وهو يؤشر بوضوح إلى ضرورة إصلاح الأجهزة الأمنية والعسكرية.
  • الانقلاب يستدعي مراجعة كاملة لتجربة الانتقال بكل الشفافية والوضوح، والوصول إلى شراكة مبنية على شعارات ومبادئ الثورة.
  • الحكومة ومع الأجهزة المختصة بما في ذلك لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو ستتخذ إجراءات فورية لتحصين الانتقال، ومواصلة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو الذي لا يزال يشكل خطرًا على الانتقال.
  • إن وحدة قوى الثورة والتغيير هي الضامن والمحصن للانتقال المدني الديموقراطي  وتحقيق أهداف الثورة.

وتؤكد كلمة حمدوك على محاولته استغلال الحدث ليقول إن الانفلات الأمني وتدهور الأوضاع المعيشية وتفاقم أزمة الشرق كان تمهيدًا لهذا الانقلاب في محاولة منه لإيجاد شماعة يعلق عليها فشل الحكومة ومكونات المرحلة الانتقالية في إدارة السودان، وكذلك تأكيده على ضرورة إصلاح الأجهزة الأمنية والعسكرية، وهو ما أثار حفيظة المكون العسكري وفي المقابل، أدلى رئيس مجلس السيادة عبدالفتاح البرهان بتصريحات تعبر عن حالة الاضطراب الشديد في المشهد، وتحمل رسائل مباشرة وواضحة لرئيس الوزراء عبدالله حمدوك والقوى المدنية، إذ قال :

  • هناك من يسعى لبث الفرقة في صفوف القوات المسلحة.
  • لن تستطيع أي جهة إبعاد القوات النظامية من المشهد خلال المرحلة الانتقالية.
  • لا توجد حكومة منتخبة في البلاد والقوات المسلحة هي الواصية على أمن السودان ووحدته.
  • نجدد قولنا للسياسيين إن قواتنا هي من أجهضت المحاولة الانقلابية ولا رغبة لدينا في الاستيلاء على السلطة.
  • هناك قوى سياسية كل همها هو القتال من أجل الكرسي (يقصد المكون المدني).

ختامًا، تعكس تصريحات البرهان وما تلاها من ردود أفعال، التوتر الحاد في العلاقة بين المكونين المدني والعسكري مما يرجح عدم استمرار الشراكة بينهما بهذا الشكل المضطرب، وبالنظر في الأوضاع الحالية فإن مسببات حدوث أي إنقلاب لاتزال قائمة،والمكون المدني أضعف من أن يتولى زمام الأمور، بل ومن الصعب الوصول إلى أي تحول ديمقراطي حقيقي في ظل مكونات متنافرة إلى هذا الحد، ويزيد من تعقيدات المشهد وجود الحركات المسلحة في الخرطوم وتمثيلهم في منظومة الحكم،  وبالرغم من هذا فإن الجيش السوداني هو الفاعل الرئيسي في المشهد، والمكون العسكري هو الأكثر تماسكًا بالرغم من الخلافات البينية، والشراكة بين المدنيين والعسكريين ستستنفذ وقتها ثم ينفرد غالبًا المكون العسكري بإدارة المشهد.

إقرأ أيضا: التحـالـف الحاكــم في السـودان بين الضعف والتفكك

اضغط لتحميل الملف
مشاركات الكاتب