واشنطن تغير استراتيجيتها تجاه السودان قبيل انطلاق مباحثات جدة

اضغط لتحميل الملف

إفريقيا إنتليجنس

من المقرر أن تستأنف الولايات المتحدة والسعودية في الأيام المقبلة المباحثات المتعلقة بالحرب الدائرة في السودان، حيث يأمل المبعوث الأمريكي الجديد إلى السودان توم بيرييلو أن يتعلم من إخفاقات أسلافه.

بعد عام من بدء الحرب في السودان وأشهر من المباحثات السرية، من المقرر أن تُستأنف تلك المباحثات بشكل رسمي في مدينة جدة السعودية وبرعاية كل من الرياض وواشنطن. ووافقت المملكة على ضم مصر والإمارات إلى طاولة المفاوضات، إلى جانب الاتحاد الإفريقي والهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية (إيغاد) التي علق السودان عضويته بها في يناير الماضي.

يعول المفاوضون على الحضور المصري للمساعدة في الحصول على ضمانات من الجيش السوداني بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان في ظل الحديث عن دعم القاهرة له، في مقابل دعم أبو ظبي لقوات الدعم السريع بقيادة حميدتي. وتهدف المباحثات بشكل رئيسي لجمع البرهان وحميدتي وجهًا لوجه، وهو ما لم يحدث منذ بدء الحرب رغم دعوة (إيغاد) حميدتي لحضور قمتها في أوغندا في يناير الماضي. ومن المتوقع أن تعتمد المباحثات الرسمية القادمة على نتائج المحادثات السرية التي نظمتها الإمارات ومصر في المنامة يناير الماضي، بحضور وسطاء أمريكيين وسعوديين.

استراتيجية جديدة

منذ انهيار مبادرة جدة للسلام -التي دعمتها السعودية والولايات المتحدة- بعد يوم من دخولها حيز التنفيذ في مايو 2023، فشل الوسطاء رغم الجهود العديدة في التوصل إلى وقف لإطلاق النار أو هدنة تضمن وصول المساعدات الإنسانية إلى المناطق التي دمرتها الحرب، وذلك لأنَّ طرفي النزاع لم يحترما التزاماتهما.

وعلى هذه الخلفية، غيرت الولايات المتحدة موقفها وعينت في 26 فبراير توم بيرييلو مبعوثًا خاصًا جديدًا لها إلى السودان. يشير هذا التغيير إلى الاعتراف بفشل استراتيجية الفصل بين المسار السياسي ومسار وقف إطلاق النار، التي اتبعتها مساعدة وزير الخارجية ماري كاثرين في والسفير السابق جون جودفري، واللذان سعيا للتوصل إلى هدنة في مناطق محددة قبل مواصلة المفاوضات.

كان هذا الفشل كافيًا لإثارة ردود فعل في الكونجرس خاصة بين كتلة النواب السود، حيث عمل السيناتور كوري بوكر والسفيرة لدى الأمم المتحدة ليندا توماس جرينفيلد بنشاط لاستبدال جودفري، الذي استقال في 3 فبراير. ومن المتوقع أن يتمتع المبعوث الجديد بيرييلو باستقلالية أكبر من سلفه.

عقوبات جديدة

تتمثل استراتيجية بيرييلو على الصعيد السياسي في التركيز بشكل أكبر على الناشطين الشعبيين المؤيدين للديمقراطية، الذين ظهروا خلال الاحتجاجات التي أدت إلى الإطاحة بالرئيس عمر البشير في عام 2019، بدلًا من التركيز على المجموعات النخبوية مثل قوى الحرية والتغيير – المجلس المركزي الذي يدير تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) والتي تُعدُّ المحور الرئيسي للمجتمع الدولي. وخلال زيارته الأولى إلى المنطقة في أبريل، أجرى بيرييلو اتصالات مع أعضاء تنسيقية (تقدم) في أديس أبابا ونشطاء سودانيين آخرين في كمبالا، لكنه لم يلتق بعد بزعيمها رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك.

الأولوية النهائية لبيريلو هي وضع حد للدعم الأجنبي لطرفي الحرب، وقد التقى بالفعل بمسؤولين إماراتيين ومصريين للتباحث في هذا الشأن، إذ ترتبط الشركات المشاركة في دعم الأطراف المتحاربة ارتباطًا وثيقًا بدوائر النفوذ في بلادها: آل زايد في الإمارات وكبار القادة العسكريين في مصر. كما تخطط الولايات المتحدة لفرض عقوبات جديدة على مسؤولي الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، ممن لا يلتزمون بمعاهدة جدة.

وفي اتصال مع “أفريكا إنتليجنس”، قال متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية: “نعتقد أنَّ أفضل صيغة للمفاوضات الرسمية هي أن تستضيف السعودية مفاوضات في جدة تشمل الشركاء الرئيسيين، ونعتقد أنَّ منصة جدة ستستفيد من الدروس والعبر والتقدم الذي أحرزته المبادرات الأخرى، وأنَّ هذا هو الوقت المناسب لتعزيز وتسريع المفاوضات لإنهاء هذه الحرب. ورغم أنَّ المحادثات الرسمية حيوية ونأمل أن تبدأ قريبًا، فإنَّ تدشينها يعتمد على تسريع جهودنا الدبلوماسية المبذولة لإنهاء هذه الحرب، والتخفيف من حدة المجاعة، ومنع ارتكاب المجازر في المستقبل. وبالإضافة إلى كون الولايات المتحدة أكبر مساهم في المساعدات الإنسانية، فإنَّها تفرض أيضًا عقوبات على الأفراد والكيانات التي تصعد الصراع وترتكب المجازر، وسنستمر في زيادة الضغط على الأطراف السودانية والخارجية التي تعرقل المفاوضات”. وستكون الولايات المتحدة حاضرة في مؤتمر باريس، وسيمثلها نائب مدير الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية إيزوبيل كولمان والمبعوث الخاص إلى السودان بيرييلو.

ماذا عن مؤتمر باريس؟

بمناسبة الذكرى السنوية لبداية الحرب في 15 أبريل، ستقيم فرنسا بالاشتراك مع الاتحاد الأوروبي وألمانيا مؤتمرًا يركز على القضايا الإنسانية للأزمة السودانية. ورغم قلقها بخصوص نجاح مباحثات السودان، فإنَّ السعودية ستكون حاضرة في المؤتمر، كما يتوقع أن ترسل معظم الدول المجاورة وزراء خارجيتها لحضوره.

يترأس المؤتمر وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه، ونظيرته الألمانية أنالينا بيربوك، ومنسق السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، والمفوض الأوروبي لإدارة الأزمات يانيز لينارسيتش. بينما سيكون وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن الغائب الأكبر عن الحدث، وهو ما حطم آمال باريس بغيابه.

يريد منظمو المؤتمر تجنب الوقوع في خلاف سياسي، رغم أنَّ قائمة الضيوف كانت بالفعل موضوع نقاش ساخن بينهم. ورغم رغبتها الأولية في جعل عناوين المؤتمر شاملة قدر الإمكان، فقد وافقت السفيرة الفرنسية لدى السودان رجاء ربيعة على التركيز على القضايا الإنسانية. لكن الجهات المهتمة بالقضية السودانية ليست على رأي واحد: ففيما تؤيد الممثلة الخاصة للاتحاد الأوروبي في القرن الإفريقي أنيت ويبر ضم قوى الحرية والتغيير- الكتلة الديمقراطية، التي تضم قادة المتمردين السابقين منذ بداية الحرب، تتهم النرويج وبريطانيا والولايات المتحدة الأخيرة بدعم الجيش السوداني والإسهام في استمرار الحرب. ولذا، تركز الدول الثلاثة معظم دعمها لتنسيقية (تقدم).

من المقرر أن يزور زعيم (تقدم) حمدوك باريس للمشاركة في ندوة للمجتمع المدني السوداني في معهد العالم العربي، قبل أن ينتقل إلى مركز المؤتمرات الوزاري. ومن المتوقع أن يحضر الندوة حوالي أربعين ممثلًا مدنيًا من الدوائر السياسية والدينية والتجارية والأكاديمية، في ظل قرار متعمد بعدم دعوة ممثلين عن الأطراف المسلحة، لتجنب تحويلها إلى منصة حصرية لتنسيقية (تقدم).

اضغط لتحميل الملف
مشاركات الكاتب