أحمد طنطاوي: تحريك للمياه الراكدة أم إضفاء للمشروعية على النظام؟

بزغ نجم أحمد طنطاوي خلال العام الجاري كرأس حربة للمعارضة السياسية من داخل مصر، وهو ما أثار الجدل بخصوص دوره رغم القمع الذي تشهده البلاد، والذي كان من ضحاياه رئيس الأركان الأسبق سامي عنان حينما أعلن نيته الترشح للرئاسة في عام 2018، وهو ما تكرر بشكل أقل حدة مع رئيس الوزراء الأسبق وقائد القوات الجوية الفريق أحمد شفيق إثر ترشحه للرئاسة، إذ رُحل من الإمارات إلى مصر بطائرة خاصة ليوضع تحت الإقامة الجبرية، بينما عاد طنطاوي من لبنان في 2023 دون توقيف أو منع.

الإجابة عما سبق، تكمن في وجود فوارق عديدة بين الأوضاع في مصر عام 2018، ونظيرتها في عام 2023، فالأزمة الاقتصادية تفاقمت، ومؤسسات التمويل الدولية تضغط لإخراج الجيش من الاقتصاد، والمنح والمساعدات الخليجية توقفت، والغرب يطالب ببعض الإصلاحات الحقوقية، والأصوات ترتفع من داخل مؤسسات الدولة عبر شخصيات تلعب دور الواجهة، فعلى سبيل المثال، طالب أحد رموز جبهة الإنقاذ سابقا محمد أبوالغار السيسي بالاعتذار للشعب المصري عن سياساته، ومضيفا أن النظام يسير بخطوات سريعة نحو تفكيك الدولة وانهيارها، فيما أصدر النائب البرلماني السابق عماد جاد، المقرب من الكنيسة والأجهزة الأمنية، والباحث بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، عدة بيانات طالب فيها رئيس الأركان السابق الفريق محمود حجازي بالترشح للرئاسة لإنقاذ البلد وإطلاق الحريات وتحسين أوضاع الاقتصاد واستعادة العلاقات القوية مع دول الإقليم وأمريكا، وأشار جاد في  بيان عنونه ب”النداء الأخير” إلى أن ترشح حجازي سيكفل تماسك أجهزة الدولة السيادية، وهو ما يشير ضمنا إلى عمق الخلافات بين تلك الأجهزة تحت قيادة السيسي. مع العلم بأن جاد لم يُعهد عنه اتخاذ مواقف سياسية فيها مخاطرة منذ انخرط في العمل العام، بينما على الجهة الأخرى لم يعلق الفريق حجازي على دعوات جاد، مما يعضد تأييده لها.

استثمار هامش محدود

قبل بضعة شهور، أفاد سمير عليش القيادي بالحركة المدنية، بوجود لجنة مشتركة تنعقد على فترات تضم حمدين صباحي وفريد زهران وآخرين، بجوار عدد من رؤساء الأجهزة الأمنية لمناقشة الملفات السياسية. وبحسب عليش، ففي مطلع العام الجاري عقد اللواء عباس كامل اجتماعا مع عدد من ممثلي الحركة المدنية لبحث اختيار 3 مرشحين لمنافسة السيسي في الانتخابات الرئاسية القادمة، مع الوعد بمساعدتهم في جمع التوكيلات اللازمة للترشح، والسماح لهم بالظهور في وسائل الإعلام، مقابل حصول الثلاثة مجتمعين على 30%، وحصول السيسي منفردا على 70% حتى تظهر العملية الانتخابية أمام الدول الغربية كأنها جرت بطريقة ديمقراطية، أي أنه توجد رغبة من المخابرات العامة بحدوث حالة من الحراك السياسي تخفف حالة الاحتقان الشعبي، بينما في المقابل، تخشى أجهزة سيادية أخرى من أن يساهم الانفتاح النسبي في رفع سقف المطالب والطموحات مما يفكك البنية الاستبدادية التي أقامها النظام خلال السنوات العشر الماضية.

دور طنطاوي

برز أحمد طنطاوي المولود في عام 1979 في المشهد العام كنائب برلماني منذ 2015 إلى 2020، حيث عمل قبل ذلك صحفيا في جريدة الكرامة الناصرية، وقد تميز خلال عمله البرلماني بانتقاده للسيسي ولسياسات الحكومة، وهو ما قاد إلى إسقاطه في انتخابات مجلس النواب عام 2020، ليتولى في ذات العام رئاسي حزب الكرامة الناصري قبل أن يستقيل منه على خلفية رفضه المشاركة في الحوار الوطني، وليسافر في أغسطس 2022 لبضعة شهور إلى لبنان.

مع اقتراب انتخابات الرئاسة، عاد أحمد طنطاوي رئيس حزب الكرامة السابق من لبنان إلى مصر في مايو الماضي، وسعى لاستثمار الظرف الراهن لتنشيط الحالة السياسية، وقدم خطابا وطنيا جامعا، فلم يطرح نفسه كمرشح ناصري أو يدخل في مزايدات تجاه الإسلاميين وبالأخص الإخوان المسلمين، ولم يتلاسن مع الأحزاب السياسية الأخرى أو أبواق النظام الإعلامية، ووجه سهام نقده للسيسي وسياساته، وتدثر بخطاب يقوم على احترام القانون والدستور، ومتهما السيسي بمخالفتهما.

ميدانيا، بدأ طنطاوي في تدشين جولات في المحافظات لتوسيع نطاق شعبيته، ورفع من سقف خطابه قائلا (إن الظرف الحالي مميز جدًا لعمل سياسي بروح ثورية)، كما غازل الجيش قائلا إنه حال فوزه بالرئاسة سيعين نائبا له من القوات المسلحة لإدارة العلاقات المدنية العسكرية، فيما انضم أكثر من 20 ألف شخص إلى حملته الانتخابية رغم الاعتقالات التي طالت عددا من مؤيديه.

في المقابل، حشدت الأجهزة الأمنية البلطجية عند أبواب مقرات الشهر العقاري لمنع أنصار طنطاوي من عمل توكيلات له، فيما حصل مرشحو المعارضة الكرتونية عبدالسند يمامة وفريد زهران على تزكيات من نواب بالبرلمان. وهو ما يؤكد رغبة النظام في عدم خوض انتخابات نزهة بشكل تنافسي، وهو ما يعزز عمليا من الرصيد الشعبي لطنطاوي، ويعري بقية المرشحين الذين يقبلون أداء دور الكومبارس. ومن المحتمل أن يمنع النظام المصري طنطاوي من الترشح بحجة عدم جمع العدد اللازم من التوكيلات والبالغ 25 ألف توكيل من 15 محافظة.

خلاصة؛ إن نشاط طنطاوي وارتفاع سقف الانتقادات للنظام من داخل البلاد يؤدي إلى زيادة مساحة التسييس في المشهد العام، وهو ما لا تجيد السلطة التعامل معه في ظل اعتمادها على القمع فقط، وهو ما يدفع الوضع نحو التأزم في ظل غياب أي حلول جادة يقدمها النظام.

ستشهد الفترة المتبقية من العام الجاري وعام 2024 العديد من التطورات على خلفية الأزمة الاقتصادية المتفاقمة. ويتوقع أن تزداد حجم الانتقادات الموجهة للسيسي شخصيا، وهو ما قد يصل إلى تشكيل تيار واسع ومتنوع من خارج النظام وداخله يجتمع على شيء واحد، وهو رحيل السيسي لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.

مشاركات الكاتب