أهل السنة في لبنان: الواقع والتحديات

اضغط لتحميل الملف

المقدمة

يتميز لبنان عن سائر دول العالم العربي بتركيبته الديمغرافية المتنوعة والمتناقضة، فهو بلد الطوائف والأحزاب الطائفية. ينقسم اللبنانيون إلى طوائف مختلفة بين مسلمين ومسيحيين وغير ذلك، فيما ينقسم مسلموه إلى سنة وشيعة. وبفعل موقع لبنان الجيوسياسي وتركيبته الديمغرافية هذه فقد بات على صغر حجمه تفصيلًا مفصليًّا في منطقة الشرق الأوسط.

أدت هذه التركيبة اللبنانية المتناقضة لحدوث أزمات متتابعة على المستوى السياسي، نتج عنها في كثير من الأحيان صراعات دموية؛ أشدها الحرب الأهلية التي دامت قرابة خمسة عشر عامًا (1975- 1990)، وأعقبتها صدامات متفرقة من آخرها حادثة الطيونة في بيروت العام الماضي التي سقط فيها 7 قتلى وأكثر من 30 جريحًا. وكذلك يعيش لبنان منذ عام 2019 انهيارًا اقتصاديًّا كبيرًا زاد من تعقيدات الأزمات التي تعانيها البلاد، في ظل غياب أي حلول داخلية أو خارجية.

وأهل السنة في لبنان من الطوائف الرئيسية حيث يتوزعون في معظم محافظاته، ويشكلون نسبة كبيرة من تعداده، وكانوا حتى فترة قصيرة من الزمن لاعبًا مؤثرًا في مسرح أحداثه. غير أن العقد الأخير شهد تراجع الدور السني بشدة أمام أزمة المشروع والهُوية والمرجعية التي يعانيها أهل السنة، في مقابل تضخم الدور الشيعي بسرعة واشتداد عصب المارونية السياسية من جديد.

تقدم هذه الورقة البحثية صورة عامة عن واقع أهل السنة في لبنان والأزمات والمشكلات التي يعانونها، وتبحث في أسباب تراجع الدور السني في المشهد اللبناني والتحديات التي تواجههم على الصُّعُد والمستويات كافة، في ظل التجاذبات الداخلية والتدخلات الخارجية فيه.

أولًا: أهل السنة في الديمغرافيا اللبنانية

من اللافت أن أول وآخر إحصاء رسمي لسكان لبنان أجري في عام 1932، حيث لم تَجرِ أي إحصاءات رسمية منذ ذلك الوقت، ويرجع السبب في ذلك إلى فزاعة “الديمغرافية” التي يراها المكون المسيحي في لبنان عاملًا يراد من خلاله انتزاع الامتياز الذي حصلوا عليه منذ إعلان الانتداب الفرنسي عن قيام “دولة لبنان الكبير” عام 1920. فقد كرس الفرنسيون منذ ذلك الحين تفوق المسيحيين في لبنان على المسلمين وعدَّهم طائفة من الدرجة الأولى فيه، وأعطاهم امتيازات في الحكم والتعيينات الإدارية والتوظيف، وذلك على حساب المسلمين الذين صنفهم طوائف من الدرجة الثانية. لكن التزايد المتسارع لتعداد المسلمين بفعل ارتفاع معدل الإنجاب، في مقابل تناقصها لدى المسيحيين وهجرتهم المتصاعدة زاد من مخاوفهم تلك.[1]

خَلُص تعداد عام 1932 إلى أن عدد اللبنانيين قد بلغ 1,046,164 نسمة، وقُدرت نسبة المسلمين بـ 40% منهم 178,100 سنيًّا في مقابل 155,035 شيعيًّا.[2] لكن اعتراضات كثيرة أثيرت حول هذا الإحصاء الذي وُصف بأنه (مُسيَّس) لصالح المسيحيين. منذ ذلك الحين، برز توجه واضح لمنح الجنسية اللبنانية لمقدمي طلبات التجنيس من المسيحيين على حساب المسلمين، حيث كان معظم مقدمي الطلبات المسيحيين إما مغتربين أو لاجئين ممن وفدوا إلى لبنان منذ فترة وجيزة سابقة كالأرمن والسريان والكلدان. فيما الكثير من مقدمي الطلبات من المسلمين القاطنين في المناطق الحدودية والوافدين مثل الأكراد لم يشملهم الإحصاء، ولم يعطوا الجنسية اللبنانية، وعُرفوا منذ ذلك الحين وحتى هذه اللحظة باسم “مكتومي القيد” أو “المحرومين” أو أن هُويتهم “قيد الدرس”. ولا يبدو في المنظور القريب أن السلطات اللبنانية ستجري استفتاءً رسميًّا، لما له من تداعيات سلبية كبيرة على استقرار البلاد، حيث يرى المسيحيون أن ذلك يتعلق بأمنهم الوجودي ومستقبلهم.

إلا أن دراسات وإحصاءات عديدة- غير رسمية- أجرتها مؤسسات محلية ودولية حول إحصاء عدد سكان لبنان الإجمالي وتعداد طوائفه، من أبرزها مؤخرًا الدراسة التي نشرتها الشركة الدولية للمعلومات عام 2019، التي أشارت في إحصائها إلى أن تعداد اللبنانيين قد بلغ 5.5 مليون نسمة في نهاية عام 2018، حيث رصدت ارتفاعًا ملحوظًا لنسبة المسلمين التي بلغت 69.4%، في مقابل انخفاض نسبة المسيحيين إلى 30.6%. وقد بلغ تعداد السنة وفق هذا الإحصاء 1,527,548 نسمة (31.3% من إجمالي السكان) في مقابل 1,743,718 نسمة للشيعة (31.6% من إجمالي السكان)، لتحل الطائفة الشيعية في المرتبة الأولى في لبنان من حيث العدد.[3]

وتُظهر الخريطة أدناه التوزيع الجغرافي للطوائف في لبنان، ويظهر فيها تركز السنة في مناطق شمال لبنان (من طرابلس إلى الحدود مع سوريا شمالًا) صيدا جنوبًا وأجزاء محددة من العاصمة بيروت وضواحيها وجبل لبنان، بالإضافة إلى بعض المناطق في البقاع الشمالي والأوسط والغربي بمحاذاة الحدود الشرقية مع سوريا.


[1]رانيا مكتبي “مراجعة لإحصاء 1932: من هم اللبنانيون؟”، المجلة البريطانية لدراسات الشرق الأوسط، 1999.

[2] خلاصة نتيجة الإحصاء لسكان الجمهورية اللبنانية الذي جرى عام 1932، الجريدة الرسمية- العدد 8/27، تاريخ 05/10/1932.

[3]–  “اللبنانيون: 5.5 مليون نسمة”، الشركة الدولية للمعلومات، 2019.

اضغط لتحميل الملف
مشاركات الكاتب