المواطن الخطر “رؤية مصر 2030”

المواطن الخطر

يتحدث المسئولون في النظام المصري بشكل متكرر عن”رؤية مصر 2030″، والتي تسعى لتحقيق عدة أهداف  تنموية على رأسها “الارتقاء بجودة حياة المواطن المصري وتحسين مستوى معيشته”، ولكن هذا الارتقاء المأمول يأتي في ظل حديث السيسي عن ضرورة تخفيض نسب الزيادة السكانية، لتصبح نسبة النمو المطلوب الوصول لها بمصر 1% بحيث يبلغ عدد المواليد سنويًّا 400 ألف فرد، وهو ما يعني تخفيض عدد المواليد سنويا بنسبة ٨٣٪، إذ بلغ عدد المواليد السنوي بمصر 2 مليون و235 ألف طفل في عام 2020، بانخفاض قدره 3% عن عام 2019.

تلك الرؤية تجاه السكان أكد عليها أيضًا وزير التنمية المحلية السابق اللواء “أبوبكر الجندي حيث قال إن  “الكثافة السكانية محنة ونقمة ومشكلة، فالدولة لا تملك موارد للإنفاق على السكان”ووصفهم بأنهم “عبءٌ على المجتمع، ويسحبونه للأسفل”، ويرى أن المكون السكاني  الذي يمثل الشباب منه نسبة 60% يحسدنا عليه العالم، لكن في ظل الأوضاع الحالية تُعتبر هذه النسبة كارثة وانتحارًا.

وفي جانب آخر ازدادت أعداد وفيات المصريين مؤخرا بشكل فج دون تفسيرات حكومية أو إعلان عن أسباب هذه الزيادة، فوفقًا لآخر إحصائيات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، بلغ عـدد الوفيات 664.763 عام 2020 مقابل 570.580 عام 2019 بنسبة ارتفاع قدرها 16.5٪ في حين أن نسبة الارتفاع بين عامي 2018 و2019 بلغت 1.8 % فقط، والملفت أن تلك الزيادة في عدد الوفيات جاءت في ظل انتشار فيروس كورونا مما يشير إلى أن أعداد الوفيات بكورونا التي تعلنها الحكومة غير حقيقية.

المواطن الخطر

يرى السيسي أن ارتفاع عدد السكان هو السبب الرئيس لأزمات مصر الاقتصادية والاجتماعية، وأن تحسين أوضاع المصريين لن يحدث سوى في حال تقليل نسبة النمو السكاني مما يسمح بتوفر الموازنة التي تسمح بالإنفاق الكافي، ويعتقد أنه في ظل إضافة 800-900 ألف شخص سنويا لسوق العمل تحتاج الدولة مبلغ 100 مليار جنيه لتشغيلهم، كما أن مصر – حسب كلام السيسي – تحتاج تريليون دولار كموازنة سنوية أي ما يعادل 16 تريليون جنيه سنويا، بينما الموازنة الحالية تبلغ 2.3 تريليون جنيه فقط.

نظرة السيسي للزيادة السكانية تتسق مع رؤية المنظر الإنجليزي “توماس مالتوس” الذي يرى أن سبب الفقر في المجتمع هو أن عدد السكان أكثر من العدد الكافي لإشباع حاجاتهم، وبالتالي نصح بوضع عدد من القيود للتحكم في الزيادة السكانية خاصة في الطبقة الفقيرة من بينها تأخير سن الزواج، فبحسب مالتوس إذا كان قادرًا ماديًّا على الزواج فعليه أن يتزوج، أما إذا كان غير قادر على إطعام الأسرة التي يريد تكوينها، فعليه تأخير سن الزواج. ويرى مالتوس ضرورة أن تمتنع الدولة عن تقديم المساعدات الاجتماعية للفقراء لأن ذلك لا يعينهم حقيقة، وإنما يحول بينهم وبين إدراك كونهم السبب الأول في “المأساة” التي يعيشونها، فيشجعهم ذلك على الاستمرار في التكاثر، وتزداد حدة المشكلة بسبب المساعدات بدلا من أن تكون السبيل إلى حلحلتها.

على خطى مالتوس

لم تتوان الدولة في تنفيذ خطتها، فاتخذت العديد من الإجراءات لتكبيل المواطنين وفرض الوصاية عليهم متجاهلة الوضع الاجتماعي والاقتصادي لأغلب المصريين، فتحدث السيسي في 22 ديسمبر الماضي عن منع إصدار بطاقة تموين لأي شخص يتزوج حديثًا وعدم إضافة أكثر من فردين لأصحاب البطاقات، وبرر ذلك قائلًا “لأن لو بتتزوج ومنتظر الدولة تعطيك بطاقة تموين، أنت مش قادر تصرف ولا قادر تتجوز، إزاي يعني! لا دا كلام مش مضبوط، تلك الثقافة غير موجودة إلا في مصر.. الواحد يشتري الحاجة بأقل من ثمنها، وكمان لما ينجب حد يأكل له عياله”.

ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل تحدث السيسي عن وقف البناء داخل الدولة لمدة عشر سنوات مع استثناء المشاريع الخاصة بالدولة، وبالرغم من الضرر الكبير الذي سيقع على العاملين في هذا المجال خاصة العمال والتجار، فإنه من زاوية أخرى يهدف إلى التحكم بشكل فعلي في المعروض من الوحدات السكنية، وبالتالي التحكم في معدلات الزواج.

تستهدف الحكومة تقليص نسبة المواليد لكل سيدة إلى 2.4 مولود بحلول 2030 بدلا من نسبة 3.4 حاليا، ويرى السيسي أنه دون الوصول إلى تلك النسبة ينبغي عدم إلقاء أي لوم على الدولة أو الحكومة إذا قصرت في تقديم الخدمات، بينما يقع اللوم على المواطنين الذين ينجبون أكثر من طفلين. وهو ماجعل الحكومة تقرر من بداية من يناير 2021 اقتصار الدعم المقدم للبطاقات التموينية على طفلين لكل أسرة كحد أقصى، فيما تتحمل كل أسرة أعباء الطفل الثالث.

زيادة الأعباء

تتعمد الحكومة زيادة الأعباء على الطبقات الأكثر فقرًا والأشد احتياجًا، فمثلًا جرى رفع أسعار إسطوانات الغاز للمنازل ليصبح سعرها الرسمي 70جنيها، وللاستخدامات التجارية لتصبح بـ 140 جنيهًا،  غير شاملة مصاريف النقل وهو ما يجعل السعر الذي تصل به للمواطن أكبر من ذلك بما قيمته 15 جنيها إضافيا، ومنذ عام 2014 ارتفع سعر الإسطوانات 6 مرات بنسبة 775% ، وهذه نسبة كبيرة جدًا ومرهقة للأسر لأنها سلعة لايمكن الاستغناء عنها أو تقليل الاستهلاك منها ، فهي مرتبطة بشكل مباشر بالطعام الذي يستحوذ على أكبر نسبة من استهلاك الطبقات الأفقر، كما أن رفع أسعار أنابيب الغاز يعني عمليًّا تخفيض استهلاك الأسر الفقيرة في أمور أخرى  رئيسية كالغذاء مثلًا.

كما اعتمدت الحكومة إجراءات أخرى مثل تخفيض وزن رغيف الخبز من 110 إلى 90 جراما، وحاليًا تدرس رفع سعره بعد حديث السيسي عن ضرورة رفع سعر رغيف الخبز، كما زيدت ضريبة الدمغة على استخدام الهاتف المحمول لتصبح 67 قرشًا بدلًا من 51 قرشًا لعملاء الكارت المدفوع مقدما، كما رُفعت قيمة الضريبة بالنسبة لعملاء الفاتورة لتصبح 8 جنيهات بدلًا من 6.10 جنيه. وكذلك زيدت تذاكر مترو الأنفاق التي تعد وسيلة المواصلات الأساسية لأغلب سكان العاصمة.

وفي المجمل، أصبح المواطن غير قادر على تلبية احتياجات الأسرة الأساسية فالزيادة تطول كل شئ لا يمكن الاستغناء عنه، وهو ما انعكس على انخفاض نسب الزواج في السنوات الأخيرة وفق ما خططت له الحكومة، فبحسب آخر إحصائيات الجهاز المركزي للتعبئة العامـة والإحصاء فإن عقود الزواج انخفضت عام 2020 بنسبة 5.6% مقارنة بعام 2019، وهو ما ساهم في انخفاض عدد المواليد بنسبة 3% لنفس العام، وبالتالي انخفض حجم الزيادة الطبيعية للسكان (أعداد المواليد- أعداد الوفيات) من 1.734 مليون نسمة عام 2019 إلى 1.571 مليون نسمة عام 2020 بنسبة انخفاض قدرها 9.4%..

وحسب التصريحات الرسمية فإن الحكومة استطاعت بالفعل تخفيض متوسط معدل الإنجاب الكلي من  3.4 طفل لكل سيدة في 2017 إلي 2.9 طفل لكل سيدة في عام 2020، أي أن الحكومة في طريقها لتحقيق النسبة التي تسعى لها بوجود طفلين لكل سيدة.

أخيرًا، وعلى الرغم من أن أغلى ما تملكه الدول هو الثروة البشرية بشرط حسن إعدادها وتوظيفها لتحقيق مستهدفات التنمية الحقيقية من خلال الاهتمام بالتعليم والصحة والإنفاق على المواطن بدلًا من تشييد المشاريع دون دراسات جدوى أو عائد تنموي على المواطنين، وإهدار الموارد وتصنيفهم كأعباء،  فالحكومة تزعم أنه مع ضبط معدلات النمو السكاني فإن الدولة ستوجه الحيز المالي المتوافر للمزيد من الاستثمار في البشر، ولكن الواقع يقول بعكس ذلك .

وتكمن حقيقة الأزمة ليس في معدلات الزيادة السكانية بل في الفساد المالي في كل مؤسسات الدولة، إذ أن مؤشر الفساد العالمي لعام 2020 الصادر عن منظمة الشفافية الدولية كشف عن تراجع مصر للمركز 117 من بين 180 دولة بعد أن كانت في المركز 106 في عام 2019، بالرغم من الادعاء الحكومي بمكافحة الفساد .

مشاركات الكاتب