تفاقم الأزمة الاقتصادية في مصر

مع ارتفاع أسعار النفط والغذاء والمواد الخام عالميًّا ضمن تداعيات انتشار كورونا ثم الحرب في أوكرانيا، واجهت الحكومة المصرية أزمة مالية خانقة، فسعر برميل النفط تجاوز 100 دولار بينما الموازنة بُنيت على تقديره بمبلغ 60 دولارًا، فيما اشترت مصر آخر صفقة قمح من رومانيا بسعر 490 دولارًا شاملة تكلفة الشحن بينما وُضعت الميزانية على أساس تسعيره بمبلغ 255 دولارًا فقط مع العلم أن مصر هي أكبر مستورد عالميًّا للقمح إذ تستورد 10 مليون طن قمح سنويًّا.

تزامنت تلك الزيادات في أسعار القمح والنفط مع تضخم حجم الدين الخارجي من 43.2 مليار دولار عام 2014 ليصل إلى 145.5 مليار دولار في نهاية عام 2021، وهو ما يضع عبئًا كبيرًا على الموازنة المصرية التي يستحوذ فيها بند سداد الديون وفوائدها على نسبة 60% من إجمالي النفقات. وفي مواجهة ذلك تلجأ الحكومة للاقتراض مجددًا من أجل سداد القروض القديمة مما يضاعف أزمتها المالية ويزيد من حجم الديون.

معدل زيادة الدين الخارجي بالمليار دولار خلال عشر سنوات (2012-2021)

ومع رفع الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي لنسبة الفائدة في مارس 2022، اضطر البنك المركزي المصري لرفع نسبة الفائدة للحفاظ على جاذبية شراء الأجانب للديون المصرية ، وخفض قيمة الجنيه المصري بنسبة 17% أمام الدولار، فارتفعت أسعار الغذاء والأدوية والسلع، وأشار مؤشر مديري المشتريات لشهر مارس إلى أن الشركات المصرية خفضت أعداد الموظفين للشهر الخامس على التوالي بينما تشهد العديد من الشركات سحب العملاء للطلبات الجديدة في ظل ارتفاع الأسعار، فيما انتشرت موجة من الغضب والاستياء لدى المواطنين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وتضمنت فيديوهات للشكوى من عدم القدرة على شراء الطعام. ويتوقع تكرار رفع الفائدة بمصر وخفض الجنيه مجددا إثر رفع الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي للفائدة في مايو الجاري.

تلك الأوضاع انعكست على انخفاض الاحتياطي النقدي الأجنبي بمصر خلال شهر مارس 2022 بنحو أربعة مليارات دولار ليصل إلى ٣٧.١ مليار دولار. فيما تتفاوض الحكومة المصرية على أخذ قرض جديد من صندوق النقد الدولي بقيمة 3.5 مليار دولار، وذلك بعد سابقة أخذ قروض من الصندوق بإجمالي 20 مليار دولار خلال الفترة من 2016 إلى 2021.

وفي مواجهة الوضع الاقتصادي المتدهور،قدمت السعودية وديعة لمدة عام بمقدار 5 مليارات دولار فيما تعهدت الرياض والدوحة باستثمار 10 و 5 مليارات دولار في مصر على الترتيب في شكل استثمارات، بينما قدمت الإمارات 2 مليار دولار على شكل استثمارات عبر شراء أسهم الحكومة المصرية في خمس شركات كبرى.

إن إقدامَ الحكومة المصرية على بيع أصول تمتلكها في شركات رابحة مثل شركة أبوقير للأسمدة التي حققت صافي ربح في عام 2021 بأكثر من 3.5 مليار جنيه ، وتصدر 45% من إنتاجها للخارج ، دليلٌ على عمق الأزمة ، بل وزيادتها مستقبلًا مع فقد الإيرادات التي تجلبها تلك الشركات. ويتطلب الوضع الحالي تكوين لجان مستقلة متخصصة تراجع أوجه الإنفاق الحكومي، وتجمد المشاريع التي تتسم بالبذخ دون عائد اقتصادي، وهو ما يتطلب انفتاحا سياسيًّا يتيح تفعيل القوى الكامنة في المجتمع، ويفتح الباب أمام الجهود الجادة لمكافحة الفساد.

مشاركات الكاتب