جولة رئيسة الوزراء الإيطالية ميلوني في شمال إفريقيا.. ما علاقتها بالسياسة الإيطالية الخارجية؟

زارت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني الجزائر في 22 و23 يناير الماضي، والتقت بالرئيس الجزائري عبد المجيد تبون ونظيرها أيمن بن عبد الرحمن ووقعت مجموعة من الصفقات الجديدة تهدف إلى زيادة صادرات الغاز الجزائري إلى إيطاليا ووقف انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، بالإضافة إلى بناء خط أنابيب لنقل الهيدروجين إلى إيطاليا وتعزيز التعاون بين الشركات الجزائرية والإيطالية. يُذكر أنَّ إمدادات الغاز الجزائري إلى إيطاليا ارتفعت من 21 مليار متر مكعب في عام 2021 إلى 25 مليار متر مكعب عام 2022، ومن المرتقب أن تصل إلى 30 مليار متر مكعب بين عامي 2023 و2024.

تلعب احتياطيات الجزائر من الغاز الطبيعي دورًا محوريًّا في الحد من اعتماد إيطاليا على موارد الطاقة الروسية، والتي شكلت 40٪ من واردات روما من الغاز حتى اندلاع الحرب في أوكرانيا. وتعد هذه الزيارة امتدادًا لإستراتيجية الحكومة السابقة، حيث وقع رئيس الوزراء السابق ماريو دراجي العام الماضي اتفاقًا كبيرًا مع الجزائر لزيادة واردات الغاز، مما جعل الجزائر أكبر مورد للطاقة لإيطاليا بدلًا من روسيا.

كما زارت الرئيسة ميلوني ليبيا في 28 يناير وأبرمت مع حكومة الوحدة الليبية المؤقتة في طرابلس صفقة غاز بقيمة ثمانية مليارات دولار، رغم الأزمة السياسية التي تعيشها ليبيا وتدهور الأوضاع الأمنية فيها. وبحثت ميلوني مع رئيس حكومة الوحدة الليبية المؤقتة عبد الحميد الدبيبة ملف الهجرة غير المشروعة من ليبيا وضرورة التعاون بين الجانبين في هذا الإطار.

تُعتبر الجزائر بالنسبة لإيطاليا جهة فاعلة وحاسمة في منطقتي المغرب والساحل، حيث تلعب دورًا مؤثرًا في عدد من البلدان المجاورة التي تُعتبر مهمة في حسابات روما الجيوسياسية، مثل ليبيا وتونس. ففي ليبيا، تلتزم إيطاليا والجزائر على حد سواء بالحفاظ على وحدة البلاد ودعم حكومة الدبيبة ومنع سقوط غرب البلاد في الفوضى. وفي تونس، تعاون الجزائر مع نظام قيس سعيد أمنيًّا واقتصاديًّا لاجتياز الأزمة المستمرة منذ سنوات، ولا تزال الجزائر من بين الدول القليلة القادرة على التأثير على الرئيس سعيد.

تسعى روما لتعزيز نفوذها في منطقة حوض المتوسط لتلعب دورًا ذا أهمية أكبر في الجغرافيا السياسية للمنطقة، كما تريد إثبات دورها كجسر يربط دول شمال إفريقيا بالقارة الأوروبية في إطار مساعي دول أوروبا للحد من اعتمادها على موارد الطاقة الروسية. وتعد جولة الرئيسة ميلوني في المنطقة تأكيدًا على خُطة حكومتها لتولي دور متزايد الأهمية في منطقة حوض المتوسط. ومن غير المرجح أن تخاطر الحكومة الإيطالية بالصدام مع لاعبين إقليميين بارزين آخرين، حيث تسير حكومة ميلوني في سياستها الخارجية نحو إدارة الصراعات القائمة ونزع فتيل النزاعات الجديدة المحتملة والبناء على أساس المصالح الاقتصادية والسياسية المشتركة مع الدول.

مشاركات الكاتب