العدالة الاجتماعية في الجمهورية الجديدة

أصبح من المعتاد عند المصريين ظهور السيسي من حين إلى آخر للحديث عن الأزمات الاقتصادية التي تواجهها الدولة المصرية مطالبًا الشعب بالتحمل والصبر عام تلو الآخر، حتى خرج السيسي ليذكِّر المصريين بشِعب أبي طالب وصبر الصحابة مع النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أعوام يأكلون أوراق الشجر. لكن لا تتسق خطابات السيسي مع ما يصدر من بيانات عن تكلفة الإنشاءات في العاصمة الإدارية الجديدة ، فطبقا لوكالة رويترز [1]في تقرير لها أن المرحلة الأولى من إنشاء العاصمة الإدارية كلفت 25 مليار دولار ، تم توفيرها من خلال القروض والتمويل الأجنبي . فضلا عن تكلفة الحي الحكومي والرئاسي والتي تصل لــ 60 مليار جنيه مصري وفقا لما ذكره أحمد عابدين رئيس شركة العاصمة الإدارية[2] للتنمية العمرانية[3].

 فأصبح الانتهاء من العاصمة الإدارية على رأس أولويات النظام دون الالتفات لاحتياجات المواطنين من غذاء ودواء ، فضلا عن البنية التحتية المتهالكة من تعليم إلى مواصلات ومستشفيات ومرافق عامة . فهي منظومة مصممة كي يزداد الغني غنًى ويزداد الفقير فقرًا ، حتى أصبح الحد الأدنى للأجور [4]الذي سيطبق في بداية السنة المالية القادمة على أعتاب خط الفقر العالمي بــ 2700 جنيه (145 دولار) . يأتي ذلك في ظل ارتفاع الأسعار الشديد في الآونة الأخيرة بعد رفع الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي لنسبة الفائدة في مارس 2022 ، مما اضطر البنك المركزي المصري لرفع نسبة الفائدة ، وخفض قيمة الجنيه المصري بنسبة 17% أمام الدولار ، فارتفعت أسعار الغذاء والأدوية والسلع ، في ظل موجة من الغضب والاستياء لدى المواطنين من عدم القدرة على شراء الطعام.

وأد العدالة الاجتماعية في الجمهورية الجديدة

لا يتوانى النظام في سياسته التي تسلب المواطن أبسط حقوقه وهي الحق في المسكن ، بطرق ومسميات مختلفة من “حق الشعب” إلى “حملات إزالة العشوائيات” ثم “تطوير مصر” ، فوفقا لآخر تقرير صدر عن منتدى العاصمة تحت عنوان حالة الاحتجاجات المجتمعية لعام 2021 ، اندلع خلال العام الماضي فقط 44 احتجاجًا رافضين لحملات الإزالة والتعديلات على منازلهم وأراضيهم[5] ، فالسياسية المصرية في ملف التوسع العمراني وتطوير العشوائيات تسير مخالفةً لكل القوانين الدولية تجاه المواطنين ، فلا يراعي النظام الآثار المجتمعية التي قد تتسبب بها عمليات الإخلاء والإزالة بشكل غير منهجي من زيادة في تدهور حياة المهمشين و الضعفاء في المجتمع . كما أنّها تنتهك مجموعة واسعة من حقوق الإنسان ، بما فيها حقوق السكن اللائق والغذاء والماء والصحة والتعليم والعمل والأمن الشخصي وحرية التنقل ، وهو ما يتسبب بشعور المواطنين بقدر كبير من عدم المساواة فضلًا عن نظرتهم للطبقات الغنية وحياتهم المنفصلة عن واقع معاناة المصريين ، وشعورهم بغياب منظومة العدالة الاجتماعية وآثار ذلك والتي قد ينتج عنها نزاعات تقضي على السلم المجتمعي ، دون الالتفات للمعايير والضوابط التي نصت عليها مفوضية الأمم المتحدة في القرار 77 لعام 1993 [6] الذي حدد ثلاثة ضوابط رئيسية للتهجير القسري ، وهي :

  • النظر في النطاق الواسع للآثار المختلفة والمتنوّعة ، والدفاع عن الحلول والبدائل الأقل ضررًا للمشروع المتوقع .
  • تقدير التكاليف الحقيقية المتعلقة بإخلاء الأفراد والمجتمع المحلي وتشريده ، التي تتجاوز بمبالغ طائلة أسعار البنى المادية في السوق .
  • تقييم المطالبات بصورة أفضل ، بما في ذلك ما يتعلق بالتعويض.[7]

قروض مستمرة، وإهدار لثروات البلاد

يعتمد النظام في سياساته الاقتصادية على الاقتراض المستمر دون الالتفات لتداعيات ذلك على مستقبل مليئ بالديون وفوائد السداد ، وبعد كورونا وما نتج عنها من أزمات اقتصادية بدأ النظام في نهج جديد ببيع الأصول المصرية وممتلكات الدولة [8]لدول أجنبية ، حيث اتفقت الحكومة المصرية مع صندوق ثروة سيادي في (أبو ظبي) على بيع أصول مملوكة لها في عدد من الشركات وهي : أبو قير للأسمدة والصناعات الكيماوية ، مصر لإنتاج الأسمدة “موبكو” ، (أهم شركتين في قطاع الأسمدة) ، والإسكندرية لتداول الحاويات والبضائع ، بقيمة ملياري دولار.

إلى جانب شراء 18% من أسهم البنك التجاري الدولي (CIB) البنك الأكبر بالقطاع الخاص في مصر، وحصة في شركة فوري للمدفوعات الإلكترونية ، وكذلك شركة آمون فارما ، و75% من شركة الإسماعيلية للاستثمارات الزراعية والصناعية المالكة للعلامة التجارية “أطياب”.

تهديدات مستمرة

أما على المستوى الشعبي تكمن سياسيات النظام في سن قوانين مختلفة لتقويض حركة المواطنين في البناء ، وأصبحت الهيئة الهندسية هي المقاول المحتكر لكل عمليات البناء ، وعلى المواطن الرضوخ دون أي اعتراض على الطرد وهدم منزله أمام عينه والقبول بالتقييم الحكومي الهزيل والطرد دون توفير بديل أحيانا أخرى ، ولعل نزلة السمان وجزيرة الورَّاق من الأمثلة الأكثر شهرة لسياسات النظام في ملف التهجير والإزالة ، وخلال الأعوام السابقة حدثت العشرات من الإزالات والتعديلات على حقوق مواطنين وطردهم دون وجه حق  ويمكن الاطلاع عليها في تقرير الحالة المجتمعية لعام 2019[9]،2020[10]،2021.

لم يتوقف النظام عند ذلك فقط ، بل منع البناء لمدة عشر سنوات ، فبعد إغراق السوق من قبل الهيئة الهندسية بآلاف الوحدات السكنية الباهظة ، وبدلا من وضع حلول للطبقات المتوسطة وحلول للأزمات الاقتصادية يرى النظام أن تشييد المدن الجديدة هو من أهم الأولويات الحالية لإحداث نقلة حضارية بداية من القصور الرئاسية الفارهة إلى مدن جديدة لا يقدر على العيش فيها سوى الطبقات العليا فإذا ابتعدنا عن العاصمة الإدارية نجد مدينة العلمين الجديدة ومدينة الجلالة والقطار السريع ، والذي يتحمل التكلفة هو المواطن المصري . حيث اقترض النظام المصري العديد من القروض في الآونة الأخيرة بمليارات الدولارات و أصبح من الضروري بيعها بتقديم تسهيلات مثل المبادرة الرئاسية للتمويل العقاري لتحمِّل جيلًا جديدًا العديد من الفوائد المتراكمة.

أخيرًا، يبدو أن النظام لا يدرك تبعات تدمير البنية المجتمعية المصرية من خلال تلك الرؤية في جميع الملفات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية وما قد يترتب على ذلك من مشاهد تؤثر على مستقبل الدولة ، فلم تصبح مشاهد احتجاجات إيران وأمريكا اللاتينية ببعيدة عن مصر، فالمواطن المصري لم يعد قادرًا على تأمين حياة كريمة له ولأسرته.

**الآراء الواردة تعبر عن رأي الكاتب ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر منتدى العاصمة**


[1] 25  مليار دولار تكلفة العاصمة الإدارية الجزيرة،

[2] أخبار اليوم ، حوار مع أحمد زكي عابدين

[3] الحد الأدنى للأجور- مصراوي

[5]  تقرير الحالة المجتمعية

[6]الإخلاء القسري وحقوق الإنسان

[8]،Bloomberg :Abu Dhabi to Deepen Egypt Ties With Deals Worth $2 Billion

[9]الحالة المجتمعية 2019

[10]الحالة المجتمعية 2020

مشاركات الكاتب