الإمارات و شبكات المرتزقة

اضغط لتحميل الملف

مدخل إلى الدراسة

استجلبت الإمارات مرتزقة أجانب، ومنحتهم ميزات وضمانات كبيرة، واستخدمتهم من أجل تنفيذ أجندتها الخاصة في منطقة الشرق الأوسط، وكانت باكورة أعمالها في هذا المضمار تشكيل محمد بن زايد لقوة سرّية مؤلفة من 800 مرتزق كولومبي تحت قيادة ريكي تشامبرز، العميل السابق لمكتب التحقيقات الفيدرالي FBI، والذي عمل لسنوات لصالح إريك برنس مؤسس شركة بلاكووتر .

لم تدخل الإمارات وحدها هذا المضمار، حيث دخلت معها المملكة العربية السعودية على خط استجلاب المرتزقة، وبعد حادثة مقتل الصحفي جمال خاشقجي في أكتوبر 2018، تم تسليط الضوء على الدور السعودي في قمع المعارضين، وكذلك دور السعودية في جلب المرتزقة أيضا للحرب بالوكالة على الأرض، بما في ذلك مرتزقة يصنفون في سن الطفولة.

ولكن الإمارات حازت قصب السبق في هذا المضمار، وسارت فيه بخطى حثيثة، ولم تستجلب الفئة الدنيا من الجنود فحسب، بل وظفت مرتزقة كانوا ضباطا بقوات خاصة بعدة دول، ومرتزقة ذوي رتب رفيعة سابقة في جيوش أجنبية كبيرة، بما في ذلك الولايات المتحدة، وبريطانيا، وأستراليا. 

ولم يخل العمل الإماراتي من الاستعانة بالجانب الإسرائيلي، سواء فيما يتعلق بجوانب التدريب، أو توفير المعدات، أو غيرها من الوسائل، مع الوضع في الحسبان ذلك الدور المهم الذي لعبه – وما زال يلعبه – محمد دحلان – صاحب الشخصية الأمنية المثيرة للجدل – والذي يتمتع بعلاقات خارجية قوية ومتنفذة، لاسيما مع الجانب الإسرائيلي.

استخدمت الإمارات فرق المرتزقة لأغراض متعددة، بما في ذلك اغتيال رموز سياسية وأمنية ودينية تعتبرها الإمارات مناهضة لها، ولم يخل عمل أفراد وفرق المرتزقة من ممارسة انتهاكات كبيرة، وحدثت أكثر تلك الانتهاكات وأسوأها في اليمن، بما في ذلك ما يصنف تحت بند جرائم الحرب، ولكن بلا محاسبة حتى الآن.

بداية، وبواعث، تشكيل الإمارات لفرق المرتزقة

تزامن تأسيس فرق المرتزقة مع انطلاق ثورات الربيع العربي عام 2011، وتعددت الأهداف التي وقفت خلف تأسيس الفرقة الأولى من المرتزقة – والتي تشكلت من قوات كولومبية – بوجه خاص، وتشكيل فرق المرتزقة بوجه عام. 

وكان الهدف العام من تشكيل فرق المرتزقة هو القيام بعمليات خاصة داخل وخارج البلاد تحت مسمى “عمليات مكافحة الإرهاب”، بما في ذلك الدفاع عن خطوط أنابيب النفط، وناطحات السحاب من الهجمات “الإرهابية”، وإخماد الثورات الداخلية إذا ما انتقلت عدوى ثورات الربيع العربي إلى الإمارات، أو أي دولة خليجية حليفة لها .

وكان من ضمن بواعث توظيف المرتزقة كذلك :

  1. انخراط الإمارات في حرب اليمن، حيث حرصت أبو ظبي على الحد من العواقب السياسية الداخلية جراء الخسائر في الأرواح، ومن ثم اتجهت لإحلال فرق المرتزقة محل العديد من القوات البرية الإماراتية.
  2. تجنب التدقيق والملاحقات القانونية الدولية، علاوة على القدرة على استهداف الخصوم السياسيين في اليمن وغيرها بشكل يبعد الشبهات عن الإمارات.
  3. نقص الخبرة القتالية للقوات الإماراتية في القتال المتلاحم في المعارك البرية، حيث تعتمد الإمارات – كما السعودية – بشكل أكبر على الغارات الجوية لمحاولة سحق القوات المعادية، وهو ما تسبب في مآسٍ كبيرة للمدنيين اليمنيين، فقد فاقت الغارات الجوية التي شنتها قوات التحالف العربي منذ بداية تدخلها حتى سبتمبر 2018، 24 ألف غارة، وفقا لتقرير “مديرية الاستخبارات العسكرية (DRM)” الفرنسية، الذي كشف موقع إنترسبت النقاب عنه في أبريل 2019، وهذا على أقل تقدير، حيث تصف تقارير أخرى تعدي الضربات الجوية حيز المائة ألف ضربة.
  4. كانت المواجهة المحتملة مع إيران – خاصة في الجزر التي تحتلها إيران في الخليج العربي – دافعا كذلك لتشكيل فرقة تدخل من مرتزقة أجانب بتدريب جيد، حسبما أشارت بعض الجهات الأمريكية وبعض قيادات المرتزقة آنذاك.

(1) المرتزقة الكولومبيون

معسكر صحراء مدينة زايد

الإمارات و شبكات المرتزقة ١
صورة بالقمر الصناعي لمعسكر مدينة زايد، نقلا عن نيويورك تايمز

اختارت الإمارات المرتزقة الكولومبيين لعدة أسباب، من بينها خبرتهم في مكافحة تمرد مجموعات الفارك اليسارية الثوريه في كولومبيا، حيث يتمتع العسكريون الكولومبيون بخبرة كبيرة في هذا المجال بعد 50 عاما من الحرب الأهلية هناك. بالإضافة إلى الخبرة في التعامل مع حرب العصابات التي تشنها عصابات الاتجار في المخدرات في كولومبيا. وكذلك التميز بالتدريب الجيد على التعامل مع المعدات العسكرية الأمريكية، وعلى جانب مهم أيضا؛ التكلفة الأقل بكثير مقارنة بتكلفة توظيف المرتزقة الأمريكيين والأوروبيين .

وشكلت الإمارات أول مجموعة من المرتزقة في 2011 بموجب تعاقد بلغت قيمته الإجمالية 529 مليون دولار أمريكي، حيث جلبت الإمارات 800 من الكولومبيين بشكل سري، وأنشأت لهم معسكرا على درجة عالية من السرية في صحراء مدينة زايد خارج أبو ظبي .

الإمارات و شبكات المرتزقة ٢
صورة لثكنات جنود فرقة المرتزقة الأولى التي استجلبتها الإمارات في 2011، نقلا عن نيويورك تايمز

قدرت نفقات المعسكر آنذاك بتسعة ملايين دولار شهريا، ابتداء من نفقات الطعام والشراب – الذي استلزم إحضار طباخين كولومبيين – حتى نفقات التسليح والمعدات العسكرية والصيانة والتدريب .

وقد استقدمت الإمارات محاربين قدامى من القوات الجوية الخاصة البريطانية، والفيلق الفرنسي الخارجي، لعمل دورات تدريبية لهؤلاء المرتزقة، واجتذبت الإمارات من أجل ذلك بعض المدربين من ذوي الرتب الرفيعة الذين شاركوا في الحرب في أفغانستان والعراق، بمتوسط رواتب يفوق 200 ألف دولار سنويا .

ولكن تقلص عدد مجندي هذه الفرقة بعد ذلك إلى 580 فقط، وذلك لعدد من الأسباب، كان منها :

  1.  استبعاد غير المتمتعين بالخبرة الكافية.
  2. اكتشاف إدمان آخرين للمخدرات.
  3. حدوث بعض المشاكل الإدارية المتعلقة بالمشروع حينئذ، والتي كان من بينها التغير المتكرر لقيادة المجموعة بعد رحيل تشامبرز، القائد الأمريكي الأول لها، بعد شهور قليلة من بدء المشروع.

وتجدر الإشارة إلى أن إريك برنس كان يأمل في جني عدة مليارات من الدولارات عبر تجميع كتائب مرتزقة إضافية من أمريكا اللاتينية لصالح الإمارات، وكذلك فتح مجمع عملاق لتدريب مرتزقة لصالح العديد من الحكومات، بعيدا عن التدقيق من قبل الكونجرس الأمريكي أو محققي وزارة العدل، أو غير ذلك من الجهات القانونية .

ميزات و ضمانات لمجندي المرتزقة

تمتع المرتزقة الذين جلبتهم الإمارات – وكذلك السعودية – بعدد من الميزات، ومُنحوا ضمانات لهم ولعائلاتهم، حيث كان المرتزق يتقاضى 150 دولارا في اليوم الواحد، حسبما ذكرت نيويورك تايمز في 2011 ، ويعد ذلك – على الرغم من أنه يقل عن نصف ما يتقاضاه المرتزقة الأوروبيون والأمريكيون – مبلغا كبيرا يزيد عن خمسة أضعاف ما كان المجند يتقاضاه في كولومبيا، والذي قدر بما لا يزيد عن 400 إلى 600 دولار شهريا .

وفي حرب اليمن؛ قدرت رواتب الكولومبيين بين 2000 إلى 3000 دولار شهريا كراتب أساسي، علاوة على راتب إضافي يقدر بألف دولار أسبوعيا طوال فترة تواجد بالإمارات تقدر بثلاثة أشهر . وتعدت الضمانات والميزات ما يتعلق بالأمور الاقتصادية الخاصة بالرواتب والمكافآت، حيث حصل المرتزقة كذلك على بطاقات إقامة رسمية في الإمارات، مع الفوائد الصحية والتعليمية كما للمواطنين الإماراتيين. كما وُعدوا بالحصول على الجنسية الإماراتية الفورية بعد عودة المرتزقة من مهامهم باليمن ، وكذلك الوعد بمنح الجنسية لأسرة المرتزق، علاوة على معاش مالي مناسب بعد ذلك.

كذلك منحتهم المخابرات العسكرية الإماراتية، المشرفة على المشروع وقتئذ، ميزة العبور من بوابات الجمارك وشؤون الهجرة دون تفتيش أو استيقاف .

وفي حالة وفاة أحد أفراد المرتزقة في إحدى المهام؛ فهناك ضمان برعاية أسرته مستقبليا، بما في ذلك الرعاية المادية والتعليمية حتى انتهاء المرحلة الجامعية، حسبما ذكرت صحيفة El Tiempo الكولومبية في أكتوبر 2015.

الإمارات و شبكات المرتزقة ٣
صور لبطاقات إقامة إماراتية لبعض أفراد المرتزقة الأجانب

نشر المرتزقة في اليمن.. و الدور الأمريكي

أكدت كل من نيويورك تايمز ، والإيكونوميست، في نوفمبر 2015 ، على نشر الإمارات لقوة مرتزقة في اليمن. وقد تشكلت تلك القوة من 450 مقاتلا، معظمهم من الكولومبيين، إلى جانب بعض المرتزقة من دول أخرى، بما في ذلك بنما، وتشيلي، والسلفادور، حيث تم توظيف حوالي 100 سلفادوري كمرتزقة باليمن عن طريق الشركة الأمريكية العملاقة “نورثروب جرومان” كمقاول متعاقد من الباطن ، كما تؤكد الكاتبة لورا كارلسن – بحسب مصدر بوزارة دفاع السلفادور – على توظيف مرتزقة مكسيكيين في اليمن، أغفلهم تقرير نيويورك تايمز .

تم إعداد تلك القوة، وتدريبها، وتطوير أدائها، في معسكر مدينة زايد ابتداء من أوائل عام 2011 حتى نهايات عام 2015، أي لمدة تقارب خمس سنوات، وشارك في قيادة القوة أوسكار جارسيا بات، القائد السابق بالعمليات الخاصة الكولومبية، ومدير الشركة الكولومبية “جلوبال إنتربرايزس Global Enterprises”، المسؤولة عن توظيف أعداد من الجنود العسكريين الكولومبيين السابقين كمرتزقة لصالح الإمارات .

وعن الدور الأمريكي، يتساءل المحلل السياسي الأمريكي ويليام هارتونج عن مدى المشاركة الأمريكية في تدريب وتجهيز قوات المرتزقة التي استجلبتها الإمارات من دول أمريكا اللاتينية الأربعة؛ كولومبيا، وتشيلي، وبنما، والسلفادور، بما في ذلك أكثر من ثلثي تلك القوات من كولومبيا وحدها، مستندا إلى قيام الولايات المتحدة بتدريب حوالي 30 ألفا من العسكريين من تلك الدول الأربعة إبان عهد الرئيس باراك أوباما، وعلى رأس من دربتهم أمريكا أوسكار جارسيا بات، كما أن معظم العتاد الذي تستخدمه الإمارات في اليمن عتاد أمريكي، وقال هارتونج: “سيكون من المفيد معرفة كم من هؤلاء الثلاثين ألفا باعوا مهاراتهم للإمارات العربية المتحدة للقتال إلى جانب قواتها في اليمن؟!” .

وتشير الكاتبة لورا كارلسن – في ذات السياق المتعلق بالدور الأمريكي – إلى إنفاق الولايات المتحدة، على مدار 15 عاما من 2000 إلى 2015، حوالي 7 مليارات دولار على تدريب، وتقديم المشورة، وتجهيز، قوات الأمن الكولومبية، كما “نفذت الولايات المتحدة في السنوات القليلة الماضية استراتيجية لإعداد الكولومبيين لصناعة ناشئة”، هي صناعة: “تصدير الأمن” .

على ناحية أخرى، جلبت الإمارات بالاشتراك مع السعودية أعدادا إضافية من المرتزقة الكولومبيين في اليمن في 2015، من أجل الحرب في الخطوط الأمامية ضد الحوثيين، ولم يتضح أي من الدولتين – الإمارات والسعودية – قد تعاقدت مع المرتزقة الكولومبيين مبدئيا في ذلك العام، لكن القناة التيلفزيونية الكولومبية TeleSUR ذكرت أنها السعودية ، بينما ذكرت تقارير أمريكية وكولومبية أخرى بأن المرتزقة أكملوا تعاقداتهم في الإمارات، التي منحتهم الضمانات السابق ذكرها. ويمكن أن يعد ذلك تكاملا بين المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في العمل الخاص بجلب المرتزقة لخوض القتال في اليمن.

قدر العدد المبدئي للفرق التي جلبت في 2015 بحوالي 800 مقاتل – كعدد أول فرقة شكلتها الإمارات في 2011، ارتفع بعد ذلك إلى 3300 من العسكريين ورجال الشرطة المتقاعدين، وصلوا إلى اليمن على دفعات، كان أولها 92 جنديا سابقا من القوات الخاصة الكولومبية.

شكاوى كولومبية على أعلى المستويات

أعرب نائب وزير الدفاع الكولومبي آنذاك جورج بيدويا عن قلق بلاده من تخلي الكثير من الجنود عن الخدمة الوطنية مقابل ما سيحصلون عليه من الإمارات، حسبما أشارت فاينانشيال تايمز في يونيو 2013 . وقال بيدويا: إن هؤلاء الجنود – الذين تسعى الإمارات لتوظيفهم كمرتزقة – على درجة عالية من الخبرة، وقد تطلب الأمر من كولومبيا جهودا كبيرة لتدريبهم وتأهيلهم. 

وقد دفعت هجرة الجنود الكولومبيين المدربين تدريبا عاليا على حرب العصابات – بمن فيهم جنود قوات خاصة، وضباط سابقون، وطيارو البلاك هوك – بوغوتا إلى البحث عن صيغة لوقف خسارة رجالها، وزار بعض المسؤولين الكولومبيين الإمارات في أبريل 2013، وطرحوا فكرة إبرام اتفاقية هناك لتنظيم تدفق المرتزقة، حسبما أشار مصدر مطلع لفاينانشيال تايمز آنذاك. كما أعرب الرئيس الكولومبي خوان مانويل سانتوس، بالتزامن مع توقيت الزيارة، عن امتنان بلاده لمساعدة الإمارات، مع التحفظ على استقطاب الجنود بعيدا عن بلدهم .

وفي إطار الانزعاج من توظيف الكفاءات العسكرية الكولومبية كمرتزقة، صرح الخبير العسكري الكولومبي جايمي رويز، رئيس الرابطة الكولومبية للضباط المتقاعدين من القوات المسلحة، لصحيفة نيويورك تايمز في 2015 مبينا أن: “هذه العروض الرائعة بتلك المرتبات الجيدة والتأمين، قد اجتذبت أفضل جنودنا.. لقد تقاعد العديد منهم من الجيش، وغادروا” .

لقد لعبت الميزات والضمانات التي وفرتها الإمارات لأفراد المرتزقة، والتي كانت تفوق بشكل كبير ما كان متاحا لهم في بلدهم الأم كولومبيا، علاوة على القتال المدعوم بغطاء جوي مفتوح وتوفير معدات وأسلحة جديدة، دورا كبيرا في رغبة العديد من الضباط والجنود الكولومبيين في ترك الخدمة بالجيش والشرطة الكولومبية، والالتحاق بالعمل كمرتزقة لصالح الإمارات. وقد دافع بعضهم عن ذلك الاتجاه بعد الهجوم المتكرر عليهم من قبل وسائل الإعلام والمنظمات الحقوقية، وتحدث قائد متقاعد من القوات المسلحة الكولومبية لصحيفة El Tiempo في معرض الرد على الاتهامات الموجهة قائلا: “لقد أطلقوا علينا ألقابا مثل المرتزقة، والخونة، والعملاء، والجبناء، والانتهازيين. نحن لسنا أيا من ذلك، نحن رجال كنا نتخذ قرارات بالاستجابة – لأي طارئ – في ظل عدم وجود ضمانات لأداء عملنا (يقصد في وطنهم الأم)” .

(2) المرتزقة الأفارقة

لم تكتف الإمارات – وكذلك السعودية – المتورطتان في جرائم حرب باليمن، بجلب مرتزقة من أمريكا اللاتينية فحسب، بل سعتا إلى استخدام مرتزقة أفارقة، بما في ذلك قوات من السودان، وتشاد، وأوغندا، وجنوب أفريقيا، وإريتريا.

مرتزقة إريتريون رغم أنف الأمم المتحدة 

وقعت الإمارات صفقة عسكرية مع إريتريا – تتضمن دفع مبالغ مالية للحكومة هناك – لاستخدام قواعدها في الحرب في اليمن، علاوة على استخدام 400 جندي إريتري جنبا إلى جنب مع القوات الإماراتية داخل اليمن، في عام 2015، وفقا لتقرير صادر عن “مجموعة مراقبة الأمم المتحدة المعنية بالصومال وإريتريا” في 21 أكتوبر 2015، والذي حذر كذلك من أن المبالغ المدفوعة لإريتريا بموجب هذه الصفقة ربما تعد “انتهاكا واضحا” لقرار الأمم المتحدة رقم 1907، الذي فرض حظرا على الأسلحة على إريتريا في عام 2009 .

مرتزقة نخبويون من جنوب أفريقيا 

بسبب بعض أوجه القصور في قدرات الكولومبيين، تعاقدت الإمارات مع بعض المرتزقة من جنوبأفريقياكمدربين، وتم جلبهم لتعزيز القدرات القتالية لقوات المرتزقة التي شكلتها الإمارات، ومركزتها في صحراء مدينة زايد .

يعتبر بعض المجندين الجنوب أفريقيين من قدامى المحاربين التابعين للشركة الأمنية إكسكيوتيف أوتكمز Executive Outcomes، التي أنشأها في بداية التسعينات عدد من الأشخاص، من بينهم سيمون مان ، الضابط السابق بالقوات الجوية الخاصة البريطانية “قوات الخدمات الجوية SAS”، الذي سجن في زيمبابوي وغينيا الاستوائية من 2004 إلى 2009 بتهمة الاشتراك في محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة بغينيا الاستوائية عام 2004، وحكم عليه بالسجن لمدة 34 عاما، لكنه خرج بعفو رئاسي لظروف إنسانية، مع دفع كفالة وتعويض يقدران بحوالي 14,6 مليون جنيه إسترليني .

تشاد و أوغندا وأموال سياسية

جلبت كل من الإمارات والسعودية أعدادا كبيرة من المرتزقة التشاديين والأوغنديين منذ عام 2018، وقد كان انسحاب بعض الدول من تحالف دعم الشرعية باليمن، بما في ذلك قطر والمغرب، وتقليل تمثيل البعض الآخر، بما في ذلك مصر، من بين أسباب زيادة الاستعانة بمرتزقة أجانب بشكل عام، حيث سعت الرياض إلى إبرام اتفاق مع تشاد لتزويد المملكة بقوات تدعم جهودها في الحرب باليمن، كما سعت الإمارات لتجنيد حوالي عشرة آلاف مرتزق من أوغندا .

وقد ادّعت جبهة الوفاق من أجل التغيير في تشاد أن عدد مقاتليها في ليبيا بلغ في ديسمبر 2016، 700 مقاتل، على الرغم من أن تقرير فريق الخبراء التابع للأمم المتحدة المعني بليبيا، والصادر في 2017، يلفت إلى احتمالية زيادة هذا الرقم ليصل إلى ما بين 1000 و 1500 مقاتل .

وقد أشارت مجلة ميليتري ووتش “Military Watch Magazine” في يونيو 2018 إلى أن أنظمة بعض الدول الأفريقية كانت تحصل على مبالغ مالية كبيرة من “هاتين الدولتين النفطيتين الغنيتين – الإمارات والسعودية” نظير إرسالها المرتزقة من بلادهم للحرب في اليمن .

وكان مصدر مصري وثيق الصلة بدوائر صناعة القرار قد صرح لصحيفة العربي الجديد في 8 يوليو 2019 بأن الأيام السابقة لتصريحه شهدت اتفاقات واسعة مع مليشيات ومسلحين أفارقة، من دول محيطة بالسودان، للمشاركة في عملية اقتحام طرابلس مقابل أموال. وقال المصدر: إن الاتفاقات جرت مع عناصر مسلحة من تشاد، بتمويل من الإمارات والسعودية .

المرتزقة السودانيون، بين الأطفال و ميليشيات الجنجويد السابقة وقوات الدعم السريع الحالية

وكشف ذات المصدر المصري ـ سالف الذكر ـ أنه في إطار عمليات التجهيز لـما أسماه “معركة الحسم”، أبرم قادة الإمارات، اتفاقا مع الفريق محمد حمدان دقلو – الشهير بحميدتي – قائد قوات الدعم السريع، ونائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي بالسودان، لتزويد مليشيات حفتر بمسلحين، من المليشيات المسلحة في السودان، التي يرتبط قادتها بعلاقات وثيقة بحميدتي .

وأكدت الجزيرة نت في 24 يوليو 2019  من خلال مصادرها الخاصة، ووثائق حصلت عليها، تجنيد ونقل الإمارات مرتزقة سودانيين عبر مطارات السودان بمساعدة حميدتي، حيث حصلت الجزيرة نت على معلومات خاصة تكشف طبيعة تجنيد حميدتي لمئات المرتزقة لصالح الإمارات من القبائل العربية في دارفور.

وقد استُخدمت في النقل طائرات عسكرية إماراتية من طراز C17 وC130، حيث طلبت الإمارات سماح السلطات السودانية بنقل العناصر المقاتلة من دارفور إلى عصب بإريتريا على مدار شهر يونيو 2019.

كذلك طلبت الإمارات تصريح نقل من الخرطوم إلى الخروبة بليبيا خلال يومي 25 و26 مايو 2019، حيث يكون مسار الرحلة بحسب الوثيقة: مطار أبو ظبي – الخرطوم بالسودان – الخروبة بليبيا – القاهرة بمصر مع مبيت ليلة هناك – مطار أبو ظبي.

كما تم الكشف عن نقل مرتزقة أفارقة، بما في ذلك مرتزقة من حركة تحرير السودان، ومن حركة العدل والمساواة، إلى معسكرات تابعة للواء المتقاعد خليفة حفتر، لاسيما معسكرات بقاعدة الجفرة جنوبي ليبيا، بواسطة القيادي في الحركة جابر إسحاق، وتحت إشراف مباشر من الضباط الإماراتيين، وبتمويل من الإمارات والسعودية، وقد وصف تقرير الأمم المتحدة المعني بليبيا أن تلك المجموعات تشكل “تهديدا متناميا” .

الجدير بالذكر أن تقرير فريق الخبراء سالف الذكر، يعتبر أن جيش تحرير السودان قد أدى دورا أساسيا في مساعي ما يسمى “الجيش الوطني الليبي” التابع لخليفة حفتر من أجل السيطرة على “الهلال النفطي” الاستراتيجي في ليبيا، الذي يضم البلدات المرفئية الثلاث، رأس لانوف، وسدرة، والبريقة .

وعلى ناحية أخرى، وُجهت اتهامات للمملكة العربية السعودية بتجنيد المرتزقة السودانيين، بمن في ذلك الأطفال، للقتال ضد قوات الحوثيين، حيث يتواجد ما لا يقل عن 15 ألفا من المرتزقة السودانيين الذين يقاتلون في اليمن لصالح الإمارات والسعودية. ومن أجل زيادة هذا العدد، تجند السعودية مرتزقة سودانيين من الأطفال، تتراوح أعمار الكثيرين منهم بين 13 و 17 عاما، وصرح خمسة من المرتزقة السودانيين في مقابلات مع نيويورك تايمز بأن نسبة الأطفال لا تقل عن 20% من إجمالي المجندين بوحدات المرتزقة هناك، بينما صرح اثنان آخران بأن نسبة الأطفال تتجاوز 40% .

وقد أُبرمت صفقة بقيمة 6 ملايين دولار بين الشركة الكندية “ديكنز آند مادسون Dickens & Madson”، التابعة لضابط الاستخبارات الإسرائيلية السابق آري بن ميناشي – اليهودي العراقي الأصل، والمولود بطهران عام 1951 – من جهة، وحميدتي – نيابة عن المجلس العسكري الانتقالي – من جهة ثانية، لتسويق المجلس العسكري الانتقالي، وتحسين صورته، وحصوله على اعتراف دبلوماسي دولي وتمويل مالي، مع نقل مرتزقة سودانيين إلى ليبيا كجزء من الصفقة . 

تجدر الإشارة إلى أن معظم قوات المرتزقة السودانيين تتشكل من ميليشيات الجنجويد السابقة المسؤولة عن الإبادة الجماعية في دارفور. و يُستَخدم المقاتلون السودانيون في الصراع كجنود “مستهلكين” في الخطوط الأمامية، حيث يكتفي القادة السعوديون والإماراتيون بالتوجيه عن بعد، حسبما أكدت نيويورك تايمز من خلال شهادات العديد من المقاتلين السودانيين باليمن. يُذكر أنه لا تستطيع المملكة العربية السعودية أو الإمارات تحمل العواقب الداخلية بالتضحية بأرواح أعداد كبيرة من جنودهما في الحرب باليمن .

وتعد معدلات سقوط الضحايا التي عانى منها المرتزقة السودانيون مرتفعة، مقارنة بقوات المرتزقة من الجنسيات الأخرى، حيث تتراوح بين 135 إلى 200 ضحية من بين كل مجموعة من مجموعات الميليشيات المكونة من 500 إلى 700 مقاتل . 

ورغم هذا العدد الكبير من الضحايا، إلا أن رواتب المرتزقة السودانيين تعد ضئيلة للغاية إذا ما قورنت بغيرهم، حيت يتقاضى المجند المبتدئ ما يعادل 480 دولارا، بينما يتقاضى مقاتل الجنجويد صاحب الخبرة ما يعادل 530 دولارا، علاوة على مبالغ تتراوح بين 185 إلى 285 دولارا كمكافئات إضافية ثابتة فقط لعدد منهم، ويتقاضى مثلها آخرون، ولكن في الأشهر التي يخوضون فيها معارك فحسب .

وربما يرجع السبب إلى كثرة عدد المرتزقة السودانيين، وكثرة الضحايا بالتبعية، مع الرضا بتلك الرواتب المتدنية، إلى الحالة الاقتصادية السيئة للغاية التي يعاني منها السودان منذ عقود ، واتجاه الشباب والأطفال للقتال باليمن – حتى إن البعض منهم يدفعون رشى – بمساعدة عائلاتهم – لزعماء ميليشيات محليين حتى يتمكنوا من العمل كمرتزقة باليمن – لأنهم “يدركون أنه لا مستقبل ينتظرهم في بلادهم”، وأن السودانيين “يُصدَّرون للقتال كما لو كانوا سلعة يتم تبادلها بالعملة الصعبة” .

(3) تجنيد المرتزقة على الرغم من الانسحاب الإماراتي من اليمن

لم تتوقف الإمارات عن توظيف المرتزقة والدفع بهم إلى اليمن على وجه الخصوص، على الرغم من الانسحاب المعلن من مناطق عديدة باليمن، وقد دفعت الإمارات فعليا بعدد من المرتزقة الهنود والبنجاليين إلى جزيرة سقطرى الاستراتيجية التي تحتلها الإمارات، والتي أعلن سكانها عن رفضهم للتواجد الإماراتي على أرضها، وتظاهروا في العديد من المناسبات مطالبين برحيل القوات الإماراتية.

وصل المرتزقة الهنود والبنجاليون على متن طائرة عسكرية إماراتية حطت في مطار سقطرى الدولي، واستوعبتهم الإمارات في مقر قواتها بالقاعدة العسكرية الإماراتية بالجزيرة، مع تأكيد مصادر محلية لصحيفة ميدل إيست مونيتور على أنها لم تكن المرة الأولى التي تنشر فيها الإمارات مجندين من جنسيات أخرى بالجزيرة .

كما توظف الإمارات مرتزقة من سكان سقطرى المحليين، وتدفع بالمئات منهم للتدريب بالمعسكرات التابعة لها في عدن، وكذلك معسكرات التدريب بالإمارات، ثم العودة للجزيرة بعد ذلك. وقد استخدمت الإمارات بعضهم للهجوم على ميناء سقطرى في وقت سابق، لكن قوات أمنية تابعة لحكومة هادي أحبطت الهجوم .

وقد أطلقت الإمارات وعودا داخل الجزر التابعة لأرخبيل سقطرى بمنح من يرغب بالسفر للعمل كمجند بالإمارات رواتب تصل إلى 6000 درهم إماراتي، وكذلك إمكانية تجنيدهم في السلك العسكري الإماراتي، مع التركيز على منتسبي الأجهزة الأمنية التابعة لحكومة هادي. وسافر فعليا على إثر تلك الوعود المئات من السقطريين، وسط مخاوف من أن يتم تجنيدهم كمرتزقة لصالح الإمارات، ثم العودة بهم لتنفيذ أجندة الإمارات باليمن، أو إرسالهم إلى ليبيا، أو دول أخرى، على غرار توظيف الإمارات لمرتزقة من دول متعددة .

(4) الإمارات توظف ضباطا و رتبا رفيعة كمرتزقة

لم يتوقف توظيف المرتزقة فقط على الجنود أو الفئات الدنيا من العسكريين، بل ابتدأ من القوات البرية، وحتى كبار ضباط القوات الخاصة والقوات الجوية، وقد نشرت صحيفة الجارديان البريطانية في ديسمبر 2015 خبر مقتل ضابط أسترالي رفيع يدعى فيليب ستيتمان في اليمن، حيث عمل كمرتزق لصالح الإمارات، وكان يقود مجموعة من المرتزقة الكولومبيين حينما قتل هو وستة منهم في اشتباك مع الحوثيين في محافظة تعز ، كما أيدت صحيفة التايمز البريطانية الخبر في 10 ديسمبر، مع التأكيد على مقتل ضابط بريطاني سابق في نفس العملية، وقالت: إن الضابطين القتيلين كانا يعملان سرا كمرتزقة لصالح الإمارات، وكانا يقودان فريقا من المرتزقة الكولومبيين باليمن، حسبما صرحت مصادر عسكرية مطلعة للصحيفة .

لقد سعت الإمارات للتعاقد مع شخصيات ذات رتب رفيعة من جيوش مختلفة، منهم أمريكيون وبريطانيون وأستراليون، وقد تقلد أغلب هؤلاء رتبا إماراتية وارتدوا الزي العسكري الرسمي الإماراتي، وأصبحوا ضباطا في القوات المسلحة الإماراتية، وأغلب تلك الرتب الرفيعة لا يتلقون أوامرهم سوى من محمد بن زايد رجل الإمارات القوي، والمحرك لجميع قوى المرتزقة داخل الإمارات وخارجها، ولا يغيب عن تلك الساحة مستشاره الأمني المثير للجدل محمد دحلان، المسؤول السابق عن الأمن الوقائي في السلطة الفلسطينية.

(4-1) عسكريون أستراليون سابقون، مرتزقة حاليون في الإمارات

على الرغم من رفض هؤلاء العسكريين أن يطلق عليهم لفظ المرتزقة، إلا أن العديد من الخبراء العسكريين ووسائل الإعلام الغربية يصرون على تسميتهم بالمرتزقة بسبب انخراطهم في العمل مع جيوش دول أجنبية، خاصة الإمارات، التي توظفهم لأغراض اغتيالات وقمع، وأجندات خاصة، مقابل مرتبات كبيرة.

ويلفت المحلل الإسرائيلي زيفي بارئيل النظر إلى أن الشركات من جميع أنحاء العالم، بما في ذلك إسرائيل، تدير أنظمة استخبارات متطورة، لذا تطور مصطلح “المرتزقة” من مجرد تعبيره عن وحدات مقاتلة مسلحة من الدول الفقيرة التي تأتي لتحسين مستوى معيشتها، إلى دور مليء بالأنشطة الواسعة، بما في ذلك إنشاء وحدات قتالية، وقيادة تلك الوحدات، والتخطيط لتحركات الحرب، وشراء المعدات، وإدارة الميزانيات .

و من بين العسكريين الأستراليين الذين عملوا في الحرس الرئاسي الإماراتي و القوات المسلحة الإماراتية:

  1. بيتر بوتسون، الضابط الأسترالي السابق في سلك الاستخبارات، والذي عمل كمستشار في الحرس الرئاسي الإماراتي منذ فبراير 2014، و كمفتش عن نطاق إطلاق النار في القوات المسلحة الإماراتية من 2012 إلى 2017 .
  2. سكوت كوريجان، القائد السابق بالقوات الخاصة للجيش الأسترالي، والذي كان أيضا مستشارا في الحرس الرئاسي الإماراتي منذ يناير 2013 حتى مارس 2016 . وتجدر الإشارة إلى أن كوريجان قد أسقط بشكل كامل من حسابه على موقع لينكد إن الوظيفة التي شغلها خلال الفترة من يناير 2013 إلى مارس 2016، وكتب فقط عن شغله وظيفة ضابط بالجيش الأسترالي من يناير 1990 حتى ديسمبر 2012، أي: لمدة 23 عاما، ثم العمل كمدير مشاريع كبير بشركة “بوينت بروجكت مانجمنت Point Project Management” من أبريل 2016 إلى يوليو من نفس العام ، وما بعد ذلك من وظائف!
  3. كيفين دولان، الضابط المفوض السابق في الجيشين الأسترالي والبريطاني، والذي عمل في مجال التقييم وضمان الجودة في جميع أنحاء الإمارات، بما في ذلك الحرس الرئاسي الإماراتي منذ 2011 حتى الآن .
  4. ستيف نيكولاس، الذي كان قائدا كبيرا سابقا في الجيش الأسترالي، والذي يعمل منذ 2010 حتى الآن كمستشار للحرس الرئاسي الإماراتي .

وقد أشارت “هيئة الإذاعة الأسترالية ABC”، في إطار تحقيق أجرته عام 2018، أنها فتشت في الموقع الشهير لينكد إن، ووجدت أكثر من 100 عسكري سابق وشخصيات شرطية أسترالية أشارت ملفاتهم إلى قيامهم بمهمات تدريب للجنود الإماراتيين، وذلك مقابل عشرات الآلاف من الدولارات الأمريكية شهريا، والعديد من هؤلاء هم من قدامى المحاربين بوحدات القوات الخاصة الأسترالية، بما في ذلك قوات الكوماندوز، وقوات الخدمات الجوية “ساس SAS”، ويقوم الكثير منهم بتدريب القوات العسكرية الأكثر نخبوية في الإمارات، قوات الحرس الرئاسي. كما أشارت الهيئة أيضا إلى أن السبب في ذلك قد يعود إلى قيادة الحرس الرئاسي من قبل جنرال أسترالي متقاعد صاحب خلفية تمتد لعقود في القوات الخاصة الأسترالية، وهو الجنرال مايك هندمارش .

(4-2) الجنرال مايك هندمارش.. قائد الحرس الرئاسي الإماراتي

تعريف موجز

الإمارات و شبكات المرتزقة ٤
الجنرال مايك هندمارش يرتدي زيا عسكيا إماراتيا

مايك هندمارش جنرال أسترالي شغل مناصب عسكرية عديدة، من أهمها ما يلي :

  1.  خدم هندمارش بوجه عام كضابط بالقوات المسلحة الأسترالية في الفترة بين عامي 1976 و 2009.
  2. قاد القوات الخاصة الأسترالية المعروفة “قوات الخدمات الجوية، ساس SAS” من يناير 1997 حتى يناير 1999.
  3. شغل منصب قائد “قيادة العمليات الخاصة SOC” الأسترالية من أكتوبر 2004 إلى يناير 2008.
  4. شغل هندمارش كذلك منصب قائد “قوات المهام المشتركة 633 (JTF 633)” الأسترالية في الشرق الأوسط من مارس 2008 إلى يناير 2009 ، واستقال من الجيش الأسترالي في الأول من أكتوبر من نفس العام، حيث بلغ راتبه السنوي آنذاك 230 ألف دولار أمريكي.
  5. اتجه إلى الإمارات، وساهم في تشيكل قوات الحرس الرئاسي، والتي من مهامها القيام بعمليات خاصة داخل الإمارات وخارجها، بها، ومن ثم ترأسها برتبة جنرال حتى الآن، بالإضافة إلى كونه مستشارا خاصا للأمن القومي لدولة الإمارات.

الملاحَظ أن هندمارش قد عمل خلال مسيرته المهنية بالقوات الخاصة في العديد من البلاد التي شهدت نزاعات وحروب، بما في ذلك الكويت، والعراق، وأفغانستان، منذ عام 1998 حتى عام 2009. كما كان لهندمارش دور رئيسي في نقل قيادة العمليات الخاصة الأسترالية من العراق إلى الإمارات، بعد قيادته “قوات المهام المشتركة 633 (JTF 633)” في بغداد لمدة عام – كما سبق بيانه، وذلك بعد أن تمتع باتصالات وعلاقات على أعلى المستويات الأمنية مع كبار المسؤولين السياسيين، وكبار مسؤولي الجيش الإماراتي .

من غير المعروف على وجه الدقة قيمة ما يتقاضاه هندمارش من الإمارات، ولكن صحيفة هيرالد صن الأسترالية توقعت عام 2009 ألا يقل راتبه آنذاك عن 500 ألف دولار سنويا – معفاة بشكل كامل من الضرائب .

لا يرفع الجنرال هندمارش تقاريره، ولا يتلقى أوامره، سوى من ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد آل نهيان، الذي دخل مع هندمارش في مفاوضات على درجة عالية من السرية لمدة 18 شهرا، انتهت بقبول هندمارش لعرض بن زايد .

هندمارش ضابط بالجيش الإماراتي

تواصل فريق عمل هيئة الإذاعة الأسترالية بالجنرال هندمارش في 2016 لإجراء مقابلة معه وسؤاله حول طبيعة عمله في الإمارات، ورفض هندمارش إجراء اللقاء، ولكنه اعترف بشكل واضح أنه يخدم كضابط في القوات المسلحة الإماراتية، وذلك بقوله: “سوف تتفهمون أني أخدم كضابط في القوات المسلحة الإماراتية، وبناء على ذلك فأنا ملتزم بمعايير الأمان العملياتية الاعتيادية عندما يتعلق الأمر بالكشف عن الأمور العملياتية، وأنا لست مخولا بالحديث عن مثل تلك الأمور” .

ومما تجدر الإشارة إليه، موافقة قائد الدفاع الجوي الأسترالي المارشال أنجوس هيوستن، وكذلك موافقة الحكومة الفيدرالية الأسترالية، على عمل هندمارش في الإمارات، كما تذكر وثيقة رسمية أسترالية صادرة في 25 يناير عام 2016 أن هندمارش يعمل كقائد للحرس الرئاسي الإماراتي، وأن قبول عمل شخص أجنبي في جيش دولة ما يخضع لقوانين الخدمة العسكرية الداخلية المتعلقة بتلك الدولة المعنية نفسها، وأن تعيين هندمارش يتشابه في طبيعته مع توظيف الجيش الأسترالي لعسكريين أمريكيين وبريطانيين سابقين من أجل تلبية متطلبات وقدرات مهارية خاصة غير متوفرة في الجيش الأسترالي. وتنفي الوثيقة عن هندمارش تورطه في المشاركة بارتكاب جرائم حرب باليمن بسبب عمله مع الحرس الرئاسي الإماراتي، وذلك لعدم توفر أدلة على تلك المزاعم، حسبما تشير الوثيقة، كما تنفي الوثيقة عنه أيضا صفة العمل كمرتزق، حيث لا يتوفر فيه – من بين معايير أخرى بالقانون الدولي – معياران، هما: عدم اشتراكه بشكل مباشر في أعمال عدائية، وعدم كونه عضوا بالقوات المسلحة لأحد طرفي النزاع ! 

ولكن دفاع الوثيقة عن هندمارش يتنافى مع حقيقة تورطه في ارتكاب جرائم حرب من خلال قيادته المباشرة لأكثر قوات الإمارات نخبوية، والتي انخرطت بقوة في النزاع في اليمن، وتوفر أدلة كذلك على اشتراك الحرس الرئاسي في القيام بالتخطيط لاغتيالات رموز يمنية وضعتها الإمارات على قوائم الاستهداف – كما سيأتي بيانه في سياق هذه الدراسة.

وليس الدفاع الرسمي الأسترالي – على الرغم من حقيقة تورط هندمارش في ارتكاب جرائم حرب – بمستغرب في ظل وجود عدة حقائق، إحداها اضطرار أستراليا لتعديل القانون الخاص بتوظيف مواطنيها في قوات مسلحة لدول أجنبية، وذلك بعد الإحراج الذي تعرضت له الدولة بسبب تورط الكثير من الأستراليين في العمل كمرتزقة في كثير من البلدان، بما في ذلك روديسيا، ويوغسلافيا السابقة، وأنجولا، وغيرها، مما حدا بالدولة أن تتجه لمنح سلطة لوزير الشؤون الداخلية الأسترالي للسماح “بتوظيف شخص أو فئة أشخاص للخدمة في قوات مسلحة تابعة لدولة أجنبية، إذا كان ذلك يتماشى مع مصالح أستراليا في مجال الدفاع أو العلاقات الدولية”. وفقا للتعديلات التي أجريت في الأول من ديسمبر ٢٠٠٤ على قانون العقوبات لسنة ١٩٩٥ .

والحقيقة الثانية هي عمل الحكومات الأسترالية على مدار العقد الماضي على تنمية التجارة الثنائية مع الإمارات، لاسيما في مجالات السياحة، والاستثمار، ومجال الصناعات الدفاعية، التي تخطط أستراليا لتحتل مكانا ضمن أكبر 10 دول مصدرة للسلاح في غضون العشر سنوات القادمة، وبالتالي زيادة حجم الصادرات الدفاعية من 2 مليار إلى 10 مليارات دولار، والسعي لإبرام اتفاق شراكة مع الإمارات يتضمن حجم مبيعات دفاعية للإمارات وحدها في حيز المليار دولار، وكذلك نقل التكنولوجيا الأسترالية لتعزيز الطاقة الإنتاجية العسكرية للإمارات . ما يجعل أستراليا تغض الطرف عن هندمارش وغيره من الرتب الرفيعة الأسترالية العاملة في الإمارات، حتى لا يؤثر التدخل الأسترالي سلبا على ما تخطط له أستراليا في المستقبل القريب.

وهناك كذلك اتفاقيات تدريب الضباط الإماراتيين في مدارس الدفاع الأسترالية، علاوة على تعزيز التعاون العسكري والاستخباراتي بين الدولتين، في ظل تنامي اتفاقية الدفاع المشترك المبرم بين الدولتين عام 2007 ، وبخاصة مع التشجيع الأمريكي لذلك التعاون، والعمل على تعزيزه – في ظل ما يسمى “الحرب على الإرهاب – كون أستراليا أحد أعضاء تحالف العيون الخمسة .

الإمارات و شبكات المرتزقة ٥
تكريم هندمارش بعد فعالية بكلية الدفاع الوطني بالإمارات

تدشين قوات الحرس الرئاسي الإماراتي

لم تظهر قوات الحرس الرئاسي في دولة الإمارات بشكل رسمي إلا عام 2010-2011، وهي قوات تعمل خارج الإطار التقليدي للقوات المسلحة الإماراتية، كما تختلف عنها في التسليح والتدريب والمهام التي تضطلع بها داخل وخارج الإمارات. 

وقد تولى تدريب تلك القوات في بداية تشكيلها ضباط من مشاة البحرية الأمريكية، من خلال “برنامج المبيعات العسكرية الخارجية (FMS)”، الذي تديره وزارة الدفاع (البنتاجون)، حيث أُبرمت اتفاقية بين الحكومتين الأمريكية والإماراتية، وزارت أول دفعة من ضباط الحرس الرئاسي الإماراتي وحدات الفرقة البحرية الأمريكية الأولى بمناطقها في 8 مارس 2011، وكانت الزيارة “جزءا من جهود دولة الإمارات الرامية لبناء أساس نظام تدريب الحرس الرئاسي وقدراتهم العسكرية الجديدة”، حسبما صرح الرائد راندي جي. تيرنر، ضابط اتصال القيادة المركزية للقوات البحرية الأمريكية حينئذ .

هندمارش يدخل رجاله الأستراليين بقوة في الجيش الإماراتي

من غير المعروف عدد الأستراليين الذين يعملون لصالح الإمارات، لكن صحيفة هيرالد صن تؤكد على وجود العشرات من العسكريين الأستراليين الذين كانوا يقومون بأدوار “القيادة والتدريب والتوجيه” في وقت تعيين هندمارش .

ويحتل الأستراليون المناصب العليا في سلك القيادة في الحرس الرئاسي (فيما يخص المجموعة الأجنبية من المرتزقة)، وهناك ضباط من جنسيات أخرى يقدمون الاستشارات والتدريب للقوات، وقد صرح روري دوناغي، مؤسس مركز الإمارات لحقوق الإنسان، للإعلام الأسترالي الرسمي قائلا: “لقد جلب مايك هندمارش الكثير من رجاله. فهناك العشرات، ونحن لا نعرف عددهم بشكل دقيق، لكن هناك العشرات من الأستراليين الذين يشاركون في مناصب قيادية داخل الحرس الرئاسي” .

جدير بالذكر أن دوناغي يعد أحد الأفراد من ضمن مئات تعرضوا للقرصنة الإلكترونية من قبل السلطات والشركات الإماراتية، بما في ذلك شركة دارك ماتر خلال قيادتها مشروع التجسس السيبراني “ريفين” الذي كان يوظف خبراء استخبارات سابقين، بمن في ذلك ضباط أمريكيون سابقون بوكالات الاستخبارات الأمريكية، كمرتزقة سيبرانيين لصالح الإمارات .

هندمارش يتورط في حروب و اغتيالات باليمن

بدأ الحرس الرئاسي الإماراتي في التواجد في الصراع على الأرض اليمنية من 4 مايو 2015، ولعب الحرس دورا مهما في استعادة ميناء عدن من أيدي الحوثيين في 17 يوليو من نفس العام عبر العملية التي أطلق عليها اسم السهم الذهبي .

وقد تم إحلال قوات الحرس الرئاسي على نطاق واسع كبديل للقوات التقليدية الإماراتية، جنبا إلى جنب مع قوات المرتزقة الأجانب، بعد قتل الحوثيين لخمسة وأربعين جنديا إماراتيا في عملية قصف بصاروخ باليستي في 2015. وظهرت الحاجة الماسة إلى استخدام قوات أكثر قدرة على مواجهة الحرب الشرسة في اليمن، لاسيما وأنه قد تم الكشف عن إرسال هؤلاء الجنود الإماراتيين عبر التجنيد الإلزامي الذي طبقته الإمارات ابتداء من 2014، وهو ما أصاب عائلات القتلى بالصدمة، حيث لم تتوفر لأبنائهم الخبرة الكافية للقتال قبل إرسالهم لأتون الحرب اليمنية. وقد اتخذت السلطات الإماراتية قرارا بوقف إرسال المجندين إلزاميا لليمن منذ ذلك الحادث . 

وتجدر الإشارة إلى أن قوات الحرس الرئاسي الإماراتي كانت تعتبر أفضل قوات التحالف العربي في اليمن تدريبا وتجهيزا وعتادا، وهي القوات الوحيدة التي قامت بعمليات عسكرية كاملة في أفغانستان، وقاتلت هناك جنبا إلى جنب مع القوات الأمريكية .

وقد أعرب خمسة من الباحثين والمحللين اليمنيين لهيئة الإذاعة الأسترالية ABC – بشرط عدم الكشف عن هويتهم – عن قناعتهم بأن الجنرال هندمارش كان يقود قوات إماراتية مقاتلة، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، في اليمن .

وثبت بالدليل تشكيل الإمارات لفرقة اغتيالات بقيادة إبراهام جولان، وإسحاق جلمور (سيأتي الحديث عنها بالتفصيل في الفصل الأخير من هذه الدراسة) بتنسيق من محمد دحلان، وعُثر على إحدى البطاقات لأحد المستهدفين بالاغتيال في اليمن، وظهر اسم الرجل وصورته ورقم هاتفه، وحتى نوع ولون السيارة التي يستقلها، وفي أعلى يمين الصورة توجد شارة الحرس الرئاسي الإماراتي بوضوح . وأكدت هيئة الإذاعة الأسترالية ABC على تحققها – بطريق مستقل – من وجود تلك البطاقة للشخص المستهدَف مع أحد أعضاء فريق الاغتيال .

الإمارات و شبكات المرتزقة ٦
بطاقة أحد المستهدفين بالاغتيال في اليمن وعليها شارة الحرس الرئاسي الإماراتي

المسؤولية القانونية الواقعة على هندمارش

حول مسؤولية هندمارش عن جرائم الحرب في اليمن، على الأقل بسبب تورط القوات التي يعد مسؤولا عنها مسؤولية مباشرة هناك، قال خبير القانون الدولي للحروب بن شاؤول: إذا كان الجنرال هندمارش يقود القوات، فهناك خطر في أن يكون مسؤولا عن أعمالهم.

وأكد بن شاؤول على وجود مبدأ يعرف بمسؤولية القيادة، وفحواه “أن القادة العسكريين مسؤولون عن الإجراءات التي يتخذها مرؤوسوهم، مما يعني أنه إذا علم القائد أو كان ينبغي له أن يعلم أن مرؤوسيه متورطون في جرائم حرب، مثل القتل المفرط للمدنيين، أو الاستخدام العشوائي للقوة العسكرية ضد أهداف مدنية، أو مناطق مدنية، فعندها يمكن تحميل المسؤولية للقادة إذا لم يتخذوا الخطوات المسؤولة التي من شأنها منع جرائم الحرب تلك ” .

كما أكد مسؤولان متقاعدان من وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، تعاملا بشكل متكرر مع الإمارات على أن رجلي العمليات اللذين يعتمد الإماراتيون عليهما في خوض “حرب قذرة” لصالحهم هما مايك هندمارش، وستيفن توماجان، وقال المسؤولان: “لقد حصلوا (أي: الإماراتيون) في الأساس على مرتزقة أجانب يقاتلون – أو يقودون الحرب –” .

(4-3) الجنرال الأمريكي ستيفن توماجان “نابليون الصغير” ودوره المثير للجدل

القائد العام لقيادة الطيران المشتركة الإماراتية

خدم توماجان معظم حياته المهنية كضابط في الجيش الأمريكي، وتقاعد برتبة عقيد بعد قضاء 20 عاما فيه، ما أهله لاستحقاق المعاش التقاعدي من الحكومة الأمريكية بشكل كامل، وقد خدم توماجان كطيار هليكوبتر في العراق في حرب الخليج الأولى، وأُرسل للخدمة بالسعودية، وخدم كذلك في مواقع مختلفة .

اتجه توماجان للتعاقد مع القوات المسلحة الإماراتية، حيث تمت ترقيته هناك لرتبة جنرال، وتولى القيادة العامة لقيادة الطيران المشتركة في دولة الإمارات العربية المتحدة .

وفي شريط فيديو مصور على موقع وزارة الدفاع الأمريكية في 10 فبراير 2017، تحت عنوان (الإمارات العربية المتحدة في مركز التدريب الوطني) يؤكد توماجان على أنه ضابط بالقوات المسلحة الإماراتية، حيث يقول: إن “القوات الإماراتية تحلق في أول مهمة خارجية في مركز التدرب الوطني. إن استمرار العلاقة المتجذرة بين جيشي الإمارات العربية المتحدة، والولايات المتحدة الأمريكية، يعزز الشراكة العملياتية فيما بيننا”، وأضاف توماجان مؤكدا: “أنا القائد العام لقيادة الطيران المشتركة في الإمارات”، وقال أيضا: “دولة الإمارات دولة صغيرة للغاية”. “نحن” – يقصد: دولة الإمارات العربية المتحدة – “ليس لدينا مساحة الأرض التي لديكم (أي: الأمريكان) لهذه الأنواع من التدريبات، ولذا فنحن نقدر كرم الضيافة الذي أظهرْتَموه لدولة الإمارات العربية المتحدة ولجنودي ” .

لكن توماجان عاد ليقول على الناحية المقابلة – مبعدا نفسه عن شبح قيامه بنشاطات تخالف القوانين الأمريكية – وفي مناسبة أخرى: ” لم يقسم ستيفن أ. توماجان الولاء للإمارات العربية المتحدة، ولا هو في الجيش الإماراتي. إن ستيفن أ. توماجان هو متعاقد مدني موثوق، وقد حاز على ثقة نائب القائد الأعلى، الذي طلب منه تشكيل قيادة طيران الإمارات المشتركة.” وقال: إن القوات المقاتلة في اليمن ليست تحت قيادته، وإن أنشطته مرخصة من قبل حكومة الولايات المتحدة” .

نفوذ توماجان الكبير في القوات المسلحة الإماراتية 

توماجان هو مؤسس قيادة طيران الإمارات المشتركة، وهو من يقودها حاليا. يقول الخبراء: إن قيادة طيران الإمارات المشتركة تتحكم في تعاقدات الأسلحة، وانتشار القوات، وتشغيل غالبية طائرات الهليكوبتر القتالية في دولة الإمارات العربية المتحدة، ومن ضمن الصفقات التي قال توماجان إنه قام بدور فعال لإبرامها صفقة بقيمة 10 مليارات دولار لتحديث أسطول الطائرات العسكرية الإماراتية.

وقد أفاد المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية IISS أن ترسانة قيادة طيران الإمارات المشتركة تشمل طائرات هليكوبتر عسكرية أمريكية مثل أباتشي، وتشينوك، وبلاك هوك، والتي تقول إنها منتشرة في اليمن.

يعد توماجان متنفذا بشكل كبير في الجيش الإماراتي، وقال ضابط سابق في الجيش الأمريكي كان قد قابل توماجان وعمل معه في الإمارات، إنه يعرف أن توماجان متنفذ بشكل غير اعتيادي، وأضاف الضابط الأمريكي مؤكدا عدم استطاعة أحد فعل شيء في مجال الطيران العسكري بالإمارت دون أن يبرز له توماجان فجأة في الاجتماعات، حيث “يملك إدارة المكان”، وقال: إنهم كانوا يطلقون عليه لقب “نابليون الصغير”.

تورط توماجان في جرائم حرب باليمن

وقعت مذبحة في صباح يوم 16 مارس 2017 بحق لاجئين صوماليين غير مسلحين كانوا هاربين من الجحيم اليمني باتجاه السودان، حيث تم إنزالهم في ميناء الحديدة اليمني مع وجود 42 جثة داخل القارب الذي استقلوه، وجرح بالحادث حوالي 80 شخصا آخرين. وقال الناجون – بحسب تحقيق أجرته الأمم المتحدة: إنهم تعرضوا لوابل من النيران الرشاشة من طائرة مروحية عسكرية، أثناء عبورهم مضيقا في البحر الأحمر، وأضافوا أن المروحية ظلت تطلق النار لخمس دقائق، ثم قامت بدورة حول القارب، وفتحت النار باتجاهه مرة أخرى. وقد أخفى الناجون أنفسهم خلف جثث القتلى حتى لا يتعرضوا للموت كما فُعل بزملائهم .

الإمارات و شبكات المرتزقة ٧
بعض الصوماليين الناجين من مذبحة الطائرة الهيليكوبتر. الصورة من وكالة رويترز.

من جهتها، أعلنت منظمة هيومن رايتس ووتش في بيان لها في 26 مارس 2017 أن “الهجوم على قارب اللاجئين قد يرقى إلى جريمة حرب”، واتهمت التحالف الذي تقوده السعودية بارتكاب الجريمة في حق اللاجئين .

وقد دارت الشكوك حول الإمارات، والتي أصدرت بيانا رسميا نشرته وكالة أنباء الإمارات (وام)، في 20 مارس 2017، أكدت فيه على وجود قوات لها في المنطقة، ولكنها نفت أي صلة لها بالحادث، مؤكدة على رصد قواتها المسلحة “للطبيعة غير العسكرية للقارب، ووجود عدد كبير من المدنيين على متنه بصورة واضحة وملفتة للنظر”، وفي ضوء هذه المعلومات التزمت تلك القوات “بقواعد الاشتباك الصارمة التي تتبعها وتمنعها من التعامل مع أية أهداف غير عسكرية”، حسبما صرح مصدر مسؤول في القوات المسلحة الإماراتية، والذي ألقى باللائمة على قوات الحوثيين. “وأكد أن القوات المسلحة في دولة الإمارات ترحب بأي تحقيق دولي مستقل حول هذه الحادثة” .

ولكن الأمم المتحدة أكدت على رفض كل من الإمارات، والسعودية، وكذلك القوات البحرية الأمريكية المتواجدة بالمنطقة، الاستجابة لطلبها بشأن الحصول على معلومات حول الحادثة .

بدورها، طالبت هيومن رايتس ووتش في رسالة إلى رئيس الوزراء ووزير الدفاع الإماراتي، الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، بتوضيح الإمارات لدورها “فيما بدا أنه هجوم للتحالف بقيادة السعودية على قارب يحمل مدنيين صوماليين قبالة الساحل الغربي لليمن”، وأكدت المنظمة على أن “التحالف هو القوة الوحيدة التي يُعرف أنها تستعمل طائرات عسكرية في المنطقة” .

الإمارات و شبكات المرتزقة ٨
جثة لاجئ صومالي – قُتل في هجوم على زورق قبالة السواحل اليمنية – تُحمل في ميناء الحديدة باليمن على البحر الأحمر في 17 مارس 2017. الصورة من واشنطن بوست نقلا عن وكالة رويترز

مع التدقيق في ملابسات الحادث؛ أعلن محققو الأمم المتحدة عن عدم وجود إمكانية لدى المتمردين الحوثيين على شن الهجوم، لأنهم لا يملكون طائرات مروحية مزودة بمدفع رشاش مثل الذي تم استخدامه في الحادث، ولكن الإمارات هي من تمتلك تلك القدرات. وقال أحد مسؤولي حقوق الإنسان، الذي رفض الكشف عن هويته: إن الإماراتيين كانت لديهم “الوسائل، والدافع، والفرصة” .

على الرغم من التحقيقات، ومن توافر قرائن وخيوط مؤدية للمسؤولين عنها، إلا أنه لم يحاسَب المسؤولون عن هذه المذبحة حتى الآن، بخلاف مذابح أخرى قام بها الطيران الإماراتي – وكذلك السعودي – على مدار عدة سنوات، وهذا ما دفع بيتر سينجر، الخبير الاستراتيجي في مركز أبحاث نيو أميركا، إلى التصريح بأنه: “إذا انتهت الغارة الجوية الأمريكية بنتيجة سيئة، فهناك مجموعة واضحة من الإجراءات التي ستأتي بعد ذلك… ربما ليست دائما مثالية، ولكن هناك نتائج، وفي بعض الحالات توجد محاكمة عسكرية”، متسائلا باستنكار عما يمكن فعله إزاء توماجان !

أمريكا تعترف بتوماجان كضابط إماراتي، و تغض الطرف عن موقفه

الإمارات و شبكات المرتزقة ٩
الليفتانت جنرال مايكل إكس. جاريت مع توماجان في الإمارات

عندما زار اللفتنانت جنرال مايكل إكس. جاريت، عضو القيادة المركزية للجيش الأمريكي، دولة الإمارات العربية المتحدة في عام 2016، تم تصويره وهو يصافح توماجان، وذكر مقال نشر على موقع الجيش الأمريكي على شبكة الإنترنت أن الجنرال الأمريكي مايكل إكس “قضى وقتا مع الجنرال الإماراتي ستيفن توماجان، قائد قيادة الطيران المشتركة في مقر قيادة دولة الإمارات العربية المتحدة”. وقد ظهر توماجان – علاوة على تعريفه عن نفسه كجنرال إماراتي، كما سبق بيانه – في الصورة مرتديا بزة طيران تحمل العلم الإماراتي، وما يبدو أنه شارة على كتفه لرتبة جنرال في جيش الإمارات .

من جهتهم، قال رجال أعمال وضباط متقاعدون مطلعون على موقف توماجان: يبدو أن الحكومة الأمريكية قد غضت الطرف عن تصرفاته، وقال العقيد المتقاعد من القوات الجوية الأمريكية دانييل موناهان، وهو مسؤول تنفيذي كبير في شركة نولدج إنترناشيونال Knowledge International – وكان مكلفا بتغطية قضية “امتثال المتعاقدين الخاصين باللوائح الأمريكية” – إنه لم يشعر بالثقة أبدا تجاه ستيفن توماجان، وأضاف العقيد أنه استقال من الشركة لأنه لم يمنح حق الوصول اللازم للتحقيق بشأن الامتثال الكامل للمتعاقدين الأمريكيين الخاصين في قيادة الطيران المشتركة الإماراتية، مع القواعد والشروط التي وضعتها وزارة الخارجية الأمريكية .

الجدير بالذكر أن الترخيص الحاصل عليه توماجان للعمل في الإمارات يقتضي كونه كبير مستشاري الطيران، ويخوله بناء على ذلك تقديم الدعم الاستشاري المباشر لنائب القائد الأعلى للإمارات وموظفيه وجميع موظفي الأنظمة الأساسية وغير الأساسية المتعلقة بقيادة الطيران المشتركة، ولكن لم تتم بطبيعة الحال الموافقة على عمل توماجان كضابط في القوات المسلحة الإماراتية بالصفة التي عرّف بها عن نفسه.

(5) محمد دحلان.. مهندس صفقات مرتزقة لصالح الإمارات

تصريح و اتهامات

فتح وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو النار على محمد دحلان مؤخرا، متهما إياه بالعمالة لإسرائيل، ومتهما الإمارات بإيوائه كهارب، حيث صرح أوغلو لقناة الجزيرة الإخبارية يوم 30 أكتوبر 2019 قائلا: “أقول للإمارات: إن هناك إرهابيا اسمه محمد دحلان هرب إليكم لأنه عميل لإسرائيل” .

التصريح الناري لوزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو ضد محمد دحلان، المدير السابق للأمن الوقائي الفلسطيني، والمستشار الأمني حاليا لمحمد بن زايد ولي عهد الإمارات، والشخصية المثيرة للجدل، لم يأتِ من فراغ، حيث إن هناك العديد من الأطراف التي تتهم محمد دحلان بالضلوع مع إسرائيل وغيرها من الجهات في مؤامرات مستمرة ضد المقاومة الفلسطينية، وكذلك بالاشتراك في التنسيق المستمر لجهود الثورات المضادة في بلاد الربيع العربي.

وقد اتضح بالأدلة أن محمد دحلان هو مهندس العديد من الصفقات التي جلبت مرتزقة – بمن في ذلك مرتزقة إسرائيليون، وأمريكيون، ومن جنسيات أخرى كذلك – للعمل لصالح الإمارات والانخراط في عمليات اغتيال لشخصيات سياسية، وعسكرية، ودينية، في اليمن وغيرها. 

وقد بات محمد دحلان “ورقة رابحة.. وكنزا ثمينا.. والذراع اليمنى” لحكام الإمارات، لاسيما ولي العهد محمد بن زايد – الحاكم الفعلي – من خلال الاستشارات الأمنية وتنفيذ بعض المخططات المتعلقة بالأجندات المحلية، والعربية، وحتى الدولية. حسبما أشار مصدر مقرب من دحلان – مقيم في العاصمة الفرنسية باريس – لصحيفة الخليج أونلاين، وأكد نفس المصدر في الجواب عن سؤال متعلق بتورط دحلان في جلب مرتزقة أجانب لتنفيذ عمليات اغتيال بحق قادة، ودعاة، وسياسيين، يمنيين على أن “الأوضاع في اليمن كغيرها من الدول العربية، والحرب الدائرة هناك يقودها تحالف عربي، والإمارات جزء رئيسي فيه، وأعتقد أن دحلان يعمل ضمن المنظومة الأمنية الإماراتية، وحسابات الحرب والسيطرة مفتوحة على مصراعيها” .

تنسيق دحلان لصفقة جولان الإسرائيلي الأمريكي 

شكلت الإمارات عام 2015 فرقة مرتزقة خاصة مهمتها تنفيذ عمليات استهداف واغتيال لخصومها السياسيين والعسكريين بالمنطقة، وحتى لشخصيات أو كيانات لا تروق لولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، على حد تعبير أحد مسؤولي فرقة الاغتيال.

وقد التقى محمد دحلان باثنين من المرتزقة يحملان الجنسية الأمريكية، في أحد المطاعم الملحقة بنادي الضباط بقاعدة عسكرية إماراتية أواخر 2014 أو أوائل 2015، حيث كان أحد الشخصين إبراهام جولان، المولود في المجر لأبويين يهوديين، والذي عاش لعدة سنوات في إسرائيل، وما يزال يحتفظ بعلاقات وطيدة وطويلة الأمد فيها لأعماله الأمنية، وقد عمل فعليا مع رئيس الموساد السابق داني ياتوم في لندن قبل ذلك لتوفير الأمن لزبائن الطاقة في أفريقيا. والشخص الآخر هو إسحاق جلمور، الضابط الصغير سابقا في مغاوير البحرية الأمريكية، والذي حصل بعد ذلك على رتبة ملازم أول في القوات المسلحة الإماراتية، وهي رتبة كبيرة على شخص ترك السلك العسكري منذ عام 2011 وتقاعد بسبب أخطاء عسكرية ارتكبها في البحرية الأمريكية. ويذكر أن جولان قد حصل على رتبة عقيد بالجيش الإماراتي كذلك.

الإمارات و شبكات المرتزقة ١٠
من اليمين: إبراهام جولان ومحمد دحلان وإسحاق جلمور

اتفق كل من جولان وجلمور مع دحلان على تشكيل فريق من المرتزقة، مع حصول الفريق على مبلغ شهري قدره مليون و500 ألف دولار أمريكي، علاوة على المكافآت الخاصة حال القيام بعمليات استهداف ناجحة، وتم تشكيل الفريق من عشرة رجال، ثلاثة منهم من قدامى المحاربين الأمريكيين في العمليات الخاصة، والباقي من المحاربين السابقين الفرنسيين، الذين استُبدلوا فيما بعد بمرتزقة أمريكيين، مع تزويد الفريق بأسلحة ومعدات حديثة و كواتم صوت، وعبوات لاصقة.

الإمارات و شبكات المرتزقة ١١
جولان وجلمور مع فردين من فريق المرتزقة أمام طائرة عسكرية إماراتية

تعطيل و تدمير حزب الإصلاح

قال جولان: إنه قد طُلب منه بشكل صريح المساعدة في تعطيل وتدمير “الإصلاح” (الحزب التابع لحركة الإخوان المسلمون في اليمن)، الذي يصفه جولان بأنه فرع سياسي لمنظمة إرهابية، وقد سلم ضابط إماراتي كلا من جولان وجلمور قائمة بطاقات تحوي 23 اسما، بصورهم وبياناتهم، بما في ذلك بيانات تخص دور كل واحد منهم في السياسة اليمنية، وإحداثيات أماكن تواجدهم. وقال جلمور: إن بعضهم كانوا أعضاء في حزب الإصلاح، وبعضهم من رجال الدين، وبعضهم من الإرهابيين الخارجين عن القانون، حسب تعبيره .

عملية اغتيال فاشلة لمسؤول في الإصلاح

من ضمن عمليات الاغتيال التي فشلت وافتضحت فيما بعد محاولة اغتيال السياسي “أنصاف علي مايو”، مسؤول حزب الإصلاح في عدن، هو ومجموعة من قادة الحزب في المقر الرئيسي للحزب في عدن، يوم 29 ديسمبر 2015، ونُقلت مجموعة الاغتيال بمدرعات إماراتية مع وجود طائرة بدون طيار للمراقبة المباشرة للعملية.

وحسبما أظهر فيديو مسرب لعملية الاغتيال الفاشلة، فقد وضعت المجموعة عبوة ناسفة شديدة الانفجار أمام البابا الرئيسي للمقر لقتل كل من كان متواجدا في الاجتماع ليلتها، بمن فيهم مايو، مع إطلاق المرتزقة النيران على المدنيين العزل المتواجدين بالقرب من المقر، واعترف جلمور أنه كان من ضمن من أطلقوا النيران على المدنيين القريبين من المقر وقتئذ.

فشلت العملية، ولم يقتل فيها أحد من قادة الإصلاح المتواجدين بالمقر وقت العملية، ونجا مايو أيضا، حيث كان قد غادر المقر قبل وصول الفريق بعشر دقائق .

اغتيالات بالجملة، بأساليب بسيطة، و بأريحية

في يناير 2019، ذكرت منظمة “سام للحقوق والحريات” في تقرير لها أنها رصدت 103 حالة اغتيال بمدينة عدن وحدها في الفترة بين 2015 و2018، وقد بدأت عمليات الاغتيال الأولى بعد 43 يوما من تحرير المدينة من الميليشيات الحوثية، وتولي القوات الأمنية المدعومة إماراتيا السيطرة على المدينة، وكان من ضمن الضحايا؛ رجال أمن (42 ضحية، بمن فيهم أمنيون بالبحث الجنائي، وجهاز الأمن السياسي، وأمن مطار عدن)، وخطباء مساجد (٢٣ شخصا، منهم 12 إماما وخطيبا ينتمون للتيار السلفي، و4 ينتمون إلى حزب الإصلاح، وخطيب واحد ينتمي إلى حركة النهضة ذات التوجه الإسلامي)، وسياسيون.  .

ومن الملاحظ، بحسب تقرير منظمة “سام”، أن الاغتيالات تمت في فترات متقاربة، وبالأساليب نفسها، دون وجود أي احتياطات أمنية، ما يؤكد أن الجهات المنفذة للاغتيال تتحرك بأريحية، وتمتلك معلومات كاملة عن الضحية. وأكدت المنظمة كذلك على أن الوسيلة الأكثر استخداما والأنجح كانت الاغتيال عن طريق إطلاق الرصاص، على الرغم من ارتفاع احتمالية انكشاف المنفذين، ما يشير إلى أن الطرف المسؤول عن التنفيذ لا يخشى انكشاف الأفراد المكلفين بالتنفيذ، كونه المسيطر على الأمن والقادر على تمرير السلاح في الحواجز الأمنية، والضامن لسلامة عمليات تنقل المكلفين، كما أنه المختص باحتجازهم وسجنهم في حال انكشافهم أو وقوعهم في قبضة آخرين، وهو نفسه الطرف المسؤول عن التحقيق معهم، واتخاذ الإجراءات القانونية اللاحقة، ومن ثم فهو طرف آمن ينفذ العمليات بسلاسة ويسر، وبالاعتماد على أبسط الوسائل .

ويشير الكاتب غيث عبد الأحد في مقال له بصحيفة الجارديان البريطانية إلى أن الإماراتيين “يبدو أنهم كانوا أعضاء التحالف الوحيدين الذين يمتلكون استراتيجية واضحة، حيث استخدموا جيوشا خاصة قاموا بإنشائها، وتدريبها، وتمويلها، في محاولة لسحق التيارات الجهادية، والأحزاب السياسية الإسلامية، مثل الإصلاح .

العمل تحت غطاء قانوني 

كان لجولان وجلمور شرط مهم، وهو الاندماج في القوات المسلحة الإماراتية، وأن يكون مصدر أسلحتهم وقوائم الاستهداف المطلوبة منهم ضباطا عسكريين يرتدون الزي العسكري الإماراتي الرسمي (تم منحهما رتبا بالجيش الإماراتي كما سبق بيانه)، وأوضح جولان أن ذلك لدواع قانونية، حتى يتم احتسابهم كقوات عسكرية وليس كمرتزقة.

وافق الجانب الإماراتي، ووقعت الإمارات الصفقة مع شركة سبير أوبريشن جروب Spear Operations Group – التابعة لجولان وجلمور – لجلب المرتزقة وتشكيل فريق الاغتيال.

الإمارات و شبكات المرتزقة ١٢
على اليمين: شارة إسحاق جلمور متضمنة فصيلة دمه (AB-)، وعلى اليسار: كروت العمل الخاصة بشركة سبير

قال جولان: إن برنامج الاغتيال صُمم على شاكلة البرنامج الإسرائيلي للاغتيالات، والذي تم اعتماده منذ إنشاء إسرائيل، وأكد أنه يعمل على ذلك البرنامج بشكل صحيح على الرغم من بعض الأخطاء البارزة فيه.

حاول كل من جولان وجلمور إضفاء الطابع القانوني على عمل فريقهما، مدعيين أن الأشخاص الذين استهدفتهم شركة سبير كانوا أهدافا مشروعة، لأنهم اختيروا من قبل حكومة الإمارات العربية المتحدة، الحليفة للولايات المتحدة، والمنخرطة في عمل عسكري بدعم منها، لكن جلمور أقر – على ناحية أخرى – بكون بعض المستهدفين أشخاصا لا يروقون لمحمد بن زايد ولي عهد أبو ظبي.

تصدع فريق سبير أوبريشن جروب، حيث غادر جولان الفريق والشركة عام 2016، بينما غادر جلمور عام 2018، واتجه للعمل في مجال الأعمال التجارية.

الجدير بالذكر أن الفريق نجح فعليا في اغتيال عدد من المطلوب استهدافهم، ولكن لم يُعرف عدد وأسماء من قتلوهم، وقد عرض محقق موقع BuzzFeed News صورا لبعض اليمنيين الذي اغتيلوا باليمن بعد 2015، فتعرف جلمور على شخصين منهما قائلا: “ربما يمكنني التعرف على وجهيهما”، وأقر كذلك بأنهما كانا من بين أهداف الفريق، لكنه نفى اشتراكه في قتلهما.

تنسيق محمد دحلان مع إسرائيل لتدريب مرتزقة لصالح الإمارات 

أكد المحلل الإسرائيلي المتخصص في شؤون الشرق الأوسط زيفي بارئيل في تحليل لصحيفة هآرتس الإسرائيلية على قيام إسرائيل بتدريب بعض قوات المرتزقة الكولومبيين والنيباليين الذين استقدمتهم الإمارات للحرب في اليمن.

وكانت صحيفة الخليج أونلاين قد كشفت – في تقرير خاص – من خلال مصادر مقربة من لجنة الاستخبارات بالكونجرس الأمريكي، أن مئات المرتزقة الغربيين من جنسيات متنوعة، وممولين إماراتيا، يشاركون في الهجوم على محافظة الحديدة اليمنية، لاستعادتها من قبضة الحوثيين، وذلك بعد تلقيهم تدريبات قتالية مكثفة في “إسرائيل”. وأكدت المصادر الأمريكية أن محمد دحلان، أشرف شخصيا على جلب المرتزقة الغربيين، وعلى رأسهم الكولومبيون والنيباليون للعمل لحساب الإمارات في اليمن.

وقد أُجريت التدريبات في صحراء النقب، الواقعة داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، وزار محمد دحلان معسكرات التدريب – التي رُفعت فيها الأعلام الإماراتية – زيارات متعددة في أوقات مختلفة، للاطلاع على سير التحضيرات والتدريبات التي يتلقاها المرتزقة، بإشراف شخصي من ضباط من جيش الاحتلال الإسرائيلي، وبعلم ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد”.

وعن سبب اختيار صحراء النقب دون غيرها من الأماكن لإقامة معسكرات تدريب المرتزقة الموالين للإمارات، قالت المصادر: “الاختيار كان مدروسا، لأن المناخ والبيئة الصحراوية، والتركيبة القبلية التي تتميز بها صحراء النقب، تتشابه كثيرا مع ما يوجد في اليمن”.

بخلاف تلك التدريبات، تعد إسرائيل شريكا غير رسمي للإمارات وللسعودية. حيث إن الشركات الإسرائيلية العاملة في المجال السيبراني، وتجار الأسلحة، والمدربين في مجال ما يسمى “الحرب على الإرهاب”، وحتى المرتزقة الذين تديرهم شركة مملوكة لإسرائيل، هم شركاء فعليون في الحرب في اليمن.

خاتمة

سعت الإمارات لتشكيل فرق المرتزقة لأغراض متعددة، بما في ذلك القمع لأي احتجاجات أو ثورات داخلية محتملة، كما استخدمت المرتزقة فعليا في العديد من الساحات المشتعلة، وعلى رأسها اليمن وليبيا، وكل ذلك لتنفيذ أجندة خاصة بالإمارات في المنطقة. وقد حاولت الإمارات الدفع بفرق المرتزقة من أجل القيام بالأعمال القذرة، وعدم تلويث يدها بشكل مباشر بما تقوم به تلك القوات، وحتى لا تتعرض للمساءلة القانونية الدولية.

دور القوات العربية على الأرض في اليمن لم يرق منذ تدخلها عام ٢٠١٥ لحسم المعركة هناك، لاسيما مع الضعف الشديد في الخبرة القتالية للقوات الإماراتية والسعودية، وهو ما دفعهما لاستجلاب أعداد كبيرة من المرتزقة الأجانب، ولم يتوقف الأمر على مجندين، بل هناك شخصيات ذات رتب رفيعة شاركت في العمليات القتالية هناك. فقد أغرى بريق المال الإماراتي العديد من ذوي الرتب الرفيعة من عدة دول للانخراط كمرتزقة – وليس كمجرد مستشارين – في الجيش الإماراتي، حتى مع وجود خطر التعرض للمساءلة القانونية في البلاد التابعين لها بسبب عملهم مع جيوش أجنبية، ولكن المراقبين يقولون: إن هؤلاء المرتزقة يمكن أن يضحوا بالكثير مقابل الضمانات والميزات التي وفرتها لهم الإمارات، علاوة على غض طرف بلادهم عما يفعلونه من الناحية القانونية لأسباب متعددة، منها كون الإمارات زبونا مهما وسوقا كبيرا للمنتجات العسكرية لتلك البلاد.

جرائم الحرب المرتكبة في اليمن خصوصا تقوم بأغلب عملياتها البرية قوات المرتزقة، وكل العمليات الجوية التي تتم عن طريق الطائرات المروحية يعتبر المسؤول المباشر عنها الجنرال الأمريكي ستيفن توماجان، المعين في الإمارات كقائد القوات الجوية المشتركة الإماراتية.

على الرغم من إعلان الإمارات سحب قواتها من اليمن، إلا أنها لا تزال تحتفظ بتواجد قوي في أرخبيل سقطرى الاستراتيجي، وتلعب دورا في استقطاب العديد من منتسبي الأجهزة الأمنية بجزر الأرخبيل، لتوظيفهم كمرتزقة لصالحها، ولتفريغ تلك الأجهزة من قوتها لصالح تعزيز قوة المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيا.

لا يتوقف دور المرتزقة في الإمارات على مجرد الاشتراك في العمليات القتالية، بل ينخرطون أيضا في إطار عمليات السمسرة في السلاح، وتقوم الإمارات من خلالهم بصفقات بعدة مليارات من الدولارات.

لم يتوقف استخدام الإمارات والسعودية للمرتزقة على الرجال، بل تعداه إلى استخدام الأطفال، وتستغل كلا الدولتين الحالة الاقتصادية السيئة بالسودان منذ عقود لتوظيف الآلاف من أبناء السودان كمرتزقة، والتضحية بهم بالزج بهم في مقدمة الصفوف بالمعارك ضد الحوثيين، مسببة سقوط قدر هائل من الضحايا السودانيين.

يقوم الفريق محمد حمدان دقلو، الشهير بحميدتي، بدور فعال في صفقات المرتزقة السودانيين لصالح الإمارات، سواء عن طريق تسهيل استخدام مقاتلي ميليشيات الجنجويد، أو تسهيل انتقال المرتزقة للخارج، وبخاصة إلى ليبيا، لتقاتل تلك الميليشيات تحت قيادة خليفة حفتر، بتمويل وإشراف من الإمارات.

يتضح دور محمد دحلان في صفقات المرتزقة لصالح الإمارات، لاسيما فيما يتعلق بالشخصيات ذات العلاقات الوثيقة مع إسرائيل، مع بيان زياراته المتعددة لإسرائيل لتفقد معسكرات تدريب المرتزقة هناك، وربما ما هو أكثر من ذلك بطبيعة الحال، كما تقوم إسرائيل بدور في تدريب المرتزقة لصالح الإمارات، ولا يقتصر الأمر على مجرد الدور التدريبي، بل يتعدى إلى دخول شركات المرتزقة المملوكة لإسرائيل على الخط. 

على الأرض، يتضح الدور المحوري لمحمد بن زايد، وحتى المملكة العربية السعودية ليس لها نفس الثقل الميداني والتحكم في اللاعبين والقوات كما يتحكم بها بن زايد، لاسيما من خلال فرق المرتزقة التي سيطرت على ميناء عدن لفترة طويلة، وظهر ذلك بشكل أكبر خلال المفاوضات الأخيرة لتشكيل حكومة يمنية من طرفي النزاع في جنوب اليمن.


المراجع:

اضغط لتحميل الملف
مشاركات الكاتب