هل تعرض وزير الداخلية الليبي لمحاولة استهداف ؟

اضغط لتحميل الملف

هل تعرض وزير الداخلية الليبي لمحاولة استهداف ؟

في ظهيرة يوم 21 فبراير 2021، انتشرت أنباء بحدوث محاولة اغتيال فاشلة لوزير الداخلية المفوض بحكومة الوفاق الوطني الليبية فتحي باشاغا وهو في طريق عودته إلى مقر إقامته بمنطقة جنزور غرب طرابلس، وأصدرت وزارة الداخلية بيانا رسميا تؤكد فيه حدوث المحاولة، التي اشترك فيها ثلاثة أفراد، قُتل أحدهم، وقُبض على الاثنين الآخرين، وفقا للبيان. فما حقيقة ما حدث يومها؟

تفاصيل الحادث

اختلفت التفاصيل وفق روايتين، رواية وزارة الداخلية، ورواية “جهاز دعم الاستقرار” التابع بشكل مباشر لرئيس حكومة الوفاق الوطني فايز السراج، حيث كان المتهمون في الحادث ثلاثة عناصر تابعين للجهاز.

أعلنت داخلية الوفاق في بيان رسمي أن وزير الداخلية تعرض في الساعة الثالثة بعد ظهيرة يوم الأحد الموافق 21 فبراير لمحاولة اغتيال عبر رماية مباشرة باستخدام أسلحة رشاشة من سيارة مصفحة نوع تويوتا 27، وعلى إثر ذلك تعاملت عناصر حماية موكب الوزير مع السيارة، ما أدى لمقتل أحد المهاجمين، والقبض على الاثنين الآخرين، ثم اتُخذت الإجراءات بشأن إحالة القضية لمكتب النائب العام للتحقيق واتخاذ المسار القانوني لمعاقبة الجناة، بحسب ما أفاد البيان.

من جهته، أصدر جهاز دعم الاستقرار بيانا نفى فيه تورط عناصره في أي محاولة اغتيال، متعهدا بالملاحقة القانونية لمن أطلقوا النار بدون وجه حق على موظفين تابعين له، وذلك وفقا للتشريعات النافذة المنظمة لعمل المؤسسات في الدولة، بعيدا عن الادعاءات الباطلة والبهرجة الإعلامية التي لا تخدم العلاقة بين الأجهزة الأمنية الرسمية، وفق نص البيان.

وقد أصيب في الحادث أحد عناصر حراسة فتحي باشاغا، وأحد المتهمين بالهجوم، وقُتل فيه رضوان الهنقاري، أحد عناصر جهاز دعم الاستقرار، والمنحدر من الزاوية، وهو ما نجم عنه في الأغلب اقتحام مجموعة مسلحة من الزاوية لميدان الشهداء بالعاصمة طرابلس بعد مقتله، مطلقين النيران بكثافة في الهواء، فيما بدا أنه احتجاج على الحادث وعلى رواية وزارة الداخلية.

رد الفعل الأمريكي السريع واللافت

سارعت السفارة الأمريكية في ليبيا بإصدار بيان أعرب فيه السفير الأمريكي ريتشارد نورلاند عن غضب الولايات المتحدة من الحادث، والتعاطف مع العنصر المصاب من حراسة باشاغا، مؤكدا على الدعم الأمريكي الكامل لجهود باشاغا فيما أسماه “إنهاء نفوذ الميليشيات المارقة”، وداعيا إلى تحقيق سريع لتقديم المسؤولين إلى العدالة.

الجدير بالذكر أن الولايات المتحدة وبريطانيا كانتا تدعمان بشدة تولي فتحي باشاغا رئاسة الوزراء في السلطة التنفيذية الجديدة، ودفعتا في هذا الاتجاه على مدار الأشهر الماضية، وكذلك في منتدى الحوار الليبي، ولكن النتيجة جاءت معاكسة، ما دفع بعض المراقبين للقول بأن هذا البيان يهدف للضغط على السلطة الجديدة حتى يتم استمرار تعيين باشاغا في منصبه بهدف تفكيك المجموعات المسلحة في غرب ليبيا، إضافة إلى أنه يوجه رسالة واضحة باستمرار الدعم الأمريكي لفتحي باشاغا.

سياق الحادث وملابساته

بالنظر إلى ملابسات الحادث برواياته المختلفة وما ظهر حتى الآن من تعليقات وشهادات، تظهر المعطيات الآتية:

  1. موكب فتحي باشاغا مكون مما لا يقل عن 60 سيارة، منها سيارات مدرعة ومصفحة، مع طاقم حراسة كبير ومدجج بأسلحة متنوعة.
  2. لم تكن هناك سوى سيارة واحدة للمتهمين بمحاولة الاغتيال، ولم تكن معهم سوى أسلحة خفيفة، وبالتالي لن تكون تلك الأسلحة فعالة في مواجهة المركبات المدرعة والسيارات المصفحة.
  3. الطريق كان مفتوحا أمام المارة من الجهتين، حسبما تشير مقاطع مرئية صورت الحادث.
  4. لم تظهر أي أدلة على اعتراض سيارة جهاز دعم الاستقرار للموكب، بل ما ظهر هو قيام إحدى سيارات موكب باشاغا بصدم سيارة جهاز دعم الاستقرار – التي كانت تسير في نفس اتجاه الموكب – من الخلف، ما أدى لانقلابها بشكل عنيف.
  5. بعد الاصطدام، أطلقت حراسات باشاغا الأعيرة النارية على أحد عناصر جهاز دعم الاستقرار، بينما كان الهنقاري ممدا على الأرض بلا حراك قبل إطلاق النار، حسبما تظهر المقاطع المرئية.
  6. كشف تقرير الطب الشرعي بطرابلس أن الهنقاري تُوفي نتيجة كسور ونزيف داخلي ناجم عن حادث مروري، مؤكدا خلو جثمانه من أي أعيرة نارية أو شظايا.
  7. انتشرت بعض الشهادات التي تفيد بأن سيارة جهاز دعم الاستقرار ربما مارست بعض الاستفزازات لموكب باشاغا، ومن ضمن من نقل ذلك المحلل السياسي محمد الهنقاري، ابن عم القتيل الوحيد في الحادث.
  8. سلّمت وزارة الداخلية لقوة الردع ستة من عناصر حراسات باشاغا، تورطوا في إطلاق الأعيرة النارية في الحادث، وذلك تمهيدا للتحقيق معهم من قبل النيابة.

قد تُظهر تلك المعطيات مبدئيا أن الحادث لم يكن محاولة اغتيال لوزير الداخلية، رغم ما قيل عن استفزاز سيارة المتهمين لموكب الحراسة، حيث لم تتوفر أدنى مقومات القيام بعملية اغتيال في مثل تلك الظروف، فلم توجد إلا سيارة واحدة قد لا تكفي لاعتراض الموكب من الأساس، فضلا عن خلوها من أسلحة فعالة أو عدد أفراد كافٍ للقيام بعملية اغتيال لشخصية في حجم باشاغا وفي قوة حمايته، كما لم توجد متفجرات أو عربات مفخخة تستطيع أن تؤثر في المدرعات والمصفحات أو تتسبب على الأقل في تعطيل الموكب بالشكل الذي يسمح لعدد من الأفراد المسلحين بمضادات للمدرعات من القيام بالعملية.

الخلاصة

رغم خطأ ما قام به أفراد جهاز دعم الاستقرار من استفزاز لموكب حراسات فتحي باشاغا، والذي قد يكون من الطبيعي التعامل معه بعنف، لاسيما إذا كانت الجهة المقابلة تمثل عناصر حراسة لشخصية في منصب أمني كبير، وخصوصا كذلك إذا حدث هذا الأمر في خضم تلك الأجواء المتوترة والمشحونة، إلا أن المرجح عدم كون الحادث محاولة اغتيال، لاسيما مع وجود المعطيات السالف بيانها، والتي ألقت – إلى جانب تقرير الطب الشرعي الخاص بسبب وفاة رضوان الهنقاري – بظلال كثيفة من الشك حول بيان وزارة الداخلية، التي زعمت أن الحادث مدبر كمحاولة اغتيال للوزير، وأن تبادلا لإطلاق النار حدث بين الموكب وسيارة جهاز دعم الاستقرار.

لا تزال وزارة الداخلية تصر على بيانها حتى الآن، لاسيما مع ظهور فتحي باشاغا كذلك في وسائل إعلام ليبية محلية مؤكدا أن الحادث لم يكن مصادفةً، بل كان عملية اغتيال تم التخطيط لها بعناية، ويرجح وفقا لذلك سعي باشاغا لاستغلال الحادث لتحقيق أهداف معينة، قد يكون منها محاولة ابتزاز السلطة التنفيذية الجديدة لتثبيته في منصبه، ومن ثم خوض حربه المؤجلة ضد المجموعات المسلحة، والتي كان قد أطلق عليها اسم “صيد الأفاعي”، بالأخص مع الرسالة الضمنية من وراء ذلك الإصرار، والموحية بضرورة حزم الأمور ومنعها من التفلت بوجود تلك المجموعات.

تجدر الإشارة إلى أن رئيس المجلس الرئاسي الجديد محمد المنفي استنكر على حسابه على تويتر يوم 24 فبراير ما يمارسه بعض المسؤولين من ابتزازات في إطار تشكيل الحكومة، قائلا: “لن تكون الحكومة حكومة ابتزاز من قِبل بعض المسؤولين، وهم ذاتهم الذين يحكمون البلاد لأكثر من ستة سنوات”، مطالبا بتحكيم صوت العقل.

أخير، اجتمع في طرابلس بعد الحادث بعض قادة عدد من المجموعات المسلحة من طرابلس ومصراتة والزنتان، وذلك لبحث التعامل مع حادث إطلاق النار الذي قامت به مجموعة الزاوية في ميدان الشهداء بطرابلس، وفقا لوكالة نوفا الإيطالية، لكن يبدو أنه تم نزع فتيل التوتر بعد لقاء جمع قيادات من مصراتة والزاوية وطرابلس، وفقا لما أفاد به نائب رئيس جهاز دعم الاستقرار أيوب بوراس.

اضغط لتحميل الملف
مشاركات الكاتب