تداعيات كورونا على الأوضاع في مصر

اضغط لتحميل الملف

تداعيات كورونا على الأوضاع في مصر

على الرغم من التسجيل الرسمي لأعداد قليلة من الإصابات بفيروس كورونا “كوفيد-19” وسط المصريين خلال الفترة الماضية، إلا أن تداعيات الجائحة – لاسيما الاقتصادية – تتزايد، وذلك في العديد من القطاعات. وليست القطاعات الاجتماعية والسياسية بمنأى عن التداعيات الحادثة والمتوقعة على المدى القصير والطويل، وبخاصة في ظل الحرص المتزايد على تشديد القبضة الأمنية، والتعامل مع الأزمة على أنها أزمة تمس أمن النظام العسكري المسيطر على الحكم في البلاد، والذي يوصف بأنه “الأمن القومي” للبلاد.

التداعيات الاقتصادية:

على غرار معظم دول العالم، تمثل التداعيات الاقتصادية أحد أكبر التداعيات السلبية المترتبة على الجائحة، كما تعد مصدر قلق بالغ لدى النظام الحاكم، والذي بدأ باتخاذ تدابير وإجراءات في إطار محاولته للحد من الآثار السلبية الناجمة عن الجائحة. وفيما يلي لمحة عن أبرز التداعيات الاقتصادية الحادثة فعليًا خلال الفترة المنصرمة، والتي لا تزال مستمرة ومتزايدة:

(1) قرار البنك المركزي

القاضي بتحديد حد أقصى لسحب الأموال من البنوك أو عبر ماكينات الصراف الآلي بواقع 10 آلاف جنيه مصري للأفراد و50 ألف جنيه مصري للشركات، مع استثناء حد السحب للشركات وما يلزمها لصرف مستحقات عامليها، والذي كان له دور في إحداث بعض التداعيات في العديد من القطاعات، علاوة على إرباك الأسواق بشكل عام.

  • خلفيات القرار:

يأتي القرار – المعلن يوم 29 مارس 2020 – على خلفية سحب أموال تقدر بحوالي 30 مليار جنيه (حوالي 1,9 مليار دولار) على مدار الأسابيع الثلاثة الأخيرة السابقة للقرار بسبب حالة الذعر والخوف لدى المواطنين من حدوث نقص في السيولة، ما يؤدي لعملية اكتناز الأموال والاتجاه لتخزين أكبر قدر ممكن من السلع الأساسية، وهو ما دفع البنك المركزي للتوجه إلى تقنين عملية السحب النقدي بهدف محاولة خفض القوة الشرائية ومواجهة التضخم والحفاظ على مخزون البلاد من تلك السلع، وكذلك تخوف النظام [1] من ازدياد وتيرة سحب المدخرات البنكية، ما قد يؤدي إلى حدوث انهيارات في القطاع المصرفي.

يذكر أن التعليل المتداول للقرار على الصعيد الرسمي ومن قبل عدد من الخبراء المصرفيين الموالين للنظام هو محاولة تقليل تداول العملات النقدية وتخفيف الزحام بالبنوك بهدف الحد من انتشار فيروس كورونا.

  • تداعيات القرار:
  • الأضرار المترتبة على القطاعات الاقتصادية المختلفة، وبخاصة القطاعات الإنتاجية والخدمية، والتي منها الزراعة والتصنيع الزراعي والمقاولات والتصدير، والتي تعتمد في نشاطها على توريدات يومية لضمان استمرار العمليات الإنتاجية والصناعية والإنشائية، بالإضافة إلى حاجتها لصرف رواتب لعمالة يومية غير منتظمة ليس لديهم حسابات بنكية، ويتم صرف رواتبهم نقديا.
  • آثار سلبية على تحويلات المصريين العاملين بالخارج، علمًا بأن تحويلات المصريين بالخارج تعد أحد أكبر ثلاثة مصادر للناتج المحلي الإجمالي في مصر حاليا.
  • استمرار الأضرار المترتبة حتى على الشركات العاملة في السوق المصري والمستثناة من القرار، وذلك بسبب تقليص ساعات العمل بالبنوك المصرية لأقل من 6 ساعات، وحاجة العديد من الشركات لدفع الأجور والمستحقات، بما في ذلك أجور عمال اليومية، بشكل مستمر.

(2) قطاع الإنشاءات:

وفقًا لبيانات وزارة التخطيط، يعد قطاع الإنشاءات (قطاع التشييد والبناء، وقطاع الأنشطة العقارية، وقطاع المياه والصرف وإعادة التدوير) من القطاعات التي حققت نموا كبيرا ومتزايدا خلال السنوات الأخيرة، حيث حقق قطاع التشييد والبناء ناتجًا إجماليا قدره 214,6 مليار جنيه في العام المالي 2017/2018، مقارنةً بمبلغ قدره 195,1 مليار جنيه في العام السابق، محققًا نموًا بنسبة 10%، كما حقق قطاع الأنشطة العقارية ناتجًا قدره 371,6 مليار جنيه في السنة المالية 2017/2018 مقارنة بمبلغ قدره 358,5 مليار جنيه عن العام السابق، محققا نموًا بنسبة 3,7%، ومن جهته، حقق قطاع المياه والصرف وإعادة التدوير ناتجا إجماليا قدره 20,8 مليارَ جنيهٍ في السنة المالية 2017/2018، مقارنة بمبلغ 20,2 مليار جنيه في العام السابق، محققا نموا بنسبة 3,2%. وبذلك يكون قطاع الإنشاءات قد حقق ناتجا إجماليا محليا في السنة المالية 2017/2018 فقط يقدر بمبلغ 607,1 مليار جنيه، مقارنة بمبلغ 573,8 مليار جنيه عن العام السابق، محققا نموا بنسبة 5,8%، ومساهمًا في العام المالي 2017/2018 بنسبة 16,9% من الناتج المحلي الإجمالي للدولة، وهي نسبة مرتفعة لقطاع واحدٍ من القطاعات الاقتصادية.

وبذلك يعد القطاع العقاري من أكبر القطاعات المتضررة من الجائحة، لذلك حرص مجلس الوزراء على إصدار قرارٍ  بعودة العمل بالقطاع بكامل طاقتِهِ بحلول السبت 11 أبريل، ما ساهم في خلق حالة من الجدل وسط القطاع، كما سيأتي بيانه.

ومن أبرز ما يعاني منه القطاع في ظل الجائحة:

  • تأثر القطاع بقرار البنك المركزي بتحديد حد أقصى للسحب من ماكينات الصراف الآلي ومن البنوك، حيث يعتبر القطاع العقاري من القطاعات التي تحتاج إلى وجود سيولة مستمرة لتسيير أعماله، بما في ذلك آلية دفع المستحقات المالية، والتي لا تتم سوى عن طريق “الكاش” فقط، لاسيما عمليات المقاولات التي تتم من الباطن، والتي تحتاج كميات كبيرة من النقد.
  • رفض “هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة” تأجيل الأقساط المستحقة على شركات التطوير العقاري لمدة 6 أشهر، معللةً رفضها بحصول الشركات العقارية على تسهيلات ائتمانية من البنك المركزي، وانتظام مواردها المالية حيث لم تؤجل أقساط عملائها.

ومن شأن هذا القرار احتمالية إثارة أزمة بين الهيئة وبين القطاع العقاري الذي يحتاج لتداول السيولة بشكل مستمر من أجل استكمال مشاريعه، والتي ربما تواجه كذلك أزمة في ظل التعثر المحتمل لتسديد العملاء للأقساط المستحقة عليهم في ظل الأزمة الاقتصادية الناجمة عن الجائحة، وفي ظل الأثر المترتب على تحويلات العاملين بالخارج من عملاء شركات التطوير العقاري.

  • ربما يؤدي كذلك اتجاه بعض الهيئات والوزارات لتأجيل الأقساط المستحقة على شركات القطاعات المتماسة معها في ازدياد الأزمة بين هيئة المجتمعات العمرانية والقطاع العقاري، حيث قررت – على سبيل المثال – وزارة الري تأجيل تحصيل رسوم المراكب السياحية بأنواعها حتى إشعار آخر.
  • بدأ القطاع يعاني تراجعًا في معدلات العمل بمواقع المشروعات لأكثر من النصف، حيث قلصت شركات المقاولات العمالة في مواقع المشروعات لأكثر من نصف طاقتها كإجراء احترازي للحد من انتشار فيروس كورونا بين العاملين، وهذا من شأنه التأثير على معدلات تنفيذ المشروعات بشكل عام. وعلى الرغم من قرار مجلس الوزراء عودة الشركات العقارية للعمل بكامل طاقتها ، إلا أن هذا الأمر يعد مثار جدل وعدم يقين في ظل تخوف العمال من العدوى، مع عدم وضوح الرؤية بشأن الإجراءات الاحترازية التي تتخذها الشركات العقارية للحد من انتشار العدوى.
  • التراجع الفعلي في مبيعات شركات التطوير العقاري، وتوقف مبيعات العديد من شركات القطاع في الفترة الحالية، وذلك بسبب نقص السيولة لدى تلك الشركات في الوقت الراهن.
  • الأثر السلبي الذي يتركه الاضطرار إلى تأخير العديد من المشاريع أو وقفها بسبب استمرار الجائحة والاضطرار إلى تعليق العمل بمواقع المشاريع بشكل كامل، علاوة على توقف سلاسل التوريد التي تمد القطاع بكثير من المواد اللازمة للإنشاءات، ما يزيد من احتمالية عدم تعافي العديد من المشروعات العقارية حتى بعد انتهاء الأزمة.

جديرٌ بالذكر أن ” اتحاد مقاولي التشييد والبناء ” يعتزم فعليا تقديم طلب إلى الجهات الحكومية لزيادة مدة تنفيذ المشروعات 6 شهور، وذلك في جميع عقود المقاولات للمشروعات الجاري تنفيذها في ضوء التحديات التي يشهدها القطاع حاليا نتيجة انتشار فيروس كورونا المستجد، بما في ذلك عدم انتظام العمل والتأثر بحظر التجوال ومخاوف العمالة من العودة للعمل.

  • التهديد بتوقف المشروعات بالكامل، وانهيار القطاع ككل في حال عدم قدرة العملاء على الاستمرار في تسديد الأقساط المستحقة عليهم، سواء في ظل الأزمة الاقتصادية المؤثرة على الحالة المالية للعملاء، أو في ظل فرض التباعد الاجتماعي وإغلاق العديد من الدول لمصارفها وشركات الصرافة فيها، ما يحول دون تحويل الأقساط للشركات. ويعزى التخوف من انهيار القطاع كذلك إلى المخاوف إزاء التراجع المستمر في المبيعات.
  • ومن التداعيات المهمة المتعلقة بالقطاع جراء الجائحة؛ قرار السيسي تأجيل افتتاحات المشروعات الكبرى التي كان من المفترض إنجازها خلال العام الحالي 2020 إلى العام القادم 2021، بما في ذلك نقل المقار الحكومية إلى الحي الحكومي بالعاصمة الإدارية الجديدة، والذي كان مزمعا إتمامه بحلول يونيو 2020 على الرغم من أن الحي لا يزال يحتاج فترة طويلة لإتمامه، بلغت حد تصريح فتح الله فوزي، رئيس لجنة التشييد بجمعية رجال الأعمال، بأنه يحتاج ما يقارب 10 سنوات، فيما يوحي بأن قرار السيسي كان كطوق نجاة للشركات، وكحفظ لماء وجه النظام، الذي يعاني عدة مشكلات تتعلق بإنجاز مشروع العاصمة الجديدة الذي فاقت تكاليفه 58 مليار دولار، بما في ذلك صعوبات في جمع التمويل، إضافة لتحديات أخرى بسبب انسحاب بعض المستثمرين.

(3) القطاع السياحي:

يظل القطاع السياحي من أبرز القطاعات التي تعاني جراء الأزمة، وتزيد معاناتها بزيادة أمد الجائحة، مع تأكيد التقارير على تأخر تعافي القطاع لفترة تتراوح بين 10 إلى 34,9 شهرا بعد انتهاء الأزمة، أي بمتوسط 19,4 شهرا، وهي الفترة التي تعد طويلة على قطاع يمثل في الآونة الأخيرة ما يقرب من 12% من الناتج المحلي الإجمالي لمصر، ويُدِرُّ ما يقارب مليارَ دولار ٍ شهريًا، ويعمل به حوالي 9,5% من القوى العاملة في البلاد (حوالي 1,3 مليون شخص على الأقل يعملون في القطاع بطريقة مباشرة، غالبيتهم في الفنادق وشركات السياحة).

وكان قطاع السياحة قد شهد تطورا ملحوظا في معدل إيراداته في السنوات الأخيرة، حيث حقق مجمل إيرادات عام 2019 تقدر بحوالي 13,03 مليار دولار، مقارنة بحوالي 11,6 مليار دولار عن عام 2018، محققا نموا بنسبة تقدر بحوالي 12,5% عن ذلك العام، وزيادة بنسبة 67% عن إيرادات عام 2017، التي بلغت 7,8 مليار دولار، وزيادة بنسبة 420% عن عام 2016، والتي بلغت إيراداتها حوالي 2,5 مليار دولار، حسبما أشار البنك المركزي المصري.

ومن بعض التداعيات المرصودة مؤخرا فعليا:

  • اتخذت بعض الشركات العاملة في القطاع بالفعل قرارا بتسريح عدد من العمال جراء الخسائر المترتبة على توقف التدفق السياحي بشكل كامل وإلغاء رحلات الطيران حول العالم. ويعد الجانب الأكثر تضررا هو العمالة السياحية المدربة، والتي تضطر لترك القطاع والبحث عن أفاق عمل أخرى أو مهن أخرى خارجه، وهو ما يتسبب في الحاجة إلى تدريب وتأهيل عمالة جديدة بعد اتجاه القطاع للتعافي، مع استهلاك أوقات وجهود في ذلك، علاوة على استهلاك أموال تقارب 50 ألف جنيه في تدريب كل عامل جديد كي يكون مؤهلا للعمل في القطاع. والبديل للاستغناء عن العمالة في ذلك القطاع الحيوي يتمثل في تحمل الحكومة لأعباء الأجور – أو نسبة منها – على غرار ما تفعله بعض الدول الأجنبية، حسب رؤية ائتلاف العاملين بالسياحة.

تجدر الإشارة إلى أن ” ائتلاف العاملين بالسياحة” أعلن يوم الإثنين 6 أبريل تلقي جميع المنشآت الفندقية والسياحية رسالة من وزارة السياحة بالاتفاق مع “الاتحاد المصري للغرف السياحية” بعدم الاستغناء أو تسريح العمالة، وذلك من أجل الحفاظ على العمالة المدربة الماهرة.

  • أُلغيت بالفعل العديد من المعارض والمؤتمرات السياحية الكبرى والتي عادة ما توقع فيها الشركات المصرية على الاتفاقيات والشراكات الخاصة بها للعام التالي، ما يعني أن السياحة فاتها بالفعل اتفاقيات محتملة لعام مقبل، حسبما صرح وزير المالية محمد معيط لموقع إنتربرايز.
  • فقدت شركات السياحة المصرية فرصة تنفيذ رحلات عمرة لنحو 200 ألف معتمر، 100 ألف منهم خلال شهر شعبان، و100 ألف أخرى خلال شهر رمضان، وذلك بسبب تعليق السلطات السعودية الدخول لأراضيها لأغراض العمرة، مع عدم إصدار قرار رسمي بإلغاء موسم العمرة الحالي، ولكن في ظل الحالة الراهنة يصعب القول بفتح باب العمرة على الأقل فيما تبقى من شعبان علاوة على كامل شهر رمضان.

(4) البورصة:

  • تراجعات البورصة:
  • تراجع أداء البورصة المصرية خلال الأسبوع الأخير من شهر مارس على خلفية ذعر المستثمرين من تداعيات فيروس كورونا، مع انخفاض المؤشر الرئيسي للبورصة المصرية “إيجي إكس 30 EGX 30” خلال ذلك الأسبوع بنسبة 4.6%، مع تحقيق خسائر سوقية تقدر بنحو 11,5 مليار جنيه.
  • تجدر الإشارة إلى أن الأسبوع الأول من شهر مارس كان قد شهد تحقيق البورصة المصرية لخسائر تقدر بمبلغ 22,5 مليار جنيه، كما سجل مؤشر “إيجي إكس 30” يوم الإثنين 9 مارس 2020 أكبر خسارة يومية منذ عام 2012، وذلك بعد أن أغلق متراجعا بنسبة 7.3%.
  • وبصورة عامة، تراجع رأس المال السوقي للبورصة المصرية بنحو 175.4 مليار جنيه خلال جلسات الربع الأول من عام 2020، ليغلق عند مستوى 532.9 مليار جنيه، بنسبة انخفاض بلغت 24.8% عن الربع الماضي، وهبط رأس المال السوقي للمؤشر الرئيسي “إيجي إكس 30” من 401.4 مليار جنيه إلى 275.5 مليار جنيه، بنسبة انخفاض بلغت 31.4%، وانخفض رأس المال لمؤشر الأسهم الصغيرة والمتوسطة من 205.1 مليار جنيه إلى 163 مليار جنيه بنسبة انخفاض بلغت 20.5%.

يُذكر أن شهر مارس وحده شهد خسارة في القيمة السوقية للبورصة بنحو 134,1 مليار جنيه، حيث كانت البورصة قد أغلقت في شهر فبراير محققة 667 مليار جنيه.

  • التخارج من البورصة:

توقع هاني توفيق، الخبير الاقتصادي ورئيس جمعيتي الاستثمار المباشر المصرية والعربية السابق، في يوم التراجع الكبير للبورصة الموافق الإثنين 9 مارس، أن تشهد سوق المال موجة من التخارجات فى ظل عدم وضوح الرؤى بشأن ما ستؤول إليه أوضاع السوق، لاسيما مع تضرر الاقتصاد بشكل عام جراء فيروس كورونا. وصدق توقع توفيق، حيث أكد محافظ البنك المركزي المصري يوم 29 مارس تنفيذ الأجانب بالفعل تخارجات من البورصة المصرية بلغت قيمتها 500 مليون دولار (حوالي 7 مليارات جنيه)، وهو ما أدى إلى القيام بمبادرات حكومية ورئاسية لدعم البورصة، بما في ذلك دعمها بمبلغ 20 مليار جنيه، إلا أن بعض محللي البورصة المصرية أكدوا في ختام شهر مارس بأن هناك إصرارا من المستثمرين الأجانب على التخارج من السوق من أجل دعم مراكزهم المالية السيئة في أسواقهم التي تأثرت بوباء “كوفيد-19″، على الرغم من تلك المبادرات الحكومية الرامية لدعم البورصة، والتي تعد تحركات السوق السلبية أكبر منها.

(5) القطاع الزراعي:

  • شهد القطاع الزراعي توقفًا تاما لصادرات مصر من الأقطان، وذلك على خلفية توقف حركة الشحن وعدم قدرة التجار على إبرام عقود جديدة، وسط تراجع الطلب على الأقطان بسبب إغلاق المصانع بشكل عام، ومصانع الغزل والنسيج بشكل خاص. وعلى ناحية أخرى، قد تؤدي توقف حركة التصدير وتراجع أسعار القطن (تراجعت حاليا من 2700 جنيه إلى 2000 جنيه للقنطار) إلى تراجع مساحة زراعة القطن في الموسم المقبل.
  • توقفت العديد من شركات الحاصلات الزراعية عن العمل بشكل كامل بسبب توقف صادرات المنتجات الزراعية نتيجة غلق العديد من الدول لحدودها، وتأخر شحن البضائع إلى الدول التي لا زالت تسمح بالدخول، علاوة على الارتفاع الكبير لأسعار الشحن. وكانت المملكة العربية السعودية وعدة دول أوروبية قد رفضت قبول الحاصلات الزراعية المصرية في الآونة الأخيرة كإجراء احترازي ضد تفشي كورونا، وذلك في ظل صعوبة إيجاد تلك الشركات أسواقا بديلة في الفترة الراهنة.

(6) القطاع الصناعي:

  • تقدم اتحاد الصناعات المصرية بورقة عمل للحكومة تعكس معاناة ومخاوف القطاع الصناعي جراء أزمة كوفيد-19، حيث تتضمن الورقة عددا من المطالب العاجلة، ومن أهمها تأجيل تقديم الإقرارات الضريبية والإعفاء من ضريبة الدخل والتأمينات 3 أشهر، وإعادة النظر في برنامج المساندة التصديرية وصرف المستحقات المتأخرة، وأيضا خصم 50% من قيمة الرسوم المفروضة على الطرق، والإعفاء من القسط الثابت في الكهرباء وغرامات الغاز، وزيادة نسبة التصدير للداخل في المناطق الحرة لتصبح 50% بدلا من 20% حاليا.
  • من المتوقع انخفاض الطاقة الإنتاجية لمصانع الغزل والنسيج بشكل كبير خلال المرحلة المقبلة في ظل اعتماد القطاع على استيراد الغزل من الخارج وخاصة من الصين، علاوة على إجهاد القطاع نتيجة الأعباء المتراكمة عليه، وخاصة في هذا التوقيت الذي يمر فيه الاقتصاد المحلي والعالمي بظروف صعبة.
  • الكثير من المصانع المصرية مهددة بالتوقف حال نفاد مخزون المواد الخام، والتي يُستورد الكثير منها من الصين، ومع توقف الواردات في الوقت الراهن من الصين، واحتمالية عدم استئنافها على المدى القريب على الأقل، قد تضطر العديد من المصانع للتوقف عن الإنتاج بشكل كامل.
  • ارتفاع خسائر شركة مصر للألومونيوم إلى ما يقرب من 800 مليون جنيه بسبب توقف التصدير الذي أدى لتراكم المخزون بمقدار وصل إلى 80 ألف طن، وما يعزز من الخسائر هو أن 80% من الإنتاج مخصص للتصدير، علاوة على أن نسبة العشرين بالمائة الموجهة للسوق المحلي تفيض عن حاجته.
  • أصدرت نيفين جامع، وزيرة التجارة والصناعة، في 28 مارس القرار رقم 194 لسنة 2020، بشأن وقف تصدير البقوليات لمدة 3 أشهر، وذلك لتوفير احتياجات المواطنين من السلع وبصفة خاصة السلع الأساسية، مع استثناء 3 أصناف هي “الفاصوليا البيضاء، والحمص المعلب، والفول الأخضر المجمد”.

(7) هيئة النقل العام:

تكبدت هيئة النقل العام المصرية خسائرَ تفوق60 مليون جنيه بسبب الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها الحكومة  لمواجهة آثار فيروس كورونا، ما حدا بمسؤولي النقابة العامة للعاملين بهيئة النقل العام رفع مذكرة رسمية إلى المسؤولين لتعويض الهيئة عن تلك الخسائر، وسرعة صرف مستحقات العاملين المتضررين بالهيئة، لاسيما في ظل ما يجري من تداول أحاديث بين العاملين باتجاه الهيئة عدم دفع مستحقاتهم كاملة رغم صدور قرارات بعدم إيقاع ضرر مالي على العاملين.

(8) قطاع الطيران

أعلن رئيس الوزراء خلال مؤتمر صحفي عن وقف حركة الطيران بأن الشركة الوطنية للطيران “مصر للطيران” ستتكبد خسائر تقدر بنحو 2,25 مليار جنيه، علاوة على أن الشركة كانت قد بدأت تفقد قبل ذلك البيان أكثر من 200 رحلة أسبوعيا مع إعلان عدد من الدول توقف الرحلات إلى مصر، بسبب فيروس كورونا.

ومن جهتها، تؤكد التقارير الدولية والإقليمية حدوث خسائر فادحة في القطاع جراء وقف رحلات الطيران بشكل كبير بين دول العالم، مع توقع خسائر في الإيرادات بنهاية العام قد تتجاوز 250 مليار دولار على المستوى العالمي (مع ذكر تفاصيل)، بما في ذلك خسارة 23 مليار دولار في دول منطقة الشرق الأوسط وحدها، بما يعادل خسارتها لنسبة 39% من عائدات الصناعة، حسبما أشار “الاتحاد الدولي للنقل الجوي (إياتا، IATA)”، والذي أكد كذلك على أن عمليات استرداد قيمة تذاكر الطيران داخل منطقة الشرق الأوسط زادت بنسبة 75% خلال الفترة من أول فبراير حتى منتصف مارس، مع إلغاء 16 ألفًا من رحلات المسافرين في المنطقة منذ نهاية يناير، مع تحقق خسائر فعلية لشركات الطيران بالمنطقة تبلغ ما يقدر بحوالي 7,2 مليار دولار حتى 11 مارس 2020.

وقد أشار “الاتحاد الدولي للنقل الجوي (إياتا، IATA)” بأنه من المتوقع أن تبلغ خسائر شركات الطيران المصرية حوالي 1,6 مليار دولار، نتيجة التوقع بانخفاض عدد المسافرين بما يقارب 9,5 ملايين مسافر، ما يهدد بفقد ما يقارب من 205,560 وظيفة بالقطاع، إضافة إلى التهديد بخسارة الاقتصاد المصري لحوالي 2,4 مليار دولار عام 2020.

بعض التداعيات المتعلقة بالقطاع الطبي

يعاني القطاع الطبي كالعادة معاناةً شديدة في التعامل مع الأزمة، سواء من ناحية إجبار الأطقم الطبية على العمل في مستشفيات العزل الصحي تحت إشراف من قبل الجيش – السلطة الحاكمة فعليا في البلاد – أو من جهة التعرض لمخاطر كبرى لا يقابلها أدنى اهتمام من قبل مسؤولي النظام الحالي، أو حتى مكافآت مالية تعويضية عن الجهود أو المخاطر، علاوة على القبضة الأمنية المشددة والمتحكمة في التعامل مع الأزمة. ومن بين التطورات الأخيرة المتعلقة بالقطاع الطبي:

  • يواجه الأطباء نقصا حادا في المستلزمات الطبية بالمستشفيات – غير المجهزة من الأساس – ولوازم إجراء التحاليل الطبية للكشف عن الفيروس، علاوة على تكدس المرضى في غرف الاستقبال، وتعرض العشرات من الأطقم الطبية للعدوى في الآونة الأخيرة.
  • التعامل الأمني مع الطواقم الطبية ومع الأزمة بشكل عام واعتبارها مسألة أمن قومي وانعدام الشفافية حيالها، والتهديد بإحالة الأطقم الطبية إلى الجهات الأمنية حال إعلانهم عن الحالات المصابة أو أعدادها الحقيقية.
  • أصدرت نقابة الأطباء المصرية بيانا رحبت فيه بإنشاء صندوقٍ للكوارث، واقترحت النقابة أن يتضمن الصندوق جزأين؛ الأول يتعلق بتعويضات للكوارث، والثاني يمنح معاشًا تكميليًا لجميع الأطباء، كما عبرت في البيان عن عدم الرضا من الزيادة التي قررها السيسي بنسبة 75% للأطباء، وهي التي تتراوح بين 400 إلى 700 جنيه شهريا، وهو ما دفع أمين عام النقابة إيهاب الطاهر إلى التأكيد على أنها شيءٌ محبط إذا لم يصحبها قرارات لتحسين أوضاع الأطباء في مصر، ورد عليه العديد من الأطباء بأنها زيادة مهينة ولا تليق بهم. كما علق الطاهر على الحملات الإعلامية التي تحاول تصدير فكرة حصول الأطباء على حقوقهم بهذه الزيادات، بأنها حملات سلبية ومستفزة، وطالب بدلا من ذلك بتوفير مستلزمات الوقاية، والشد على أيدي الأطباء، والتوقف عن بث الرسائل السلبية.
  • أصدر السيسي قرارا بزيادة مكافأة أطباء الامتياز العاملين بالمستشفيات الجامعية لتصل إلى 2200 جنيه شهريا، علما بأن الزيادة كانت قد تمت في الأساس – حسبما أكد أمين نقابة الأطباء – بقانون صدر في سبتمبر 2019، أي: قبل الجائحة ومنذ ستة أشهر كاملة، وهذا القانون فرض واجبات إضافية على جميع أطباء الامتياز مقابل منحهم تلك الزيادة في المكافأة (أي: إن القانون منح زيادة في المكافأة مقابل زيادة في الالتزامات).

مسألة شفافية النظام في التعامل مع الأزمة:

لا تزال أزمة انعدام الشفافية مهيمنة على أحداث الجائحة في مصر، فالنظام يصر على التعامل الأمني مع الأزمة، ويعتبر أن أي إعلان عن بيانات أو أعداد للمرضى كأنه خرق للأمن القومي وانتقاد موجه للنظام ورأسه، مع استبعاد وطرد مراسِلةِ صحيفة الجارديان البريطانية  روث ميشيلسون جراء إعلانها في تقرير لها مستند إلى دراسة صادرة عن جامعة تورنتو تقرر بأن حالات الإصابة في مصر تفوق بكثير ما يعلنه النظام. وفي ذات السياق، يراقب النظام المواقع الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي عن كثب، مع تعريض من ينشر معلومات عن انتشار العدوى للإحالة إلى الأجهزة الأمنية وخطر الاعتقال.

ومما يعزز انعدام الشفافية لدى النظام فيما يتعلق بالتعامل مع الجائحة:

  • تشكيك صحيفة الجارديان المدعوم بتقرير صادر عن اختصاصيين في الأمراض المعدية، مع البناء على أسس علمية في حساب الحالات.
  • ما سبق بيانه من تشديد القبضة الأمنية المتحكمة في التعامل مع الجائحة والتهديد بإحالة الأطقم الطبية إلى الجهات الأمنية حال إعلانهم عن الحالات المصابة أو أعدادها الحقيقية.
  • إصدار القوات المسلحة لبيانات سرية – سربت لجهات حقوقية ووسائل إعلامية وصحفيين – تؤكد انتشار العدوى في عدد من المحافظات، مع فرض إجراءات احترازية تخص حماية القوات المسلحة فقط دونًا عن القرى والمدن المصابة.
  • إصدار وزارة التجارة والصناعة قرارا يقضي بتوريد منتجات ومخزون الشركات المصرية المنتجة والمستوردة للمستلزمات الطبية اللازمة للتعامل مع “كوفيد-19” بشكل مباشر للهيئة المصرية للشراء الموحد  [2] – مع استثناء القوات المسلحة والشرطة من القرار – والتي ستتولى بدورها التوريد لكافة المستشفيات الحكومية والجامعية، ما يشير إلى ضرورة تخطي سلسلة التوريد والإجراءات البيروقراطية من أجل التعامل السريع مع معدل حالات من المرجح كونه ليس بالقليل، علاوة على معدل انتشار في مناطق ومحافظات متعددة.
  • بدء ظهور حملات إعلانية للتبرع بشراء أجهزة تنفس صناعي لمواجهة مضاعفات الحالات، ما يدل على وجود حالات تفوق التجهيزات الموجودة حاليا في المستشفيات، وهو ما يتعارض مع الأرقام المعلنة، ومعلوم كون مثل تلك الحملات لن تصدر بعيدا عن موافقة الجهات الأمنية، والتي تُظهر وسائل الإعلام الموالية لها كون الأمر مشاركة من الفنانين المصريين في معالجة الأزمة.
  • صدور تعليمات بزيادة عدد مختبرات التحاليل الطبية التي يتوافر بها تحليلات الكشف عن “كوفيد-19″، مع زيادة المحافظات التي يتعين تواجد اللوازم بها.
  • بناء الجيش لمستشفيات ميدانية للتعامل مع زيادة الحالات، فلو كانت الحالات بالمعدلات المعلنة، ما الحاجة لبناء مستشفيات ميدانية؟ وما الحاجة لزيادة المستشفيات من الأساس مع تكرار الإعلان الرسمي عن توافر عدد كافٍ من المستشفيات لمواجهة الأزمة؟!

قد تفسر بعض تلك الإجراءات على أنها إجراءات إيجابية تهدف إلى الوقاية من انتشار العدوى، والحد من الإصابة بالمرض، ولكن الإجراءات الأمنية الصارمة والتعتيم المفروض والتهديدات التي يتعرض لها الإعلاميون والطواقم الطبية وحتى رواد وسائل التواصل الاجتماعي، علاوة على المبالغة في نوعيات استعدادات معينة – كبناء مستشفيات ميدانية مثلا – والبيانات السرية التي فضحت انتشار العدوى بعدد من المحافظات، مع اهتمام النظام العسكري الحاكم بالقوات المسلحة فقط دونا عن المواطنين، كل ذلك يعزز من كونها إجراءات لمواجهة حالات متزايدة وتفوق المعلن عنه من جهة، علاوة على المخاوف التي تنتاب الأجهزة إزاء تفاقم الجائحة بشكل قد يخرج عن السيطرة، لاسيما مع عدم جاهزية القطاع الطبي بشكل كبير لمواجهة التفاقم الكبير للجائحة.

التداعيات المتعلقة بالجانب الديني

تستمر وزارة الأوقاف بمنع صلوات الجمع والجماعات بالمساجد والجوامع والزوايا في جميع أنحاء الجمهورية، مع الاكتفاء برفع الأذان فقط، وذلك على غرار الإجراء الذي اتخذته العديد من الدول العربية والإسلامية التي انتشرت بها الجائحة، بيد أن القرار لاقى استهجانا لدى قطاعات من الأئمة وعموم الشعب، واتجاه بعض الأئمة لإقامة الجمع والجماعات ببعض المساجد، ما حدا بوزارة الأوقاف إلى التهديد بإنهاء خدمة أي إمام يفتح المسجد للصلاة، كما أعلنت الأوقاف فعليا إنهاء خدمة 3 أئمة وفصلهم نهائيا، بسبب مخالفتهم قرارها بغلق المساجد، وقيامهم بفتحها أمام المصلين في محافظتي الجيزة وبني سويف.

وفي ذات السياق، أظهرت الجائحة اتجاهًا للعودة إلى الدين، والتضرع إلى الله بإزاحة الغمة، حيث خرجت جموع من أهالي الإسكندرية إلى شرفات العقارات السكنية للتكبير والتضرع إلى الله مرددين التكبيرات والأدعية، لرفع البلاء وفيروس كورونا المستجد عن البلاد، على غرار ما حدث في المغرب، والذي تقوم به أيضا مساجد تركيا حاليا، بالإضافة إلى خروج العشرات من أهالي الإسكندرية كذلك في مسيرة مرددين فيها تكبيرات وأدعية كذلك لرفع البلاء، وكذلك الدعوات المستمرة على وسائل التواصل الاجتماعي بضرورة الرجوع إلى الله والتضرع له، والتنظير الشرعي لمسألة التكبير والدعاء الجماعي في الجوائح.

وفي سياق متصل، رصدت صحيفة المونيتور شعور بعض المصريين بالإحباط جراء إغلاق المساجد، لاسيما في خضم هذه الأزمة التي تحتاج إلى الرجوع إلى الله، وليس إغلاق أماكن العبادة.

خاتمة

تداعيات جائحة “كوفيد-19” متزايدة، وتتغير الأرقام والأحداث فيها بشكل مستمر على جميع الصُّعُد الصحية والاقتصادية والسياسية وغيرها، ولكن تعامل النظام المصري مع الأزمة يمثل أزمة في حد ذاته، كعادة النظم العسكرية الدكتاتورية الشمولية، ما يشكل مصدرَ قلقٍ بالغ على صحة وحياة المواطنين من جهة، وانعكاس التداعيات على المجتمع من جهة ثانية، لاسيما فيما يتعلق باستغلال النظام الحاكم للإجراءات المشددة الجديدة في الإحكام الأكبر لقبضته الأمنية على البلاد، مُعمِّقًا استبدادَه وخانقا للحريات بشكل أكبر، مستغلا الثنائية التي تحصرها الأنظمة المستبدة في الخيار بين الصحة والحرية.


الهامش

[1] – يأتي نص تصريحات محافظ البنك المركزي بقوله “إحنا لازم نأخد قرارات تحمي الاقتصاد وتحمي البنوك بتاعتنا” معززا للفرضية القائلة بالتخوف من حدوث انهيارات مصرفية في ظل زيادة سحب المدخرات البنكية.

[2] – لم تكن هي الجهة الوحيدة المنوطة بالشراء من الشركات، ولكنها أصبحت حاليا الوحيدة المخولة باستلام توريدات الشركات المنتجة والمستوردة للمستلزمات الطبية الخاصة بالأزمة الحالية من منتجات الأزمة (أقنعة، وقفازات، وملابس وقاية، وغيرها من البنود التي حددتها الوزارة)، وما دون ذلك يمكن للشركات التعاقد مع جهات أخرى.

اضغط لتحميل الملف
مشاركات الكاتب