هل ستلعب إسرائيل دور الوسيط في أزمة سد النهضة

اضغط لتحميل الملف

هل ستلعب إسرائيل دور الوسيط في أزمة سد النهضة

اجتماع سامح شكري بنظيره الإسرائيلي في بروكسل

زار وزير الخارجية المصري سامح شكري عاصمة الاتحاد الأوروبي بروكسل لبحث موقف مصر بخصوص أزمة سد النهضة، بعد فشل مصر والسودان في جلسة مجلس الأمن بتمرير القرار الذي قدمته تونس نيابة عن مصر والسودان باعتبارها عضو غير دائم، وقال المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية أحمد حافظ، إن الوزير سيسلم خلال الزيارة رسالة من السيسي إلى رئيس المجلس الأوروبي. كما سيعقد شكري لقاءً مع وزراء خارجية دول الاتحاد الاوروبي وسيجري اجتماعات ثنائية مع نظرائه الأوروبيين وكبار المسؤولين بالمفوضية الأوروبية لمناقشة العلاقات الثنائية والقضايا الإقليمية محل الاهتمام المشترك، لكن اللافت للنظر اجتماع شكري مع نظيره “الإسرائيلي” يائير لابيد، في بروكسل، ما يضع علامات استفهام عن توقيت الاجتماع في سياق الهدف الأكبر المعلن للزيارة وهو سد النهضة.

وفي سياق آخر خرج الدكتور مصطفى الفقي سكرتير حسني مبارك للمعلومات ورئيس لجنة الخارجية في مجلس الشورى سابقا ومدير مكتبة الأسكندرية حاليا في مقابلة على قناة MBC مصر، طالب بتدخل إسرائيل في مفاوضات سد النهضة وأن تتعامل مصر بشكل براجماتي واقعي على حد وصفه، وأن على مصر أن تحشد كل قدراتها للضغط بشدة على أثيوبيا. يأتي ذلك التصريح تزامنا مع اجتماع شكري بوزير الخارجية الإسرائيلي.[1] 

زيارة سامح شكري لتل أبيب في يونيو 2016

تلك المطالبة لم تأت من فراغ وليست الأولى ففي يونيو 2016 زار وزير الخارجية المصري سامح شكري تل أبيب واجتمع مع نتنياهو وذلك بعد أقل من 24 ساعة على انتهاء جولة نتنياهو في عدد من دول حوض النيل وتحديدا أوغندا، وكينيا، وروندا، وإثيوبيا. وذلك تحت عنوان، طلب مصري بأن تلعب إسرائيل دور الوساطة بين القاهرة وأديس ابابا، لمنع وقوع حرب على المياه، وكانت تلك الزيارة هي الأولى منذ قرابة عشر سنوات. ويعد هذا إقرار علني من القاهرة، بمتانة العلاقات الإسرائيلية مع دول القرن الأفريقي.  والتي تستغلها إسرائيل لضرب القضية الفلسطينية وتوسيع نفوذها إقليميا، حيث قبلت دور الوسيط بين القاهرة وأديس أبابا وفق كلاوبر أستاذ العلوم السياسة والدبلوماسية بجامعة تل أبيب، مقابل أن تقف مصر إلى جانب إسرائيل في وأد أي مبادرة للسلام تضر بإسرائيل، وأن يكون هناك تنسيق كامل بين الطرفين، لصالح الدولة العبرية.[2]

على أن المكاسب الإسرائيلية من بناء السد لن تقتصر على الجوانب السياسية والأمنية فقط، بل تشمل أيضا الجوانب الاقتصادية؛ حيث يرجح في ظل امتلاك تكنولوجيا متطورة لتكرير المياه، أن تبدأ إسرائيل ببيع المياه لمصر، وفق تقرير إسرائيلي مفصل،[3] ما سيمنحها فرصة إضافية للتأثير على القاهرة، التي يزداد ضعفها. وهو ما أشار له المتحدث باسم وزارة الخارجية الإثيوبية في لقاء على قناة الجزيرة القطرية بشكل صريح قبل أن يتراجع عن تصريحاته.[4]

تعزيز منافع إسرائيل الأمنية والسياسية والاقتصادية

أنشأت إسرائيل ثلاثة سدود مائية كجزء من برنامج يستهدف بناء 26 سداً على النيل الأزرق لري 400 ألف هكتار، وإنتاج 38 مليار كيلو وات ساعة من الكهرباء، وهي مشاريع يرجح أن تحرم مصر من 5 مليار متر مكعب من المياه، كما بنت إسرائيل سدا على أحد فروع النيل الأزرق الذي يمد النيل بحوالي 75% من المياه، وذلك لحجز نصف مليار متر مكعب من المياه.[5] فالتوقعات بحدوث كوارث اجتماعية واقتصادية في مصر والسودان، سيفتح مدخلا لمزيد من التعاون مع مصر والسودان، من نواحٍ ليست فقط اقتصادية، ولكن أيضاً أمنية، الأمر الذي سينعكس بشكل إيجابي على إسرائيل، ويزيد من قدراتها التجسسية.[6]

هل سنرى مياه نيل تمر في صحراء النقب قريبا؟

تشهد إسرائيل فقرا مائيا وتحاول أن تجاري ذلك من خلال سياسة خفض الاستهلاك،[7] وتوجد في تل أبيب إحدى أكبر محطات تحلية المياه في العالم كما تعمل على تطوير مشاريع معالجة مياه الصرف الصحي، التي تعتبر إسرائيل مع سنغافورة من بين أهم الدول الرائدة في هذا المجال.[8] هذه الحاجة للمياه كانت وراء طلب إسرائيل إيصال مياه النيل إلى صحراء النقب خلال فترة حكم السادات الذي رفض هذا الطلب، حيث وعدت حينها بدعم مشاريع في السودان ودول المنبع لزيادة حصة مصر المائية على أن تحصل على ملياريْ متر مكعب من المياه. وكان مشروع قناة جونقلي بولاية أعالي النيل في جنوب السودان أحد تلك المشاريع، وتبلغ تقديرات حجم المياه التي كانت ستقسم بين مصر والسودان نحو 7 مليار متر مكعب في السنة، باشر حسني مبارك في تنفيذ المشروع لكنه توقف بسبب الحرب الأهلية بالسودان.

وقد أشرفت الهيئة الهندسية التابعة للقوات المسلحة المصرية، ونفذت مشروع تفريعة سحارة لتمرير مياه النيل تحت قناة السويس لتصل إلى شمال سيناء، كما افتتح السيسي المشروع في أبريل 2020.[9] كانت بداية المشروع سنة 1964 من أجل تعمير سيناء وبناء 200 قرية بهدف دعم الكثافة السكانية من خلال دعم التنمية الزراعية لتأمين الأمن القومي المصري أمام إسرائيل، وينقل المشروع متوسط مليون و250 ألف متر مكعب أي ما يعادل نصف مليار متر مكعب. غير أن ما يثير الشكوك هو السرعة التي نفذت الهيئة بها المشروع وسط التهديدات المتصاعدة من بناء سد النهضة وأثره على تقلص حصة مصر من المياه، وهو ما يعني أن مشروعات إضافية كالسحارة، والمدن الجديدة والعاصمة الإدارية الجديدة التي سيمر من خلالها نهر صناعي سيكون لها انعكاسات سلبية، بل وجهت الحكومة بإلزام المزارعين بزراعة كميات محددة من المنتجات التي تستهلك مياه كثيرة. وأحد مشروعات الري الأخرى هو مشروع ترعة السلام الذي يهدف لشق ترعة لنقل مياه النيل إلى أراضي جديدة في سيناء، وتمتد بطول 262 كم تقريبا.

تستفيد إسرائيل من التوسع في ملف التطبيع مع الدول العربية وهو ما يصنع لها حضورا قويا على الساحة الإقليمية والدولية، وفي حال ذهبت إسرائيل كوسيط في مفاوضات سد النهضة سيعزز ذلك من حضورها في القارة الافريقية على الصعيد السياسي والاقتصادي، فهل ستستخدم إسرائيل نفوذها في الساحة الدولية وإثيوبيا من أجل اقناعها بإيصال نهر النيل لصحراء النقب سواء بشرائه أو الوصول لاتفاق مع القاهرة؟


الهامش

[1] برنامج يحدث في مصر، قناة MBCمصر، د.مصطفى الفقي يكشف أوراق لم تستخدمها مصر في أزمة السد حتى الآن،       https://www.youtube.com/watch?v=dUc831mebww
[2]  يفجني كلاوبر. (19 تموز، 2016). هساكر هاتيوبي شمحزيك ات يسرائيل عل حشبون هفلستينيم (السد الإثيوبي الذي يقوي اسرائيل على حساب الفلسطينيين). تم الاسترداد من ميدا (تم التصفح في 8 مايو 2021): https://bit.ly/3b6U1lU  
وانظر أيضا: مصطفى ياقوت، إسرائيل تدفع مصر لـ”فخ الوساطة”: البطة القبيحة أصبحت جميلة، موقع مصراوي بتاريخ الإثنين 11 يوليه 2016 (تم التصفح في 9 مايو 2021)، https://bit.ly/2P8kF8O
[3] لؤومنوت. (26 تشرين ثاني, 2017). هملحما عل مي هنيلوس (الحرب على مياه النيل). من قناة لؤومنوت: https://bit.ly/33EFThh
[4] تأكيد ثم نفي خلال دقائق.. المتحدث باسم الخارجية الإثيوبية يناقض نفسه بشأن بيع مياه السد (فيديو)، موقع الجزيرة مباشر، 3 إبريل 2021 (تم التصفح في 9 مايو 2021)، https://bit.ly/3ghYQPe
[5] مركز المعلومات الوطني الفلسطيني (وفا) تقرير بعنوان: المياه في الصراع العربي الإسرائيلي، منشور سنة 2021 (تم التصفح في 13 مايو 2021): https://bit.ly/3ePvRRC
[6] علينا فيشمان. (21 ايار, 2017). هاسون هسبيبتي شيزعزع ات همزراح هتيخون (الكارثة البيئية التي ستهز الشرق الاوسط). تم الاسترداد من يديعوت احرونوت (تم التصفح في 12 مايو 2021):  https://bit.ly/3abdkdO
[7] Arlosoroff, Saul. “Israel—a case study of water-demand management.” waterlînes (2003): 4-7.
[8] Lalonde, Brice. “The Water Challenge” Horizons: Journal of International Relations and Sustainable Development, no. 13 (2019): 184-93. Accessed March 10, 2021. doi:10.2307/48573778
[9] السيد فلاح، اليوم السابع، بتاريخ، 22 أبريل 2020 (تم التصفح في 10 مايو 2021)، https://bit.ly/3sB56UA

اضغط لتحميل الملف
مشاركات الكاتب