هل النظام في مصر مستقر؟

اضغط لتحميل الملف

هل النظام النظام النظام

كشفت الأحداث الأخيرة في عام 2019 عن مجموعة من المؤشرات المهمة المتعلقة باستقرار النظام في مصر، حيث تُعتبر كل من انتخابات الرئاسة الأخيرة في مارس الماضي، و اندلاع المظاهرات على خلفية فيديوهات المقاول محمد علي في سبتمبر الماضي، حادثتين مهمتين تستحقان الدراسة بعمق للإجابة على سؤال: هل النظام في مصر مستقر أو لا ؟

لتقييم النظام المصري وفق عدة مؤشرات اقتصادية، واجتماعية، وأمنية، وخارجية، نلاحظ حدوث متغيرات كبيرة بعدة ملفات، كمفهوم الأمن القومي المصري. حيث أصبح الأمن القومي الإسرائيلي جزءاً لا يتجزأ من الأمن القومي المصري، حسب تصريح السيسي في كلمة له بالأمم المتحدة، وأخذت المؤشرات الاجتماعية و الاقتصادية بالتراجع بشكل كبير، بينما اعتمد النظام خلال أحداث 2018 بوجه عام على عاملين رئيسيين لدعم استقراره، هما البعد الأمني، القائم على إحكام السيطرة على الشارع المصري عبر الأجهزة الأمنية بالمقام الأول، و البعد الإقليمي والدولي، القائم على الحصول على الدعم السياسي، و المالي، و العسكري، الخارجي.

الارتكاز على العامل الأمني، والدعم الخارجي

لقد اعتمد السيسي والنظام على هذين العاملين في مواجهة المشكلات والتحديات الداخلية، فكانت الحلول الأمنية هي الحاضرة دائما في أي موضوع أو مستجد يراه السيسي ونظامه مهددا لهما. فاعتقل النظام كلا من رئيس الأركان السابق الفريق سامي عنان، والعقيد أحمد قنصوة، كما فرض قيودا على حركة و ظهور الفريق أحمد شفيق. وهم جميعهم من المنتمين للمؤسسة العسكرية.ولاحقا قام بمطاردة كل من اعترض على التعديلات الدستورية الأخيرة.

أما من حيث البعد الخارجي،فقد قدم السيسي تنازلات على حساب الآمن القومي المصري،سواء في سيناء، أو فيما يخص الموارد الطبيعية في البحر المتوسط،أو مياه النيل، و حتى التنازل عن جزيرتي تيران و صنافير ذواتي الموقع الاستراتيجي في المنطقة. وحرص السيسي بشكل دائم على التقارب مع ترامب، و إسرائيل لضمان بقائه في الحكم، من خلال تبنيه سياسة “مكافحة الإرهاب” في المنطقة على حساب الثورات، و كذلك من خلال التطبيع مع الكيان الصهيوني.

انحدار المؤشرات الاقتصادية و الاجتماعية

أما المؤشرات الاقتصادية و الاجتماعية فقد بدأت تأخذ منحنى متزايد الهبوط مع تعويم الجنيه المصري. وهو ما انعكس بشكل ملموس على معظم الطبقات الاجتماعية في هيئة ضغوط معيشية اقتصادية، فبحسب تقرير صادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة و الإحصاء، تبين ارتفاع نسبة عدد السكان الفقراء في مصر بسنة 2018 إلى 32.5 ،% مقارنة بنسبة 27.8% في عام 2015 ،وبحسب تقرير صادر عن المركز المصري للدراسات الاقتصادية، تراجعت معدلات استهلاك المواد الغذائية بشكل كبير، فيما ارتفعت تكاليف السكان، وهو ما خلق فجوات اقتصادية كبيرة بين الطبقات الاجتماعية المختلفة، حيث تستهلك نسبة 30%من الطبقات الأعلى بالمجتمع قرابة 49.7% من إجمالي الاستهلاك العام، بينما تستهلك 70% النسبة المتبقية، والتي تقدر بقرابة 50.3% من اجمالي الاستهلاك. وهو مؤشر خطير يدل على مدى تأثر الطبقات الوسطى والفقيرة في مصر،وزيادة الفجوة بين الأغنياء والفقراء، وانكماش الطبقة الوسطى وتقلصها.

كما انخفضت معدلات استهلاك المواد الغذائية بوجه عام، بالتوازي مع تطبيق سياسة خفض الدعم التي تبناها السيسي منذ تنصيبه كرئيس،والتي كانت لها آثار كبيرة على الطبقات الفقيرة والمتوسطة. كذلك بالعودة إلى قرارات رفع الدعم عن المحروقات، نلحظ ارتفاع أسعار المحروقات بنسب كبيرة، فعلى سبيل المثال؛ارتفع سعر بنزين 80 – الأكثر استهلاكا من قبل الطبقات الفقيرة -من 1.6 جنيه للتر الواحد في يونيو 2014 ، إلى 6.75 جنيه للتر الواحد في يوليو 2019 ،بينما ارتفع سعر بنزين 92 من 2.6 جنيه في يوليو 2014 ،إلي 8 جنيهات في يوليو 2019 ،هذا بالإضافة إلى مسألة قرض صندوق النقد الدولي، وشرطي خفض الدعم، وتقليل أعداد الموظفين العاملين بالهيكل الإداري للحكومة، بجانب نسب معدلات البطالة المرتفعة، وهناك العديد من الأرقام ذات الارتباط بالوضع المجتمعي، والتي يمكن مناقشتها لاحقا في مقالات أخرى حول الأوضاع الاقتصادية و الاجتماعية، فعلى سبيل المثال؛ أثرت تلك السياسات على الأسرة المصرية وتماسكها،حيث تعد معدلات الطلاق، والبطالة، وجودة التعليم، والصحة، أمورا مهمة تصف بشكل أعمق حجم التغيرات السلبية التي أنتجتها تلك السياسات.

الوضع السياسي الداخلي

أما الواقع السياسي في مصر، فيمكن وصفه بأنه مؤمم، حيث تحتكره الأجهزة الأمنية، مثل المخابرات العامة و المخابرات الحربية، والعسكريين المتقاعدين، و جهاز الأمن الوطني، دون وجود هامش حقيقي يذكر لمعارضة حقيقية للنظام. فكما قال السيسي: ما حدث من ثمان سنوات لن أسمح أن يتكرر من جديد.وهو يقصد بذلك ثورة 25 يناير، فحتى وجود بعض البرلمانيين الذين أيدوا انقلاب 3 يوليو،ودعموا السيسي في بدايات حكمه، ولاحقا عارضوه في بعض الملفات، كملف تيران و صنافير، والتعديلات الدستورية الأخيرة في 2018 ،بمن في ذلك أحمد طنطاوي،والمخرج خالد يوسف، و آخرون، حتى هذا الشكل من أشكال المعارضة لم يرق أيضا للسيسي، أو الأجهزة الأمنية، التي قامت بالتضييق عليهم، و تهديدهم، و التشهير بهم

وتمت مصادرة الحقوق الأساسية للمواطنين في التعبير عن رأيهم، والحق في التظاهر، ويتم التعامل مع المواطنين بحزم، وفي أوقات أخرى بالرصاص الحي، واستُغل ملف (مكافحة الإرهاب) في التغول على تلك الحقوق، و ممارسة انتهاكات كبيرة، بداية من الاعتقالات، التي تجاوزت 60 ألف معتقل سياسي، والاختفاء القسري، والتعذيب، وحتى التصفيات الجسدية خارج إطار القانون، والتي وصلت إلى تصفية ما يزيد عن 3000 شخص ، وكل ذلك حدث بعد تنصيب السيسي كرئيس لمصر سنة 2014 ،حسب تصريح صدر عن البرلمان الأوروبي.

ولعل اعتقال مجموعة “الأمل”، التي كانت تخطط للمشاركة في الانتخابات البرلمانية القادمة، خير دليل ومؤشر على التعامل الأمني مع الملف السياسي بشكل حاسم لا يفتح المجال أمام أي طرف،أو حزب، أو فرد، غير تابع بشكل كامل للنظام بالعمل السياسي،وهو ما أغلق كل الطرق المشروعة قانونيا للاعتراض والتغيير.

الخلاصة

كل تلك المؤشرات تؤدي لحدوث تراكمات سلبية داخل المجتمع على المدى الطويل، بل وتمتد داخل المؤسسة العسكرية والحكومة بشكل يجعل من الصعب التعاطي معها في المستقبل. وهو ما يزيد من احتمالية تعرض النظام في أي لحظة لحركة احتجاجية تغييرية كبيرة تكشف هشاشة الاستقرار الشكلي للنظام، على الأخص في ظل اعتماد النظام على القبضة الأمنية في مواجهة الاحتياجات الأساسية للمجتمع،والتي تزيد مساحاتها يوما بعد يوم، خاصة أن أكثر من ثلثي المجتمع من فئة الشباب تحت سن 35 ،وهي فئة تبحث عن حياة كريمة، وتعليم مناسب، ومتطلبات أساسية، كالزواج والعمل.

أما خارجيا، فقد يتوقف الدعم المقدم لمصر في أي وقت،ليس بسبب وجود خلافات حادة إقليميا، ولكن بسبب انشغال الأطراف الداعمة بمشاكلها وصراعاتها، فهناك الكثير من المؤشرات التي تعطي دلالات على عدم استقرار الإقليم، ومنطقة الشرق الأوسط، حيث نلحظ ارتفاعا في وتيرة الصراع بمنطقة الخليج بين السعودية وحلفائها من جهة،وإيران وحلفائها من جهة أخرى،والذي أخذ يتطور بعد قيام أمريكا بتطبيق حزمة من العقوبات ضد إيران،واستهداف إيران لمنشآت أرامكوا عبر الطائرات المسيرة و صواريخ الكروز.

أما الداخل الإسرائيلي، فيشهد منافسة حادة بين الأحزاب، ويبدو أن مسار الأحداث في طريقه لإجراء انتخابات ثالثة، وتشهد المنطقة بوجه عام احتجاجات كبيرة يمكن أن نصفها بالثورة في لبنان،والعراق، والجزائر، إلى جانب تقدم إيجابي في السودان، و تفوق قيس سعيد في الانتخابات الرئاسية التونسية على حساب ممثل الثورة المضادة.

في النهاية، أود أن أشير إلى اعتماد النظام في مصر بشكل رئيس على القبضة الأمنية من خلال سيطرة السيسي على كافة الأجهزة الأمنية، وكذلك تمتعه بدعم إقليمي و خارجي، ومع وجود أي خلل في هذين العاملين في المستقبل،قد نرى تغيرات كبرى، خاصة و أن كل المؤشرات المجتمعية و الاقتصادية قد حدثت بها تراجعات بشكل متسارع لا يمكن معالجته في المدى القصير، علاوة على أن أغلب المتصدرين لمشهد معارضة النظام في الفترة الأخيرة هم من الدوائر التي كانت مرتبطة بمصالح مع النظام.

محمد علي وسياقات المشهد المصري

اقرأ ايضاً

اضغط لتحميل الملف
مشاركات الكاتب