مدينة في سيناء لسكان غزة

سيناء

كشف زياد النخالة الأمين العام لحركة الجهاد الفلسطيني في لقاء له مؤخرا مع قناة الميادين عن مفاجئة من العيار الثقيل تدور حول إبلاغ القاهرة له بأنها ستشرع في بناء مدينة تجارية وترفيهية بالقرب من رفح تخصصها للفلسطينيين، بحيث تشمل المدينة الجديدة ملاعب وسينما وأماكن تنزه، كما ستتوافر فيها أماكن للإقامة، ولن تُطلب من الفلسطينيين أوراق ثبوتية لدخولها. كما تحدث النخالة عن مشروع آخر يجري الإعداد له يتضمن السماح بعمل أربعين ألف عامل فلسطيني من غزة في المناطق المحتلة عام 1948.

وبالتوازي مع ما سبق، فقد أعلن المتحدث العسكري باسم الجيش الإسرائيلي أن ضباطا عسكريين إسرائيليين بارزين اجتمعوا مع نظرائهم المصريين في سيناء ضمن ما يُسمى بآلية الأنشطة المتفق عليها ضمن بنود معاهدة السلام الإسرائيلية المصرية الموقعة في عام 1979، والتي تتطلب من اسرائيل الموافقة على أي تعزيزات عسكرية تريد القاهرة نشرها في سيناء عبر لجنة مشتركة مشكلة من كبار ضباط الجيشين الإسرائيلي والمصري. وخلال اجتماع اللجنة المذكورة، جرى التوقيع على اتفاق بزيادة عدد قوات حرس الحدود في منطقة رفح لتعزيز السيطرة الأمنية المصرية على المنطقة، وذلك بعد موافقة القيادة السياسية الإسرائيلية على القرار. ولم يُعلن عن العدد الدقيق للقوات المصرية الإضافية التي سيتم نشرها في المنطقة.

وقد ضم وفد الجيش الإسرائيلي المشارك في الاجتماع كلا من: رئيس عمليات الجيش الإسرائيلي الميجر جنرال عوديد بسيوك؛ ورئيس قسم العلاقات الخارجية في الجيش الإسرائيلي البريغادير جنرال إيفي دفرين؛ والميجور جنرال طال كيلمان الذي يشرف على استراتيجية الجيش تجاه إيران، وهو ما يعني أنه مختص بملف العلاقة بين إيران والفصائل الفلسطينية في غزة.

تلك التفاصيل تتطابق مع طرح إدارة ترامب بخصوص صفقة القرن، وتشرح أبعاد الكثير مما حدث على أرض سيناء خلال الأعوام الماضية. فما القصة؟ وما الذي حدث ويحدث؟

السيسي وصفقة القرن

لسنوات مضت ظل الحديث عن صفقة القرن أقرب للشائعات منه للحقيقة إلى أن قال السيسي خلال لقائه مع الرئيس الأميركي ترامب بالعاصمة واشنطن في أبريل 2017 (ستجدني بكل قوة ووضوح داعما لأي مساع لإيجاد حل للقضية الفلسطينية في صفقة القرن، ومتأكد أنك تستطيع أن تحلها)، ولم ينجح حديث السيسي لاحقا في نوفمبر 2018 خلال فعاليات منتدى الشباب العالمي عن أن صفقة القرن مجرد تعبير أطلقته وسائل الإعلام، وأن مصر ليس لديها معلومات حول هذا الأمر، في التعتيم على تصريحه الأول.

وبحلول عام 2018، دخلت واشنطن في مداولات مع مصر حول الترتيبات الأمنية والاقتصادية على الحدود بين مصر وغزة وإسرائيل في إطار الصفقة المقترحة. وتضمن أحد هذه الترتيبات إنشاء ميناء مشترك على البحر المتوسط ​​بين مدينتي رفح المصرية والفلسطينية تمهيدًا لتوسيع النشاط الاقتصادي في شمال سيناء.

وفي يونيو 2019 أعلنت الولايات المتحدة والبحرين، استضافة العاصمة البحرينية المنامة ورشة عمل تحت عنوان “السلام من أجل الازدهار” بهدف التشاور بين قادة الحكومات ومؤسسات المجتمع المدني وقطاع الأعمال لتبادل الأفكار والرؤى ومناقشة الاستراتيجيات، ولتحفيز الاستثمارات والمبادرات الاقتصادية الممكنة مع تحقيق السلام في المنطقة.

وقد تضمنت الورشة حزمة إغراءات مالية مقترحة لمصر، تتضمن 12 مشروعاً اقتصادياً بتكلفة تقترب من 10 مليار دولار، وتشمل إنشاء خطوط نقل إلى غزة، وتأسيس بنية تحتية للنقل بسيناء لربط المشروعات الجديدة ببعض، وتحسين خطوط نقل الطاقة بين مصر وغزة على مراحل بواسطة تحديث خطوط النقل الكهربائي، ودعم مشاريع توليد الطاقة في سيناء  على مرحلتين خلال 5 سنوات بتكلفة 500 مليون دولار؛ ودعم إنشاء مركز إقليمي للغاز الطبيعي في مصر للاستفادة من الغاز الطبيعي المتنامي في شرق البحر المتوسط، ودعم مشاريع البنية التحتية للمياه في سيناء لدعم التنمية الاقتصادية عبر مرحلتين بتكلفة 500 مليون دولار، وتطوير ودعم المشروعات السياحية في سيناء على 3 مراحل خلال 8 سنوات بتكلفة 500 مليون دولار.

وفي يناير 2020 كشف الرئيس الأمريكي ترامب خلال مؤتمر صحفي في البيت الأبيض بحضور رئيس وزراء اسرائيل بنيامين نتنياهو، عن بنود صفقة القرن في إصدار من 181 صفحة بعنوان “السلام على طريق الازدهار”، وكان من بين بنودها تحسين مستوى معيشة الفلسطينيين عبر إقامة مشاريع اقتصادية واستثمارية توفر لهم فرص عمل، وتقلل من مستويات البطالة، وتيسر الحصول على الكهرباء ومياه الشرب النظيفة، والرعاية الصحية اللائقة مع بناء حدائق ومنشآت ترفيهية في مقابل نزع السلاح من قطاع غزة.

ماذا حدث في سيناء؟

ففي عام 2012 أصدر السيسي بصفته وزيرا للدفاع قرارا بحظر التملك أو حق الانتفاع أو الإيجار أو إجراء أي نوع من التصرفات في الأراضي والعقارات الموجودة بالمناطق الاستراتيجية ذات الأهمية العسكرية والمناطق المتاخمة للحدود الشرقية لمصر، بمسافة 5 كيلو مترات غرباً. ثم شرع الجيش في النصف الأول من عام 2013 في إغراق الأنفاق بين سيناء وغزة بمياه الصرف الصحي.

 وعقب انقلاب يوليو 2013 مباشرة، بدأ الجيش المصري في هدم المباني المحاذية للحدود ضمن مخطط لإنشاء “منطقة عازلة” بين سيناء وقطاع غزة تمتد لعمق واحد كيلو متر بهدف إغلاق أنفاق التهريب التي تتيح تهريب المقاتلين والأسلحة من غزة إلى سيناء بحسب اللواء عبد الفتاح حرحور محافظ شمال سيناء آنذاك.

وفي 24 أكتوبر2014 شنت جماعة أنصار بيت المقدس أحد أكبر هجماتها، على حاجز كرم القواديس بسيناء مما أسفر عن مقتل 31 من عناصر الجيش وإصابة العشرات، فضلا عن الاستيلاء على أسلحة أفراد الكمين بالكامل، وهو ما دفع السيسي للقول صباح يوم 3 نوفمبر 2014 أثناء تفقده مناورة القوات الجوية “بدر2014” : رغم أن الكثيرين اهتزوا بعد العملية الإرهابية الأخيرة فإني لم أهتز. وردا على الهجوم أعلن السيسي حالة طوارئ قابلة للتجديد لمدة 3 شهور في سيناء، وفرض حظرا للتجول بسيناء.

وفي 29 أكتوبر 2014 عقب الهجوم المذكور، أصدر رئيس الوزراء إبراهيم محلب مرسوماً يقضي بإخلاء منطقة عازلة تمتد بين 5 و7 كيلومترات من الحدود مع غزة، لتشمل منطقة رفح التي تمتد بطول الحدود على مسافة 13 كيلومتراً، وتضم نحو 79 كيلومتراً مربعاً من الأراضي ، ويسكنها ما يزيد عن 75 ألف مواطنا مصريا. كما أمر المرسوم بدفع تعويضات عادلة ومساكن بديلة للمضارين، وهو ما لم يحدث حتى اليوم وفق النحو المرجو.

وللمساهمة في حل مشكلة المهجرين أعلنت محافظة شمال سيناء الشروع في بناء مدينة بديلة باسم “مدينة رفح الجديدة” بالقرب من قرية الوفاق برفح، بحيث تتكون من 626 عمارة سكنية بإجمالي 10016 وحدة سكنية، و400 بيتا بدويا بمساحة 200 متر لكل بيت، بحيث يبدأ توزيع الشقق على المستفيدين من أهالي مدينة رفح بحلول يناير 2022.

أزمة التهجير والتعويضات

بحسب تقارير منظمة هيومن رايتس ووتش، فإن معظم العائلات المهجرة من رفح لم تتلق تعويضات كافية لشراء عقارات تضاهي مستواها المعيشي السابق، كما أُكره السكان على التوقيع على إقرار بموافقتهم على منح ممتلكاتهم للدولة طواعية، والتعهد بعدم العودة للبناء داخل المنطقة العازلة. ورفض موظفو مجلس مدينة رفح إعطاء شيك التعويض للعائلات في حال عدم توقيعها على الإقرار. ولكن لم تقدم الحكومة أي تعويض عن الأراضي الزراعية بما فيها الأراضي التي كانت العائلات تزرعها أو تؤجرها للغير، معتبرة إياها أراضي “فضاء”. ولم تقدم الحكومة تعويضاً لأي شخص يمتلك عقاراً يُكتشف نفق أو مدخل نفق بداخله.

وفي ظل الغضب الشعبي من عدم صرف التعويضات رغم مضي عدة سنوات، نجد أن محافظ شمال سيناء اللواء محمد عبد الفضيل شوشة في يوليو 2021 عقد لقاءا جماهيريا موسعا حاول خلاله تبرير التأخر في صرف التعويضات قائلا أنه في (ظل وجود قانون يقضي بالسجن المؤبد لكل من يوجد نفق أسفل منزله أو أرضه الزراعية، فقد تم رصد وجود ٦٢ نفقا من بين ٥٢١ حالة متضررة، وهو ما يمنع صرف تعويضات لهم). كما أقر المحافظ بعدم تقدم أغلب الأهالي بطلبات للتعويض في ظل عدم تمكنهم  من استكمال الأوراق نظرا لأن أغلب الحيازات بشمال سيناء تكون بوضع اليد دون استخراج أوراق حكومية.

وقد اعترض بعض الحاضرين للاجتماع على كلام المحافظ قائلين أنهم غادروا منازلهم ومزارعهم منذ سنوات عديدة ،وبالتالي هم غير مسئولين في حال العثور على أنفاق حاليا أسفل ممتلكاتهم، في ظل وجود احتمال بأن آخرين حفروا تلك الأنفاق عقب مغادرتهم لممتلكاتهم.

مشاريع سيناء لمن؟

من المدهش للوهلة الأولى أنه في ظل أجواء التهجير والنزوح لأهالي سيناء، تعقد الحكومة المصرية اجتماعات رفيعة المستوى لمناقشة مشاريع كبرى في سيناء لا تتماشى مع المعطيات على الأرض، فنجد السيسي في يناير 2021 يجتمع مع كبار المسئولين لمناقشة سير العمل في أعمال تغذية المياه للتجمعات التنموية في وسط وشمال سيناء، وزراعة حوالي 500 ألف فدان عبر نقل المياه من مصرف بحر البقر إلى الأراضي المستهدف زراعتها. وهي مواضيع يناقشها السيسي دوريا كل شهر تقريبا.

وعند مراجعة مقترحات ورشة المنامة المذكورة أعلاه، نجد أن المشاريع التي تعكف عليها الحكومة المصرية بسيناء مؤخرا ما هي إلا صدى لتلك المشاريع، فنجد أن محمد شاكر وزير الكهرباء والطاقة المتجددة، يصرح  بأنه تم تخصيص مبلغ 9 مليارات جنيه لتطوير شبكات نقل وتوزيع الكهرباء بمحافظتي شمال وجنوب سيناء، مؤكدا أن العام الحالي سيشهد طفرة غير مسبوقة بسيناء في مجال الكهرباء مما سيساهم في فتح الباب أمام المستثمرين للقيام بمشروعات تنموية.

 في حين يضيف وزير التنمية المحلية اللواء محمود شعراوي أنه تم تخصيص استثمارات تبلغ 1,5مليار جنيه من إجمالي الخطة الاستثمارية للمحافظات لتنفيذ مشروعات رصف الطرق المحلية والكهرباء والإنارة و تحسين البيئة وتدعيم احتياجات الوحدات المحلية بمحافظة شمال سيناء.

فيما نصت خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية للعام المالي 2021/2022 على أن الاستثمارات الحكومية لتنمية محافظة شمال سيناء ستبلغ 14 مليار و100 مليون جنيه، بينما تحدثت رانيا المشاط، وزيرة التعاون الدولي، عن توفير وزارتها 754 مليون دولار من الصناديق العربية في عام 2020 فقط لدعم تنمية شبه جزيرة سيناء.

أما مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء فقد قال إن الدولة شرعت في مد جسور وتطوير البنية التحتية والخدمات الأساسية لتمهد الأرض للمشروعات التنموية ومن ثم البدء في مجموعة من الاستثمارات في الصناعة والزراعة بجانب التنمية السياحية في سيناء . وأضاف أنه تم تنفيذ العديد من المشروعات التنموية في سيناء بتكلفة تتجاوز 700 مليار جنيه خلال الـست سنوات الماضية من بينها تنفيذ 63 مشروعا للطرق بطول 3400 كم، ومشروع محطة مياه العريش بطاقة 300 ألف متر مكعب يُفترض أن تدخل الخدمة قريبا، فضلا عن الانتهاء من تنفيذ 5 أنفاق لربط سيناء بباقي أنحاء مصر.

كما زار وزير البترول طارق الملا الكيان الصهيوني في أول زيارة لوزير مصري -بخلاف وزير الخارجية – لإسرائيل منذ أكثر من 15 عاما، حيث اتفق خلال الزيارة على تفعيل التفاهم السابق بين حكومتي البلدين بربط حقل “ليفاثان” بوحدتي إسالة الغاز بدمياط وإدكو عبر خط أنابيب بحري بعيدا عن الخط المار في سيناء، والذي تعرض لعشرات التفجيرات سابقا.

كما جرى تأسيس منتدى غاز شرق المتوسط في عام 2019 بمشاركة وزراء الطاقة في كل من مصر وقبرص واليونان وإسرائيل والأردن وفلسطين وإيطاليا، إضافةً لممثلين عن فرنسا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية والبنك الدولي. واتُخذت القاهرة مقرا له.

كذلك ضمن مشاريع البنية التحتية بسيناء، يجري حاليا تنفيذ ثلاثة طرق كمحاور جديدة في الشيخ زويد؛ من بينها محور على ساحل المدينة بداية من قرية الشلاق غربًا وصولًا إلى مدينة رفح شرقًا، فضلا عن إنشاء ميناء جديد على ساحل الشلاق سيُربط بمطار العريش عبر طريق يُقام حاليًا، وهو الميناء الذي بدأت أعمال تدشينه بالفعل. وعند مراجعة تلك المشاريع نجد أنه تقريبا لا يكاد يوجد مشروعا منها إلا وهو مذكور في مقترحات ورشة المنامة. مما يوضح أنها ليست مشاريع ذاتية تهدف لخدمة أهل سيناء بالدرجة الأولى.

الخاتمة

تصريحات زياد النخالة تكشف أن صفقة القرن لم تنته برحيل ترامب إنما يجري العمل على تنفيذ بعض بنودها دون ضجيج، وبالأخص بند توسيع قطاع غزة على حساب سيناء،  وذلك عبر توظيف أجواء الحصار المشدد على القطاع لطرح حلول تأمل في أن تساهم مستقبلا في تفكيك الحاضنة الاجتماعية للمقاومة الفلسطينية عبر ربط سكان القطاع بمشاريع استثمارية وترفيهية بمصر وفرص عمل بأراضي 48، تهدف إلى تحويلهم بمرور الوقت نحو الرغبة في الاستقرار والتعلق بالمكتسبات الاقتصادية بعيدا عن تكلفة الحرب والرغبة في التحرر.

كذلك يدفع هذا المخطط باتجاه المزيد من تفتيت القضية الفلسطينية إلى ملفات منفصلة بحيث تشمل: ملف غزة وحصارها، وملف الضفة الغربية والاستيطان، وملف تهويد القدس والاعتداء على المقدسات الدينية وتهجير أهلها، وملف عرب 48 وطمس هويتهم. وذلك بعد تحويل احتلال فلسطين من قضية إسلامية لتصبح قضية عربية ثم قضية قومية فلسطينية لتصير في النهاية قضية مناطقية.

إفشال ذلك المخطط لا يقع على كاهل الفلسطينيين وحدهم إنما يقع على كاهل كل القوى الراغبة في التحرر والتغيير في العالمين الإسلامي والعربي، فما يحدث حاليا في ظل أنظمة الثورات المضادة ما كان له أن يمر في أجواء الربيع العربي، وهو ما يؤكد على أن التخلص من أنظمة الاستبداد والتبعية خطوة ضرورية على طريق تحرير فلسطين.

مشاركات الكاتب