محطات في العلاقات النفطية السعودية الأمريكية

اكتُشف النفط لأول مرة في بنسلفانيا بالولايات المتحدة منتصف القرن التاسع عشر، ونُقل في براميل خشبية من حقول الإنتاج إلى المستهلكين، وظل وصف البرميل الذي يعادل 158.98 لترًا ملتصقًا بالنفط رغم نقله لاحقًا في أنابيب وخزانات عملاقة بالسفن والقطارات.

 وبمرور الوقت حل النفط محل الفحم مصدرًا للطاقة، ودارت حوله صراعات وحروب ومؤامرات من أبرزها الانقلاب على حكومة مصدق برعاية أمريكية بريطانية عقب تأميمه لصناعة النفط بإيران، وغزو الرئيس العراقي صدام حسين للكويت للسيطرة على حقولها النفطية، مما دفع لتشكيل تحالف دولي استعاد الكويت، وأخيرًا الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003.

العناية الأمريكية بالنفط السعودي وصولًا لتأسيس أوبك

اكتُشف النفط لأول مرة في السعودية عام 1938، وبدأ الإنتاج الفعلي في عام 1939 عبر شركتي سوكال وتوكساكو الأمريكيتين اللتين منحهما الملك عبدالعزيز امتيازًا للتنقيب عن النفط بمساحة 440 ألف ميل مربع.

 وقد برزت أهمية النفط خلال العمليات العسكرية في الحرب العالمية الثانية، وعبَّر عنها القائد الألماني روميل قائلًا “إنَّ الرجال الشجعان لا يستطيعون فعل شيء من غير سلاح، والسلاح لا قيمة له من غير ذخيرة كافية، والسلاح والذخيرة لا يجديان في الحروب المتحركة من غير وجود آليات مزودة بوقود كاف تنقلهم”.

ازداد الاهتمام الأمريكي بالنفط السعودي مع تصاعد الحرب حتى قال الرئيس روزفلت للسفير البريطاني بواشنطن عام 1944 “النفط الإيراني لكم، وسنتشارك في نفط العراق والكويت، أما النفط السعودي فهو لنا” ثُمّ تُوج التوجه الأمريكي بلقاء روزفلت مع الملك عبدالعزيز عام 1945 على ظهر سفينة حربية بقناة السويس، وهو لقاء شهد ميلاد معادلة (النفط مقابل الحماية)، وتبعه تأسيس قاعدة جوية أمريكية لأول مرة في الظهران بالسعودية عام 1947.

في بداية إنتاج النفط تحكمت الشركات الأجنبية بأسعاره؛ إذ حظيت بامتيازات للتنقيب والإنتاج مقابل دفع رسوم ثابتة ضئيلة للحكومات، وهو ما ساهم في إعادة بناء أوروبا واليابان بعد الحرب العالمية الثانية بتكلفة زهيدة، إذ لم يتعد سعر برميل النفط دولارين في عام 1950.

وعقب تخفيض الشركات الأجنبية لسعر النفط في عام 1959 من جانب بواحد بنسبة 10%، اجتمعت وفود من عدة دول منتجة للنفط شملت السعودية والعراق وإيران والكويت وفنزويلا في عام 1960 ببغداد لتعلن عن تأسيس منظمة الدول المصدرة للنفط “أوبك” والتي اتسعت لاحقًا ليصل عدد الأعضاء إلى 13 دولة.

 ركزت أوبك في بدايتها على تعديل عقود النفط لتصبح مناصفة في الأرباح بدلًا من منحها على شكل امتيازات، وصولًا للتحكم في كميات النفط المنتجة لضبط الأسعار في الأسواق. وفي ضوء توجهات أوبك بتأسيس شركات نفط وطنية نجحت السعودية بحلول عام 1981 في تأميم شركة أرامكو النفطية تأميمًا كاملًا، والتي امتلكتها سابقًا 4 شركات أمريكية، شملت إكسون وموبيل وسوكال وتسكاكو.

حظر النفط في حربي 1967 و1973، وتأسيس الوكالة الدولية للطاقة

مع اندلاع حرب 1967 وإغلاق قناة السويس أمام الملاحة، فرضت الدول العربية حظرًا على تصدير النفط إلى الدول المؤيدة لإسرائيل، وهو الحظر الذي تبدد على وقع إمداد شاه إيران لتل أبيب بالنفط عبر خط أنابيب امتد من إيلات إلى أشكيلون، وعثور الدول المستهدفة بالحظر على بدائل للنفط العربي من خلال النفط الإيراني والفنزويلي، فضلًا عن حرص الدول العربية المنتجة للنفط على عدم فقدان أسواقها.

ومع بناء أمريكا جسر جوي لدعم إسرائيل بالعتاد العسكري خلال حرب أكتوبر، قررت 6 دول خليجية  في 16 أكتوبر 1973 رفع سعر برميل النفط  بشكل أحادي دون التنسيق مع شركات النفط الأجنبية من 2.9 دولار للبرميل إلى 5.11 دولار، كما قرر اجتماع للدول العربية الأعضاء في أوبك في اليوم التالي خفض الإنتاج بنسبة 5% دوريًّا عن الدول الداعمة لإسرائيل. ولكن استثنت السعودية استثناءً سريًّا للجيش الأمريكي من حظر النفط، كما عوضت واشنطن النقص في وارداتها النفطية باللجوء إلى السوق الفنزويلي، لكنها تأثرت بارتفاع سعره عالميًّا فيما اشتُهر بالطفرة النفطية الأولى.

ورغم قرارات الحظر فقد ظلت السعودية ملتزمة بتسعير النفط بالدولار الأمريكي، ورفضت مطالبات بعض الدول الأعضاء في أوبك بربط سعر النفط بسُلة من العملات، وهو ما دعم اعتماد الدولار كاحتياطي عالمي رغم فك ارتباطه بالذهب منذ عام 1971، وهو ما يخدم الهيمنة الأمريكية عالميًّا.

وفي المقابل، دعمت واشنطن تأسيس الوكالة الدولية للطاقة في عام 1974 لحرمان الدول المنتجة للنفط من التأثير سياسيًّا على مواقف الدول الأخرى باستخدام النفط كسلاح، وقد عملت الوكالة على ترشيد استخدام الطاقة، وتوفير طاقات بديلة للنفط، وبناء مخزون استراتيجي من النفط بطاقة 1.5 مليار برميل لاستخدامه في مواجهة الصدمات النفطية، وبناء قاعدة معلومات عالمية لموارد الطاقة.

من يحدد سعر النفط للمستهلك؟

يشير الدكتور يوسف اليوسف في كتابه (الاقتصاد السياسي للنفط) _وقد اعتمدت على المعلومات الواردة فيه بالمقال_ إلى أنَّ سعر برميل النفط الذي يصل للمستهلك يبلغ أضعاف سعر بيع النفط في السوق العالمي، حيث يصل سعر البرميل المباع بستين دولار في السوق إلى المستهلك في محطة الوقود بما يتراوح بين 200 إلى 240 دولارًا في ظل الضرائب الباهظة التي تفرضها الحكومات الغربية، والتي تصل أحيانًا إلى 45% من سعر منتجات النفط في أوروبا، بينما تتحصل الدول الأعضاء في أوبك على 35% فقط، وتذهب 20% المتبقية إلى شركات النفط مقابل عمليات التكرير والنقل والتسويق والأرباح، وهو ما يعني أنَّ حكومات الدول المستهلكة للنفط هي الفائز الأكبر من بيع الوقود، وأنَّ بإمكانها تخفيض سعر البيع للمستهلك حال تخفيضها نسبة الضرائب، لكنها تُحَمّل الدول المنتجة وحدها المسئولية عن ارتفاع السعر حال حدوثه.

أوبك بلس والصراع الأخير

عُقد اتفاق بين دول الأوبك وعشْر دول أخرى منتجة للنفط في عام 2016 عُرف باسم أوبك بلس بهدف التنسيق بخصوص كميات النفط المنتجة لضبط أسعاره، وخلال الاجتماع الأخير صدر قرار بخفض إنتاج النفط بمقدار 2 مليون برميل يوميًّا بحلول نوفمبر القادم؛ أي ما يعادل 2% من إمدادات النفط عالميًّا، وهو قرار جاء قبيل الانتخابات النصفية للكونجرس المفترض عقدها في نوفمبر أيضًا، وبالتزامن مع ارتفاع نسبة التضخم في أمريكا مما يزيد من تكاليف المعيشة على المواطنين الأمريكيين،  ومن ثم اعتبرت إدارة بايدن القرار استهدافًا سياسيًّا تقف خلفه موسكو والرياض.

وفي ضوء ما سبق بدأ الحديث في واشنطن عن طرح تشريع “نوبك” (NOPEC) على الكونجرس، وهو تشريع يقضي بمعاقبة الدول التي تتبنى ممارسات احتكارية في مجال النفط، مما يتيح مقاضاة الدول الأعضاء في أوبك بلس وشركات النفط الوطنية التابعة لها، فإذا أضفنا لذلك إعلان الرياض عزمها بيع النفط للصين باليوان بدلًا من الدولار، فالراجح أنْ تشهد الفترة القادمة تصعيدًا غير مسبوق بين ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وإدارة بايدن يهدد استمرارية (معادلة النفط مقابل الحماية) التي دشنها الرئيس روزفلت والملك عبدالعزيز، والتي تغلبت سابقًا على أنواء  وعواصف متعددة في العلاقات بين البلدين، وهو ما سيؤدي إلى مزيد من التذبذب والاضطراب في الأسواق العالمية التي تعاني تداعيات كورونا والحرب في أوكرانيا.

**الآراء الواردة تعبر عن رأي الكاتب ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر منتدى العاصمة**

مشاركات الكاتب