التقارب السعودي الإيراني: الأسباب والتداعيات

في 10 مارس الجاري أعلنت السعودية وإيران توقيع اتفاق في بكين ينص على تبادل السفراء بين البلدين في غضون شهرين، وعقد لقاء على مستوى وزيري الخارجية لبحث إجراءات عودة العلاقات، وشكر الطرفان العراق وسلطنة عمان لدورهما في استضافة جلسات مباحثات سابقة، وأعربا عن أملهما في إسهام الاتفاق بتعزيز الاستقرار والأمن الإقليميين وحل الخلافات بالحوار والدبلوماسية.

تجاوبت العديد من الدول المجاورة مع الإعلان عن الاتفاق بداية من الأردن والإمارات ولبنان ومصر وتركيا، وصولا إلى واشنطن التي أعربت على لسان المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي الترحيب بأي جهود تسهم بإنهاء حرب اليمن وخفض التوتر بالشرق الأوسط، بينما تعالت أصوات الاعتراض الإسرائيلية، وقال رئيس الوزراء السابق لابيد (إن الاتفاق يمثل فشلا كاملا وخطيرا للسياسة الخارجية لحكومة نتنياهو، ووصفه بالانهيار في جدار الدفاع الإقليمي الذي بدأت إسرائيل ببنائه ضد إيران)، كما قال سلفه بينيت (إنه تطور خطير على إسرائيل وانتصار سياسي لإيران وفشل مدوٍ وإهمال وضعف من حكومة نتنياهو).

الغضب السعودي من واشنطن

مع تنامي الجفاء بين الرياض وواشنطن على خلفية انزعاج ولي العهد السعودي من نهج إدارة بايدن في التعاطي معه فيما يخص الوضع الحقوقي في المملكة، والموقف من حادث مقتل الصحفي جمال خاشقجي، ووقف الدعم الأمريكي للعمليات الهجومية السعودية في اليمن، والتفاوض الأمريكي مع إيران بخصوص إعادة الاتفاق النووي، وصولا إلى رفض واشنطن تقديم تعهد كتابي للسعودية بحمايتها عسكريا، وعدم موافقتها على مساعدة الرياض في تبني برنامج نووي سلمي، بدأ ولي العهد محمد بن سلمان في الاتجاه شرقا نحو بكين، فاستضاف في ديسمبر الماضي القمة العربية الصينية الأولى، كما لوح بدراسة تبادل النفط مع الصين باليوان بدلا من الدولار، ثم أخيرا منح الصين ورقة مهمة تتمثل في عقد الاتفاق الأخير مع إيران على الأراضي الصينية مما يمثل إعلانا عمليا بأن بكين صارت طرفا فاعلا في منطقة الشرق الأوسط حسب التوصيف الغربي، أو منطقة غرب أسيا حسب التوصيف الإيراني.

إقليميا تريد الرياض التفاهم مع طهران بخصوص الملف اليمني، حتى إنها وافقت في أكتوبر الماضي على تجديد الهدنة مع الحوثيين برعاية الأمم المتحدة في حين رفض الحوثيون من جانبهم التجديد. فالسعودية استنزفت ماليا في حرب اليمن، وتعرضت مدنها لهجمات الحوثيين الصاروخية وبالطائرات المسيرة، فيما لم تقف واشنطن بجوار الرياض عقب الهجوم العنيف على منشآت النفط في أرامكو عام 2019، وبالتالي أصبح إنهاء الصراع في اليمن ضمن أولويات الأجندة السعودية، وهو ما يتطلب أولا تفاهما مع إيران.

كذلك يمثل الاتفاق صفعة سعودية للجهود الأمريكية الإسرائيلية الخاصة بتدشين تحالف إقليمي عربي إسرائيلي ضد إيران، وجاء في ظل تزايد وتيرة التدريبات العسكرية الأمريكية الإسرائيلية المشتركة خلال العام الجاري، والتي شملت مناورة ضخمة شاركت فيها 142 طائرة مقاتلة من البلدين، فضلا عن زيارة رئيس هيئة الأركان المشتركة ووزير الدفاع ومستشار الأمن القومي ووزير الخارجية ومدير الاستخبارات الأمريكية لإسرائيل خلال العام الجاري الذي لم يمض منه سوى شهرين ونصف. ويبدو أن الرياض تريد أن تنأى بنفسها عن تداعيات أي هجوم إسرائيلي يستهدف المنشآت النووية الإيرانية في ظل تقارير عن وصول نسبة تخصيب اليورانيوم في منشأة فودو إلى 84% واقترابها من نسبة 90% المطلوبة لصنع سلاح نووي.

مكاسب طهران

زيارة الرئيس الإيراني لبكين خلال شهر فبراير الماضي تضمنت مناقشة عدد من الملفات السياسية والاقتصادية والأمنية، ولعب الرئيس الصيني دورا في إتمام الوساطة مع الرياض التي زارها في ديسمبر لعدة أيام، فالصين أكبر مستورد للنفط من السعودية، كما أنها شريك تجاري مهم لطهران. بنسبة تعادل 30% من إجمالي التجارة الخارجية الإيرانية.

يمثل الاتفاق مكسبا سياسيا مهما لإيران التي تعاني من اضطرابات داخلية أعقبت وفاة الشابة مهسا أميني في سبتمبر الماضي، وتنظر بريبة تجاه لعب الغرب مؤخرا بورقة المعارضة الإيرانية في الخارج، والذي تجلى في استضافة واشنطن لاجتماع رموز من المعارضة الإيرانية، ودعوة عدد من المعارضين للمرة الأولى،  لحضور مؤتمر ميونخ للأمن دون دعوة المسئولين الإيرانيين، واستقبال ماكرون للمعارضة مسيح نجاد، وأشادته باجتماع المعارضة الإيرانية في واشنطن. ومن المحتمل أن ينعكس التقارب سلبا على تغطية قناة إيران انترناشيونال بلغاتها المتنوعة للملف الإيراني، حيث صنفتها طهران خلال العام الماضي ككيان إرهابي، وتتهم الرياض بتمويلها ماليا، وهي إحدى أبرز القنوات التي تغطي وتحرض على الاحتجاجات داخل إيران.

كذلك تأمل طهران عبر التطبيع مع السعودية في تطوير التجارة مع دول الخليج لإضعاف الحصار الاقتصادي المفروض عليها، والذي تزايد مؤخرا مع تكثيف حجم العقوبات الغربية المفروضة على شركات ومسئولين إيرانيين بحجة دورهم في القمع الداخلي، وإمداد روسيا بطائرات مسيرة في حرب أوكرانيا، مما أوصل العملة الإيرانية للمرة الأولى إلى 60 ألف تومان للدولار الواحد قبل أن تنخفض مجددا إلى 50 ألف تومان، وهو ما يضع عبئا كبيرا على كاهل المواطنين الذين يعانون من نسبة تضخم تجاوزت 40 % خلال العام الماضي.

يأتي الإعلان عن تبادل السفراء بين البلدين عقب إعادة الإمارات والكويت سفيريهما إلى طهران في أغسطس الماضي، في قرار فُهم على أنه يحظى بموافقة ضمنية سعودية، إذ سحبت أبوظبي والكويت سفيريهما سابقا في عام 2016 تضامنا مع الرياض إثر حادث حرق السفارة السعودية في طهران على يد متظاهرين احتجوا على إعدام 47 مواطنا سعوديا من بينهم رجل الدين الشيعي نمر النمر.

التداعيات

تطبيع العلاقات السعودية الإيرانية برعاية صينية، ستوظفه السعودية في مناكفة الولايات المتحدة، وقد ينعكس سلبا على العلاقات الأمريكية السعودية، لكن ستعتبر الرياض أنه سبق لواشنطن التوقيع على اتفاق نووي مع إيران عام 2015 دون مراعاة المصالح السعودية.

إقليميا، يمكن أن ينعكس التطبيع بين البلدين على الوصول لاتفاق بخصوص هدنة جديدة في اليمن في أدنى الأحوال، والتفاهم بخصوص شخص الرئيس المرتقب لشغل مقعد الرئاسة الفارغ في لبنان، والدفع باتجاه تطبيع العلاقات السورية السعودية، والذي بدأ مؤخرا بإرسال مساعدات سعودية إلى النظام السوري إثر زلزال فبراير الماضي.

ورغم ما سبق، يتسم التقارب المعلن بين الدولتين بالهشاشة في ظل وجود أسباب عميقة للخلافات بينهما في ملفات عديدة ترتبط بمنطلقات السياسة الخارجية لكل منهما، والدور الذي تريدان القيام به، وتذبذب السياسات السعودية بشكل دوري، فضلا عن وجود أطراف أخرى دولية وإقليمية يمكنها تحريك أدواتها لإفساد الطبخة الجارية برعاية صينية، وبالأخص في حال توجيه ضربات عسكرية لإيران قريبا أو تشديد العقوبات عليها بشكل أكبر والضغط على مواردها المالية.

مشاركات الكاتب