السيسي والخيارات الصعبة في معركة طوفان الأقصى

في صباح يوم السبت السابع من أكتوبر فاجئت حركة حماس الجميع بعملية عسكرية نوعية موسعة تجاه مناطق الاحتلال على امتداد غلاف غزة الشمالي، استطاعت من خلالها شل قدرة جيش الاحتلال واستخباراته مدة خمس ساعات متتالية وكانت حصيلة هذه العملية غير المسبوقة وَفق تصريحات الاحتلال الرسمية مقتل ما يزيد عن 1500 شخص وأسر قرابة 250 بين مدني وعسكري.

طبيعة العملية واتساعها وحجم الخسائر البشرية والمادية التي ألحقتها بجيش الاحتلال وأجهزته الأمنية، فاجئ جيش الاحتلال نفسه قبل أن يفاجئ الإقليم بل جميع دول العالم، مما دفع أمريكا إلى التحرك السريع لدعم حليفتها إسرائيل وأجبر الحكومة الإسرائيلية على الرد العنيف والواسع على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة وعلى حركات المقاومة وعلى رأسها حماس.

مصر والملف الفلسطيني

تعتبر مصر الملف الفلسطيني هو أحد ملفات أمنها القومي التي لا يمكن أن تفرط فيه أو أن يأخذ دورها فيه أي لاعب إقليمي جديد، ولذلك تحاول مصر الموازنة في مواقفها تجاه القضية لتحتفظ بفاعليتها في الملف والحفاظ على مسافة وأن تبدو ظاهرية بين طرفي الصراع، وفي السياق ذاته وضعت عملية طوفان الأقصى النظام المصري وعلى رأسه عبد الفتاح السيسي في مأزق؛ فبعد انتهاء العملية ومع بداية القصف الإسرائيلي لقطاع غزة أصدرت الخارجية المصرية بيانًا متزنًا، حيث إنَّها لم تدن ما قامت به حركة حماس، لكنها دعت إسرائيل لوقف اعتداءاتها على الشعب الفلسطيني وأن تلتزم بالقانون الدولي مع السماح لبعض المنافذ الرسمية بانتقاد مقبول لعمليات القصف الإسرائيلية كمؤسسة الأزهر، ثُمَّ بدأ الدور المصري المهم في محاولة الوصول إلى عدد دقيق للأسرى لدى حماس عبر تواصلات مستمرة على مدار الساعة.

عملية الإسكندرية والتعاطف الشعبي

جاءت عملية إطلاق الرصاص التي قام بها أمين شرطة في محافظة الإسكندرية ضد عدد من السياح الإسرائليين، التي قتل على إثرها 3 سياح إسرائليين لتزيد من الضغط الشعبي على النظام، فهذه ثاني عملية يقوم بها مجند ضد إسرائيلين سواء كانوا جنود أم مدنيين وتقابل بالتجاهل الرسمي نفسه من النظام مع احتفاء إعلامي غير رسمي بالعملية، مما يؤكد لدى صانع القرار أنَّ قضية فلسطين ما زالت حية في قلوب الشعب المصري بكل طوائفه، وهذا يصعب على النظام اتخاذ خطوات حادة تجاه أهلنا في قطاع غزة أو حتى تجاه المقاومة، مما دفع النظام إلى السماح ببعض التظاهرات المحدودة جدًّا مع حرصه على عدم اتساع رقعتها حتى لا يتسغلها خصومه السياسيين في تحريك الشارع ضده أو أن تتخذ إسرائيل وأمريكا موقفًا حادًا منه.

فتح معبر رفح… حسابات معقدة

مع اشتداد عمليات القصف على قطاع غزة واستهداف المستشفيات والأماكن الصحية بدأت المناشدات المتكررة والاتصالات للنظام المصري بضرورة فتح معبر رفح لإدخال المساعدات الإنسانية، الأمر الذي تعاطف معه النظام بإيجابية وبدأ في تحريك بعض شاحنات الوقود إلى المعبر الأمر الذي استهجنته إسرائيل وأرسلت على إثره تهديدًا بقصف المعبر حال فتحه، وقبل أن يستجيب النظام لهذا التهديد قصفت جيش الاحتلال بوابة معبر رفح، مما أدى إلى إغلاقه نهائيًّا دون تعليق رسمي واضح من الجانب المصري، بطبيعة الحال أغضب هذا التصرف الجانب المصري لأنَّ فيه انتهاكًا لسيادته، فبدأ في التعاطف مع دعوات دول أخرى مثل تركيا لفتح المعبر لإدخال المساعدات الإنسانية لقطاع غزة، وصولًا إلى رفض النظام المصري لطلب دول غربية وعلى رأسهم أمريكا بفتح المعبر من اتجاه واحد لخروج الرعايا الأجانب من غزة تمهيدًا لإخلائهم، واشترط أن يفتح المعبر من الاتجاهين بمعني أنَّه في مقابل إخراج الرعايا الأجانب من غزة تدخل المساعدات الإنسانية هناك. الأمر الذي دعمه الجانب التركي، فما لبث أن أرسل ثلاث طائرات محملة بالمساعدات لقطاع غزة تنتظر الإذن بالدخول.

صفقة قرن جديدة

مع تصاعد القصف على شمال غزة والحديث المعلن والرسمي الموجه لدول العالم بضرورة إخلاء شمال القطاع ونزوح ساكنيه للجنوب أو تهجيرهم إلى شمال سيناء في مصر أو صحراء النقب جنوب الأراضي المحتلة، الأمر الذي كان مطروحًا مسبقًا في صفقة القرن التي رفضها الجانب المصري، ولذا فقد أبدى رفضه لهذا الطرح من خلال تصريحات السيسي شخصيًّا ووزير خارجيته سامح شكري، من ناحية أخرى يريد الغرب أن يضغط على السيسي من خلال ملف الاقتصاد والديون، فالأوضاع تزداد سوءًا مع الوقت ولا يجد السيسي حلًّا لها، حيث بدأ الحديث عن حزمة مساعدات مالية وإسقاط ديون لمصر، مما يجعل النظام يفكر في الصفقة.

الخلاصة

يبدو أنَّ معركة طوفان الأقصى ليست معركة محدودة أو مؤقتة، فالمتوقع أن تظل المواجهات أشهر قادمة وهذا يزيد الضغط على السيسي ونظامه، فهو من زاوية يرى أنَّ تهجير جزء من سكان شمال غزة إلى سيناء يمثل تهديدًا لأمن مصر القومي، إلا أنَّه سوف يواجه بموجات كبيرة من الاعتراض داخل مؤسسات الدولة وعلى رأسها المؤسسة العسكرية نفسها في توقيت صعب يبحث فيه عن استقرار سياسي قبيل انتخابات الرئاسة نهاية هذا العام. كما أنَّ هذا الطرح سوف يجبره على التعامل مع مقاتلين من حماس وحركات أخرى، مما يهدد استقرار هذه البقعة ويعيد للأذهان شبح الإرهاب كما يدعي. وعلى جانب آخر لن يصمد السيسي كثيرًا أمام الضغوطات الخارجية، فإسرائيل من أهم الداعمين لبقائه في المنطقة وهو يتخذ منذ قدومه للحكم خُطوات تساهم في تعزيز أمنها تجاه المخاطر الخارجية، ومن ناحية أخرى احتياج النظام للأموال لإنقاذ نظامه من الإفلاس أو انفجار الوضع داخليًّا، قد يجبره على قبول أطروحة التهجير على ما فيها من تهديدات محتملة ووعود الدعم اللامحدودة.

مشاركات الكاتب