أين تقف روسيا من الحرب بين إسرائيل وحماس؟

حنا نوتي،فورين بوليسي، 19 أكتوبر 2023

عندما شنَّت حماس هجومها الخاطف ضد إسرائيل في 7 أكتوبر، سارع بعض المراقبين إلى الاشتباه في وقوف محور موسكو-طهران خلفه. وَوَفقًا لهذه الحجة، فإنَّ روسيا تعمل عمدًا ومباشرة على تأجيج الصراع في الأراضي المقدسة لتوسيع ساحة معركتها مع الغرب.

عقد آخرون مقارنات مباشرة بين هجوم حماس الشرس وحرب روسيا ضد أوكرانيا. فقال الرئيس الأوكراني زيلينسكي إنَّ أحدهما شنته “منظمة إرهابية هاجمت إسرائيل” والآخر شنته “دولة إرهابية هاجمت أوكرانيا”. فيما اعترض العديد من الفلسطينيين على هذا التوصيف.

صحيح أنَّ موسكو حافظت منذ فترة طويلة على علاقات وثيقة مع حماس التي تسيطر على غزة وتتمتع بدعم إيراني، فهي حركة إسلامية مسلحة فازت الحركة بالانتخابات البرلمانية الفلسطينية عام 2006 وسيطرت على غزة بعد اقتتال مع السلطة الفلسطينية لاحقًا. وتمتلك حماس جناحين؛ أحدهما سياسيًّا والآخر عسكريًّا، وقد أعلنت بعض الدول الغربية مثل أستراليا ونيوزيلندا، تصنيفها الجناح العسكري لحماس –كتائب عز الدين القسام– كمنظمة إرهابية، فيما توجد دول أخرى مثل الولايات المتحدة، لم تقم بهذا التمييز بين الجناحين.

ومن جانبه لم يعلن الكرملين قط تصنيفه أي من جناحي حماس كجماعة إرهابية، وبدلًا من ذلك حرصَ على شغل مكانة خاصة في عملية السلام في الشرق الأوسط، إذ حاول الدبلوماسيون الروس توحيد الفصائل الفلسطينية المختلفة، بما في ذلك حماس في إطار سياسي واحد من أجل استئناف عملية السلام وتعزيز حل الدولتين.

لقد زارت وفود من حماس موسكو، حيث التقت وزير الخارجية سيرغي لافروف ونائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف الذي يتولى ملف الشرق الأوسط بوزارة الخارجية، وتشاورت روسيا مع الفصائل الفلسطينية في الدوحة وقطر ورام الله في الضفة الغربية واستضافت محادثات بينهم في معهد الدراسات الشرقية التابع لأكاديمية العلوم الروسية في موسكو، الذي كنت أتردد عليه كباحثة زائرة. وأظهرت هذه المحادثات أنَّ حماس بعيدة كل البعد عن كونها دمية روسية: ففي إحدى جولات المفاوضات، التي عقدت في موسكو في فبراير 2019، ورفضت قيادة الحركة التوقيع على بيان نهائي توسط لكتابته المضيفون الروس.

على مر السنين شقت بعض الأسلحة الروسية الصنع، مثل الأسلحة المضادة للدبابات والصواريخ المضادة للطائرات المحمولة على الكتف طريقها إلى غزة عبر إيران على الأرجح، لكن حتى الآن لا يوجد دليل واضح على أنَّ روسيا دعمت حماس في تخطيط أو تنفيذ هجومها المفاجئ على إسرائيل.

ولكن هذا لا يعني أنَّ روسيا غائبة عن هذا الصراع الأخير بين إسرائيل وحماس، فمنذ أن شنت غزوها واسع النطاق لأوكرانيا في فبراير 2022، عمّقت موسكو تعاونها مع إيران بشكل كبير. وفي مقابل الطائرات الإيرانية دون طيار وغيرها من المعدات العسكرية، كثفت روسيا دعمها الدفاعي لطهران، بما في ذلك -كما تخشى الولايات المتحدة- المساعدة في برامجها الصاروخية والمركبات الفضائية. وكانت هناك موجة من اللقاءات العسكرية الإيرانية الروسية، بما في ذلك جولة وزير الدفاع الروسي سيرجي شويجو في معرض أسلحة في طهران الشهر الماضي.

فروسيا التي كانت ذات يوم وسيطًا متحمسًا في النزاع حول البرنامج النووي الإيراني، فقدت أيضًا حماسها للعودة إلى الاتفاق النووي الإيراني، وبعد غزوها لأوكرانيا توقفت روسيا عن الدفع نحو تحقيق تقدم ملموس في المحادثات النووية، الأمر الذي أدى إلى خلق درع فعلي لوضع إيران شبه النووي.

وفي سوريا وجدت روسيا وإيران سببًا مشتركًا في مضايقة القوات الأمريكية المتمركزة في شمال شرق البلاد، إذ تتواجد هذه القوات البالغ عددها حوالي 900 جندي في سوريا لمنع عودة ظهور تنظيم الدولة الإسلامية ودعم القوات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة وإحباط الطموحات الإيرانية والروسية في البلاد. ووَفقًا لوثائق سرية مسربة في وقت سابق من العام الجاري، أنشأت روسيا وإيران وسوريا “مركز تنسيق” لتوجيه جهود منسقة لطرد الجيش الأمريكي من سوريا.

في المقابل اتخذت روسيا بعض الخطوات لموازنة تقوية إيران، إذ دعمت بشدة التطبيع بين سوريا والعديد من الدول العربية. ومع ذلك، بشكل عام، تعمل روسيا على تمكين طهران بدلاً من تقييدها في المنطقة. وعلى الرغم من عدم وجود دليل يدعم فكرة تورط إيران بشكل وثيق في التخطيط لهجوم حماس، فقد قدمت منذ فترة طويلة الدعم اللوجستي والعسكري لحماس، فضلا عن الجماعات الوكيلة الأخرى في “محور المقاومة” الذي أصبح يعمل بشكل مركزي على نحو متزايد.

إنَّ حربًا جديدة في الشرق الأوسط هي أمر يناسب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إذ تأمل موسكو في صرف انتباه الغرب وموارده بعيدًا عن أوكرانيا من خلال زيادة نقاط الضغط العالمية والإلهاءات. فبانسحابها من مبادرة حبوب البحر الأسود -التي ضمنت تصدير الحبوب الأوكرانية في زمن الحرب- في يوليو الماضي، تسببت روسيا في تعطيل إمدادات الحبوب العالمية، الأمر الذي أثار القلق في مختلف أنحاء العالم خاصة بين الدول الإفريقية، كما تعمل موسكو بانتظام على إثارة المخاوف من التصعيد النووي بشأن الحرب في أوكرانيا وألمحت مؤخرًا إلى أنَّها قد تلغي التصديق على معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية المتعددة الأطراف. وأعربت روسيا عن أسفها، لأنَّ الولايات المتحدة من بين عدد قليل من الدول الأخرى، مثل الصين وإيران وإسرائيل لم تصدق على المعاهدة قط وقد أشارت إلى رغبتها في تحقيق التكافؤ مع واشنطن.

من المرجح أن يؤدي تجدد عدم الاستقرار في الشرق الأوسط إلى صرف انتباه الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة عن الجناح الشرقي لحلف شمال الأطلسي، وقد يفرض قيودًا على الموارد اللازمة لتوفير الأسلحة والذخيرة لأوكرانيا. وإذا أصبح التطبيع الإسرائيلي السعودي -الذي عملت واشنطن من أجله بلا كلل خلال الأشهر الأخيرة- ضحية للحرب الأخيرة بين إسرائيل وحماس، فإنَّ موسكو ستحقق فوزًا إضافيًّا. لقد اعتبرت روسيا أنَّ الدبلوماسية الإقليمية الناشئة عن اتفاقيات أبراهام بمنزلة مشروع أمريكي يهمش روسيا، وفي حين يمكن لروسيا أن تجني فوائد من تصاعد العنف بين إسرائيل وحماس، إلا أنَّه لا يوجد دليل على أنَّها لعبت دورًا مباشرًا في التحريض على تصرفات حماس.

من جهتها لم تزود إسرائيل كييف بأسلحة فتاكة، لأنَّها مترددة في استعداء روسيا ويرغب بوتين في إبقاء الأمر على هذا النحو. وعلى الرغم من أنَّ العلاقات الروسية الإسرائيلية شهدت فترات صعبة على مدار العام ونصف العام الماضيين، خاصة في عهد رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد الذي تولى منصبه فترة وجيزة من يوليو إلى ديسمبر 2022، فإنَّ العلاقات بين البلدين تظل وطيدة وقوية، فهما يتبادلان التجارة وينسقان أنشطة قواتهما الجوية في سوريا ويتمتعان بعلاقات واسعة النطاق في الشتات، وتوجد كيمياء شخصية بين رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي نتنياهو وبوتين. وإنَّ تقديم المساعدة والتحريض على الهجوم العنيف الذي شنته حماس من شأنه أن يهدد بالتراجع عن كل ذلك.

يتعين على روسيا أيضًا أن تكون حذرة فيما ترغب فيه، وفي حين أنَّها قد تستفيد مؤقتًا من التركيز الغربي المتجدد على الشرق الأوسط وإفشال التطبيع العربي الإسرائيلي، إلا أنَّ موسكو على الأرجح لا ترغب في رؤية إيران وإسرائيل تنجرفان إلى حرب واسعة النطاق. من المؤكد أنَّ الصراع الأوسع لن يشمل لبنان فحسب، بل سوريا أيضًا حيث تدعم القواعد الجوية والبحرية التي تسيطر عليها روسيا بسط قوة موسكو في شرق البحر الأبيض المتوسط وإفريقيا، ومع تخصيص معظم قواتها العسكرية وأجهزتها العاملة لأوكرانيا، لن يكون لدى روسيا النطاق اللازم للتورط في حريق أكبر في الشرق الأوسط.

الأهم من ذلك هو أنَّ روسيا لا تزال تقدر علاقاتها مع إسرائيل والدول العربية وتحالفها المتزايد مع إيران، فمنذ 7 أكتوبر حرصت موسكو على الظهور كوسيط للسلام بينما تلقي باللوم في حرب الشرق الأوسط الأخيرة على أخطاء الماضي التي ارتكبها الغرب. وفي عمل من أعمال الاستعراض الدبلوماسي، انشغل المسؤولون الروس أيضًا بالاتصال بنظرائهم العرب واستضافتهم، كما قدمت روسيا مشروع قرار بشأن الحرب إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في وقت سابق من هذا الأسبوع وبدعم من فلسطين والعديد من الدول العربية وغير الغربية، فشل مشروع القرار -الذي لم يذكر حماس بالاسم- في الحصول على دعم الأغلبية.

لقد دفعت روسيا نفسها نحو تحقيق توازن صعب واستغرق الأمر من بوتين ما يقرب من 10 أيام للاتصال بنتنياهو للتعبير عن تعازيه في هجوم 7 أكتوبر، وقد امتنعت روسيا عن الإشارة إلى الهجوم بوصفه عملًا إرهابيًّا، كما تبنت التغطية الإعلامية الروسية للحرب التي تتكشف فصولها ميلًا واضحًا مؤيدًا للفلسطينيين. ومن خلال التأكيد على معاناة المدنيين الفلسطينيين والنأي بنفسها عن دعم واشنطن الذي لا لبس فيه لإسرائيل، تستغل موسكو المظالم القوية بشأن فلسطين في جميع أنحاء الشرق الأوسط والجنوب العالمي. وهنا يأمل الكرملين في دعم مواجهته الأوسع مع الغرب.

ومع ذلك فعلى الرغم من كل اهتمامها بالمشاعر المؤيدة للفلسطينيين، فإنَّ روسيا لا تريد الانفصال عن إسرائيل، وبالرغم من قضيتها المشتركة المعلنة مع إيران في تحدي سيادة الولايات المتحدة، فإنَّ روسيا لا تسعى إلى التحالف العميق مع طهران أيضًا. لقد حاولت الدبلوماسية الروسية في عهد بوتين دائمًا –ولا تزال تحاول– تحقيق التوازن بين اللاعبين المتخاصمين في الشرق الأوسط، لأنَّ هذا يزيد من المكاسب الروسية. إنَّ الإبحار عبر حرائق صغيرة، بدلًا من حرب إقليمية كبيرة والتعامل مع جميع الأطراف يقع ضمن قواعد اللعبة التي تناسب موسكو بشكل أفضل.

إنَّ بوتين لن يكون الشخص الذي يحدد المسار المستقبلي للأحداث، فقد أرسلت الولايات المتحدة مجموعة حاملة طائرات إلى شرق البحر الأبيض المتوسط وتعهدت بتقديم دعم لا لبس فيه لإسرائيل. وإذا تصاعد القتال وتوسع مع وقوف واشنطن بقوة إلى جانب إسرائيل، فمن المرجح أن تنجرفَ روسيا أكثر إلى فلك إيران بالنظر إلى الخلفية الجيوسياسية الأوسع لهذه الحرب الجديدة في الشرق الأوسط.

مشاركات الكاتب