سبتمبر جديد: السيسي في ورطة!

يقول بعض خبراء الدراسات المستقبليَّة، بناء على استقراء تاريخي مطرد، إن هناك مواعيد بعينها، قد تكون أكثر تحفيزًا دون غيرها، لظروف ومسببات وشروط التغييرات الاجتماعيَّة، داخليًا وخارجيًا، لاسيما في منطقتنا.

بالنسبة لنظام السيسي، فإنّه قد تعرض منذ لحظة ميلاده في يوليو 2013 على أنقاض ثورة يناير، وعلى مدار نحو 10 أعوام، هي عمره التقريبي، إلى هزّات عنيفة، بما لا يقلّ عن معدل حادثة واحدة سنويًا.

على سبيل المثال وليس الحصر: فقد شهد عام 2015 حادث إسقاط الطائرة الروسية المدنية، مما أدى إلى تدهور سوق السياحة في مصر لعدة سنوات.

كما كان عام 2016 شديد الحساسيَّة اجتماعيًا على المستوى الداخلي نظرًا لتمرير التعويم الأول للجنيه بعد عامين من بدء البرنامج التدريجي لرفع الدعم عن الكهرباء والوقود، كما شهدت البلاد في ذات العام ثم في عام 2017 حراكا شعبيا رافضًا لاتفاقية الترسيم البحري بين مصر والسعودية، والتي تضمنت التنازل عن تيران وصنافير.

وعلى نفس المنوال، فإنّ عام 2018 كان عامًا فاصلًا في مسيرة حكم السيسي، نظرًا لمحاولة عدد من الشخصيات البارزة عسكريًا، على رأسهم الفريق سامي عنان منازعته في الحكم، استغلالًا للاستحقاق الانتخابي الرئاسي حينها، وهو ما تصدى له السيسي بالبطش والحسم.

احتجاجات سبتمبر 2019

مع هذا كله، فإنّ أبرز هزات التهديد لحكم السيسي حدثت في الربع الأخير من عام 2019، حينما تمكن المقاول محمد علي من تثوير الجماهير ضد السيسي في احتجاجات استثنائيَّة من حيث الشعارات المرفوعة ومناطق الاحتجاج وسلوك قوات الأمن مع المحتجين.

ولفهم تلك المناسبة، فإنَّ عدة عوامل أدت إلى إفراز المشهد الأخير الذي شمل تمزيق صور السيسي والوقوف في وجه قوات الأمن، ثم محاولة النظام احتواء تلك الموجة لاحقا بإجراءات وخطاب ناعم غير معتاد.

على رأس هذه العوامل كانت:

  1. الفضيحة القاطعة، التي لعبت دور العامل الحفّاز في إثارة المواطنين، عندما كشف أحد رجال السلطة في قطاع المقاولات جانبا من فساد الرئيس وحاشيته.
  • رعونة السيسي الخطابية، التي كانت بمثابة سكب البنزين على النار، وبالأخص عندما تحدى الرأي العام محتفيًا بقصوره الفارهة في الوطن الفقير.
  • “النبوءة” التي سرت كالنار في الهشيم عن احتمال وقوف إحدى الجهات الفاعلة داخليًا خلف التسريبات التي بثها المقاول، واستعدادها لحماية المواطنين حال النزول المكثف، لإخراج مشهد مهندَس للإطاحة بالسيسي.
  • استشعار الرأي العام لهلع النظام غير المبرر إلا باحتمال تداعيه، والذي تمثل في الدفع القسري المتزامن بالفنانين من كل الطبقات للمجتهرة بدعم السيسي، الأمر الذي رأى فيه المواطنون فرصة مثالية لاستغلال حالة الوهن لدى النظام.

سبتمبر 2023: ما أشبه الليلة بالبارحة!

من جديد، نلاحظ تكرر نفس المتوالية التي وقعت إبّان تسريبات المقاول، ولكن بمعطيات مختلفة، فبين الظرفين أربعة أعوام، طرأت فيهم متغيرات كثيرة على الحالة المصرية، ومن هذه الثيمات المتكررة بحذافيرها تقريبا:

  1. الفضائح المقطوع بصحتها، سواء كانت ما يخص طائرة زامبيا التي خرجت محملة بحقائب الدولارات من قاعة كبار الزوار في مطار القاهرة، أم فضيحة سبائك الذهب التي تلقاها السيناتور الأمريكي الرفيع مينينديز للقيام بخدمات مشبوهة للنظام المصري.
  • رعونة الجنرال الخطابية التي سوَّلت له جواز التلويح للمواطنين باحتمال حدوث مجاعات كبرى يذهب ضحيتها الملايين نظير التقدم المنشود، والطعن في احتجاجات يناير2011 بأنّ المشاركين فيها كانوا مأجورين مقابل المخدرات والقليل من المال.
  • النبوءة السارية عن احتمال دعم المرشح الرئاسي المحتمل أحمد الطنطاوي من أحد أجنحة النظام الحانقة من حكم السيسي، أو إحدى الدول الخليجيَّة التي ضاقت ذرعا برعونة النظام، مما يشجع المواطنين على دعم الطنطاوي قانونيًا أو حتّى بتجمّعات شعبيَّة بسيطة.
  • أخيرًا، استشعار الرأي العام لحالة الهلع التي تسري في عروق النظام والتي تدفعه للتلويح بسياسة الأرض المحروقة وحافة الهاوية، والتي انعكست أيضاً في تعمد تنظيم مؤتمر “حكاية وطن| – كما حدث في الدعوة العاجلة لتنظيم منتدى الشباب 2019 تزامنًا مع هوجة المقاول محمد علي، ثمّ محاولة الحشد الشعبي الفاشلة واستدعاء الفنّانين، كما حدث خلال فضيحة القصور الرئاسية، والتي حشد فيها النظام أنصاره في المنصة بالقرب من ميدان رابعة.

الخلاصة

دون أن ننسى سبتمبر 2020 الذي شهد أيضا احتجاجات شعبية ذات طابع ريفي ضد قانون التصالح على مخالفات البناء؛ فإنَّ سبتمبر، ونطاقه الزمني، صار، فيما يبدو، مصدرًا موسميًا لذعر النظام، بعد محاولات غير ناجحة من المعارضة لإحياء مناسبات قديمة فقدت كثيرًا من حمولتها النفسية، مثل ذكرى يناير من كل عام.

وفي نفس الوقت، فإنّ هذه التراكمات الشعبية قد تؤدّي بالفعل إلى إجبار النظام على تقديم تنازلات، بالنظر إلى تردّي الأوضاع الاقتصادية، وانتهاء فاعليَّة سحر المشروعات القوميَّة، وتزايد شرائح الفارّين من مربّع الدعم المطلق للنظام، داخليًا وخارجيًا، وانطفاء جذوة الولع بالبطل المخلّص تدريجيًا منذ 2013.

مشاركات الكاتب