القوة الاقتصادية للمصريين في الخارج: قوة ليست بعيدة عن السياسة

اضغط لتحميل الملف

المقدمة

 تتناول أغلب الدراسات عن تحويلات العاملين بالخارج حول النواحي الاقتصادية المتعلقة بهذه الظاهرة، مثل : ظاهرة الهجرة وحركة أهم عناصر الإنتاج من قبيل قوة العمل، من أرض إلى أخرى، وَفقًا لحركة رأس المال ولتقسيم العمل الدولي السائد بغض النظر عن مدى عدالة هذا التقسيم والاقتراب منه من زاوية اليمين أو اليسار.

في الفترة الأخيرة اكتسبت التحويلات أهمية ترتبط بصعودها كمصدر أساسي للتمويل الدولي للاقتصادات المتلقية للتحويلات، وقد أكسبت آليات عرض البيانات بطرق الجرافيك والإنفوجرافيك في الصحافة والإعلام المحلي والدولي مسألة التحويلات اهتمامًا لدى المختصين ولدى المواطن العادي الذي قد يكون أحد من يقومون بتلك التحويلات دون أن يدرك أهميتها ولا قيمتها الكبيرة عند تجميعها في أرقام ضخمة على مستوى بلده، وإن كانت الدراسات منذ عِقد تشير إلى تخطى هذه التحويلات عالميًّا أشكال التمويل الدولي الأخرى كافة للدول النامية.[1]

تٌعرَّف التحويلات على أنَّها أموال وسلع تُحوَّل إلى الأسر في الوطن عن طريق أشخاص يعملون بعيدًا عن مجتمعاتهم الأصلية، في بلدان العالم الثالث يمكن أن يكون لمثل هذه التحويلات للموارد تأثير عميق على توزيع دخل الأسرة وبالذات في المناطق الريفية. ليس بالضرورة أن يكون هذا التأثير إيجابيًّا دائمًا؛ ففي العديد من البلدان النامية لا يزال الجزء الأكبر من القوة العاملة يعيش في الريف، وتتحدث بعض الدراسات عن أثر التحويلات على الفقر وتوزيع الدخل في الريف، حيث تشير دراسة حول باكستان إلى تأثير سلبي للتحويلات في مسألة تفاوت توزيع الدخل في الريف فمن يستطيعون السفر لدول الخليج وللخارج عمومًا يغيرون ميزان الدخول وخريطة القوى الاجتماعية في قراهم ومناطقهم الريفية، وينتهي المطاف إلى تناول سوء توزيع الدخل في الريف نتيجة التحويلات الخارجية، أي إلى حالة من التفاوت الكبير وما يترتب عليها من تبعات اجتماعية وسياسية.[2]

تتناول دراسة أخرى لريتشارد أدامز هذا الوضع في مصر باعتبارها ضمن أكبر متلقي التحويلات عالميًّا، لكنه يبحث فقط في تأثير التحويلات الدولية على عدم المساواة في توزيع الدخل في الريف المصري، وتقدر دراسته أنَّ الأسر التي بها أحد العاملين بالخارج يزيد دخلها من ثلاثة إلى خمسة أضعاف الأسر الريفية الأخرى وَفقًا لنتيجة دراسة ميدانية على قرى مصرية بها نسب مرتفعة للمهاجرين بالخارج، كما يثبت بالنمذجة الاقتصادية أنَّ التحويلات الدولية لها تأثير ضار على توزيع الدخل في المناطق الريفية، لأنّها تصب في الأساس لدى ذوي الدخل المرتفع.[3] ويمكن تأكيد هذا في الوضع الحالي على الأكثر، حيث ترتفع أسعار فيزا العمل بالخليج لأرقام قياسية لا تستطيع تحملها سوى الفئات ذوي الدخل المرتفع أو ملاك الأراضي وذوي المدخرات.

تحاول هذه الورقة الوقوف على أهمية تحويلات المصريين العاملين في الخارج للاقتصاد المصري، وما يتعلق بهذه التحويلات من مطالب متزايدة لأصحاب التحويلات، ومدى استجابة السلطات لهذه المطالب عبر السياسات والأدوات المختلفة.

القوة الاقتصادية للمصريين في الخارج

 تشير المقارنة بالأرقام بين تحويلات المصريين المغتربين وأهم مصادر التمويل الدولي الأخرى (رسوم العبور في قناة السويس- السياحة- القروض والمنح والمعونات) وتتبع تطورها عبر العِقد الماضي خلال الفترة ٢٠١١-٢٠٢١ إلى أنَّ التحويلات هي المصدر الخارجي الأكبر للتمويل الخارجي للاقتصاد المصري، ولا يفوقها في ذلك سوى مصدر داخلي هو الصادرات المصرية التي وصلت إلى ٤٣.٦ مليار دولار في ٢٠٢١ فقط، فيما تراوحت قيمتها بين ٣٠.٥٣ مليار دولار في ٢٠١١ و٢٦.٦٣ مليار دولار في ٢٠٢٠[4]، أما بالنسبة لعائدات قناة السويس فهي لم تصل إلى ربع مقدار التحويلات في أفضل حالاتها عندما حققت رقمًا قياسيًّا مقداره ٧ مليار دولار، فيما ظلت تتأرجح بين ٥.٧ – ٥.٩ مليار دولار بين ٢٠١٧-٢٠٢٠.[5] وهي أرقام هزيلة إذا ما قورنت بالمصروفات التي أنفقت على مشروعات ضخمة في نطاق القناة ثُمّ قيل لاحقًا أنّها كانت لرفع الروح المعنوية للمصريين.

وَفقًا للتقرير الاقتصادي لشمال إفريقيا الصادر في نوفمبر ٢٠٢٢، فإنَّ تحويلات المصريين بالخارج بلغت ٣١.٥ مليار دولار بنسبة ٧.٨٪ من الناتج القومي الإجمالي لمصر عام ٢٠٢١[6]، وإذا ما قورن هذا الرقم بمساهمة بعض القطاعات الرئيسية للاقتصاد في الناتج القومي الإجمالي أو حصة التدفقات المالية الأخرى من مصادر التمويل الدولي للاقتصاد المصري نجد أنَّنا إزاء مورد اقتصادي هو الأهم.

بحسب بيانات البنك الدولي وَفقًا للشكل رقم ١ أعلاه، فإنّنا نتحدث عن زيادات كبيرة مرتبطة بفترات تغييرات سياسية هامة، حيث ارتفعت ارتفاعًا كبيرًا بعد الثورة من ١٢.٤ مليار دولار في ٢٠١٠ إلى ١٩.٢ مليار دولار في ٢٠١٢، ثُمّ تذبذبت في السنوات التالية حتى ٢٠١٦[7]، وهنا يرتبط الأمر إما بالأمل وتحمل المصريين جزءًا من المسئولية بعد الثورة، أو انهيار قيمة العملة في ٢٠١٦ بعد التعويم الكبير الذي قاد الجنيه للانخفاض بنسبة تزيد على ١٠٠٪ أمام الدولار. وهو ما دفع لزيادة كبيرة في التحويلات خلال عام ٢٠١٧، ويرتبط هذا أيضًا بمعدلات التضخم التي شهدها العام نفسه جراء السياسات الكلية، فجزء من الإحساس بالمسؤولية يتجلى في زيادة التحويلات لمواجهة الزيادة الكبيرة في الأسعار والتضخم بعد عقد قرض صندوق النقد والتعويم في نوفمبر ٢٠١٦.

وَفقًا للشكل بلغت التحويلات كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي أعلى معدلاتها عام ١٩٩٢ عندما كانت تمثل ١٤.٩٪ من الناتج ثٌمّ تراجعت إلى حدها الأدنى  ٢.٩٪ عام ٢٠٠٠، لتعود للتزايد تدريجيًّا وبشكل متذبذب في العقد الأول من الألفية حتى الثورة، كما تزايدت أهمية التحويلات أيضًا كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي من ٦.٩٪ في ٢٠١٢ إلى ٧.٨٪ في ٢٠٢١، وتظل التحويلات الواردة لمصر هي الأعلى إذا ما قورنت بالبلدان في فئة الدخل الشريحة الدنيا نفسها من البلدان متوسطة الدخل، حيث تبلغ ضعف المتوسط في هذه البلدان، وأربعة أضعاف المتوسط في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في الفترة من ٢٠١٢-٢٠٢١ تقريبًا.[8]

بطبيعة الحال تتأثر التحويلات بالأوضاع الاقتصادية للدول المستقبلة للعمالة، فوَفقًا لاتحاد المصارف العربية أثّر انخفاض أسعار النفط منذ منتصف عام 2014 في تدفقات التحويلات، حيث إنَّ نسبة كبيرة من المهاجرين المصريين يقيمون ويعملون في الدول العربية المصدرة للنفط، وبالتحديد دول الخليج. وقد شهدت نسبة نمو التحويلات انخفاضًا في مصر، وذلك من 9.7 % عام 2014 إلى 0.7 % عام 2015، إذ إنَّ أكثر من 71.5 % من التحويلات إلى مصر مصدرها دول الخليج.[9]

كما تتأثر التحويلات أيضًا بالعلاقات السياسية بين مصر والبلدان الأخرى، إذ تربط بعضها التضييقات أو التوسع في تصاريح الإقامة وسياسات الاستقدام باستجابة الحكومة المصرية لبعض شروطها، وكذلك المواقف التي يتخذها الإعلام المصري تجاه هذه البلدان.

بالاستناد لأحدث التقارير الصادرة عن البنك الدولي لشهر مايو٢٠٢٢، ففي عام ٢٠٢١ احتلّت مصر المرتبة الخامسة عالميًّا بعد الهند والمكسيك والصين والفلبين، والأولى من حيث أكثر الدول المتلقين للتحويلات المالية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بقيمة بلغت 31.5 مليار دولار، هذا الرقم شديد الدلالة بالنسبة لمصر إذ إنَّه أعلى من قيمة الصادرات المصرية في العام نفسه.[10]

تحوز التحويلات أهمية كبيرة سواء في حياة الأسر المتلقية للتحويلات ووقايتها من الوقوع تحت خط الفقر وتحسين معيشتها أم على مستوى الاقتصاد الكلي والقطاعات المختلفة للاقتصاد، فمن ناحية تحرك هذه التحويلات السوق العقاري تحركًا كبيرًا، وهو القطاع الأساسي على أجندة أولويات الحكومة المصرية لعقود، وإن كانت التخبطات القانونية الحالية المتعلقة بتراخيص البناء ومخالفاته أو التخبطات المالية المتعلقة بتذبذب سعر العملة قد أثرت كثيرًا على التحويلات، إلا أنَّها لا تزال المورد الاقتصادي الأساسي للتمويل الدولي، وهو تقريبًا المصدر الوحيد غير المشروط للتحويلات لمصر.

لقراءة الدراسة كاملة، الرجاء الاطلاع على ملف الـPDF

اضغط لتحميل الملف