الفاتورة الإلكترونية في مصر.. مداولة بين الشعب والنظام

منذ أيام فوجئ أصحاب المهن الحرة في مصر بإعلان وزارة المالية قرار يلزمهم بالتسجيل في منظومة الفاتورة الإلكترونية التابعة لمصلحة الضرائب، مع التهديد بفرض غرامات لمن يتخلف عن التسجيل تتراوح بين 20 ألف إلى 100 ألف جنيه، الأمر الذي أدى إلى ارتباك بين المهنيين من أطباء ومحامين ومحاسبين وفنانين وغيرهم. وقد تصاعدت الأزمة وحدثت احتجاجات للنقابات المهنية ضد القرار، لكن اللافت أنَّ الحكومة حابت بعض الشركات التابعة لمؤسسات الدولة واستثنتها دون غيرها من تطبيق المنظومة الجديدة عليها، وهنا تتجلى ازدواجية المعايير لدى الحكومة.

ماهية الفاتورة الإلكترونية؟

الفاتورة الإلكترونية هي فاتورة رقمية مميكنة تثبت المعاملات التجارية المقدمة من الأفراد والشركات  للسلع والخدمات كافة، وتتصل هذه الفواتير بالنظام الإلكتروني لمصلحة الضرائب، بحيث تُسجّل على النظام فور وقوعها لدى كل من مقدم السلعة ومتلقيها.

 زيادة الإيرادات الضريبية.. والاقتصاد غير الرسمي

قال وزير المالية محمد المعيط إنَّ العمل بمنظومة الفاتورة الإلكترونية يسرع ويسهل تخزين بيانات الأفراد والمؤسسات في مصلحة الضرائب، ويعمل على إلغاء التعاملات الورقية، ويقضي على التلاعب بالفواتير وحالات التهرب الضريبي، باعتبارها مستندًا رقميًّا له مكونات وخصائص محددة يتحقق منها من جانب مصلحة الضرائب لحظيًّا، مما لا يدع فرصة للتلاعب من الممولين، كما أنَّ كل ممول له رقم للفاتورة الخاصة به يحوي تكويدًا موحدًا لكل السلع والخدمات التي يقدمها، ويجبره على الالتزام بالتوقيع الإلكتروني الخاص به، مما يثبت ويؤكد حجته القانونية.

كل هذا جيد، ولكن يبدو أنَّ الهدف الرئيسي للحكومة من تطبيق هذا النظام هو زيادة الإيرادات الضريبية التي تمثل حوالي 77% من إجمالي إيرادات الدولة، حيث بلغت حوالي 1169 مليار جنيه من أصل 1513 مليار جنيه هم إجمالي إيرادات الدولة المتوقعة في موازنة عام 2022/2023، وقد صرح وزير المالية بالفعل أنَّه بعد تطبيق نظام الفاتورة الإلكترونية فسوف تتضاعف الإيرادات الضريبية من مليار جنيه إلى 2 مليار جنيه.

كما أعلنت الحكومة أنَّ تطبيق نظام الفاتورة الالكترونية من شأنه محاصرة الاقتصاد غير الرسمي الذي يمثل حوالي 40% من الناتج المحلي الإجمالي المصري وفقًا للتقديرات الحكومية، كما يمثل هذا القطاع حوالي 50% من قوة العمل الإجمالية في مصر حسب بيانات مركز دعم واتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء.

 وتزعم الحكومة أنَّ الاقتصاد غير الرسمي يرسخ مفاهيم مجتمعية خاطئة، حيث إنَّ أغلب العاملين فيه من الذين تلقوا تعليمًا متوسطًا وأقل من المتوسط ومع ذلك يحققون مكاسب مادية ومراكز اجتماعية متميزة، مما يشيع مفاهيم سلبية في المجتمع ويعيق تقدمه.

تصاعد الأزمة في الشارع

وقد أعلنت وزارة المالية عن ضم أصحاب المهن الحرة لمنظومة الفاتورة الإلكترونية، كما شددت عليهم بضرورة التسجيل بالمنظومة الجديدة قبل موعد 15 ديسمبر الجاري، مع فرض غرامات كبيرة على المتخلفين عن التسجيل تصل إلى 100 ألف جنيه، وقد لاقى القرار رفضًا كبيرًا من النقابات المهنية المختلفة من المحامين والأطباء والمحاسبين والممثلين، ولعل أبرزهم نقابة المحامين التي قامت بعمل وقفات احتجاجية أمام النقابة وهتفت بهتافات رافضة للقرار الصادر بحقهم وأوضحوا أنّهم لا يتهربون من الضرائب المقررة عليهم وإنَّما سبب رفضهم أنّهم لايبيعون سلعة تجارية ولا يتعاملون بنشاط تجاري حتي تُطَبَق عليهم هذه المنظومة، كما رفعت نقابة الأطباء دعوى ضد وزارة المالية ومصلحة الضرائب وقدمت طعنًا للاعتراض على القرار، وتبعتها نقابة طب الأسنان برفع دعوى مستعجلة لرفض التسجيل بالمنظومة.

أعباء مالية وأزمة ثقة

 ولا يعد الاعتراض على تطبيق المنظومة الجديدة تهربًا ضريبيًّا كما تدعي الحكومة، وإنّما يكمن في الأعباء المالية الإضافية التي تقع على كاهل المهنيين وصغار الممولين والإجراءات الطويلة للتسجيل الإلكتروني، فبينما صرحت وزارة المالية بأنَّ التسجيل في الفاتورة الإلكترونية متاح مجانًا للمواطنين، فقد اتضح بعد ذلك أنّه يتطلب مبالغ باهظة للحصول على التوقيع الإلكتروني للأفراد أو الختم الإلكتروني للمؤسسات مقابل اشتراك سنوي بقيمة 2000 جنيه، ورسوم عمل تكويد للسلع والخدمات المقدمة تبلغ حوالي 3 آلاف جنيه، كما يتعين على أصحاب المهن الحرة شراء نظام نقاط البيع للحصول على الإيصال الإلكتروني عبر شراء ماكينة دفع بالفيزا، وربط الفاتورة بنظام مصلحة الضرائب، والذي يحتاج هو الآخر إلى تحديث سنوي برسوم إضافية.

وعلاوة على ذلك، توجد أزمة ثقة متبادلة بين الشعب والحكومة، فالحكومة ترى أنّه لا داعي للاعتراض من قبل المواطنين، وأنَّها لا تلزمهم بمتطلبات حالية وإنّما التسجيل بالمنظومة فقط، وعلى الصعيد الآخر يستاء المواطنون من التكاليف الباهظة التي تنتظرهم حال التسجيل بالمنظومة، كما أنَّ التسجيل بها يعد حجة عليهم للقبول بتبعات الأمر، خاصةً في ظل الأزمة الاقتصادية الحالية والتي تدهورت سريعًا بعد قرار تعويم الجنيه وأزمة شح الدولار، والتي أثرت تأثيرًا كبيرًا على أسعار السلع والخدمات الأساسية وزادت من إفقار الشعب المصري.

ازدواجية المعايير

صرحت مصلحة الضرائب بأنّه لا استثناءات لأي مهنة أو مؤسسة للإعفاء من التسجيل بالمنظومة الإلكترونية، وبالرغم من ذلك يدو حديث عن استثناء شركات تابعة لبعض الجهات السيادية، مثل منظومة أمان وصندوق تحسين خدمات الرعاية الاجتماعية والصحية لأعضاء هيئة الشرطة وأسرهم وشركة تحسين للتنمية والاستثمارات التابعة لوزارة الداخلية وجمعية أمان التعاونية الاستهلاكية التابعة لوزارة الداخلية.

ولا يمكن تبرير تلك الاستثناءات بحُجة الحفاظ على الأمن، لأنَّ تلك الشركات تعمل بالنشاط التجاري وتستحوذ على نسبة كبيرة منه، ومن ثَمَّ سيمثل الاستثناء إجحافًا بالمهنيين وصغار الممولين لحساب الشركات التابعة لجهات سيادية.

وكذلك يلاحظ أنَّ الشركة المقدمة لخدمة التسجيل في الفاتورة الإلكترونية، وهي شركة “إي تاكس” والمملوك نصفها للحكومة المصرية والنصف الآخر يشارك فيه الصندوق السيادي السعودي، ما يتيح للأخير الحصول على بيانات دخول المصريين، وتحصيل رسوم التسجيل من المواطنين ثُمّ إعطاء وزارة المالية 10% فقط من قيمة الرسوم!

ماذا بعد؟

دفعت الاحتجاجات والاعتراضات من النقابات المختلفة الحكومة إلى اتخاذ قرار بمد فترة السماح للأفراد وأصحاب المهن الحرة للتسجيل بالمنظومة إلى نهاية شهر أبريل القادم بعد أن شددت على أنَّ آخر موعد للتسجيل هو منتصف ديسمبر الجاري، كما دعت الحكومة النقابات للحوار للتوصل لحل للأزمة وشرح آليات العمل بالمنظومة الجديدة. ويترجح أنَّ الحكومة ستمضي في تطبيق منظومة الفاتورة الإلكترونية على أصحاب المهن الحرة ولو تطبيقًا تدريجيًّا، ما لم تثبت النقابات المهنية وخاصةً نقابة المحامين على موقفها.

**الآراء الواردة تعبر عن رأي الكاتب ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر منتدى العاصمة**