!الطلاق في مصر…. لماذا تستمر هذه الزيادة؟

وًفقًا للتقرير السكاني العالمي 2022، احتلت مصر المركز العشرين في معدلات الطلاق حول العالم، مسجلة 2.3 حالة طلاق لكل 1000 فرد، وبحسب تقارير دولية أخرى فإنَّ مصر احتلت المركز الثاني بين الدول العربية من حيث نسبة الطلاق إلى إجمالي عدد الزيجات، حيث ارتفعت نسب الطلاق خلال الخمسين عامًا الأخيرة من 7% إلى 40%.

وفي أغسطس 2023، أصدر الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المصري النشرة السنوية للزواج والطلاق لعام 2022. وبحسب ما ورد فيها، فإنَّ معدلات الطلاق ترتفع بشكل مطرد منذ عام 2009 باستثناء عامي 2016 و2020 وعام 2022 هو الأعلى في معدلات الطلاق خلال العشر سنوات الأخيرة، حيث سجل 269.8 ألف حالة، مقابل 254.8 ألف حالة طلاق عام 2021 بنسبة ارتفاع قدرها 5.9%، وبلغ متوسط عدد حالات الطلاق 31 حالة في الساعة.

تصنيف معدلات الطلاق

لمحاولة تحليل وتفسير أسباب هذه الزيادة المطردة سنحاول تصنيف معدلات الطلاق لعام 2022 باعتباره الأعلى في المعدلات تبعًا:

  • معدل الطلاق حسب مدة الزواج: حدثت أكثر حالات الطلاق خلال السنة الأولى من الزواج، يليها السنة الثانية ثُمَّ السنة الثالثة، وقد يشير ذلك إلى أنَّ هناك تحديات وضغوط على العلاقات الزوجية في السنوات الأولى من الزواج، مما يساهم في زيادة معدلات الطلاق وقد تشكل هذه التحديات صعوبة التكيف مع الحياة الزوجية الجديدة والضغوط الاجتماعية والاقتصادية ونقص المهارات الاجتماعية وعدم الوعي بمتطلبات الزواج اللازمة لبناء علاقة قوية ومستدامة.
  • معدل الطلاق حسب المناطق الجغرافية: سجل الحضر نسبة أعلى من الريف في معدلات الطلاق والدلتا والوجه البحري أعلى من الصعيد.
  • معدل الطلاق حسب الفئة العمرية: سجلت أعلى نسبة لسن الطلاق في الفئة العمرية من 30 إلى 35 سنة، وفي المقابل سجلت أقل نسبة طلاق في الفئة العمرية 65 سنة فأكثر.
  • معدل الطلاق حسب الحالة التعليمية: وقعت أعلى معدلات الطلاق في الفئة التي تحمل شهادة تعليم متوسطة، تليها الفئة التي تقرأ وتكتب، بينما أقل معدلات الطلاق تقع في فئة الحاصلين على درجة جامعية، وتعكس هذه النتائج العلاقة بين ارتفاع المستوى الثقافي والتعليمي وانخفاض معدلات الطلاق، حيث تدرك الفئة الأكثر تعليمًا وثقافة مسئولية الزواج ولديها القدرة على استيعاب متطلبات الحياة الزوجية وتجاوز أي خلافات قد تؤثر سلبًا في الأبناء وتنتهي بتفكك الأسرة.

من المهم أيضًا أن نلاحظَ أنَّ هذه الإحصائيات تمثل الحالات المسجلة رسميًّا فقط، ولا تأخذ في الاعتبار الحالات غير المسجلة أو التي تمت باتفاق بين الأطراف دون تدخل النظام القضائي. وعليه، يمكن استنتاج أنَّ معدل الطلاق الحقيقي في مصر أكبر من المُعلن ويمثل مشكلة اجتماعية مهمة.

أسباب زياة معدلات الطلاق

تتعدد أسباب زيادة معدلات الطلاق في مصر، أهمها:

الأسباب الاجتماعية:

تتعدد الأسباب الاجتماعية التي من ضمنها تعرُّض الأسر إلى كثير من الضغوط خاصة في المجتمعات الحديثة والحضرية مثل الضغوط المالية وقضاء وقت أطول خارج البيت وكثرة المشتتات وزيادة المتطلبات، التي من شأنها التأثير على الحياة الزوجية، ولعل هذا ما عكسته الاختلافات في معدلات الطلاق بين الحضر والريف.

أيضًا تزيد معدلات العنف الأسري الذي يشمل العنف الجسدي والعاطفي والجنسي، مما أدى إلى العديد من جرائم قتل الأزواج والزوجات، ولا يتوقف أثر ذلك عند الطلاق ولكن يمتد إلى بعض الأبناء والذين يعانون بعد الطلاق الاكتئاب والميل للانعزال وربما الانتحار، ولعل الأسباب الرئيسية في ذلك الضغوط المالية وتراجع الوعي الديني مع زيادة تركيز المواد الإعلامية أكثر على المشاهد السلبية.

وأيضًا التدخل العائلي خاصة في السنوات الأولى من الزواج، فقد تتدخل أفراد العائلة في حياة الزوجين وقراراتهم، مما يتسبب في تعارض وصراع داخلي مع تراجع القدرة على تحمل المسئولية لدى الأجيال الأحدث، حيث تشير بعض الدراسات الحديثة إلى أنَّ الأجيال الجديدة ليس لديها الاتزان الإنفعالى الملائم أو القدرة على تحمل المسئولية، بالإضافة إلى الجهل بأحكام الطلاق وآدابه ودوافعه، وجميع هذه العوامل تؤدى إلى أن يضعَ الشباب الطلاق كحل أول لجميع المشكلات الزوجية بهدف الهروب من مسئوليات الزواج والأبناء.

الأسباب الثقافية:

تلعب ثقافة البيئة المحيطة دورًا في مدة عمر الأسر وتوثر عدة عوامل في هذا الجانب، أولها: وسائل التواصل الاجتماعي وما تحمله من كثرة المظاهر المزيفة، مما أدى إلى ارتفاع معدلات الخيانة الزوجية وزيادة حالة الخرس الزوجي بسبب انشغال الزوجين بتصفح المواقع لأوقات طويلة ورفع التوقعات التي يريدها كل من طرفي العلاقة في الآخر.

ثانيها: درجة التمسك بالعادات والتقاليد، ففي المناطق الريفية هناك ارتباط أوثق بالعادات والتقاليد وخوف من الطلاق ونظرة المجتمع للمطلقة وانخفاض فرص الزواج مرة أخرى، بالإضافة إلى الفكرة العامة عن الزواج من حيث أهمية استمرار الحياة الزوجية حتى ولو دون سعادة وفكرة أهمية وجود الزوج وأنَّ تعدد الأبناء يمنع التفكك الأسري، بينما في المناطق الحضرية تنتشر أفكار الاستقلالية والحرية الفردية ونموذج الزواج المرتبط بالمشاعر والاختيار الشخصي، مما يسهل عملية اتخاذ قرار الطلاق.

ثالثها: عدم التوافق الزوجي والمتعلق بالتنشئة الدينية والاجتماعية والعلمية، وبالتالي أثّر ذلك في القيم والأهداف لدى كل طرف، مما ينتج عنه عدم القدرة على التفاهم بين الزوجين وتنتهي بالطلاق أحيانًا.

رابعها: ضعف الاتصال والتفاهم، قد يكون هناك توافق زوجي ولكن هناك ضعف في الاتصال وعدم الوعي بأهمية الحوار والتعبير عن المشاعر بوضوح مما يسبب تراكم المشكلات والاحتكاكات، ولعل من أسباب هذه الظاهرة هو عدم الوعي في التنشئة منذ الصغر على تقبل الاختلافات وكيفية التعامل معها والقدرة على التعبير عن الاحتياجات الفردية بوضوح وإعلام الطرف الآخر بها، بل يُترك الأمر للتكهنات والاحتمالات.

الأسباب الاقتصادية:

يُنظر إلى الأسباب الاقتصادية على أنَّها عامل مؤثر ورئيسي في الظواهر الاجتماعية، فالبعد الاقتصادي في مصر خاصة في العشر سنوات الأخيرة لعب دورًا مهمًا في تحديد مستوى المعيشة ومنها إلى درجة استقرار الأسر بسبب انخفاض قيمة العملة وارتفاع الأسعار وقلة المشروعات الاستثمارية، وبالتالي زادت الديون والضغط على الأسر ومستوى الاستقرار، فقد احتلت مصر المرتبة 121 من أصل 137 دولة في تقرير السعادة العالمي عام 2023.

الأسباب السياسية:

نشر موقع Middle East Eye البريطاني، الأحد 11 يونيو 2023 تقريرًا يناقش فيه الطلاق بين المعتقلين السياسيين في مصر، وأثر الحياة القاسية للمعتقلين السياسيين على زوجاتهم بسبب الخوف الأمني والضغوط المالية والاستنزاف النفسي فضلًا عن ضغوطات المجتمع، حيث إنَّ زوجات المعتلقين يواجهن تحديات كبيرة في زيارة أزواجهن بالإضافة إلى انتهاك حقوقهن الإنسانية في كل زيارة، مما يدفعهن إلى اليأس ويضطررن للطلاق في كثير من الأحيان.

أيضًا أثرت ظروف الاعتقال القاسية والطويلة في مصر في شخصيات المعتقلين ونفسياتهم، فحتى وإن خرجوا فتظهر هناك فجوة بين الزوجين نتيجة تأثير الظروف المختلفة على طبائعهم، فالزوج عانى سنوات سوء المعاملة الداخلية والزوجة عانت الانتظار والضغوط الخارجية، وبالتالي تختلف توقعات الطرفين في شكل التعويض.

تداعيات الطلاق على المجتمع المصري

من الناحية الاقتصادية، فالنفقة غالبًا أول تحدي يواجه المطلقات في مصر خاصة إذا كن يعولن أطفالًا، نظرًا لصعوبة تحمل تكاليف الحياة وحدهن مع ضعف إنفاق آباء الأبناء والدخول في قضايا النفقة ومحاولة إثبات الدخول الحقيقية، وربما يأخذ ذلك سنوات طويلة في المحاكم، مما يضطرهن إلى الخروج للعمل والخضوع إلى تحديات جديدة مثل إيجاد فرص عمل مستقرة والتعرض للمضايقات في المطلق.

ومن الناحية الاجتماعية: تحتاج التربية إلى تكامل أسري من أجل إنشاء أطفال أسوياء، وبالتالي قد يؤدي غياب أحد الوالدين إلى التأثير على المستوى الأخلاقي والرقابي والأمان لدى الأطفال أنفسهم مما يزيد من معدل العنف والجرائم في المجتمع، فقد أثبتت كثير من الدراسات أنَّ الفراغ العاطفي قد يؤدي إلى آثار سلبية نفسية، أيضًا من ضمن التداعيات مشكلات التسرب من التعليم، فمع التداعيات الاقتصادية السابق ذكرها قد تضطر بعض الأسر خاصة في الطبقات تحت المتوسطة إلى ترك أولادهم للتعليم والاتجاه للعمل أو صعوبة التحصيل الدراسي إذا استمروا، وبالتالي يؤثر ذلك مستقبلًا في معدلات إنتاج الدولة نفسها، لأنَّ ضعف التعليم يؤثر في الالتحاق بالوظائف المرموقة وبالتالي يتأثر الدخل وتتزايد تباعًا معدلات الفقر.

من الناحية النفسية: يمكن أن يكون الطلاق تجربة مؤلمة ومحبطة للأفراد المشاركين فيها، حيث قد يعانون الشعور بالفشل والحزن والغضب والوحدة والاكتئاب، بالإضافة إلى ذلك قد يواجه الأطفال الذين يعيشون في بيئة منفصلة تداعيات نفسية تؤثر في صحتهم العقلية والمشكلات المستقبلية في العلاقات الشخصية، ولعل ذلك ما عكسته زيادة معدلات الزيارة لدى المعالجين والأطباء النفسيين في الفترة الأخيرة.

ختامًا: تزايدت معدلات الطلاق في مصر بشكل مطرد على مدار العشر سنوات الأخيرة، ويتوقع أن تستمرَ هذه الزيادة مستقبلًاـ خاصة مع عدم حل الأسباب المؤدية لها، بل على العكس تتعقد هذه الأسباب أكثر مع زيادة التحديات التي تواجه المجتمع، وبالأخص في ظل تردي الوضع الاقتصادي وتضييق الدولة على المؤسسات غير الرسمية والمجتمعات الوسيطة التي يمكن أن تلعب دورًا مؤثرًا في المجتمع سواءً اقتصاديًّا أم اجتماعيًّا أم نفسيًّا.