أزمة كورونا بين مؤشرات الفوضى واستقرار النظام السياسي

اضغط لتحميل الملف

أزمة كورونا

مقدمة

في ضوء التغيرات السريعة التي تحدث في مصر جراء انتشار فيروس كورونا عالميًا، وتأثر المنظومة الاقتصادية في معظم دول العالم ومنهم مصر، بجانب التردد الموجود عند النظام في تبني سياسة واضحة وشفافة في مواجهة المرض وانتشاره، حيث إن ذلك التردد كلف دولًا أخرى ضغطا كبيرا على منظومتها الصحية وشارفت على الانهيار مثلما حدث في إيطاليا وإسبانيا، وعند أخذ نماذج بعض الدول ممن تتمتع أنظمتها السياسية بقدر من الشفافية ونشر المعلومات دون تدخل الدولة يمكن الوثوق في نتائجها وتقييمها والاستناد عليها كمؤشر لتقييم الإجراءات التي تتخذها الدولة وانعكاسها على حسر انتشار الفيروس وتوفير رعاية صحية جيدة للمصابين ولذلك سنقوم باستبعاد الصين لعدم القدرة على الوثوق بمدى دقة المعلومات التي توفرها والتي تحكمها العديد من القوانين التي تقيد حرية نشر المعلومات وسيطرة كاملة على وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي،  لذلك سنقوم بأخذ دول كدولة إيطاليا وإسبانيا وكوريا الجنوبية وألمانيا وبريطانيا، ويوضح الجدول التالي عدد الإصابات وعدد الوفيات ونسبة الوفيات من الإصابات في مقابل توقيت الإجراءات وفاعلية تطبيقها على النحو التالي وذلك حتى تاريخ 30 مارس بحسب منظمة الصحة العالمية [1]:

محددات إدارة أزمة كورونا

تعتبر تلك الدول نماذجًا يمكن مقارنتها في مستويات إدارة الأزمة، فالمشكلة الأساسية هنا تكمن في المآلات المترتبة من خلال تبني رؤية للإدارة والحل، فالتأخر بالتدخل في تطبيق الإجراءات له تبعات عديدة مباشرة وغير مباشرة , فالفيروس ينتشر بمعدلات الدالة الأُسِيَّة كما هو واضح في الرسم البياني التالي لإيطاليا، ويمكن أن نلخص أهم المحددات في إدارة تلك الأزمة كالتالي:

1- عامل كفاءة النظام الصحي، وخاصة (القدرة الاستيعابية من مستشفيات وأطباء بالمقارنة مع عدد السكان)، هذا بجانب قدرة المنظومة الصحية على التعامل مع الأمراض المزمنة الأخرى وتوفير لهم الرعاية الطبية بخلاف المصابين بفيروس كورونا.

2- العامل الاقتصادي ومدى قدرة النظام على الصمود في وجه الإجراءات التي يمكن أن يطبقها النظام بدايةً من حظر التنقل والحجر الطبي والعزل الاجتماعي الكلي أو الجزئي، سواء كانت إجراءات دعم كلي أو جزئي لمؤسسات القطاع العام والخاص. وكذلك القدرة على تلبية احتياجات المجتمع المعيشية الأساسية وتعويض الشركات لتعويض خسارتها.

وبوجه عام، فهذا ما يتعلق بالدول التي تتمتع بالحرية والشفافية في إتاحة البيانات والمعلومات للجماهير ونظم سياسية تستطيع الشعوب من خلالها محاسبة مديري الأزمة لاحقًا وهو حق يكفله الدستور والقانون، أما في النظم الشمولية على سبيل المثال في مصر والسعودية والصين فإنه هناك العديد من الشبهات التي تؤكد أن الأرقام غير متسقة مع أرض الواقع فالصين في البداية أنكرت وجود الفيروس وقامت بتهديد الدكتور الذي خرج وتحدث عن الوباء في بدايته وغيرها من القرارات التي تنبع عن نمط الإدارة عندها.

وفي مصرَ ظهر تباينُ وجهات النظر بين الجهات الأمنية : جهاز المخابرات العامة من جهة والمخابرات الحربية وبعض قادة المجلس العسكري من جهة أخرى[2]، وقيام الحكومة بتنفيذ القرارات على عجالة بعد قرار السيسي وهو ما ظهر في بيان رئيس الوزراء مدبولي وهو الذي ناقض البيانات والتصريحات التي صدرت في نفس اليوم للوزارات الأخرى، ويعاني المجتمع من مشكلات عديدة اقتصادية ومعيشية، ومنظومة صحية ضعيفة، ولذلك فإنه وجب مناقشة جادة لاحتمالية دخول مصر بسيناريو الفوضى كأحد السيناريوهات المتوقع حدوثها والتي يمكن أن نشهدها قريبًا خلال الشهور القادمة وما هي الخيارات التي يُفترض سلكها لتفادي وقوع تلك الفوضى سواء على المدى القريب إذا فشل في إدارة الأزمة أو المدى البعيد إذا نجح في إدارة الأزمة، وهو ما سنناقشه من خلال المؤشرات المجتمعية والصحية بمتن الورقة بعد توضيح 4 نماذج في إدارة المخاطر للأزمة.

نماذج إدارة المخاطر في التعامل مع فيروس كورونا Risk Management

توضح الرسومات التالية التي نشرتها صحيفة الواشنطن بوست لهاري ستيفنز[3]، أربعة نماذج محاكاة للسياسات والخيارات التي تقوم الدول بتطبيقها لمواجهة انتشار فيروس كورونا وذلك في أربعة نماذج، يأتي اللون الأزرق بالدلالة على عدد الأفراد غير المصابين بالمجتمع، واللون البرتقالي هو عدد الحالات التي أُصيبت بالعدوى، واللون البنفسجي هو عدد الحالات التي تعافت من الفيروس, تبدأ إدارة الأزمة من اليسار وتسير زمنيًا نحو اليمين في تقدير تقريبيّ ومحاكاة لتطورات الأزمة وإدارتها من خلال الإجراءات التي تقوم الدولة بتنفيذها وانعكاسها على المواطنين.

نماذج محاكاة للسياسات والخيارات التي تقوم الدول بتطبيقها لمواجهة انتشار فيروس كورونا

توضح نماذج محاكاة انتشار الفيروس تلك عدة مؤشرات لسلوك كل دولة والسياسة التي تتبناها وما القيمة التي تقدمها على حساب القيمة الأخرى، هل هو العامل الاقتصادي أم الإنساني أم العاملان سويا وبأي نسبة تميل لها، هناك عدة نقاط يجب أن تؤخذ في الاعتبار وهي المبادرة في الإجراءات وهل هناك استعدادات وتهيئة للدولة وأجهزتها لمواجهة تلك المخاطر أم لا؟ كذلك الصورة الذهنية عند قطاعات الشعب للنظام وأجهزة الدولة فتلك الصورة التي ترسخت خلال الفترة الماضية ستكون حاضرةً عند الشعب خلال الأزمة.

تحدي إدارة الأزمة بين المؤشرات الاقتصادية والمجتمعية

سنوضح في المؤشرات التالية عدة مسائل تعطي دلالات على احتمالية أن يكون سيناريو الفوضى والعنف المجتمعي بغض النظر عن اتجاه هل سيكون مجتمع (فقراء وأغنياء) أم مجتمع ونظام جيش أو شرطة أو الاثنين، فالمؤشرات التالية تشرح حجم القوة الضاغطة والاحتياجات الكبيرة عند المجتمع في مقابل النظام وقدرته على تلبية تلك الاحتياجات في الوضع المستقر وخلال الأزمة.

1- مؤشر الطاقة الاستيعابية للمستشفيات

بوجه عام فإن الطاقة الاستيعابية لمنظومة الصحة والمستشفيات في مصر قد لا تصمد إذا ما شهدت مصر حالات انتشار واسعة للفيروس وهو ما قد يستدعي تدخل الجيش بجانب الشرطة للحد من انتشار المرض، فبحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء فإن أعداد المستشفيات الحكومية 691 مستشفى بطاقة 95.683 ألف سرير، وعدد الأطباء العاملين في القطاع الحكومي 91.316 ألف طبيب، بينما يبلغ تعداد المستشفيات الخاصة 1175 مستشفى بطاقة 35.320 سرير، وعدد الأطباء العاملين بالقطاع الخاص 29.290 ألف طبيب، وذلك لسنة 2018، هذه الأرقام ليست متعلقة بالقاهرة بل بمصر جميعها، وهو ما يعني أن النظامَ الصحي في مصر غيرُ مؤهلٍ لمواجهة انتشار المرض خاصةً مع تعداد سكان مصر الذي يزيد عن 100 مليون. فالطاقة الاستيعابية هنا لن تتحمل ارتفاع أعداد المصابين مع ضعف الإمكانات والموارد الأساسية، بجانب العشوائية عند بعض قطاعات الشعب خاصة في المناطق العشوائية والتي يمكن أن تتهجم على المستشفيات وهو ما سيجعل قطاعًا من الأطباء يعزفون عن أداء الخدمة، ومع احتمالية انتشار الأمراض بين الأطباء وتدني المقابل المادي في بند (بدل العدوى) الذي طالب به العديد من الأطباء إثر عدة وقائع خلال السنوات الماضية.

هذا بخلاف أن مصر تٌعد ضمن الدول المصنفة بدرجة عالية في أمراضٍ أخرى كفيروس الكبد (فيروس سي) والذي يقدر أعداد المصابين به بنحو 9 مليون، وكذلك المصابون بالسكر والمقدر أعدادهم بنسبة 19% من إجمالي عدد السكان، هذا بخلاف الأمراض الأخرى وهي ضمن المسائل التي تزيد من تدهور المنظومة الصحية وعدم قدرتها على تقديم رعاية للمرضى الآخرين بخلاف أن هؤلاء المصابين إذا ما أُصيبوا بفيروس كورونا فإن ذلك يقلل من نسبة تعافيهم منه .

ومع خروج تصريحات للعديد من الدول بالتأكيد على وجود إصابات قادمة من مصر، بجانب تقرير صحيفة الجارديان الذي تحدث عن وجود أكثر من 20 ألف إصابة وسط تعتيم وتكتم من قبل النظام في مصر، فإنه يعزز من وجود آلاف الحالات , وأن مصر تسير حاليا على نفس النموذج الأول، ليس لأنه خيارها , ولكن لأنها لا تملك إلا أن تسير في ذلك الخيار. فالأزمة هي من تدير الوضع وليس النظام هو من يدير الأزمة لكن يمكن أن نقول إنه يحاول أن يتعامل مع تطوراتها، والسؤال الأهم هنا إلى متى يمكن أن يتعامل مع التطورات وأي تطورات؟.

2- مؤشر الديون وانعكاساتها على الاقتصاد ومؤسسات الدولة

بلغت الديون الخارجية 109.363 مليار دولار حتى شهر سبتمبر 2019 طبقا لبيانات البنك الدولي[4]، في زيادة قدرها 17% عن السنة الماضية، بجانب ديون أخرى لهيئات ومؤسسات أخرى بخلاف الحكومة المركزية حيث بلغ إجمالي الديون الخارجية لتلك الهيئات 13.9 مليار دولار[5]، أهمهم هيئة التعمير والإسكان التي بلغت 47 مليار جنيه[6] ، وهيئة السكك الحديدية التي بلغ حجم ديونها 78 مليار جنيه[7]، بجانب تراكم الديون الداخلية بشكل يجعل من الصعب سداد مثل هكذا مبالغ حيث بلغت قيمة الديون الداخلية 4,186 تريليونات جنيه بحسب تقرير البنك المركزي المصري لشهر سبتمبر لسنة 2019 [8]، وهو ما يعادل 268.6 مليار دولار[9] وهو ما يجاوز الناتج المحلي بما يعادل 18 مليار دولار حيث بلغ إجمالي الناتج المحلي لمصر لسنة 2018 (250.9 مليار دولار)[10]، وإذا ما قمنا بجمع الدين الداخلي والخارجي سنجد أن إجمالي الديون يعادل 378.26 مليار دولار وهو ما يمثل  150.76%   من الناتج المحلي لمصر. وبالرجوع إلى محصلة الديون خلال الخمس سنوات الماضية سنجد أن الدَين الخارجي يقفز بمعدلات متسارعة بلغت 3 أضعاف خلال 5 سنوات وهي من أعلى المعدلات عالميا. وفي شهر يونيو القادم في السنة الجارية يجب أن تسدد مصر 32.8 مليار دولار للمؤسسات الدولية وهو ما يضع الدولةَ أمامَ ضغطٍ كبير لتسديد المستحقات في وقتها[11].

إجمالي الديون

ومع تعويم الجنيه[12] في عام 2016 هبط الجنيه أمام الدولار من 8.7 إلى 18.9 وهو ما سبب انعكاسا سلبيًا على الاستهلاك والاقتصاد بوجه عام وبالرغم من التحسن الذي يشهده الجنيه خلال السنتين الأخيرتين حيث بلغ قيمته 15.5 إلا أن ذلك التحسن استند على وجود غطاء من الدولار نتيجة القروض الخارجية ولم يعتمد على ارتفاع قيمة الصادرات والصناعات بالرغم من الاكتشافات الأخيرة للغاز التي تعزز من الاكتفاء الذاتي وهو ما يجعل من فكرة استمرار ذلك الاستقرار محل شك ونقد.

3- مؤشر التعداد السكاني وارتفاع نسبة الشباب

يزيد تعداد السكان في مصر عن  100 مليون و 90 ألف مواطن، وهو أكبر تعداد سكاني في المنطقة العربية والإقليم , و الخامس عشر عالميا , والثالث إفريقيًّا , ويُعتبر ذلك قوة كبيرة في المنطقة كقوة إنتاجية واستهلاكية كبيرة، حيث بلغت مصر المرتبة رقم 25 عالميًا من حيث حجم الأسواق لسنة 2017 [13]، وبالرغم من أن نسبة التعداد في تناقص إلا أنه لا يزال ضمن المعدلات العالية ويبلغ متوسط الزيادة السنوية خلال الأربع سنوات الماضية 2 مليون ونصف، وتشكل الفئة العمرية الأصغر (من يوم وحتَّى 4 سنوات) النسبة الأكبر  من السكان مقارنةً بالشرائح العمرية الأخرى، حيث بلغت 13,6% من إجمالي تعداد السكان[14]، بينما يشكل كبار السن ممن تجاوزوا العقد السابع نسبة قليلة 2.1% من إجمالي عدد السكان، ويشكل الأطفال والفتيان حتى سن الخامسة عشرة حوالي ثلث السكان، وفي آخر إحصاء قام به الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء لسنة 2017 يتضح فيه أن الذين تبلغ أعمارهم من  سنةٍ وحتى 39 سنةً يشكلون  80.9% من إجمالي السكان وهم يُقدَّرون بنحو 80 مليون مواطن مما يعني أن مصر ضمن أقوى الدول في المنطقة في مؤشر الديموغرافيا من الناحية العددية.

نسبة السكان

تستوقفنا هذه المؤشرات عند ملاحظة هامة متعلقة بارتفاع الاحتياجات في الاستهلاك وزيادة الضغط على الخدمات سواء في مجال الصحة أو التعليم وسط ارتفاع التطلعات عند فئة الشباب إلى المستقبل والزواج والعمل، وهي الزاوية التي تقوم خلالها الحكومات بتوجيه النقد إلى الشعب وإطلاق العديد من الحملات لترشيد الإنجاب. ويعتبر ذلك المؤشر في الأزمة مؤشرا إيجابيًا نوعيا حيث إن المسنين هم من يمثلون نسبة الوفيات الأعلى.

4- مؤشر الفقر

تشهد مصر ارتفاعا في معدلات الفقر بحسب تقرير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء الصادر سنة 2018 إلى 32.5% بالمقارنة مع 2017 التي بلغت  27.8%، وتَصَدَّرَ صعيدُ مصر قائمة المحافظات الأكثر فقرًا في الجمهورية، حيث سجلت محافظة أسيوط نسبةَ فقرٍ بين مواطنيها بلغت 66.7 %، تلتها محافظة سوهاج بنسبة 59.6 %، ثم الأقصر 55.3 %، والمنيا 54 %، ثم قنا 41 % .فيما توقف الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء عن إصدار الإحصائيات المرتبطة بالفقر وخط الفقر حيث إن آخر الأرقام التي نُشِرت كانت سنة 2015, حيث صُنِّف خط الفقر المدقع ب 3900 جنيه والذي كان يبلغ 2600 جنيه سنة 2013، بينما كان خط الفقر القومي 5800 جنيه لسنة 2015 والذي كان يبلغ 3900 جنيه سنة 2013 [15]، يعطينا ذلك المؤشر دلالات كبيرة عن مدى جدوى سياسات النظام التنموية التي تأثرت منها الطبقات الفقيرة والكادحة بشكل كبير، ومع توقف خروج أرقام ودراسات تفصيلية حول الفقر من الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء الذي يترأسه اللواء خيرت محمد بركات[16] الذي قام السيسي بالتجديد له مؤخرًا[17]،  خاصة بعد قرار تعويم الجنيه الذي كان له آثارٌ كبيرة على المجتمع ككل.

5- مؤشر الطبقات الاجتماعية وانكماش الطبقة الوسطى

نسبة عدد السكان

يبلغ مجموع ثروات المصريين البالغين 898 مليار دولار، وهو يمثل نسبة ضئيلة جدا من إجمالي الثروة في العالم 0.2 % , وتبلغ أعداد المصريين البالغين 58.3 مليون مصري، وهو تقريبا 58 % من السكان. وهذا يعني أن مجموع ثروات المصريين زاد في السنة الأخيرة فقط 108 مليار دولار، وهو مؤشر إيجابي على أن مصر بدأت تتعافى من صدمة التعويم. لكن بالدخول في التفاصيل نجد أن 45.6 ألف مصري صافي ثروتهم أكثر من مليون دولار (16 مليون جنيه)،وإجابة سؤال (كم مصري تتعدى ثروته المليار جنيه ؟) هو : 245 شخصًا فقط. وهو عدد كبير بالمقارنة مع ثروة مصر واقتصادها. و أشار التقرير إلى أن 71.4 % من المصريين ثروتهم أقل من 10 آلاف دولار، أي 71 مليون مصري تقريبا إجمالي ثروتهم لا تتعدى 160 ألف جنيه بأسعار الصرف الحالية، أما الطبقة الوسطى تتراوح ثروتهم بين 10 آلاف إلى 100 ألف دولار، أي ما يقرب من 160 ألفًا وحتى 1.6 مليون جنيه،وهم يمثلون تقريبا  26.9 % من البالغين في مصر، وهي نسبة ضئيلة جدا بالمقارنة مع الطبقات الوسطى في العديد من الدول.[18]

ولعل الاحتجاجات العالمية التي خرجت خلال السنة الماضية بسبب الأوضاع الاقتصادية أحد المؤشرات التي تعزز من أن تلك الظاهرة هي ليست ظاهرة محلية في مصر بل هي ظاهرة عالمية فبحسب ما نشرته منظمة ” أوكسفام ” أن قرابة 1 % فقط من الأغنياء قد حصلوا على 82% من الثروات التي نشأت خلال سنة 2017 بينما 3.5 مليار نسمة تشكل أفقر سكان الأرض لم تزد ثرواتهم.[19]

6- مؤشر الاحتجاجات منذ بداية أزمة كورونا

جاء شهر مارس بترقب ومتابعة مستمرة لأخبار انتشار فيرس كورونا، فكانت هي الحديث الأهم والمتصدر في المجتمع المصري بين السخرية والخوف من الفيروس، وهو ما انعكس على وسائل التواصل الاجتماعي، ومشهد الاحتجاجات أيضا خلال الشهر، فأمكن رصد 14 حدثًا احتجاجيًّا متنوعًا بين الشعبية، والعمالية، والنقابية والمهنية حتى تاريخ 29 مارس.

أتت الاحتجاجات الشعبية، بخروج نساء بورسعيد تطالب بإقالة المحافظ، وأهالي بحر البقر يقطعون الطريق العمومي للقرية، وأسرة علاء عبد الفتاح تطالب بالإفراج عنه وعن كل المعتقلين السياسيين خشية انتشار الكورونا في السجن، بالإضافة إلى خروج بعض أهالي محافظة الإسكندرية في مسيرة داعين الله رفع البلاء عن مصر. وقد خرجت احتجاجات عُمالية، ونقابية، ومهنية مطالبةً برواتب وعلاوات متأخرة، حُلت بعضها، وتعاملت قوات الشرطة مع بعضها الآخر، وخرجت احتجاجات أخرى مطالبة أصحاب العمل بإيقافه تخوفًا من انتشار الفيروس بينهم، أو أخذ الاحتياطات اللازمة، استجابت أجهزة الدولة لبعضها، ولم تلتفت للبعض الآخر.

علاوة على ظهور بعض المشاهد الميدانية وعلى مواقع التواصل الاجتماعي تعكس حالة الإنهاك الاقتصادي المعيشي الشديد التي يشعر بها الشعب المصري، بين مشادات واشتباكات بين الأهالي في محافظة الشرقية أثناء توزيع المحافظة لمياه الشرب والتي كانت قد انقطعت لمدة أربعة أيام، علاوة على تكدس المئات من ذوي العمالة المؤقتة أمام أحد مكاتب العمل للحصول على منحة 500 جنيه من الدولة كدعم نتيجة توقف بعض الأعمال بسبب فيروس كورونا.

بالإضافة إلى الوضع الصحي والطبي المتدني والبنية التحتية للدولة التي ستواجه صعوبةً في تحمل تبعات انتشار المرض، وهوما تحدث واحتج عليه أطباء سواء على مواقع التواصل الاجتماعي، أو داخل المستشفيات، بالإضافة إلى تشخيص العديد من مرضى الكورونا في مصر بـــ ” الالتهاب الرئوي” دون ذكر الكورونا، بالإضافة إلى انتشار المرض بين قيادات للقوات المسلحة، وهو الذي تبعه مجموعة من الإجراءات الميدانية.

النقطة الحرجة وإدارة الأزمة

في ضوء المؤشرات التي ذكرناها فإنها تعطي دلالات على احتمالية أن يكون سيناريو الفوضى مع وجود عنف ضمن السيناريوهات المتوقع حدوثها، ومع احتمالية تزايد الإصابات بالمرض داخل الجيش والشرطة وقد تَأَكَّد وفاة لواءي أركان حرب داخل الجيش ومن الدوائر العليا وإصابة العشرات، فإنه قد يصنع حالة ارتباك وتردد بين القيادات العليا في التعاطي مع الأزمة وهو ما سينعكس بالتباع داخل جهاز الشرطة بوتيرة أسرع إذا ما تطور المشهد بشكل سريع، خاصة إذا شهد الفيروس انتشارا واسعًا أدى لانهيار المنظومة الصحية الأساسية، وهو ما سيتَطَلب نزول الجيش وتدخله بفرض حظر تجوال داخل العاصمة، وهذا سينعكس بتأثير كبير على المجتمع لتلبية احتياجاته الأساسية خاصة أن أكثر من 70% من الشعب يصنف أنه ضمن طبقة ما دون المتوسطة، وقرابة 33% من الشعب تحت خط الفقر وما يقرب من 60% فقراء لا يملكون مدخرات.

ويجب أن نستدعي في الذاكرة التحديات المرتبطة بالأمن القومي المصري خاصة في ملف سد النهضة الذي أُدير بفشل كبير بعد إمضاء السيسي على اتفاقية المبادئ، والتنازل عن جزيرتي تيران وصنافير، فتلك المشكلات هي أحد الملفات التي تشهد اختلاف وجهات نظر بين القيادات العليا بالمجلس العسكري من جهة ومن جهة أخرى بين الرؤية لإدارتها من قبل ضباط جهاز المخابرات العامة والمخابرات الحربية، بجانب تباين وجهات النظر حول إدارة الملف الإعلامي والسياسي، وقد شهد النظام بعد مظاهرات 20 سبتمبر عدة تطورات داخل بنيته بدايةً من استبعاد ابن السيسي من جهاز المخابرات العامة وعودة بعض القيادات للمجلس العسكري كأسامة عسكر الذي عاد لرئاسة هيئة العمليات بعد أن تم استبعاده كنائب لرئيس جهاز تنمية سيناء، وكذلك خروج سامي عنان دون وجود أي توضيح رسمي .  فتطبيق الحظر من قبل الجيش يمكن أن يمثل فرصة للقيادات داخل المجلس العسكري المعارضة لبعض سياسات السيسي أن تستغل الوضع وتستثمره لصالحها ولصالح الحفاظ على المؤسسة عبر تقديم السيسي كبش فداء، وأخذ خطوة للخلف وتقديم مدنيين في الصورة كما حدث مع عصام شرف بعد إجبار حكومة أحمد شفيق على تقديم الاستقالة بعد الثورة، وبخروج 15 شخصًا من رموز التيار المدني ممن يمكن أن يمثلوا نقطة التقاء بين الشارع والأطراف السياسية من جهة والمؤسسة العسكرية من جهة أخرى والذي مارس بعضهم أدوارًا بدعم السيسي بعد انقلابه ودخلَ البعض الآخر كحازم عبدالعظيم حملته الانتخابية وقام بانتقاد الإدارة وقتها واصفًا إياها بالصورية (الدولتية).

وبوجه عام إذا صح الرقم الذي نشرته الجارديان عن وجود 20 ألف حالة في مصر، مع ورود معلومة من مصدر داخل وزارة الصحة أن الأعداد بلغت 50 ألفًا بتاريخ 15 مارس مع التأكيد على عدم نشر أيَّة معلومات أو أرقام إلا من قبل الوزيرة وموافقة الجهات الأمنية، فإننا قد نشهد ارتفاعا في أعداد الإصابات إلى مليون شخصٍ خلال فترة صغيرة حيث إن متوسط الزيادات في الدول التي انتشر فيها الفيروس تسير بمعدل (الدالة الأُسِّيَّة) كما أوضحنا سابقاـ فالإصابات ستزيد بالضعف في فترات صغيرة خاصة في المناطق العشوائية والفقيرة، وهو ما يعني أن المنظومة الصحية ستنهار، حتى لو نزل الجيش وفرض حظر تجوال فإن الضباط والمجندين معرضون للإصابة مما يجعل الوضع مؤهلًا لوجود فوضى، وهو ما قد يفتح المجال أمام قطاعات من الجماهير بالنزول وممارسة العنف والفوضى من أجل التَّحَصُّل على قوت يومها.

احتواء الأزمة وإدارتها بشكل احترافي

مع ارتفاع أعداد المصابين وانتشار الفيروس في الجيش والقيادات العليا ودخول السيسي وأسرته للحجر الطبي، أخذ النظام والجيش يتعامل مع الأزمة بحزمة من الإجراءات والقرارات بعدة مستويات، بدأها بالمستوى الاقتصادي ثم الأمني ثم الصحي، وهو ما يعطي دلالة على أن العامل الاقتصادي هو الأكثر حضورا عند رؤية النظام في اتخاذ القرارات، بالتأكيد العامل الأمني هو الأكثر اعتبارا داخل النظام لكن المقصود هنا في تراتبية القرارات وتأخر التعامل مع انتشار الفيروس للحفاظ على استقرار الاقتصاد، ويمكن تلخيص الإجراءات في النقاط التالية:

  • تتلخص الإجراءات الأمنية والعزل الاجتماعي في تعليق الدراسة في الجامعات والمدارس اعتبارا من 15 مارس تم تمديدها، وقد تقرر تعليق حركة الطيران يوم 19 مارس وحتى 31 مارس، وإغلاق المساجد والكنائس لمدة أسبوعين اعتبارًا من يوم 22 مارس، ثم تلاه إعلان حظر التجوال لمدة أسبوعين اعتبارا من 25 مارس،
  • تتلخص الإجراءات الاقتصادية للشركات في تخفيض سعر الغاز الطبيعي للصناعات الثقيلة بقيمة 4.5 دولارات لكل مليون وحدة، وخفض سعر الكهرباء لصناعات الجهد الفائق 10 قروش لكل كليو وات، وتوفير مليار جنيه للمصدرين خلال شهر مارس وإبريل، تأجيل سداد الضريبة العقارية للمصانع والمنشآت السياحية وخفض الضريبة، فيما وجه السيسي بتخصيص 100 مليار جنيه لدعم الخطة منها مليار واحد للقطاع الصحي، وقد قام البنك المركزي بتخفيض أسعار الفائدة إلى 3% ، وكذلك دعم البورصة المصرية بــ 20 مليار جنيه من البنك المركزي ، وخفض سعر ضريبة توزيع الأرباح الرأسمالية للشركات المقيدة بالبورصة بنسبة 50% لتصبح 5%، والإعفاء الكامل للعمليات الفورية على الأسهم من ضريبة الدمغة لتنشيط حجم التعامل , إعفاء غير المقيمين من ضريبة الأرباح الرأسمالية نهائيًا وتأجيل هذه الضريبة على المقيمين حتى يناير 2022، وخفض ضريبة الدمغة. ودعم الشركات الصغيرة والمتوسطة بتأجيل سداد الاستحقاقات الائتمانية لمدة 6 أشهر.
  • تتلخص الإجراءات الاقتصادية للأفراد، بضم العلاوات الخمس المستحقة لأصحاب المعاشات بنسبة 80% من الأجر الأساسي، ومنح العلاوة الدورية السنوية للمعاشات بنسبة 14% من العام المالي القادم وعند الدخول بتفصيل تلك الأرقام فإننا سنجد أنها لا تمثل قيمة حقيقية يمكن أن تغطي احتياجات حقيقية فتلك الزيادة تمثل 150 جنيهًا ليصبح المعاش للحد الأدنى 900 جنيه ويستفيد منها قرابة عشرة ملايين شخصٍ على المعاش، وكذلك وقف ضريبة الأطيان الزراعية التي تمثل 14% من قيمة إيجار الفدان الزراعي.[20]
  •  تتلخص الإجراءات الصحية في إيقاف العمل نهائيا في العيادات الخارجية الخاصة بمستشفيات التأمين الصحي وهيئة المستشفيات التعليمية وأمانة المراكز الطبية المتخصصة والمؤسسة العلاجية، اقتصار العمل بالمستشفيات العام والمركزي على استقبال الحلات الطارئة، وتفعيل عيادات التخصصات الأساسية فقط (الباطنة والأطفال وأمراض النساء والتوليد والجراحة العامة والعام) , تحويل أماكن العيادات الخارجية لدعم أقسام الطوارئ، بجانب تدريب الأطباء على التعامل مع الحالات الطارئة. وقد اتخذ السيسي قرارًا بإنشاء صندوق للمخاطر للعاملين بالمهن الطبية وصرف مكافأة استثنائية من صندوق تحيا مصر للعاملين بالمستشفيات التي تستقبل حالات كورونا، وكذلك قرر زيادة بدل المهن الطبية لـ 75% فيصبح 1200 جنيه بدلا من 700 جنيه بالنسبة للأطباء، أما بالنسبة للتمريض فقد ارتفع من 400 إلى 700 جنيه بينما لم يتم رفع بدل العدوى وهو الموضوع الذي سبق وأُثير عدة مرات .

دخول الجيش على خط الإجراءات قام ببناء مستشفيات ميدانية وتهيئة بعض المدارس لإمكانية تحويلها لمستشفيات تستقبل الحالات الطارئة في المستقبل. وإن كان ذلك الدور دورًا أصيلًا يُفترض أن تقوم به القوات المسلحة في مواجهة الأزمات الشديدة والتي كان يفترض من القطاع المدني أن يقوم بها إلا أنها تظل مساحة تقديرية خلافية في طبيعة ذلك الدور.

لكن ما لا يمكن إغفاله هو ظهور مؤسسات الجيش بعد تخصيص هذا المبلغ الكبير في إنتاج المطهرات ومواد التعقيم، ثم إنتاج الكمامات التي تبرعت بها الدولة للصين ثم إيطاليا، رغم افتقار القطاع الصحي لها، وهو ما يثير التساؤلات حول حجم الأموال التي ستخصص للمؤسسة العسكرية من هذه الأزمة، ولا يفوتنا في هذا الإطار أن نشير إلى أهمية وجود قطاع عام كأحد ركائز المراحل الأولى للتنمية، والجيش الآن سيوفر كمامات طبية كان يمكن للقطاع العام توفيرها.[21]

تفتقد تلك الإجراءات لأهم بُعد وهو البعد المعيشي للفقراء وتلبية احتياجاتهم خاصةً أن تعداد القوى العاملة غير النظامية وغير المؤمن عليها يُقدر بنحو 20 مليون فرد (العاملين باليومية ومن غير عقود)، فيما يبلغ تعداد الموظفين والعاملين المؤمن عليهم في القطاع العام والخاص بنحو 16 مليون و977 ألف فرد[22]، فتلك الإجراءات مُنصَبَّة بشكل كبير لخدمة رجال الأعمال والشركات والمصانع حتى أن تلك الإجراءات لم تكن مشروطة باستمرار صرف الرواتب للعاملين بها وعدم تسريحهم، بينما الفقراء والطبقات المعدومة لم يوجه لها دعمٌ حقيقيٌ ملموس، بل على النقيض ذهب العمال باليومية للبريد لمحاولة أخذ 500 جنيه التي تحدث عنها وزير القوى العاملة فوجدوا أنفسهم يدفعون 10 جنيهات.

سياسة النظام والنقطة الحرجة

وفي ضوء ما ذكرناه يمكن أن نلخص ذلك المشهد من خلال الرسم التالي لتوضيح النقطة الحرجة التي نقصدها وعلاقتها بالإجراءات التي أخذتها الدولة، وكيف يمكن أن نتفادى كارثة كبيرة إذا ما تم وضع حل جذري وإجراءات تقف مع الشعب وخاصة الفقراء والضعفاء. فتصريح وزير الدفاع الأمريكي عن وجود توقعات بحدوث (فوضى سياسية) لعدة دول بسبب كورونا يتماشى مع الحالة المصرية بنسبة ما. 

إدارة أزمة انتشار كورونا

في ظل الإدارة الحالية للأزمة المتخبطة والمتأخرة في اتخاذ الخطوات التي تحد من انتشار الفيروس حيث أصاب قيادات عليا بالجيش وقام الجيش بإجراءات مع عدة مدن وقرى لمحاولة الحد من انتشار الفيروس كما أشرنا، فالرسم البياني السابق يتوقع تقلص الدعم السياسي والمالي للنظام في ظل التطورات الدولية للدول والإجراءات التي اتخذتها في محاولة لحل مشكلاتها الداخلية والتي على رأسها أمريكا التي أصبحت بؤرة انتشار الوباء الحالي وكذلك دول الخليج الداعمين الإقليميين للنظام، فالدعم الخارجي يعتبر ضمن الركائز الرئيسية للنظام وان شئنا الدقة لأطرافٍ داخل النظام ومع اختفاء ذلك الدعم فإنه قد يعيد تشكيل أوزان القوة داخل المنظومة الحاكمة التي يتصدرها الجيش أو التي كانت تشارك بالحكم في عهد مبارك وهم رجال الحزب الوطني، ويصعب التكهن في سلوك تلك الأطراف ومدى قدرتها على القيام بالتغيير إلا أن استبعاد ابن السيسي من جهاز المخابرات العامة وعودة بعض القيادات في مواقع هامة داخل المجلس العسكري ومجلس الدفاع الوطني المختص بقرار الحرب وموازنة الجيش وإرسال القوات للخارج كأسامة عسكر علاوة على خروج سامي عنان دون الإشارة لعفو رئاسي أو غيره، فالتعديلات الأخيرة داخل الجيش دون وجود قرار جمهوري منشور بتلك التعديلات تعطي مؤشر باحتمالية أن التعديلات قد فُرضت على السيسي من قبل المجلس العسكري أو وزير الدفاع الذي ينازعه نفس الصلاحيات، فتلك الأبعاد تشهد تغيرًا في موازين القوة وهو ما قد يراه أطرافٌ أنها فرصةٌ لهم للعودة في إدارة الحكم أو فرض سياساتها في بعض الملفات التي تختلف فيها مع السيسي حول طبيعة إدارتها.

كذلك فإن الرسم البياني يعطي وزنًا لحجم الضغط الذي يمكن أن يمثله الشعب وخاصة الفئات المهمشة والفقيرة والأشد فقرًا التي تقدر بنحو 50 إلى 65 في المئة على أقل تقدير من إجمالي الشعب، خاصة أن قطاعات منهم يكسبون رزقهم بأجر اليومية وهو ما قد يؤثر على سلوكهم الجمعي بخروج عفوي للبحث عن الاحتياجات الرئيسية فعند نقطة حرجة سيكون السلوك نحو تلبية الاحتياجات الأساسية أعلى من السلوك والخوف من انتشار الفيروس وهو ما قد يدفع تلك القطاعات للخروج في الشارع ومحاولة الحصول على الغذاء، وبحسب شكل الظاهرة وحجمها فإنه سينتج عنها ظاهرة كظاهرة اللجان الشعبية التي خرج فيها الشعب على هيئة لجان شعبية لحفظ الأمن بعد الانفلات الأمني الذي حدث بعد يوم 28 يناير في الثورة. وعلى الرغم من خروج حملة عفوية في كفالة أسر الفقراء من قبل لاعبي كرة القدم , وقام بعدها مجموعة من الفنانين ورجال الأعمال المحسوبين على النظام بالتفاعل معها إلا أن مثل تلك الحملات لن تصمد كثيرا في ظل اتساع دائرة الاحتياجات، وكذلك الحملات التي تقوم بها الأحزاب التابعة للنظام لن تستطيع الصمود كالحملات التي قام بها حزب مستقبل وطن من توزيع بعض الكراتين الغذائية للأسر في بعض الأحياء والمناطق لبعض نواب مجلس الشعب الحالي. فهذا الأمر يتطلب رؤية استراتيجية لحل الأزمة الحالية وامتصاص المشكلات المتراكمة جراء سلوك الجيش والشرطة عند قطاعات من الشعب منذ انقلاب 2013.

التوصيات

عند النقطة الفارقة في الرسم البياني الذي وضحنا فيه السلوكيات المتوقعة سواء من إجراءات الدولة وقدرتها والدعم الدولي والاحتياجات الشعبية فسنجد عند مرحلة محددة ستقف الدولة في معادلة لاختيار بين الحد من انتشار المرض أو تلبية احتياجات الفئات الفقيرة والمهمشة، ولتجنب ذلك فإنه لا يمكن أن تقوم بحل جزء من المعادلة دون ترك الآخر، أو عمل إجراءات صورية أو عديمة التأثير أو شكلية إعلامية دون وجود واقع لها على الأرض، ومن هنا فإننا نجد أن الحل يكمن في وضع رؤية متكاملة استراتيجية متعددة المحاور على النحو التالي:

أولًا:  ضرورة إحداث مصالحة مجتمعية

ونقصد هنا بالمصالحة المجتمعية على المدى القصير وذلك من خلال إخراج جميع المعتقلين السياسيين مما يحول بين إصابتهم بفيروس كورونا، فتلك الخطوة هي خطوة أساسية في الاتجاه نحو تهيئة المجتمع للمشاركة في حل الأزمة ومشاركة المسؤولية، وهو ما يتطلب أن يُنظر لها من بعد أمني من قبل الأمنيين والجهات الأمنية حيث إن التهديد هنا هو تهديد للدولة والشعب على حد سواء.

مع الأخذ في الاعتبار قدرة المجتمع المدني والجمعيات الأهلية ومن لهم خبرة طويلة في القوافل الطبية والعمل الإغاثي كالفرق الطبية التي كانت تنظمها جماعة الإخوان المسلمين وجمعية رسالة وغيرهم، على المساهمة بشكل فعال وإيجابي في احتواء الأزمة والمساهمة في استيعاب الأعباء المجتمعية والصحية.

ثانيًا: الفقراء أولا

في ذلك المحور يتعين على الدولة النظر إلى تلك الفئات بما يعزز من استعادة الثقة بالدولة، فالتفاوت بين الطبقات المجتمعية كبير وهو ما يتعين فرض ضريبة قد تخصم لمرة واحدة من قبل المليونيرات وهم 6 أشخاص تتجاوز أملاكهم المليار دولار على أن يتم اقتطاع 10 % من ثرواتهم في صورة تشاركية في تحمل المسؤولية على أن يتم تعويضهم في المستقبل بامتيازات من قِبَل الدولة في الحصول على أراضٍ لبناء مشاريع أو مصانع، كذلك كل من تتجاوز ثرواتهم 100 مليون دولار يتم اقتطاع 5% إلى 10%، استرداد الأموال المسروقة والمهربة من قبل رجال مبارك، وبتلك الأموال يتم عمل لجنة من الجيش ونقابة الأطباء والجمعيات الخيرية ووزارة التموين والتضامن الاجتماعي تقوم من خلالها بالعمل على الوصول للفقراء والمحتاجين وعمل قاعدة بيانات واسعة تلبي تلك الاحتياجات والاستفادة من الانتشار الجغرافي لنقط بيع وتوزيع المواد التموينية وتعزيزها أمنيًا من قبل الجيش وكذلك إنتاجيًا وخاصة الخبز , وتنظيميا بإشراف نقابة الأطباء ووزارة الصحة بما لا يسمح بانتشار الفيروس ويحقق الهدف بوصول المستلزمات لمستحقيها.

ثالثًا: الرعاية الصحية

من خلال قاعدة البيانات لرفع ورصد الأمراض على مستوى الجمهورية التي أطلقها السيسي، يتم وضع خطة لتوزيع الأدوية للفئات الضعيفة والفقيرة وكبار السن والأطفال حتى بيتهم بما لا يعزز من نشر المرض بحيث يُراعى فيها مرضى السكر والضغط والمصابين بفيروس سي والسرطان وحديثي الولادة والحامل وكل الأمراض المزمنة، حتى يتم تخفيف الضغط من على المستشفيات وتوزيع المجهودات بشكل شبكي يحد من الدوافع التي قد يلجأ لها المرضى في ظل الضغط الذي تعاني منه المستشفيات لتوفير الرعاية الطبية لمرضى فيروس كورونا.

معاملة الأطباء والكوادر الطبية بما يليق بهم بحيث تُقدَّم لهم رواتب وعلاوات وبدالات تليق بالدور الذي يقومون به، وتنظيف المستشفيات وتعقيمها بإشراف الأطباء. وتوفير المستلزمات الأساسية للمستشفيات بحسب تعداد السكان في كل حي ومنطقة وتوقعات انتشار المرض وذلك من خلال اللجنة المشكلة.

رابعًا: الإعلام وصناعة الوعي

توفير المعلومات والبيانات الصحيحة للرأي العام بشفافية عالية بما يعزز من صنع الثقة ودحض الإشاعات، وعمل الحملات الإعلامية في المواقع الإخبارية ومواقع التواصل الاجتماعي من قبل مختصين وتوجيه برامج التوك شو لصنع وعيٍ بالمرض وآليات مواجهته والإجراءات التي يتوجب على كل فرد القيام بها بما يحافظ على سلامته وسلامة الآخرين.


الهامش

[1]  منظمة الصحة العالمية، 30 مارس 2020 https://experience.arcgis.com/experience/685d0ace521648f8a5beeeee1b9125cd

[2]  جريدة الأخبار اللبنانية

[3]الواشنطن بوست، تقرير محاكة للأنماط الأربعة في إدارة وباء الكورونا  https://www.washingtonpost.com/graphics/2020/world/corona-simulation-arabic/

[4]تقرير البنك الدولي عن الديون الخارجية لمصر حتى سبتمبر 2019 https://www.datawrapper.de/_/BIHpm/

[5]تقرير الدين الخارجي لسنة 2019 للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية https://tini.to/6HL

[6]تصريح وزيرة التخطيط والإصلاح الإداري عن ديون هيئة التعمير والإسكان في يناير 2019 https://tini.to/6Dw

[7]بيان الحساب الختامي لهيئة السكة الحديد لسنة 2018\2019 https://tini.to/R4N

[8]تقرير البنك المركزي المصري، النشرة الإحصائية الشهرية 274، ص 109 https://tini.to/Alb

[9]سعر صرف الدولار ليوم 20 فبراير سنة 2020 الدولار يعادل 15.59 جنيه

[10]تقرير البنك الدولي لسنة 2018 عن إجمالي الناتج المحلي المصري بالدولار https://tini.to/d9c

[11]تقريرعن البنك المركزي للديون المستحقة للمؤسسات الدولية https://tini.to/2KH

[12]معدل تغير سعر الصرف للجنيه المصري أمام الدولار الأمريكي https://ar.tradingeconomics.com/egypt/currency

[13]الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، المؤشرات الدولية https://www.capmas.gov.eg/Pages/InternationalIndicators.aspx

[14]بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في شهر يناير من عام 2019 الرابط

[15]الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء مؤشري خط الفقر وخط الفقر المدقع الرابط

[16]السيرة الذاتية للواء خيرت محمد بركات رئيس الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء https://bit.ly/32U4izb

[17]قرار السيسي التجديد لرئيس الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء http://gate.ahram.org.eg/News/2371054.aspx

[18]تقرير Global wealth report 2019 ، أكتوبر 2019 ، بنك كريدي سويس السويسري  الرابط

[19]Oxfam international report 2018  https://bit.ly/3cIsV6p

[20]  صدى البلد https://www.elbalad.news/3885571

[21] القرارات الاقتصادية لمواجهة فيروس كورونا، د أحمد ذكر الله، المعهد المصري للدراسات الاستراتيجية https://bit.ly/2UNgeyV

[22] تصريحات وزارة التضامن الاجتماعي عن أعداد المؤمن عليهم، اليوم السابع https://bit.ly/2xE5j2t

هل النظام في مصر مستقر؟
هل النظام في مصر مستقر؟
اضغط لتحميل الملف
مشاركات الكاتب