مرت العلاقات الروسية الإيرانية بمراحل مد وجزر منذ انتصار الثورة في إيران عام 1979، لكن شرارة الثورة السورية التي اندلعت عام 2011 دفعت الاستراتيجية الروسية الدولية والسياسة الإيرانية الخارجية للالتقاء على دعم النظام السوري في مواجهة فصائل المعارضة السورية.
رغم تعزز التنسيق في سوريا بين موسكو وطهران، فإنَّ من المجازفة وصف العلاقة بين الجانبين بـ “الاستراتيجية” فهي شراكة حذرة تتأثر بالتفاعلات بين روسيا وإيران والغرب، وتقوم على مصالح مشتركة وتفاعلات قسرية تحركها الأحداث مقرونة باستراتيجيات متباينة.
تشتمل العلاقة بين روسيا وإيران على مشكلات عدة، حيث يعاني الجانبان انعدام الثقة بينهما، فالعديد من الأحداث التاريخية والحالية تثني إيران عن الثقة بالروس، فمعاهدتا ولستان 1813 وتركنمشاي 1828 اللتان أضفتا الشرعية على انتصارات روسيا على إيران في حربين ووفرتا إطارًا قانونيًّا لنقل أراضي شاسعة في جنوب القوقاز (جورجيا أرمينيا أذربيجان) للسيطرة الروسية لا تزالان حاضرتان في ذاكرة الإيرانيين. كما لا ينسى الإيرانيون التوافق الإنجليزي- الروسي عام 1907 على اقتسام مناطق النفوذ في بلاد فارس بينهما، فضلًا عن احتلال بريطانيا وروسيا لإيران عام 1941 ومحاولة الاتحاد السوفيتي احتلال جنوب أذربيجان عام 1946 أيضًا ودعمه للأكراد الإيرانيين وحركاتهم الانفصالية ودعمه لصدام حسين خلال الحرب الإيرانية العراقية بين عامي 1980- 1988.
تجد روسيا أيضًا صعوبة في التعامل مع إيران، فالعقد الأول من القرن الحالي انتهى دون نتائج إيجابية مؤثرة في العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الجانبين باستثناء بناء محطة بوشهر النووية. وتبقى أزمة تقاسم ثروات بحر قزوين قائمة بين الجانبين بما لها من أبعاد سياسية واقتصادية وعسكرية. ورغم العديد من التفاهمات، فإنَّ موسكو قلقة من تنامي القوة العسكرية الإيرانية في بحر قزوين.
ويظهر التباين واضحًا بين إيران وروسيا على مسرح العلاقات الدولية، فإيران الساعية لتكون قوة إقليمية رائدة ترى في الشرق الأوسط أولوية استراتيجية بالنسبة لها وتخوض فيه منافسة ذات طابع أيديولوجي مع أبرز دول المنطقة مثل السعودية وإسرائيل. وفي المقابل، تحافظ روسيا على علاقات متوازنة مع دول الخليج وإسرائيل، كما تؤكد موسكو لتل أبيب أنَّ أي إجراء ستتخذه في الشرق الأوسط لن يضر بمصالح إسرائيل، فيما تكثف إسرائيل من استهدافها لتحركات المجموعات المسلحة المرتبطة بإيران في سوريا ضمن تنسيق روسي- إسرائيلي.
في سوريا، تسعى إيران لإبقاء بشار الأسد في الحكم كونه حليفها الاستراتيجي الأول في المنطقة، وتسعى لإحداث تغيير ديمغرافي في البلاد عبر شراء العقارات السكنية والأراضي بما يعزز نفوذها السياسي والعسكري في سوريا والشرق الأوسط. وعلى النقيض من ذلك، تريد موسكو إبقاء سوريا دولة علمانية، وهي مستعدة للتخلي عن بشار الأسد، فالأمر بالنسبة لها لا يتعلق بمن سيرأس سوريا لكن بمن سيحفظ لها مصالحها. كما لا تمانع روسيا من عقد تسوية سياسية بين النظام وما تسميه بفصائل المعارضة “المعتدلة”، فيما تصر إيران على الحسم العسكري الكامل لمصلحة نظام الأسد.
يوصف التعاون الروسي الإيراني في سوريا والشرق الأوسط بأنَّه ذو طبيعية ظرفية يتأثر بالأزمات والمشكلات المتجددة، ومن ثَمّ لا يكفي لبناء تحالف استراتيجي عميق بين الجانبين، مع الإقرار بأنَّ الحرب في أوكرانيا عززت التقارب بين البلدين.
تعيش روسيا اليوم ضغوطًا عسكرية واقتصادية وسياسية متعددة، وهو ما يدفعها للتقارب أكثر مع إيران. ويتجلى ذلك في التقارير المتواترة حول تصاعد التعاون العسكري بين الجانبين، حيث أمدت إيران روسيا بطائرات مسيرة لاستخدامها في الحرب بأوكرانيا. وقد أعربت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية عن مخاوفها من قيام شراكة دفاعية كاملة بين روسيا وإيران وإمكانية تقديم موسكو دعمًا تقنيًّا وعسكريًّا لطهران. ويشير مراقبون لإمكانية حلحلة الملف النووي الإيراني من قبل الولايات المتحدة للحد التقارب الروسي الإيراني بالتزامن مع تصعيد التهديد بفرض مزيد من العقوبات ضد إيران، وذلك لإيصال رسالة إلى طهران بأنَّ كلفة التقارب مع روسيا أكبر من الإيجابيات، وهو ما يمثل تحديَّا للعلاقات الروسية الإيرانية، والمسار الذي ستسير فيه مستقبلًا.