الموقف العربي بعد عام من حرب أوكرانيا

مع بدء الحرب الروسية على أوكرانيا في 24 فبراير 2022، اعتمدت أغلب الأنظمة العربية سياسة عدم الانحياز مع حرصها على عدم اتخاذ مواقف صريحة ضد روسيا. ففي فبراير 2022، امتنعت الإمارات عن التصويت على قرار مشروع أمريكي يندد بالغزو الروسي لأوكرانيا ويطالب موسكو بالانسحاب الفوري. تبع ذلك في أبريل من العام نفسه امتناع 12 دولة عربية عن التصويت على قرار تعليق عضوية روسيا في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة. كما أحجمت معظم الدول العربية في نوفمبر الماضي عن التصويت على قرار يقضي بأن تعوض روسيا خسائر أوكرانيا من الحرب. ورفضت الدول العربية المنتجة للنفط والغاز زيادة الإنتاج بِناءً على طلب الولايات المتحدة لتعويض انخفاض الطلب على المحروقات الروسية. وتعود هذه المواقف إلى مصالح اقتصادية وأمنية ودبلوماسية تسعى بعض الدول العربية للحفاظ عليها، وفي مقدمتها الإمارات والسعودية.

التحليل

تدخل الحرب الروسية على أوكرانيا عامها الثاني في ظل احتدام المواجهة الروسية- الغربية، فيما يتواصل تدفق الدعم الغربي لكييف في مواجهة موسكو مع تصاعد دعوات دول أوروبا الشرقية والوسطى لتعزيز الوجود الأمريكي هناك. علمًا بأنَّ واشنطن نشرت أكثر من عشرين ألفًا من قواتها في المنطقة منذ بدء الحرب، ما يعكس حقيقة ابتعاد الولايات المتحدة نسبيًّا عن منطقة الشرق الأوسط وتراجع أهميتها ضمن سلم الأولويات الأمريكية.

هذه التحولات أشعرت حلفاء واشنطن التقليديين في العالم العربي بتخليها عنهم أمام التوسع الإقليمي الإيراني، ومع وصول المسيَّرات الإيرانية مرارًا إلى عمق السعودية والإمارات، فإنَّ قناعتهما بالتزام الولايات المتحدة بأمن المنطقة في مواجهة التهديد الإيراني قد تزعزع بشكل كبير، ما يدفعها لتعزيز تعاونها مع موسكو كونها قادرة على احتواء التهديدات الإيرانية.

كما أبرزت الحرب الروسية على أوكرانيا ازدواج المعايير الغربية التي صمتت أمام الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 وتستنفر طاقاتها اليوم لإلحاق الهزيمة بروسيا في أوكرانيا. علمًا أنَّ دول الخليج العربي تنظر لغزو العراق على أنَّه أسقط خط الدفاع الأخير عنها ووضعها في مواجهة مباشرة مع طهران بعد أن دخلت العديد من الفصائل والأحزاب العراقية من إيران إلى بغداد على ظهر الدبابات والطائرات الأمريكية، ثم امتد لاحقًا النفوذ الإيراني إلى صنعاء ودمشق وأصبحت الرياض وأبوظبي في مرمى النيران الإيرانية.

تبدو بعض الحكومات العربية أيضًا قلقة من تفاقم أزمة الغذاء الناجمة عن الحرب في أوكرانيا، حيث تشكل صادرات القمح الروسية والأوكرانية 80% من واردات كل من تونس ولبنان ومصر، ما ينذر بتفاقم الأزمات المعيشية التي تعيشها هذه الدول أصلًا ويهدد باضطرابات اجتماعية ربما تخرج عن السيطرة.

من المستبعد أن يتخلى حلفاء أمريكا التقليديين في العالم العربي عن الشراكة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، لكنها تسعى لتنويع خياراتها وتحالفاتها وعدم قصر اعتمادها على المظلة الأمنية الأمريكية وصفقات التسليح الغربية التي تخضع لقيود كثيرة من واشنطن، مما يقف عائقًا أمام إتمام صفقات مهمة بالنسبة لدول كالسعودية والإمارات. كما تلتقي أنظمة الثورات المضادة مع موسكو في العديد من المصالح الإقليمية؛ خاصة في الدول التي عاشت الموجة الأولى من الربيع ا لعربي على مر السنوات العشر الماضية كما في ليبيا ومصر وسوريا. كما تحرص الأردن على الحفاظ على علاقة جيدة مع موسكو، حيث تخشى سحب بعض القوات الروسية من الجنوب السوري على الحدود معها، ما سيفسح المجال أمام توسع النفوذ الإيراني في المنطقة التي تعيش مؤخرًا اضطرابات أمنية متزايدة.

مشاركات الكاتب