تصاعد التوتر بين الجزائر ودول الساحل الإفريقي

الحدث

أعلنت مالي وبوركينا فاسو والنيجر في بيان مشترك استدعاء سفرائهم من الجزائر للتشاور، وانسحاب مالي والنيجر من عضوية لجنة رئاسة أركان الجيوش المشتركة التي تضمهما رفقة الجزائر وموريتانيا، وذلك بعد إسقاط الجيش الجزائري في 31 مارس 2025 طائرة استطلاع مالية مسيرة من طراز تركي الصنع، فيما تقول الجزائر إنَّها أسقطت الطائرة بعد أن دخلت مسافة كيلو مرتين في الأجواء الجزائرية، وهو ما تنفيه السلطات المالية قائلة إنَّ الطائرة سقطت داخل أراضي مالي. 

التحليل

تمثل الخطوات التي أقدمت عليها مالي وبوركينا فاسو والنيجر أحدث خطوة في مسار توتر علاقاتهم مع الجزائر، والذي تصاعد عقب انسحاب المجلس العسكري الحاكم بمالي في عام 2024 من اتفاقية الجزائر الموقعة في عام 2015 مع الجماعات المتمردة التي يقودها الطوارق، وسط اتهامات من حكومة مالي لخصومها بخرق الاتفاق، وللوسيط الجزائري بارتكاب أعمال عدائية، وذلك على خلفية استقبال الجزائر للإمام محمود دوكو الذي انتقل من مربع دعم المجلس العسكري في مالي إلى مربع المعارضة.

من جهتها ترى الجزائر أنَّ المجالس العسكرية الحاكمة في الدول الثلاث، تعلق فشلها في الوصول لتسوية مع الجماعات المسلحة على شماعة الجزائر، وأنَّها تتحرك بإيعاز من الإمارات والمغرب بهدف تطويق الجزائر من عدة جهات.

 فمن جهة الغرب انخرط المغرب في اتفاقيات تطبيع معلنة مع إسرائيل منذ عام 2020 مقابل الاعتراف الأمريكي بتبعية الصحراء الغربية للمغرب، مما يضر بالموقف الجزائري الداعم لجبهة البوليساريو التي تخوض صراعًا مع المغرب بهدف استقلال الصحراء الغربية. وقد قطعت الجزائر علاقاتها مع المغرب منذ عام 2021 عقب تصريحات أدلى بها وزير الخارجية الإسرائيلي آنذاك لابيد أثناء زيارته إلى الرباط، أشار خلالها إلى قلقه بشأن تحالف الجزائر مع إيران، ورفض الجزائر انضمام إسرائيل إلى الاتحاد الإفريقي بصفة مراقب.

ومن جهة الشرق، ترى الجزائر في حفتر وعلاقاته بالإمارات وفاجنر الروسية تهديدًا لاستقرار ليبيا ولمصالح الجزائر، وهو ما يُستنسخ في جنوب الجزائر عبر دعم الإمارات للمجلس العسكري الحاكم في مالي، والذي دخل في شراكة مع نظيريه في النيجر وبوركينافاسو، واقترب من روسيا واستعان بقوات من فاجنر إثر طرده للقوات الفرنسية وبعثة الأمم المتحدة من مالي.

لقد اتسمت السياسة الجزائرية بالانكفاء على الداخل لفترة غير قليلة، سواء خلال العشرية السوداء التي شهدت اقتتالًا داخليًّا في تسعينيات القرن الماضي أو أثناء حقبة مرض الرئيس السابق بوتفليقة وما تزامن معها من احتجاجات شعبية أدت لخروجه من السلطة في عام 2019. فقد ساهمت تلك الأحداث في انشغال الجزائر بالملفات المحلية وضعف القدرة على تشكيل المشهد في محيطه الإقليمي.

يحاول الرئيس تبون استعادة حضور الجزائر الإقليمي، وإحباط محاولات التطويق، ففضلًا عن تنديده الضمني بالسياسات الإماراتية كما في حديثه عن “الأعمال العدائية ضد الجزائر الصادرة من دولة عربية شقيقة”، فقد قدم الجيش الجزائري -حسب مصادر مطلعة- مساعدات عسكرية وذخائر لنظيره السوداني في مواجهة قوات الدعم السريع المدعومة إماراتيًّا، كما تعززت علاقات الجزائر مع حكومة دبيبة في مواجهة حفتر في ليبيا، فيما يحاول تبون بناء تجمع ثلاثي بين الجزائر وليبيا وتونس لتعزيز التعاون المشترك بمعزل عن المغرب الذي ينسق تحركاته مع إسرائيل والإمارات.

إنَّ حادث إسقاط طائرة مسيرة على الحدود المالية الجزائرية البالغ طولها نحو 1300 كيلو متر، أمر قابل للاحتواء في حال وجود أرضية سياسية متينة بين البلدين تمتص الحوادث العابرة، لكن في ظل اتهامات باماكو للجزائر بالتدخل في شؤونها الداخلية، وقلق الجزائر من الفوضى في شمال مالي، ومن علاقات مالي مع المغرب والإمارات، تحول الحادث إلى أزمة بين البلدين، ووصل الحال إلى نقل ملف سقوط الطائرة إلى مجلس الأمن، وغلق أجواء البلدين أمام الطيران المدني والعسكري للبلد الآخر.

يتوقع استمرار التوتر بين الجزائر ومالي في ظل اضطراب الأوضاع في شمال مالي، فضلًا عن تقديم المغرب إغراء لدول الساحل الإفريقي بتدشين طريق سريع يصل بين دول الساحل التي تفتقد الوصول إلى البحر والمحيط الأطلسي، عبر الصحراء الغربية التي يسيطر عليها المغرب، مما يعني تهميش الجزائر.

مشاركات الكاتب