المساعدات العسكرية الأمريكية إلى مصر
في مايو 2020 نشر مشروع الديموقراطية في الشرق الأوسط (POMED) دراسة بالشراكة مع مركز السياسة الدولي (CIP) بعنوان “المساعدة الأمنية الأمريكية إلى مصر”، وهي الدراسة التي سأستعرض أبرز مضامينها أدناه.
يعرف (POMED) نفسه بأنه مشروعٌ يختص بدراسة كيفية تعزيز الديمقراطية في الشرق الأوسط، وكيف يمكن للولايات المتحدة أن تدعم ذلك. ومن أبرز القائمين عليه آندرو ميلر مسؤول الملف المصري في مجلس الأمن القومي الأمريكي في عهد أوباما. أما مركز السياسة الدولي (CIP) فقد تأسس عام 1975 في أعقاب حرب فيتنام من قبل مجموعة من الدبلوماسيين السابقين والنشطاء الذين يسعون حسب تعبيراتهم إلى إعادة توجيه السياسة الخارجية الأمريكية من أجل تعزيز التعاون الدولي كأداة رئيسة لحل التحديات العالمية.
المساعدات العسكرية الأمريكية المقدمة إلى مصر
تتلقى مصرُ سنويًّا مبلغ 1.3 مليار دولارٍ سنويا منذ عام 1987 عبر برنامج التمويل العسكري الأجنبي الأميركي (FMF). أي أنها استلمت حتى اليوم ما يزيد عن 41 مليارَ دولارٍ، وهو ما يقارب ربع مساعدات برنامج التمويل العسكري الأجنبي (FMF) الأمريكي في جميع أنحاء العالم.
يبرر الساسة الأمريكيون تقديم تلك المساعدات بأنها تهدف للحفاظ على معاهدة كامب ديفيد للسلام مع إسرائيل، ودعم مصر في مكافحة الإرهاب، وترسيخ العلاقات الأمريكية المصرية، وتعزيز قابلية التشغيل المتبادل بين القوات المسلحة للدولتين، وتأمين الامتيازات عبر الأراضي المصرية للجيش الأمريكي مثل حقوق التحليق والوصول السريع عبر قناة السويس، فالقانون المصري ينص على إعطاء مهلة 30 يومًا قبل التصديق على عبور قناة السويس إلا أن مصر تسمح بمرور السفن الأمريكية خلال 24 ساعة إلى 48 ساعة من إخطارها بطلب العبور .
حجم الأسلحة الأمريكية في الجيش المصري
منذ عام 2009 حتى عام 2019، عقدت الولايات المتحدة مع مصر 18 صفقةَ بيعِ أسلحةٍ بإجمالي يتجاوز 9.5 مليار دولار في إطار برنامج المبيعات العسكرية الخارجية (FMS). وجرى تمويل تلك الصفقات من المنح التي قدمها برنامج (FMF) إلى مصر خلال تلك الفترة والبالغة 13 مليار دولار .
ومن أبرز تلك الصفقات:
- صفقة في عام 2009 لشراء 24 طائرة مقاتلة من طراز (F-16) بقيمة 3.2 مليار دولار.
- صفقة في عام 2011 لشراء 125 مجموعة تُستخدم في الإنتاج المشترك للدباباتM1A1 بقيمة 1.3 مليار دولار.
- صفقة في 2018 لشراء 10 مروحيات هجومية من طراز أباتشي بقيمة 1مليار دولار.
- صفقة في عام 2018 بأكثر من 200 مليون دولار لشراء ذخيرة دبابات 120 ملم .
- صفقة في عام 2019 بمبلغ 554 مليون دولار لعمليات دعم ومتابعة سفن موردة من الولايات المتحدة تتضمن فرقاطات(FFG-7)، وزوارق دورية سريعة.
كما يعتمد الجيش المصري بشكل كبير على المركبات المدرعة التي تزوده بها الولايات المتحدة حيث يملك 2280 دبابة قتال رئيسية من 2480 دبابة (1130 من طراز M-1 و1150 من طراز M-60s الأقدم). ولدى الجيش المصري أيضًا 200 دبابةٍ روسية من طراز T-62 في الخدمة الفعلية ، بالإضافة إلى 1140 دبابة من إنتاج روسي في المخازن من طرازات قديمة مثل (T-62s و T-54s).
أما في القوات الجوية، فيبلغ عدد الطائرات الأمريكية الصنع 238 من بين 375 طائرة مقاتلة وهجومية يمتلكها سلاح الجو المصري. فيما يبلغ عدد المروحيات الهجومية 45 مروحية أباتشي من بين 57 مروحية هجومية مصرية.
ونظرًا لأنه في عام 2015 ، أخبر أوباما السيسي أنه بدءًا من السنة المالية 2018، فإن المعدات العسكرية الأمريكية الجديدة إلى مصر ستقتصر على أربعة أنواع إن اعتقدت الحكومة الأمريكية أنها ستتوافق بشكل أفضل مع الاحتياجات الأمنية لمصر ومصالح الأمن القومي الأمريكي، وهي: مكافحة الإرهاب، وأمن الحدود، والأمن البحري، وأمن سيناء. وهو ما دفع السيسي للمضي قدما في تنويع تسليح الجيش عبر شرائه لأسلحة فرنسية وروسية متنوعة مثل طائرات الرافال، وسفينتي ميسترال، ومروحيات KA-52 الهجومية.
تذهب دراسة (POMED) إلى أن المساعدة الأمريكية تمثل دعمًا غير مباشر لمشتريات الأسلحة المصرية من دول أخرى مثل روسيا وفرنسا حيث لا تقدم تلك الدول منحا تغطي تكاليف الأسلحة المباعة إلى مصر وهو ما يخالف ما تفعله أمريكا.
تدريب الجيش المصري
ترتبط الولايات المتحدة بعلاقة تدريب عسكرية طويلة الأمد مع مصر تعود إلى تمارين النجم الساطع التي بدأت في عام 1980. بالإضافة إلى أنه بين عامي 2009 و 2018 دربت الولايات المتحدة 7108 من العسكريين المصريين على الأراضي الأمريكية. وتم تمويل أكثر من 75% من برامج التدريب عبر مساعدات برنامج التمويل العسكري الأجنبي (FMF) وبرنامج المبيعات العسكرية الخارجية(FMS)الأمريكيَّين.
تخلص دراسة (POMED) إلى أن كثرة المعدات الأمريكية داخل القوات المسلحة المصرية يعني أن مصر ستواجه صعوبة في العمل بدون الدعم الأميركي. كما تؤكد على أن سياسات الجيش المصري في سيناء ضد السكان ساهمت في تعزيز عدم الاستقرار السياسي الحالي في المنطقة. وأضافت أن تجاهل الحكومة المصرية للمدنيين في سيناء والتعذيب في السجون وانتهاكات حقوق الإنسان المتفشية ومحاولات القضاء على أي شكل من أشكال المعارضة السياسية كلها دوافع تعزز وتصب في صالح الجماعات المسلحة.
ومنذ عام 2012 أي عقب اندلاع ثورة يناير واستشعار الإدارة الأمريكية بخطر انعتاق مصر من الهيمنة، أدرج الكونجرس شروطًا بشأن تشريع اعتمادات التمويل الخارجية لمصر تتطلب من وزير الخارجية أن يشهدَ أن الحكومةَ المصرية تتخذُ خطواتٍ نحو الالتزام بالديمقراطية وتحسين حقوق الإنسان. ومع ذلك سُمح للإدارة بالإفراج عن المساعدات المشروطة في حال قرر وزير الخارجية أن ذلك يصب في مصلحة الأمن القومي للولايات المتحدة
وفي عام 2017 قام وزير الخارجية السابق ريكس تيلرسون بحجز 195 مليون دولار من أموال المساعدات المقدمة إلى مصر بشرط أن تعيد مصر محاكمة المتهمين في قضية تلقي منظمات غير حكومية تمويلا أجنبيًّا، وتجميد العلاقات العسكرية والاقتصادية مع كوريا الشمالية، وهو ما استجابت له القاهرة حيث تم تعديل قانون الجنايات ليسمح بنقض حكم المتهمين غيابيا، ومن ثم حصل المتهمون في القضية أعلاه على حكم بالبراءة، كما حجمت القاهرة من علاقاتها مع بيونج يانج.
وقالت دراسة (POMED) إن مصر في عهد السيسي لم يعد لها تأثير في المنطقة، حيث أصبحت دول الخليج أكبر من مصر تأثيرًا، كما أن السياسات الخارجية للنظام تتعارض في كثيرٍ من النواحي مع المصالح الأمريكية في المنطقة كما هو الحال في سوريا وليبيا والموقف من روسيا، ومن ثم أوصت الدراسة بحجب 300 مليون دولار من المساعدة العسكرية الأمريكية سنويا وتخصيصِ المبلغ لجهود المساعدة الإنسانية العالمية للتغلب على جائحة كورونا. كما دعت إلى إعادة التوازن للمساعدات الاقتصادية الأمريكية المقدمة إلى مصر، والتي تناقصت من 688 مليون دولار في سنة 2009 إلى 112 مليون دولار فقط في عام 2019.
وكذلك دعت الدراسة إلى السماح للصحفيين والمسؤولين الأمريكيين بدخول سيناء لمتابعة وتقييم ممارسات الجيش المصري هناك!. كما أكدت على ضرورة الضغط على نظام السيسي لوضع حدٍّ للتعذيب في السجون؛ وتخفيف القيود المفروضة على الصحفيين ونشطاء حقوق الإنسان والمنظمات غير الحكومية الأخرى؛ ووضع حد للقتل والتعذيب وتشريد المدنيين خلال حملات الجيش في سيناء. وهو ما يشير إلى أن انتهاكات نظام السيسي بحق المدنيين قد تصبح لاحقًا نافذة للتدخل الخارجي في الشئون الداخلية المصرية.
أقرأ أيضاً: أوروبا على شفا أزمة جديدة في البلقان