يواجه الاتحاد الأوروبي حسب جريدة الواشنطن بوست كارثة استراتيجية جديدة بعد كارثة خروج بريطانيا منه، وتتمركز الكارثة هذه المرة في البلقان.
ففي شهر أكتوبر، اعترض الرئيس الفرنسي ماكرون خلال اجتماع الاتحاد الأوروبي على السماح ببدء مفاوضات مع مقدونيا الشمالية وألبانيا بخصوص انضمامها للاتحاد الأوروبي في مخالفة لتوصيات المفوضية الأوروبية، ومعارضة لإرادة الدول الأخرى الأعضاء بالاتحاد مثل إيطاليا التي قال رئيس وزرائها جوزيبي كونتي (كان علينا أن نبدأ محادثات العضوية، اشعر بخيبة أمل كبيرة) بينما قال جان كلود يونكر رئيس المفوضية الأوروبية (إن ما حدث هو خطأ تاريخي).
الاعتراض الفرنسي قد يؤدي إلى انهيار النهج الاستراتيجي الذي اتبعه الاتحاد الأوروبي منذ عقد من الزمن تجاه البلقان. فمنذ نهاية الحروب الأهلية في البلقان في حقبة التسعينات من القرن الماضي، تمثلت أولوية الاتحاد الأوروبي في تحقيق الاستقرار على المدى الطويل لهذا الجزء المضطرب من القارة. وذلك عبر بناء سلام حقيقي يقوم على الدمج السلمي بين شعوب البلقان.
وفي عام 2003، خلال قمة سالونيك، اتفق قادة الاتحاد الأوروبي على الالتزام رسمياً بفتح باب الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي أمام جميع بلاد غرب البلقان. منذ ذلك الحين، كان هذا الوعد يمثل جزءًا لا يتجزأ من استراتيجية بروكسل لإبقاء دول غرب البلقان على طريق الإصلاح السياسي والاقتصادي والمجتمعي وللتغلب على انقسامات الماضي، والاستعداد لمستقبل جديد ضمن الاتحاد الأوروبي.
اتفاق (بريسبا) المبرم في عام 2018 بين شمال مقدونيا واليونان بخصوص حل النزاع المستمر لثلاثة عقود حول الاسم القديم للبلدين، والذي تضمن تغيير دولة مقدونيا لاسمها ليصبح (جمهورية مقدونيا الشمالية) كان من المفترض أن يمثل بداية الانطلاق الفعلي للشروع في خطوات ضم مقدونيا للاتحاد الأوروبي.
تتذرع باريس بأن الاتحاد الأوروبي غير قادر حاليا على مواجهة التحديات التي يواجهها أو التصدي لأي أزمات مالية مستقبلية، وتقول بأنه يتوجب الانتظار قبل ضم مقدونيا وألبانيا من أجل إجراء بعض الإصلاحات غير المحددة في الاتحاد الأوروبي، والتي قد يستغرق تنفيذها سنوات وربما عقود.
ستكون للاعتراض الفرنسي تداعيات كبيرة تتجاوز مقدونيا الشمالية وألبانيا، لتشمل ايقاف عملية توسيع الاتحاد الأوروبي في غرب البلقان، وتحديدا صربيا والجبل الأسود والبوسنة. وذلك رغم سابقة انضمام كرواتيا للاتحاد الأوروبي في عام 2013 لتصبح الدولة رقم 28 في قائمة أعضاء الاتحاد.
كان من المتوقع مع إتاحة الفرصة لاندماج دول غرب البلقان للاتحاد، أن تختار صربيا مستقبلها مع أوروبا على حساب ماضيها مع كوسوفو. كما كان من المفترض أن تصبح البوسنة أكثر استقرارًا في حال انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي. بينما في حال أغلقت أوروبا الباب أمام صربيا، فسيصبح تصالحها مع كوسوفو أكثر صعوبة.
تاريخيا لم تكن فرنسا أبدًا مؤيدًا متحمسا لتوسيع الاتحاد الأوروبي، لكنها قبلت في المجمل عملية التوسع. ولم تعترض على طرح المفوضية الأوروبية في عام 2018 فكرة اعتماد عام 2025 كأقرب موعد ممكن لجولة جديدة من توسعة الاتحاد.
ومع ذلك، فعلت فرنسا ما في وسعها لمنع انضمام دول غرب البلقان مثلما فعلت سابقا لتعطيل انضمام تركيا للاتحاد رغم الإصلاحات السياسية والاقتصادية التي قامت بها أنقرة. وقد لعب الموقف الفرنسي دورًا في دفع تركيا في اتجاه بعيد عن أوروبا. فبينما كانت تركيا في الماضي تمثل فرصة استراتيجية لأوروبا، فقد تحولت الآن حسب تعبير الواشنطن بوست إلى خطر استراتيجي بالنسبة للغرب.
إن إغلاق الباب أمام انضمام دول البلقان للاتحاد الأوروبي يفتح النوافذ أمام تمدد النفوذ الروسي والصيني والتركي بمنطقة البلقان، وذلك على خلفية الروابط التاريخية والمذهبية والعرقية التي تجمع بين الروس والصرب أو الروابط التاريخية والدينية التي تجمع بين تركيا وألبانيا والبوسنة أو بوابة المصالح الاقتصادية التي تنفذ عبرها الصين لمعظم أنحاء العالم.
اضغط لتحميل الملف