نشر رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو مذكراته في أكتوبر 2022 في كتاب بعنوان (بيبي: قصة حياتي)، وذلك قبيل انتخابات الكنسيت التي نجح في تشكيل ائتلاف فاز بها، ليعود إلى مقعد الحكم مجددا. وفي سياق المذكرات التي تجاوزت 700 صفحة تطرق نتنياهو إلى نظرته تجاه إيران، وموقفه من المشروع النووي الإيراني، وأسباب عدم توجيه ضربات مدمرة له خلال فترات حكمه السابقة، والخلافات بينه وبين إدارة أوباما في التعاطي مع إيران، ودوره في انسحاب إدارة ترامب من الاتفاق النووي مع إيران. وهي قضايا تساهم في رسم تصور حول مستقبل تعامل نتنياهو مع طهران.
غزو العراق 2003 فرصة ضائعة لاستهداف إيران
يشير نتنياهو إلى أن مخاوفه من إيران قديمة، حيث نشر في 19 فبراير 1993 مقالا بعنوان “الخطر العظيم” قال فيه (إن الخطر الأكبر على وجود إسرائيل لا يكمن في الدول العربية، إنما في إيران). ويوضح أنه حينما شغل منصب وزير المالية في حكومة شارون التي فازت بالانتخابات في عام 2001، التقى على انفراد بعد أسابيع قليلة من وقوع هجمات 11 سبتمبر، مع وزير الدفاع الأمريكي رامسفيلد الذي كان يُعد لغزو العراق، وحثه نتنياهو على استهداف إيران لكن رامسفيلد أشار إلى تعقد تشكيل تحالف دولي واسع ضد إيران.
ومع اقتراب موعد غزو العراق، سعى نتنياهو من خلال محادثات غير رسمية أخرى مع أصدقاء له في الإدارة الأمريكية، إلى حثهم على استخدام الانتصار الوشيك على الرئيس العراقي صدام حسين لإعطاء إيران إنذارًا نهائيًا باختيار أحد أمرين إما تفكيك البرنامج النووي أو مواجهة نفس المصير، ويضيف قائلا (لقد أوقف النظام الإيراني لفترة وجيزة برنامجه النووي خوفًا من شن الولايات المتحدة حربا ضده، ولكن بعد عام أو نحو ذلك، عندما أدرك الإيرانيون عدم وجود تهديد عسكري أمريكي مباشر، استأنفوا البرنامج النووي تحت غطاء برنامج بحث مدني). ويوضح أن تل أبيب حصلت على أدلة على كلامه في عام 2017 عقب تنفيذ الموساد لعملية استولى خلالها على أرشيف إيران النووي السري، وأحضره إلى إسرائيل.
الخلافات مع أوباما بشأن إيران
يوضح نتنياهو أن خلافاته مع الرئيس الأمريكي أوباما (يناير2009- يناير2017) تعود إلى الاختلاف حول دور القوة في العلاقات الدولية. فأوباما يؤمن بأولوية القوة الناعمة، ويعتقد أن الكثير من المشكلات التاريخية نتجت عن الممارسة غير العادلة للسلطة المفرطة، وخاصة من قبل القوى الاستعمارية الأوروبية وخليفتها أمريكا، بينما يؤمن نتنياهو بأولوية القوة الصلبة، خاصة في الشرق الأوسط.
يرى نتنياهو أن أوباما رغم إعلانه التزامه بأمن إسرائيل والتحالف الذي لا يتزعزع بين إسرائيل والولايات المتحدة، فإدارته تبنت مفهوما يتناقض بشكل مباشر مع أمن إسرائيل حيث السعي للسلام مع إيران. ويقول نصا (كانت إيران هي القوة الصاعدة في المنطقة كما رآها أوباما. لقد كانت المتنمر في الحي الذي يرسل الإرهابيين إلى كل بلد من الشرق الأوسط. ووفقًا لتجربته في أحياء شيكاغو، أرد أوباما البحث عن المتنمر، وعقد صفقة معه، وبالتالي تهدئة الوضع في الحي…لقد أرادت إيران تطوير أسلحة نووية تتيح لها تدمير “الشيطان الأصغر” إسرائيل، وتهديد “الشيطان الأكبر” أمريكا، وتصدير الثورة الإسلامية الشيعية إلى بقية العالم. إن التهدئة مع إيران تعني تقوية إيران. لقد تعهد أوباما مرارًا وتكرارًا بمنع إيران من الحصول على أسلحة نووية، لكن كما اكتشفت لاحقًا، فإن سياساته الفعلية سعت لاحتواء ترسانة نووية إيرانية بدلاً من منعها…إن الادعاء بأن الاتفاق النووي سيمنع إيران من تطوير أسلحة نووية لم يكن صحيحًا بكل بساطة. في أحسن الأحوال، ستؤخر الصفقة ذلك لبضع سنوات مع إعطاء إيران الوسائل والأموال والشرعية لتصبح قوة نووية شرسة).
هل الخيار العسكري مطروح عمليا؟
يرى نتنياهو أن الصفقة الوحيدة المنطقية مع إيران هي تلك التي من شأنها أن تزيل العقوبات الاقتصادية والقيود المفروضة على برنامج إيران النووي مقابل تفكيك القدرات النووية العسكرية الإيرانية، وحدوث تغيير واضح في سلوك إيران تجاه إسرائيل، وهو ما صرح به خلال خطابه في الكونجرس عام 2015.
في المقابل، يؤكد نتنياهو أن الجيش الإسرائيلي يعد منذ سنوات خططا لتنفيذ عملية عسكرية ضد المشروع النووي الإيراني، ويقول إن هذا كان أحد أسباب زيارته السرية إلى موسكو في سبتمبر 2009، بعد وصول معلومات استخبارية عن تخطيط طهران لشراء بطاريات صواريخ مضادة للطائرات من طراز S-300 من روسيا، مما سيجعل مهمة سلاح الجو الإسرائيلي في توجيه ضربة لها أكثر صعوبة. ويوضح أنه طلب من بوتين تأخير توريد الصواريخ، لكن بوتين قال إن روسيا ملزمة بعقد وإن إيران قد سددت بالفعل دفعة أولى. وهو ما تطلب زيارة أخرى علنية في 16 فبراير 2010 إلى موسكو للقاء ببوتين مجددا، لينتهي الأمر بتأخير بيع الصواريخ الروسية إلى إيران لمدة سبع سنوات كاملة. ولكن لماذا لم ينفذ الجيش الإسرائيلي هجومه المنتظر خلال تلك السنوات؟
يشير نتنياهو إلى تكثيف الاستعداد لاحتمال شن عملية عسكرية ضد المنشآت النووية الإيرانية في عام 2011، فيما وافق وزيرا الدفاع والخارجية باراك وأفيجدور ليبرمان على تنفيذ الهجوم، لكن قادة الجيش الإسرائيلي والموساد والشاباك اعترضوا بحجة أن التأخير في البرنامج النووي الإيراني الذي سينتج عن الضربة لن يستمر سوى بضع سنوات، وأنه على أي حال لا يمكن لإسرائيل تنفيذ عمل عسكري دون موافقة مسبقة من الولايات المتحدة. وعندما طرح نتنياهو الموضوع للتصويت في مجلس الوزراء الأمني المصغر، رفض عضوان شن الهجوم. وسعيا لحل تلك المعضلة، اجتمع نتنياهو مع أوباما، وقال له “لم أقرر بعد التحرك عسكريا ضد إيران.. لكني أريدك أن تعرف أنني احتفظ بالحق الكامل للقيام بذلك”.
أجاب أوباما: “لا أستطيع أن أقرر ذلك لك، يمكنني فقط أن أخبرك بما أفكر به: إنه سيكون خطأ”.
قلت “أنا أسمعك، لكنني لم آتي إلى هنا للحصول على الضوء الأخضر”.
بالتشاور مع وزير الدفاع باراك، أجّلت حكومة نتنياهو قرار تنفيذ الضربة العسكرية.
ويحلل نتنياهو موقف قادة الجيش والاستخبارات الرافض لشن ضربة عسكرية قائلا (في إسرائيل، حيث يمكن أن تكون الحياة السياسية مغرية بعد الخدمة العسكرية والأمنية. يمكن أن تؤدي الأفعال إلى الفشل، والفشل يمكن أن يؤدي إلى تسريحك بشكل غير مشرف، ويعرقل فوزك مستقبلا بمهنة سياسية واعدة. ومنذ لجنة التحقيق التي أعقبت الإخفاقات خلال حرب 1973، وكلفت كبار المسؤولين حياتهم المهنية، أصبحت لدى القادة مشاكل في القيادة الجريئة والمبدعة).
السعي لإفشال الاتفاق النووي مع إيران، والتنسيق مع روسيا
في 14 يوليو 2015، تم توقيع الاتفاق النووي الإيراني الذي أطلق عليه اسم خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA) ضمن خطوات من شأنها منح إيران حقًا في تخصيب اليورانيوم في غضون اثني عشر عامًا. يقول نتنياهو (لقد أبقت الاتفاقية على منشآت إيران النووية سليمة بدون نظام تفتيش فعال. ومكنت إيران من مواصلة تطوير الصواريخ الباليستية. ومن خلال رفع العقوبات، أعطت مبالغ ضخمة لأكبر دولة راعية للإرهاب في العالم.
إن الخطر الأكبر الذي يواجه عالمنا هو زواج الإسلام المتشدد بالأسلحة النووية. إذا كانت إيران تلتهم أربع دول في الوقت الحالي وهي خاضعة للعقوبات، فكم عدد الدول التي ستلتهمها عندما تُرفع العقوبات عنها.
لقد هاجمت الصفقة بلا رحمة، واصفا إياها بأنها “استسلام وخطأ ذو أبعاد تاريخية”. قلت إن إيران “ستحصل على طريق أكيد إلى أسلحة نووية. إسرائيل ليست ملزمة بهذه الصفقة. سندافع عن أنفسنا دائمًا”.
قبل أيام قليلة، نقلت نفس الرسالة إلى موسكو. لم يهتم بوتين بأي إجراء نتخذه ضد إيران أو وكلائها في سوريا. ولكنه اهتم بسلامة قواته العسكرية على أرض سوريا، وفي أجوائها، ولا سيما منشآتها البحرية في ميناء اللاذقية السوري على البحر الأبيض المتوسط).
التناغم مع إدارة ترامب
وفي اللقاء الأول لنتنياهو مع ترامب في عام 2017، أثار معه الاتفاق النووي مع إيران، فقال ترامب: “هذه أسوأ صفقة رأيتها في حياتي.. سأخرج منها” ثم سأل “لماذا لم تقصفهم؟” فأجاب نتنياهو (لأني لم أحصل على الدعم لللازم لتنفيذ ذلك”.
وفي عام 2017 نجح الموساد في جلب نصف طن فضلا عن 183 قرص صلب من الأرشيف النووي الإيراني من مخبأ سري في مستودع بطهران يحرسه شخصان فقط الذي أوضح وجود محاولات لتطوير أسلحة نووية. وبعد انتهاء فحص الوثائق، ذهب نتنياهو في 5 مارس 2018 إلى واشنطن للقاء ترامب في البيت الأبيض حيث عرض أمامه مقطع فيديو قصير لما تم العثور عليه، واتفقا على خطوات تتضمن عقد نتنياهو لمؤتمر صحفي في 30 إبريل 2018 يكشف فيه عن العملية والوثائق، وختمه بالقول (في غضون أيام قليلة، سيقرر الرئيس ترامب ما يجب فعله بالاتفاق النووي. أنا متأكد من أنه سيفعل الشيء الصحيح للولايات المتحدة وإسرائيل ومن أجل سلام العالم). بعد ثمانية أيام، أعلن ترامب انسحاب الولايات المتحدة ستنسحب من الاتفاق النووي وإعادة فرض عقوبات على إيران. وهو ما أدى خلال ثلاثة أعوام (2018-2020) إلى انخفاض الناتج المحلي الإجمالي لإيران من 445 مليار دولار إلى 192 مليار دولار، وانخفاض صادرات النفط الإيرانية من 2.5 مليون برميل يومياً في مايو 2018 إلى 70 ألف برميل فقط في مايو 2020.
هل يمكن أن تتحرك إسرائيل بمفردها؟
رغم التناغم بين نتنياهو وإدارة ترامب، فلم ينجح في إقناع واشنطن بتنفيذ عمل عسكري ضد إيران. ويوضح وزير الخارجية الأمريكي السابق بومبيو أن وزير الدفاع الأمريكي أوصى بعدم مواجهة طهران بشكلٍ مباشرٍ والاكتفاء بالردِّ عليها في العراق، وهو ما يشير إلى أن إسرائيل لن تقدم على تنفيذ ضربة عسكرية كبيرة تجاه إيران بدون دعم أمريكي، وأن تصريح نتنياهو في مذكراته بأنه (على استعداد لخوض حرب تقليدية مع إيران من أجل تجنب الحرب مع إيران المسلحة نوويًا)، هو أقرب للدعاية منه للواقع بهدف الضغط على إيران لردعها. فيما تنشغل واشنطن بملف الصعود الصيني والتصدي للغزو الروسي لأوكرانيا، وليس لديها استعداد لفتح جبهة صراع جديدة في الخليج ضد إيران، وهو ما تعمل الأخيرة على انتهازه للدفع قدما بمشروعها النووي، وبالأخص في ظل وجود إدارة أمريكية من الحزب الديموقراطي تحبذ الابتعاد عن صراعات الشرق الأوسط.