ماذا بعد انهيار الليرة في لبنان؟

واصلت الليرة اللبنانية مسلسل الانهيار المتسارع، مع تسجيلها خلال شهر مارس انهيارًا تاريخيًّا بتجاوز سعر الصرف عتبة 140 ألف ليرة مقابل الدولار الأمريكي، قبل أن ينخفض إلى ما دون 110 آلاف. وفي ظل هذا الانهيار المستمر في لبنان منذ عام 2019، تزداد معاناة اللبنانيين دون حلول تلوح في الأفق، بينما تُضاعف الأزمات السياسية المتراكمة والمتزايدة من قتامة المشهد اللبناني.

الخطير في الأمر أنّ معظم القطاعات الخدمية في لبنان تعيش أزمة وجودية حقيقية، فقطاع الصحة عاجز عن تلبية احتياجات المرضى، وكهرباء الدولة تكاد تكون غائبة بالكامل عن المنازل، فيما تغلق المدارس الرسمية أبوابها أمام الطلاب لتضاعف من ظاهرة التسرب المدرسي في البلاد. وفي المقابل، تعيش الدولة شغورًا في المناصب الرئيسية في البلاد بدءًا من رئاسة الجمهورية ومرورًا بالمؤسسات الأمنية والقضائية وسائر القطاعات. وأمام هذا الشلل المتمدد في مؤسسات الدولة وقطاعاتها الرئيسية، يكثر السؤال عن تداعيات هذه الأزمات على المشهد اللبناني، الذي لطالما وُصف منذ الربع الأخير من القرن العشرين وحتى اليوم بأنّه “على كف عفريت”!

التحليل

ثمة نظريتان تختزلان المشهد الحالي في لبنان، الأولى يطرحها فريق الممانعة وفي مقدمته حزب الله والأحزاب المتحالفة معه، والتي تروج لحصار تفرضه أمريكا على البلاد بهدف زعزعة الاستقرار وفرض معادلة جديدة على الواقع السياسي فيه. أما الثانية فيطرحها فريق ما يسمى بـ “السياديين” وفي طليعته حزب القوات اللبنانية، والتي تتحدث عن استقواء حزب الله على الدولة بالسلاح وسيطرته على مفاصلها ما يمنع من تحقيق الإصلاحات فيه أو استجلاب الدعم من صندوق النقد الدولي. وبين هذا وذاك، تطرح فئة ليست بالقليلة من اللبنانيين اليائسين سردية الفساد المالي والإداري الذي ينخر في جسم الدولة اللبنانية منذ انتهاء الحرب الأهلية عام 1989، والمسؤول عن ذلك أحزاب السلطة بشقيها “الممانعون” و”السياديون”.

ومن اللافت غياب الاحتجاجات الشعبية بعكس ما حدث في الاحتجاجات بين عامي 2019 و2021. بينما تكثر التساؤلات عن إمكانية عودة المحتجين إلى الشارع، في ظل الانهيار المتفاقم في البلاد. والحقيقة أنّ تلك الاحتجاجات التي بدأت في 17 أكتوبر 2019 لم تكن ثورة شعبية عابرة للطوائف أو الأحزاب كما يروق للبعض أن يروج له، إنّما كانت في الحقيقة جزءًا من مشهد الصراع السياسي اللبناني وإن غفل عن ذلك بعض المشاركين فيها. فالاحتجاجات في جوهرها كانت تمثل خيار حزب القوات اللبنانية وفريقه في مواجهة حزب الله وحلفائه في السلطة، ويكاد من الصعب في الأساس تبرئة ما يحدث في الشارع اللبناني من التسييس لصالح فريق ضد الآخر.

من المستبعد أن تتسبب الأزمة اللبنانية الآن باحتجاجات شعبية واسعة في الشارع، إلا إنَّ اختار فريق سياسي اللجوء لخيار الشارع للضغط على الفريق الآخر. وبينما يشتد الاستقطاب الطائفي-وهو المعتاد في لبنان- في الأزمة السياسية الحالية، يبدو أنّ الأمور تأخذ منحى الاصطفاف المسيحي- الإسلامي، ما يعني غياب المطالب المعيشية والخدمية في حضرة النبرة الطائفية الحادة. لكن المشهد اللبناني اعتاد على هذه التشنجات، ومن غير المرجح الذهاب نحو انفلات الأمن بالكلية. وتبقى الاحتمالات كافة متاحة في ساحة تحمل الكثير من التقلبات والمفاجآت.

مشاركات الكاتب