في الفترة من ديسمبر 2022 إلى نهاية يناير 2023، احتجَّ المحامون مرتين عبر النزول إلى الشارع، بداية من أمام مقرِّ النقابة الرئيسية بشارع رمسيس في القاهرة وصولًا إلى مرسى مطروح أقصى غرب البلاد، في سابقة فريدة من نوعها خلال الحِقبة الحالية:
- المرة الأولى، احتجاجًا على خُطة شمولهم بمنظومة رقمنة الضرائب “الفاتورة الإلكترونية” التي تسعى الحكومة من خلالها إلى إحكام الرقابة على المعاملات المالية بين المهنيين بطوائفهم وبين المستهلك الأخير.
- المرة الثانية، احتجاجًا على ما رأوا أنّه تعسف متعمد وممنهج من جناح العدالة الثاني -القضاء- بحقهم، عندما حكمت محكمة مرسى مطروح في 18 يناير الماضي على 6 من زملائهم في الجلسة الأولى، بالحبس عامين مع الشغل بتهم تتعلق بالتكييف القانوني لوقائع شجار مع موظفين بالمحكمة نفسها.
يشرح المحامي منتصر الزيات، والذي سافر لمؤازرة زملائه في مطروح، أسباب الاحتجاجات المتتالية والتي تكثفت في مشهد التظاهر، ولكنها تضمنت أيضًا إجراءات حادة واضحة، مثل الإضراب عن ممارسة العمل أمام النيابات والمحاكم والبيانات النقابية شديدة اللهجة قائلًا (إنّ هناك تناميًا ملحوظًا لظاهرة الاعتداء على المحامين في أثناء وبسبب تأدية عملهم) وهو ما انعكس على سلوك المحامين.
وبدعم غير مباشر من عدد من النقابات المهنية الأخرى مثل المهندسين والأطباء والصيادلة، استطاع المحامون إيصال صوتهم لذوي السلطة في المرة الأولى، ما أدى إلى تأجيل قرار شمول المهنيين بالفاتورة الإلكترونية حتى نهاية أبريل 2023، بعد ما كان مقررًا تطبيقها نهاية ديسمبر 2022، وتحت الضغط أفرج القضاء عن زملائهم الستة في جلسة الاستئناف 22 يناير.
النقابات تراقب
يرى أحمد الحوفي، الناشط البارز سابقًا في نقابة الصيادلة، أنَّ (المحامين نجحوا في تحقيق انتصار نسبي للمصريين في الدفاع عن حقوقهم في لقمة العيش، وهو ما يعد تكليلًا لكل الجهود النقابية التي وقفت خلفهم).
ويشاطره محيي الدين عبيد نقيب الصيادلة الذي يخوض معركة قانونية وإعلامية من أجل رفع الحراسة القضائية عن النقابة الرأي قائلًا “تحية لنقابة المحامين التي ضربت مثلًا في العمل النقابي وتكاتف المحامين في وقفات متتالية، أولها تأجيل تطبيق الفاتورة الإلكترونية، والثاني في إنقاذ زملائهم المحامين).
بالتزامن مع جهود المحامين، خاض الصيادلة معركة مشابهة نسبيًّا، حينما حاولوا الاحتجاج على حبس زميلة لهم في قضية تخلو من القصد الجنائي عامين، وذلك بالامتناع عن إعطاء الحقن في الصيدليات والتلويح بإطفاء أضواء الصيدليات 5 دقائق في وقت واحد، وهو ما أدى إلى اختفاء عضو مجلس النقابة محفوظ رمزي حينها فترة من الوقت في ظروف غامضة قيل أنّها ترتبط باستدعاء أمني.
يبدو أنّ صوت المحامين كان مدويًا، فعلقت منى مينا، الاسم البارز في نقابة الأطباء قائلة “فاكرين احتجاجات المحامين؟ فاكرين وقفاتهم الأسبوعية المتكررة والحاشدة، فاكرين لما كنا بنقول ليس لنا شوكة مثلهم؟”.
يجمع النقابيون تقريبًا على عوار صيغة الإيصال الإلكتروني، لا لمجرد فرضه لمزيد من الضرائب، وإنّما لارتفاع تكلفة الاشتراك الإداري والفني في المنظومة من ناحية، وعدم وجود آليات مشابهة لرصد المصروفات التي ينفقونها من تأجير للأماكن ورواتب المساعدين وتكاليف الصيانة، في ظل صعوبة تعميم الإيصال الإلكتروني مجتمعيًّا على المعاملات اليومية البسيطة، إلى جانب أنَّ عشرات الآلاف من المهنيين لا يستفيدون من رواتب وتأمينات الدولة مثل المحامين.
مفاجأة مارس
في 17 مارس، وعلى نهج المحامين نفسه، دعا الأطباء إلى “جمعية عمومية غير عادية” لمناقشة الضرائب الرقمية الجديدة والتعسُّف في إصدار تراخيص المنشآت الطبية وغيرها من المشكلات النقابية، طالب خلالها إيهاب الطاهر عضو مجلس نقابة الأطباء مصلحة الضرائب بأن تتحمل تكاليف إشراك الأطباء في المنظومة وأن ترفع حدَّ الإعفاء الضريبي، ونادى بعض الأطباء بالمساواة المالية والاجتماعية مع ضباط الجيش والشرطة والقضاة، إذا كانت هناك رغبة حقيقية في الحد من تسرب الأطباء خارج العمل الحكومي.
وفي التاريخ نفسه، نجح الصحافي خالد البلشي، الذي يدير موقع درب المحجوب في هزيمة المرشح المحسوب على السلطة خالد ميري، في يومٍ تاريخي للصحافيين؛ إذ طالما عرف البلشي بمواقفه المستقلة، كما سبق توليه رئاسة لجنة الحريات في الفترة من 2013 إلى 2017. وهو ما يجعل هذا الحراك النقابي العفوي شبه المتزامن، والمتأثر بمعارك المحامين، فرصة حقيقية لتوحيد العمل النقابي على مستويات أكبر.