يأتي طوفان الأقصى في لحظة حساسة جدًّا، فبينما كادت السياسات العربية الأخيرة تجاه القضية الفلسطينية أن تدفع إلى تصفيتها، فقد أدى الطوفان إلى أربع فجوات في جدار الاحتلال، وهي النفاذ إلى قلب الأمن القومي الإسرائيلي بتهديد قدرة الردع، والنكوص عن وضع الدولة للعودة إلى الحالة الميليشياوية التي تأسست وفقها دولة الاحتلال، مرورًا بتراجع السردية الإسرائيلية عالميًّا بل وتحول دعم إسرائيل مع الوقت إلى نزاع حزبي في الولايات المتحدة، وأخيرًا بالضغط على النسق العربي المطبع مع الاحتلال.
ألقى الطوفان ظلاله على النسق العربي وعلى الدولة العربية على السواء، فبينما اقترب قطار التطبيع العربي مع إسرائيل من محطته الأخيرة، انعطف الطوفان بالمنطقة العربية انعطافة كبيرة ليلقي بتحدياته على المنطقة كلها، وعلى ما يسميه بعض المفكرين العرب بـ “الضعف العربي” الذي أدام الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، محدثًا في النسق العربي بعض التحولات.
ما نقصده بالنسق العربي ليس العلاقات البينية العربية، بقدر ما نقصد ما يتعلق بطبيعة الدولة العربية وشرعيتها التي بنت عليها وجودها، والتحولات الكبرى التي أثرت فيه كمنعطفات تاريخية، والمرتبطة بطبيعة الصراع نفسه وموقع القضية الفلسطينية منه، إذ لا يكفي أن نتحدث عن “شرعية النظام العربي” فالأمر يتجاوز المسألة الداخلية، ليمتد إلى التوازن بين علاقات الدول العربية وبعضها البعض، وبين الدول العربية والعالم الخارجي الإقليمي والدولي.
من النظام العربي إلى النسق العربي
تأسس النظام العربي بعد نهاية الاستعمار على شكل عقد اجتماعي بين الشعب والنخب الحاكمة سواء الحداثية مثل المؤسسات العسكرية أو التقليدية، وبرز ذلك في شكل أحلاف بين عواصم ثورة تعتمد على رأسمال سياسي كأيديولوجيا الوحدة العربية، وعواصم ثروة تعتمد على الفوائض النفطية كما أسماها الكاتب المصري نزيه الأيوبي في كتابه تضخيم الدولة العربية.
كلا النظامين ارتبطا بصورة ما بعلاقة مع إسرائيل، إما في حالة صراعية حملت مفاهيم الكرامة والوحدة والتحرر من الاستعمار، وآخر ينظر للعلاقة مع إسرائيل من خلال البوابة الأمريكية باعتبارها وكيل واشنطن في المنطقة حتى لو لم ينشئ معها علاقات دبلوماسية مباشرة.
هذا النظام أخذ بدوره في التوسع البيروقراطي مقابل معادلة مباشرة مع الشعوب مفادها (النفوذ مقابل التنمية الاقتصادية)، لكنه أبقى حتى منتصف السبعينيات على رأس ماله التحرري من الاستعمار، وذلك بعد أن ضربت هذه المعادلة في حرب يونيو 1967، وأصبحت هناك أزمة حقيقة في التوازن بين المعادلة “القُطرية” لكل بلد عربي والقضية الفلسطينية.
وأصبح واضحًا للفلسطيني ألّا صديق له إلّا بندقيته، فانخرط في الكفاح المسلح “المقاومة”، وحصلت تلك الجماعات ما دون الدولة على دعم من بقايا الأنظمة التي مثَّلت محور الثورة ومن ورائهم الاتحاد السوفياتي أثناء الحرب الباردة بينه وبين الولايات المتحدة في الإقليم العربي.
دخلت مصر وسوريا آخر الحروب التي قادتها دولة عربية ضد إسرائيل في 1973، ومع قناعة السادات بعدم وجود حل لاستعادة سيناء إلا بترتيب الأمر مع الكتلة الغربية والولايات المتحدة، فقد انقلب على الإرث الناصري، وانهمكت مصر في الشأن الداخلي، وعززت مفهوم الشرعية الداخلية (التنمية الاقتصادية مقابل النفوذ مع التخلي تدريجيًّا عن الإرث التحرري والقضية الفلسطينية).
الانعطافة الثالثة: حرب بيروت
انطوت القضية الفلسطينية في الأزمات الداخلية بالأردن ثُمَّ لبنان، واستطاعت الدولة العربية التي كانت منهكة وضعيفة على مستوى النفوذ والهيمنة داخليًّا أن تصفي الكفاح المسلح من خلال الضغوط التي مارسها الإسرائيليون على السوريين في لبنان وبالأخص في سهل البقاع، فضغطت سوريا على منظمة التحرير في بيروت مع تقهقر قوات الحزب التقدمي الاشتراكي بقيادة وليد جنبلاط، وانسحاب القوات التابعة للحزب الشيوعي اللبناني بقيادة جورج حاوي. وقد أشار ياسر عرفات في شهادته في برنامج “حكاية ثورة” أنَّه لجأ في تلك الأثناء إلى الرئيس المصري الجديد وقتها حسني مبارك ليخرج من هذا المأزق.
قفزت الدول العربية باتجاه أمريكا وأصبح واضحًا في تلك المرحلة (أي بعد كامب ديفيد) أنَّ الحرب الباردة في الشرق الأوسط قد توقفت، وسار قطار التطبيع بمبادرة عربية تارة، وبفك الارتباط الأردني مع الضفة الغربية ثُمَّ اتفاقية وادي عربة عام 1994 تارة أخرى، بل على المستوى الفلسطيني نفسه كانت الانتفاضة معجلًا سريعًا للاتفاقية التي توصل إليها ياسر عرفات في أسلو مع رابين وكلينتون.
الانعطافة الرابعة: أمريكا شرطي العالم
تعرض النسق العربي لهزة كبيرة عندما انخرط العراق في حرب مع إيران، ثُمَّ انتهت بالخلاف الكبير الذي أدى إلى احتلال الكويت، في هذه اللحظة استطاعت دول الثروة بناء حلف امتد لعقود وبمشاركة من كل الدول العربية الفاعلة في هذا النسق.
هذا الحلف كان أساسه هو البناء النيوليبرالي لا الديمقراطي، إذ يعطي مزيدًا من السيطرة، ومزيدًا من القدرة على نزع الفوائض، وتحقيق معدلات نمو، والتوسع في طبقة النخب التي ترتبط بعلاقات اقتصادية عميقة مع الاحتلال الإسرائيلي ومع المؤسسات الدولية الغربية، وشمل الدول المطبعة وغير المطبعة، وتزامن ذلك مع انهيار الاتحاد السوفياتي ونموذجه الاقتصادي، وكما يسمي المفكر آصف بيات الموجة النيوليبرالية في كتاب ثورة بلا ثوار أنَّها أداة للاحتكار والإخضاع.
هُمشت القضية الفلسطينية في الوقت الذي تآكل فيه الرأسمال السياسي (التحرر، الكرامة، والوحدة، والثورة، واسترداد الحقوق.. إلخ)، كما تراجعت قوة نفاذ الدولة العربية داخليًّا، حتى أتت لحظة مفصلية فارقة وهي أحداث 11 سبتمبر 2001، ففي ذلك الوقت تنفذ المحافظون الجُدد داخل أروقة صنع السياسات الخارجية في الولايات المتحدة، فانطلق حصان المصالح الاقتصادية والسياسية من بوابة صدام الحضارات، والحرب على الإرهاب.
الانعطافة الخامسة: تآكل شرعية الدولة العربية
جالت سنابك الخيل الأمريكي في بغداد، تلك اللحظة التي مثَّلت الصوت الصارخ مقابل ضجيج التنمية الاقتصادية والسياسات القُطرية الداخلية للبلدان العربية. وجاء احتلال العراق عام 2003 كلحظة انهيار لشرعية الدولة العربية، فمثلًا ذهب الرئيس اليمني الأسبق علي عبد الله صالح لنزع صوره من الشوارع في مدينة عدن، خوفًا من أن يلهم خلع تمثال صدام في بغداد اليمنيين في التحرك ضد النظام الحاكم، بمنطق “بيدي لا بيد عمرو”.
كذلك في القاهرة لم يكن أول هتاف ضد مبارك في 2011، ولا في احتجاجات المحلة 6 أبريل 2008، بل عندما خرجت مظاهرة من الجامعة الأمريكية إبان غزو العراق، إذ تفكك العقد الاجتماعي في بعض الدول العربية القائم على التنمية مقابل السيطرة، والأمن مقابل النفوذ، وتفجر السؤال العربي حول الثورة والوحدة والكرامة وفلسطين التي كانت تشهد وقتها ذروة أحداث الانتفاضة الثانية.
أدرك بعض الفاعلين جزءًا من الخطر مثل الولايات المتحدة، وسارت في مسار ثالث إلى جوار النيوليبرالية وإضعاف الدولة العربية لصالح نفوذ شبكات المصالح، فسارت في طريق منح مساحة من الديمقراطية وفتح المجال العام، حتى تحتوي حالة القوى الإسلامية السياسية وتفرغ أيديولوجيا “الجهاد الأممي”، أما المسار الآخر فعُدّ على مهل في العراق لتفجير نقاط نزاع بين المتمردين على النظام العالمي من السُنة والشيعة.
هذا المسار جعل إسرائيل تنفرد بعمق آمن نسبيًّا، خصوصًا مع علاج أزمة الانتفاضة الثانية بالانسحاب من قطاع غزة، وتحويل جيش الاحتلال الإسرائيلي لقوة شرطية في الضفة، مع إغراق مجتمع الضفة بسياسات تبدو تنموية، حيث التوسع في بناء المنازل للأفراد من خلال الإقراض، وربط الدخل بجهاز السلطة، بالتزامن مع توسع الحالة الاستيطانية الإسرائيلية، وهو ما واكبه نمو مفرط في قدرات إسرائيل العسكرية والمالية كما هي المعادلة منذ حرب 1967، لقد كانت الحوكمة والمراقبة هي نقطة الإضافة الكبيرة في هذه الاستراتيجية، لضبط الضفة وغزة.
تحولت إسرائيل داخل النسق العربي إلى مركز، والدول العربية إلى أطراف، أو بشكل أدق إلى ولايات فيدرالية تتمتع بمستوى من الاستقلال لكنها ضعيفة خارج البؤرة الإسرائيلية، فبالتالي احتاجت تلك الدول حتمًا إلى الولايات المتحدة بصورة ما، وأبرز احتياجاتها هي الشرعية الداخلية، وبالطبع قدمت تلك الدول مستوى من التعاون مع إسرائيل في مقابل ما تحصل عليه تلك الدول من دعم أمريكي وأوروبي، من خلال المؤسسات المالية أو صناعات السلاح..إلخ.
أدت 11 سبتمبر وما فجرتها من أحداث وسياسات تالية إلى تآكل شرعية الدولة العربية داخليًّا، إذ حدثت الانعطافة السادسة مع ثورات الربيع العربي التي بدأت نهاية عام 2010 بعد أن قاد انفتاح المجال العام إلى موجة شعبية لتتفكك شرعية الدولة العربية تمامًا، فأصبح النمو الذي تتحدث عنه الأنظمة العربية “أكذوبة” في نظر الناس، وأنَّها تزيد من حدة اللامساواة والفقر، وأنَّ الأمن العربي ما هو إلا أمن إسرائيل.
النسق العربي ما بعد الربيع
قدم الربيع العربي تحديًّا كبيرًا للولايات المتحدة، وتحديًّا لكل دول الثروة العربية وإسرائيل على وجه الخصوص، وكذلك حتى داخل التيارات المُشكِّلة للسياسة العربية مثل القوى الإسلامية السياسية والجماعات “الجهادية”، وكذلك التيارات الليبرالية والعلمانية، وما يخصنا هنا المسألة الفلسطينية، إذ تدفق السلاح إلى غزة من محاور عدة عبر مصر.
جاء الربيع في الدول التي بُني فيها النظام العربي على مفاهيم أيديولوجية تتعلق بالثورة والكرامة والوحدة، في حين ظلت الدول التي تمتلك الفوائض أكثر استقرارًا، كما هدد الربيع معادلة النفوذ الإسرائيلي مع تنامي قدرات “الجيب الغزّي” في تحصيل السلاح والقدرات، لذا عدته إسرائيل تهديدًا مباشرًا لها.
وفي المسار الثالث الذي تشكل في العراق بعد 11 سبتمبر، كان الصدام بين الأذرع الإيرانية والجماعات السُنية قد بلغ ذروته، وسرعان ما تحولت الثورة في سوريا إلى صراع تغذيه الطائفية، كان ذلك للولايات المتحدة والشركاء الإقليميين أشبه بالخروج من مأزق الربيع، إذ استهلكت الطاقات والأموال، وهُرّبَ السلاح من شرق أوروبا لتذكية الحرب في سوريا.
تشظت منظومة الدولة العربية، وفي تلك اللحظة برزت محاولات لاستعادتها من داخل النسق نفسه، ونجحت المنظومة بالفعل في مصر أن تستعيد عافيتها لتتخذها كقاعدة لتذكية محاولة استعادة الحكم في كل الأقطار العربية الأخرى التي ضربها طوفان الربيع العربي، وصياغة مشروع جديد للدولة العربية بشرعية جديدة قائمة على العنف الضاري والوحشي الذي تقوم به إحدى المؤسسات البيروقراطية (كالجيش في مصر- أجهزة الأمن في تونس)، وأصبح هناك نموذجان، إما الفوضى الكاسحة كما في سوريا واليمن، وإما نموذج الاستعادة كما في مصر وتونس.
تلك اللحظة مثَّلت ذروة التخلي الكامل والشامل عن القضية الفلسطينية، ليس تخليًّا فحسب بل ومحاولة تصفيتها، وسار قطار التطبيع الاقتصادي والسياسي لأبعد مداه، إسرائيل في المركز تمثل الولايات المتحدة، وتدور من حولها الأفلاك في مواجهة المحور الإيراني.
لكن هناك حقيقة مفادها أنَّ الدولة العربية رغم ذلك هي في أضعف حالاتها فلم يعدّ أمامها أي سردية تبرّر وجودها سوى القمع والعنف أحيانًا، وفي أوقات أخرى مزيد من اللبرلة، والاقتصاد الاستهلاكي، ونموذج الخلاص الفردي، وفي تلك الأثناء بقيت فلسطين بقعة معزولة حتى عن وجدان العديد من الشعوب العربية.
الطوفان: فلسطين بؤرة النسق
أعاد طوفان الأقصى فلسطين إلى البؤرة، بل فعل أكثر من ذلك، إذ هو نقطة التحول السابعة في شكل النسق العربي، فضغط على أسئلة ثورات الربيع، وعلى شرعية الدولة، وعلى سؤال التنمية، وعلى مطالب الكرامة والثورة والتحرر من الاستعمار، وأطاح بكل الحلول التي ابتُكرت في نظام التوازنات العربي والعقد الاجتماعي الداخلي.
هذه اللحظة لا تضغط فحسب على الدولة العربية، بل أظهرت قصورها وضعفها حتى لصانع القرار الأمريكي، فما أحوج أمريكا اليوم لنموذج النظام السوري الذي ضغط على منظمة التحرير، ومن يؤثر اليوم على حماس؟ لا يوجد ببساطة لأنَّ الدولة العربية لم تعد تمتلك النفوذ داخل البيت الفلسطيني نفسه حتى على السلطة الفلسطينية.
إنَّ حالة القطيعة بين النظام العربي والبيت الفلسطيني والتعامل معه من الخارج بشكل انتهازي، حال دون النفاذ لمنع “7 أكتوبر” أو حتى لطرح مخرج حقيقي سواء لغزة أم للسلطة أم للولايات المتحدة، ناهيك بإسرائيل، لأنَّ اليمين في إسرائيل يتماهى مع هذه الحالة.
على سبيل المثال، أدى تراجع القدرة المصرية داخل النسق العربي للحيلولة دون حفظ أمن البحر الأحمر، كما تسببت حالة الفوضى في اليمن في خرق أمن وسلامة الملاحة البحرية المهمة بالنسبة للاقتصاد الدولي، بل وللاستراتيجية الأمريكية في الهيمنة حول العالم، فهناك تهديد حقيقي بإلهام ما تفعله جماعة الحوثي للمعادين للمعسكر الأمريكي بالضغط على واشنطن عبر استهداف مصالحها في نقاط الاختناقات البحرية.
ستحتاج الولايات المتحدة لتعزيز النظام المصري داخل النسق على سبيل المثال ليساهم في حفظ أمن النسق، في المقابل ستتشكل حالة ضغط بسبب انتهاء حالة شهر العسل بين الأنظمة المستقرة وشعوبها، وقد ينقل الطوفان حالة الربيع العربي لبلدان لم يطرقها بقوة مثل الأردن.
ربما يأتي مقترح إسناد بسط الأمن في غزة للدول العربية مثل مصر والأردن من باب تعزيز وتهيئة دور مصري للعب دور داخل النسق العربي، أي تعزيز ما يعرف بمحور الاعتدال المصري الأردني السعودي، إلا أنَّ هذا التحرك بصورة عامة قد يؤدي إلى اهتزاز داخل مؤسسات النخبة في بعض تلك الدول.
هذا الاختلال قد يحدث بين الموقف التاريخي الأيديولوجي الذي يعززه الشارع بخصوص القضية الفلسطينية، وقد يؤدي إلى حالة انقسام في التحالف المهيمن في بعض الدول العربية لو استمر على حالة الاستقطاب تلك لفترة أطول، هذا الأمر متروك للزمن ليقرر ما إنْ كان سيحدث أم لا، لكن المؤكد أنَّه ينتج ضغوطًا ويلقي ظلاله عليها.
الضغوط على النسق العربي
ويمكن تلخيص أثر الطوفان على النسق العربي الذي تشكل بعد ثورات الربيع، الذي بلا شك سيحدث تحولات جذرية داخل هذا النسق، في التالي:
أولًا: إعادة القضية الفلسطينية إلى بؤرة الاهتمام مع ضعف قدرة الدولة العربية عن لعب دور إيجابي، وتحول القضية الفلسطينية إلى شأن داخلي في السياسات القُطرية، بمعنى أنَّها صارت بشكل جلي وواضح مسألة مصرية خالصة بالنسبة للمصريّ، وكذلك الأردنيّ واللبنانيّ… إلخ.
ثانيًا: إنَّها تضغط بصورة كبيرة على استقرار نماذج الريع والنيوليبرالية في العالم العربي بإعادة تصورات الفعل الإنساني العادي أو لعب بسطاء الناس في السياسة -بتعبير آصف بيات-.
ثالثًا: إنَّه يهدد معادلة الأمن والعقد الاجتماعي القائم بين الدولة العربية والشعب، حتى تلك التي تعتمد على ضراوتها فقط في الهيمنة والسيطرة.
رابعًا: إنَّه أظهر عجز الدولة العربية أمام الحلفاء الدوليين في التدخل لحل الأزمة بما يخدم مصالح الدول صاحبة النفوذ والسطوة مثل الولايات المتحدة، وهو ما قد يستدعي تغيرات هيكلية في شكل النسق في ظل فشله حتى هذه اللحظة في تأمين مصالح أمريكا بصورة أكثر سلاسة.
خامسًا: قد يؤثر بصورة مباشرة في التحالفات المهيمنة داخل الدول، مما يفتح الباب لدخول داعمين دوليين لإحداث تغيرات داخل بعض الدول.
سادسًا: إنَّه لا يحصر دائرة الصراع داخل فلسطين لتصفية القضية الفلسطينية، بل يدفعه خارجها دفعًا، سواء بالحديث عن قصف لبنان أم حتى التهجير نحو سيناء، أو انتقال الصراع مع إيران إلى ساحات جديدة في السودان وليبيا.
سابعًا: إنَّه يقوم بدور مزدوج إما بدمج بعض أذرع إيران في المخيال العربي كجماعة الحوثي في اليمن، أو يضعف صورة البعض الآخر كحزب الله في لبنان، إلا أنَّه أدى إلى تجاوز نسبي للصراع السني الشيعي داخل غزة نفسها، إذ خفت نسبيًّا الانتقادات الموجهة لحماس بسبب علاقتها بالمحور الإيراني.
ثامنًا: إنَّ حرب غزة في 2008- 2009 ارتقت إلى مستوى الضغط على شرعية الدولة العربية وساهمت في تآكلها، إلا أنَّ حرب غزة اليوم ترتقي إلى مستوى أعلى بكثير، فهي حدث عالمي لا يقل أهمية عن أحداث 11 سبتمبر، وقد تحدث استجابة من البيروقراطية الصلبة في كل دولة عربية بلغها الطوفان، وستفشل تلك الدول في الإجابة عن الأسئلة التي طرحها الطوفان، لتندلع موجات انتفاضات شعبية أو نزعات شعوبية ستبرز خلال عقد على الأقل.