الحدث
نفذ الحرس الرئاسي في النيجر انقلابًا عسكريًّا 26 يوليو 2023، ووضع الرئيس محمد بازوم رهن الإقامة الجبرية في خطوة دعمها الجيش لاحقًا بذريعة تجنب سفك الدماء. وقد برر منفذو الانقلاب تحركهم بأنَّه يهدف إلى مواجهة تردي الأوضاع الأمنية في النيجر واستعادة الأراضي النيجرية التي تسيطر عليها جماعات مسلحة مثل فرع تنظيم داعش في غرب إفريقيا، واتخذوا قرارات بإغلاق الحدود وفرض حظر تجول ومنع أي نشاط للأحزاب السياسية.
التحليل
أولًا: خلفيات الانقلاب
وقع الانقلاب قبيل أيام من شروع الرئيس بازوم في إجراء تغييرات في صفوف القادة العسكريين واستبدال قائد الحرس الرئاسي اللواء عمر تشياني، بالتزامن مع تخطيطه لنقل المزيد من الصلاحيات إلى الحرس الوطني التابع لوزارة الداخلية، وهو ما يرجح أنَّ الدافع الأبرز للانقلاب هو إحباط تلك الخطوات. كذلك فإنَّ انتماء الرئيس بازوم للأقلية العربية التي تمثل أقل من 1% من سكان النيجر البالغ عدد 25.3 مليون نسمة، ساهم في ترحيب قطاعات من المجتمع بالانقلاب بما فيها حزب المعارضة الرئيسي، رغم أن بازوم وصل للحكم بانتخابات في عام 2021.
ثانيًا: الاهتمام الدولي
لقد حظي انقلاب النيجر باهتمام دولي وإدانة غربية بالأخص من باريس وواشنطن، فضلًا عن تهديد من المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس) بالتدخل العسكري لإعادة الرئيس بازوم للحكم، وذلك لأنَّ هذا الانقلاب يكمل سلسلة من الانقلابات الناجحة في غرب إفريقيا والتي شملت مالي وبوركينا فاسو، مما يشعر بقية قادة دول غرب إفريقيا بخطورة عدوى انتقال تلك الانقلابات العسكرية إلى بلدانهم، فضلًا عن خشية فرنسا من فقدان نفوذها بالمنطقة لصالح روسيا.
سارع حكام مالي العسكريين لمطالبة فرنسا بإنهاء عمليتها العسكرية “برخان” في بلادهم، كما طالبوا برحيل بعثة الأمم المتحدة من مالي واشتركوا مع حكام بوركينافاسو في المطالبة بإنهاء الوجود الفرنسي في البلدين، وهو ما جعل النيجر تصبح الركيزة الأساسية للتواجد الفرنسي في غرب إفريقيا لتأمين المصالح الغربية ومواجهة التنظيمات الإسلامية المسلحة، حيث يوجد بها 1500 جندي فرنسي ونحو 1000 جندي أمريكي في قاعدة أغاديز الجوية. وبالتالي جاء الانقلاب في النيجر ليمثل ضربة غير متوقعة للنفوذ الغربي، وبالأخص مع إصدار المجلس العسكري الحاكم بيان يشجب فيه اتفاق التعاون الأمني مع فرنسا، واتخاذه قرار بوقف تصدير اليورانيوم إلى فرنسا، والذي يغطي 35% من احتياجات الصناعة النووية الفرنسية، كما اندلعت مظاهرات منددة بالتواجد الفرنسي في النيجر، وحاول المتظاهرون حرق مقر السفارة الفرنسية، مما دفع باريس لإجلاء رعاياها سريعًا.
ثالثًا: هل تدعم موسكو انقلاب النيجر؟
لا توجد حتى الآن قرائن واضحة على دعم روسيا للانقلاب في النيجر، إذ اكتفت موسكو بالتعبير عن قلقها، لكن يفجيني بريغوزين قائد فاغنر أشاد بالانقلاب، واعتبره امتدادًا للكفاح والتحرر من الاستعمار. كما أنَّ حكام مالي وبوركينافاسو الداعمين للانقلاب في النيجر يتمتعون بعلاقات وطيدة مع روسيا، حيث استعانت مالي بعناصر فاغنر، فيما صرح زعيم المجلس العسكري ببوركينافاسو إبراهيم تراوري بأنَّ بلاده منفتحة على العمل مع شركاء جدد بما في ذلك روسيا، كما شارك في القمة الروسية الإفريقية المنعقدة في يوليو الماضي في روسيا.
رابعًا: تعزيز الانقسامات في غرب إفريقيا
سارعت المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا “إيكواس” لإدانة الانقلاب، وفرضت عقوبات على النيجر شملت حظر السفر ووقف تصدير الكهرباء وفرض منطقة حظر طيران على الرحلات التجارية وتعليق المساعدات المالية، كما هددت بالتدخل عسكريًّا لإعادة الرئيس بازوم للحكم. وفي المقابل اعتبرت بوركينا فاسو ومالي استخدام القوة ضد النيجر بمثابة إعلان حرب ضد البلدين، وهددتا بالانسحاب من إيكواس. كذلك أعلنت الجزائر رفضها للتدخل العسكري في النيجر خوفًا من تداعيات ذلك على الأمن الإقليمي.
الآفاق المستقبلية
إنَّ شن عملية عسكرية لإيكواس ضد النيجر يهدد باندلاع حرب إقليمية تتسع لتشمل بوركينافاسو ومالي، مع العلم أنَّ جيش النيجر وحده يبلغ حجمه 57 ألف جندي، وهو ما يمد خط الاضطراب والفوضى من السودان في شرق القارة إلى المحيط الأطلنطي في غربها. وبالتالي فإنَّ محاولات الوساطة للوصول إلى تفاهم قد تكون هي الخيار الأمثل للأطراف كافة، وهو ما حاول مجموعة من علماء الدين من نيجيريا القيام به عبر الاجتماع مع قادة الانقلاب في النيجر والتعهد بعدم تدخل بلادهم عسكريًّا في النيجر، مع العلم بأنَّ الجيش النيجيري هو الأبرز في مجموعة إيكواس، ولا يمكن خوض حرب ضد النيجر دونه.
تشير الأحداث المتتالية في غرب إفريقيا إلى تشكل كتلتين، إحداهما موالية للغرب والأخرى تتسع بمرور الوقت وتحمل مشاعر مناهضة للغرب وبالأخص فرنسا، وتتجه نحو موسكو كحليف بديل عن باريس أو واشنطن.