خلال متابعة الأخبار اليومية نشاهد تصريحات في ذات الموضوع لمسؤولين أو مؤسسات أوروبية مما يسبب ارتباكًا لدى بعض القراء حول طبيعة الدور المناط بكل منهم. ففي شهر سبتمبر 2021 سنجد تصريحات لمفوض السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل يقول خلالها (تأثير التطورات في أفغانستان خطير للغاية، ويجب أن نبحث كيف يمكن أن ندعم الدول المجاورة). فيما وجه الرئيس الإيراني كلمات إلى رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل يقول خلالها (غياب حكومة شاملة بأفغانستان سيشكل تحديًّا لمستقبل وأمن أوروبا)، بينما أكد البرلمان الأوروبي (أهمية التعاون مع (طالبان ) في المرحلة الحالية دون اعتبار ذلك اعترافا بها) بينما سبق أن أعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين في 24 أغسطس عن (زيادة الدعم الإنساني المقدم إلى أفغانستان من 50 مليون إلى 200 مليون يورو). تلك التصريحات لجهات متنوعة تذكر بالقول المنسوب لوزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر: بمن أتصلُ في أوروبا عندما أريد التحدث إليها؟ ذلك التنوع والتداخل يتطلب شرح أدوار وصلاحيات المؤسسات الأوروبية الأساسية.
داخل منظومة الاتحاد الأوروبي توجد حاليا خمس مؤسسات:
1- المفوضية الأوروبية. يقع مقرها في بروكسل ، وتضم مفوضًا واحدًا لكل دولة عضو بالاتحاد. وهي تمثل الفرع التنفيذي والإداري بالاتحاد الأوروبي أي أنها بمثابة مجلس الوزراء في النظام البرلماني.وهي المسؤولة عن تطوير قوانين وسياسات الاتحاد الجديدة والإشراف على تنفيذها، وكذلك من حقها إحالة أي دولة عضو أو شركة أو فرد لا يتوافق مع روح المعاهدات أو قانون الاتحاد الأوروبي إلى محكمة العدل الأوروبية ، كما تدير المفوضية ميزانية الاتحاد وتشرف على نفقاته ، وتمثل الاتحاد الأوروبي في التعامل مع دول العالم والمنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة ومنظمة التجارة العالمية.
ويعتبر رئيس المفوضية بمثابة رئيس مجلس الوزراء، وكان هو الشخص الأهم في الاتحاد قبل نص معاهدة لشبونة في عام 2009 على استحداث منصب رئيس المجلس الأوروبي. لكن القرارات النهائية بشأن الموافقة على القوانين والسياسات الجديدة للاتحاد تقع على عاتق مجلس الاتحاد الأوروبي والبرلمان الأوروبي.
2- مجلس الاتحاد الأوروبي. مقره في بروكسل ،وهو المنتدى الذي يجتمع فيه وزراء حكومات الدول الأعضاء لاتخاذ قرارات بشأن سياسات الاتحاد الأوروبي ، فعلى سبيل المثال يجتمع وزراء الخارجية للتعامل مع الشؤون الخارجية ، ووزراء البيئة لمناقشة السياسات البيئية.
ويؤدي المجلس بعض الوظائف التشريعية والتنفيذية ، فبمجرد أن تقترح المفوضية قانونًا جديدًا، فإن المجلس بالاشتراك مع البرلمان الأوروبي هو المسؤول عن قبول أو رفض الاقتراح.
كما يعتمد المجلس أيضًا ميزانية الاتحاد الأوروبي ضمن مسؤولية يتقاسمها مع البرلمان الأوروبي ، وينسق المجلس كلا من السياسات الاقتصادية للدول الأعضاء والتعاون الشرطي والقضائي في المسائل الجنائية ، ويبرم المعاهدات الدولية نيابة عن الاتحاد الأوروبي.
وتأخذ كل دولة عضو في الاتحاد الأوروبي دورها في رئاسة المجلس بالتناوب لمدة ستة أشهر. ويُستثنى من ذلك مجلس الشؤون الخارجية التابع للمجلس الأوروبي الذي يرأسه الممثل الأعلى للاتحاد للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية.
وكان من المتوقع أنه مع زيادة ثقة الدول الأعضاء بالاتحاد ببعضها البعض، أن يصبح المجلس أقل أهمية، لتصبح المفوضية قادرة على اقتراح السياسات واتخاذ القرارات بشأنها وتنفيذها.ولكن في الواقع نمت قوة ونفوذ مجلس الاتحاد لأن الدول الأعضاء كانت غير راغبة في التخلي عن صلاحياتها للمفوضية.
3- المجلس الأوروبي. يتألف من رؤساء الدول ورؤساء وزراء الدول أعضاء الاتحاد فضلا عن رئيس المفوضية الأوروبية والممثل الأعلى للسياسة الخارجية والأمنية حيث يجتمعون أربع مرات على الأقل كل عام لاتخاذ قرارات بشأن القضايا التي تتطلب حسما سياسيًّا.ويُعد المجلس أقوى مؤسسة داخل الاتحاد الأوروبي حيث يرسم السياسة العامة للاتحاد لكنه لا يملك وقتا لمناقشة القضايا بشكل مفصل ومن ثم يعتمد في ذلك على التفاصيل التي تضعها كل من المفوضية ومجلس الاتحاد الأوروبي.
وقد استُحدث منصب رئيس المجلس الأوروبي بموجب معاهدة لشبونة عام 2009، وهو يمثل الاتحاد الأوروبي خارجيًّا ، وينسق اجتماعات المجلس، ويُنتخب بواسطة المجلس لفترة تستغرق سنتين ونصف قابلة للتجديد مرة واحدة.
4- البرلمان الأوروبي. يتكون من نواب منتخبين لمدة خمس سنوات قابلة للتجديد، وتُقسم المقاعد بين الدول الأعضاء على أساس عدد السكان. ويرأس البرلمان رئيسٌ منتخب من قبل أعضائه. والبرلمان هو المؤسسة الوحيدة المنتخبة بشكل مباشر في الاتحاد الأوروبي ،وتُدفع رواتب أعضاء البرلمان الأوروبي من قبل حكوماتهم المحلية، ويتقاضون نفس رواتب أعضاء البرلمانات الوطنية الخاصة ببلادهم.
تنقسم مقرات البرلمان الأوروبي بين ستراسبورغ ولوكسمبورغ وبروكسل حيث توجد الغرفة البرلمانية في مدينة ستراسبورغ بفرنسا، وتجتمع اللجان البرلمانية في بروكسل لمدة أسبوعين كل شهر، بينما توجد السكرتارية الإدارية في لوكسمبورغ. ويُنفق ما يقدر بـ 200 مليون دولار (أكثر من 10 في المائة من ميزانية البرلمان الأوروبي) كل عام على نقل أعضاء البرلمان الأوروبي والموظفين والسجلات ذهابًا وإيابًا بين تلك الأماكن في ظل رفض فرنسا السماح بنقل مقر ستراسبورغ إلى بروكسل.
وعلى الرغم من أن البرلمان الأوروبي لايستطيع تقديم مقترحات لقوانين جديدة ، فيمكنه مناقشة المقترحات التي تقدمها المفوضية، ويمكنه أن يطلب من المفوضية اقتراح قانون أو سياسة جديدة. ويتشارك البرلمان في الصلاحيات مع مجلس الاتحاد الأوروبي بشأن الموافقة على المقترحات التشريعية وميزانية الاتحاد الأوروبي. وفيما يخص قضايا السياسة الخارجية فمن حق البرلمان إلزام رئاسة المجلس الأوروبي بالتشاور معه بشأن تطوير السياسة الخارجية والأمنية المشتركة.
ولا تكتسب انتخابات البرلمان الأوروبي زخمًا شعبيا في ظل شعور الناخبين بأن هناك القليل مما يمكن خسارته أو كسبه فيها، وعادة ماتتجاهلها وسائل الإعلام.
تنبع معظم المعوقات أمام البرلمان الأوروبي من عدم رغبة حكومات الدول الأعضاء في التنازل عن سلطاتها في التشريع أو التخلي عن قبضتها على صنع القرار في مجلس الاتحاد الأوروبي إلى البرلمان.
5- محكمة العدل الأوروبية. يقع مقرها في لوكسمبورغ، وهي الذراع القضائية للاتحاد الأوروبي، وتختص بتفسير المعاهدات وحل النزاعات بين الدول الأعضاء ومؤسسات الاتحاد والأفراد المتأثرين بقانون الاتحاد الأوروبي.وتبني المحكمة قراراتها بناءً على المعاهدات التي توقعها الدول الأعضاء، وُينظر إلى تلك المعاهدات باعتبارها دستورا للاتحاد الأوروبي.
وتُعد محكمة العدل الأوروبية لاعبًا رئيسيًّا في تحقيق التكامل لأنه بدون مجموعة القوانين التي يمكن تفسيرها وتطبيقها بشكل موحد في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي لن يتمتع الاتحاد بسلطة تذكر، وستكون قراراته وسياساته غير متسقة. وتتكون المحكمة من28 قاضيًا يُعينون لمدة 6 سنوات قابلة للتجديد بالاتفاق بين الدول الأعضاء.
وفي الختام يمكن القول بأن رئيس المجلس الأوروبي هو الشخص الأبرز حيث يتحدث باسم قادة الاتحاد الأوروبي ، في حين يتحدث رئيس المفوضية كأنه رئيسٌ للوزراء بينما الممثل الأعلى للاتحاد للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية يختص بالقضايا الثنائية بين الاتحاد والدول الأخرى، ويشبه دوره منصب وزير خارجية الاتحاد الأوروبي.في حين أن البرلمان الأوروبي يقتصر تأثيره على التشاور في السياسية الخارجية مع رئيس المجلس الأوروبي، ومن ثم فهو الجهة الأكثر ضعفا فيما يتعلق بالسياسة الخارجية حيث لا تمثل تصريحاته ومواقفه ثقلا معتبرا داخل المنظومة الأوروبية.