أربع ساعات فقط أمضاها رئيس النظام السوري بشار الأسد في زيارته إلى طهران ، والتي لم يُكشف عن مضمونها الكثير، ولكن السياق الذي أتت فيه ربما يُفسر أكثر من التصريحات الرسمية لدول ، المعلومة عندها تعدّها قنابل نووية، لا يمكن التفريط بها ، وهي الأنظمة القائمة على الاستبداد، وأول شروطه احتكار المعلومة. لكن زيارة الأسد التي أتت بعد عودته من الإمارات والتي قيل إنه التقى خلالها مسؤولين إسرائيليين، عززها دعوة صحيفة إسرائيلية لواشنطن برفع العقوبات عنه ، كله يفسر مسارعة طهران لاستدعائه للوقوف على كنه تحركاته بعيدًا عنها، وبما قد يضرُّ بمصالحها.
تدرك طهران تمامًا أن الأسد اليوم بحاجة إليها أكثر من أي وقت مضى ، خصوصًا مع انشغال وكيله الروسي بمستنقعه في أوكرانيا ، وسحبه 4 آلاف من قواته للزج بهم في حربه بأوكرانيا ، مع الإبقاء على 500 من قواته لحماية حلمه القيصري الذي لطالما داعبه وداعب قياصرته في قاعدة حميميم ، والوصول إلى البحر المتوسط القريب من أوروبا.
فإيران بقدر ما تشعر بالسرور والحبور لانسحاب قوات روسيا من البادية السورية في مواجهة تنظيم الدولة ، لكونه سيدفعها لملء الفراغ بمفردها ، بقدر ما يشعرها بالخوف من الآتي ، إذ سيقع عبء المواجهة عليها لوحدها ، وتحمل النتائج كذلك ، فضلًا عن عدم ضمانها معرفة ردة الفعل الأمريكي إزاء هذا التمدد ، الذي لن يكون مريحًا بالتأكيد للأمريكي والإسرائيلي.
لكن الملالي في طهران قد يعوّلون على الصدام الروسي ـ الإسرائيلي لاسيما بعد حديث لافروف بأن هتلر يهودي الأصل ، رغم اعتذار بوتين عنه كما قالت وسائل إعلام إسرائيلية ، وهو ما نفاه الكرملين ، بالإضافة إلى تباين المصالح الإسرائيليةـ الروسية تجاه الحدث الأوكراني ، إذ مالت إسرائيل للوجهة الأمريكية ، وهو موقف لن تتسامح معه موسكو ، مما دفع بنائب وزير الخارجية الروسي والمسؤول عن الملف السوري ميخائيل بوغدانوف أن يهدد في لقائه السفير الإسرائيلي في موسكو الكسندر بن زفي في 18 أبريل ، بوقف التعاون الذي يسمح لإسرائيل بقصف مواقع إيرانية في سوريا منذ 2015. وسرّبت تقارير عن إمكانية سماح روسيا للنظام السوري بتشغيل بطاريات إس300 للتصدي للطائرات الإسرائيلية.
وتتحدث التقارير الغربية عن عزم روسيا سحب كل قواتها من سوريا، بما فيها سحب قوات النخبة الأسدية للقتال معها في معركة ترى فيها كسر عظم بمواجهة أمريكا والغرب، خصوصًا مع حديث غربي عن نفاذ مخزون روسيا من الذخائر ذات الدقة العالية ، كل هذا يضاعف من حاجة النظام السوري في الاعتماد على طهران. بيد أن الأخيرة لديها مشاكلها العميقة والخطيرة مع الغرب بعد فشلها بالتوصل لاتفاق نووي ، وتعبير المسؤولين الغربيين لأول مرة عن نفاد صبرهم إزاء التوصل لمثل هذا الاتفاق ، وأضاف المسؤولون بأنهم لا يستطيعون الصبر إلى ما لا نهاية ، ومعلوم أن الأوروبي كان على الدوام هو الذي يدفع بالأمريكي إلى الصبر مع المفاوض الإيراني ، مما عكس مدى انغلاق مسار التفاوض النووي الإيراني ، وارتداداته السلبية على ملفات عدة.
الإيراني المشغول على جبهة جديدة اليوم ، وهي جبهة أفغانستان طالبان ، نظرًا للحساسيات التاريخية بين الطرفين ، بالإضافة إلى الاشتباكات التي وقعت أخيرًا مع قوات الحرس الثوري الإيراني ، كشفت أن مثل هذه الاشتباكات قد تستمر وتتطور، ولذا لا بد لطهران من الاستعداد لجبهة لطالما ظلت تاريخيًّا نقطة ضعف خطيرة لها.
العالم كله يتشكل ، والجغرافيا السياسية اليوم في حالة سيولة وهيولى ، والعاقل البصير هو من يتريث ، ولا يتخذ مواقف وسياسات قد يندم عليها ، فكما قال تشرشل من قبل : ” لا شيء يمكن التنبؤ به في الحرب.”
**الآراء الواردة تعبر عن رأي الكاتب ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر منتدى العاصمة**