خارطة التحالفات في الإنتخابات الفلسطينية
رغم أن الانتخابات التشريعية الفلسطينية مفترض ان تجري في 22 أيار/مايو المقبل والرئاسية في 31 تموز/يوليو، إلا أنه لاتزال خارطة الإنتخابات في المشهد السياسي الفلسطيني غير واضحة المعالم حتى هذه اللحظة، وهذا يعود بطبيعة الحال إلى الوضع المتردي والمتشظي التي تعيشه حركة فتح، حيث تزداد الخلافات بوتيرة عالية داخل أروقة الحركة مع مرور الوقت قُبيل اجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية المقبلة، ما تسبب بظهور بوادر لتشكيل نحو 4 قوائم منفصلة عن “الحركة الأم” لخوض الانتخابات في مشهد وصف بالمؤسف والمعقد.
الفلسطينيون يتابعون المشهد السياسي في الضفة الغربية وقطاع غزة، والخلافات داخل حركة “فتح” بشكل كبير وملفت، خاصة بعد انشقاق عضو اللجنة المركزية للحركة “المفصول” ناصر القدوة وتحركات رئيس “التيار الإصلاحي محمد دحلان” والأنباء التي تؤكد رغبة نبيل عمرو بتشكيل قائمة منفصلة، إضافة إلى تردد أنباء عن نية القيادي مروان البرغوثي الترشح أيضاً للإنتخابات والدخول بقائمة منفصلة أيضًا.
وفي ظل الواقع المتشرذم لحركة فتح، هناك محاولات داخلية تقوم بها الحركة لإنقاذ الأزمة الداخلية التي تعيشها، كان آخرها مساعي الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي ترأس اجتماعاً للجنة المركزية لحركة فتح، لمناقشة مخرجات جلسات الحوار الوطني الأخيرة التي عقدت في القاهرة في 15 مارس، وتحضيرات “فتح” لخوض الانتخابات التشريعية.
القائمة الوطنية المشتركة كانت على رأس جدول أعمال الاجتماع الذي عقدته المركزية برئاسة عباس لتحديد الموقف النهائي منها، لكنّ تسريبات بدأت تظهر للعلن تفيد بأنّ فرص تشكيل قائمة وطنية مشتركة بين كافة القوى والفصائل الفلسطينية، ربما تتجه في طريقها إلى التلاشي بعدما كانت هي الخيار الأول لحركتي حماس وفتح، وذلك بسبب معطيات وعوامل ومتغيرات طرأت على الساحة وعلى رأسها، رفض اللجنة المركزية لحركة فتح لفكرة القائمة في اجتماعها الذي عقد مؤخراً .
إضافة إلى مطالب فصائل فلسطينية على الساحة بنسبة أكبر من وزنها وتأثيرها الحقيقي. كالأحزاب والقوى اليسارية، وتحذيرات القادة الإسرائيلين الأخيرة لقيادة السلطة من الذهاب إلى القائمة المشتركة، كل هذه المعطيات جعلت فرص القوائم الانتخابية المنفردة هي الأقوى ما لم يستجد تطور خلال الأيام القادمة، حيث أنّ خيار التأثير على مسار الإنتخابات بات حاضراً في أي لحظة ولا يعرف إلى أين ستؤول البوصلة السياسية الفلسطينية بالتحديد.
الإجتماعات الأخيرة بين الفصائل الفلسطينية المنعقدة في القاهرة، بحثت بقوة مسألة التحالفات الانتخابية بين الفصائل والقائمة المشتركة بينها، بل غلبت هذه المسألة على غيرها من القضايا الرئيسية التي تمس اهتمامات الفلسطينين في الضفة الغربية وقطاع غزة، في ظل غياب تام للمعنى الحقيقي لإنهاء الانقسام الفلسطيني والتفاهم حول إجراء انتخابات على أسس سليمة وليس على أرضية التجاذبات السياسية.
وقد سعى المجتمعون في القاهرة إلى مناقشة قضية القائمة الواحدة، الأمر الذي يزيد من غموض الأطروحات والبرامج ما هي لكل جهة، حيث يرى الكثير من المراقبين والمحللين أنّ مسألة الإنتخابات التشريعية والرئاسية مهي إلا استحقاق لمرحلة قادمة في ظل الإدارة الأمريكية الجديدة المتمثلة في جو بايدن، مؤكدين بأنّ الحديث الحديث عن الوحدة الوطنية هي مسألة مبالغة بها ولا نية حقيقية لتلك الفصائل توحيد التوجهات والرؤى وإذابة الخلافات بقدر ماهو استعراض سياسي من قبل السلطة الفلسطينية أمام الإدارة الأمريكية الجديدة، هو أنّها تبذل ما بوسعها لتجديد وإنعاش المؤسسات والواجهات السياسية للسلطة ممثلة في (المجلس التشريعي، المجلس ، الرئاسة الفلسطينية)، لكن في حقيقية الأمر فإنّ نوايا سلطة رام الله تتمثل في إعادة تدوير الواقع، لكن شريطة عدم التخلي عن الإمتيازات والمكاسب السياسية التي حققتها منذ تسلم الرئيس الفلسطيني محمود عباس لزمام الأمور والفئة التي تحيط به التي تسعى إلى إنعاش الواقع وتجديده شريطة الإبقاء على امتيازاتها في المرحلة المقبلة.
أما حركة حماس فتسعى إلى تشكيل قائمة مشتركةتضم مختلف الفصائل الوطنية الفلسطينية للمشاركة في هذه الإنتخابات بطريقة جماعية بسبب حساسية الوضع الفلسطيني في هذه المرحلة، وضرورة الخروج من الإنتخابات بصورة أقرب إلى إنهاء الإنقسام وليس تعميقه، وهذا ما أكدّ عليه رئيس مكتب العلاقات الوطنية لحركة حماس والمتحدث بإسمها حسام بدران، الذي يرى بأنّ مواقف الفصائل الفلسطينية سيكون لها دور مهم في احتمالية تشكيل مثل هذه القائمة، كاشفاً عن أنّ الإتصالات لا تزال قائمة مع العديد من الفصائل لأجل تشكيل قائمة موسعة معها.
ويشير بدران في حديث خاص مع الكاتب إلى أنّ حركة حماس لم تعد تبدي اهتماماً كما كانت في السابق في تشكيل قائمة ثنائية تجمعها مع حركة فتح، بل تسعى إلى قائمة تضم مختلف المكونات الفلسطينية، خاصة بعد حالة الإنقسام الفتحاوية التي تزداد يوماً بعد يوم، حيث تولدت لدى قيادات حماس قناعة أنّ تشكيل قائمة مع حركة فتح سيعمل على انعاش منافستها الرئيسية في الساحة الفلسطينية، مما ولد توجهاً آخر لدى حماس في طرح مشروع أوسع من القائمة الثنائية لتضم مختلف المكونات الفلسطينية.
إضافة إلى ذلك فإنّ البعض يرى بأنّ حركة حماس غير معنية هي الأخرى بتغيير الواقع السياسي في قطاع غزة بإعتبار أنّ ذلك سيؤدي إلى خسارتها الكثير من امتيازاتها ومكاسبها المحققة من وراء الإنقسام الفلسطينيي منذ عام 2006، لكنّ مخاوف حماس تبقى أقل بكثير من مخاوف حركة فتح نظراً لتماسك حماس في بوتقة واحدة بخلاف فتح التي تتشرذم وتتشظى.
حماس بدورها بعثت برسالة للفصائل المجتمعة في القاهرة تنفي فيها ضمنياً مسؤوليتها عن الانقسام الفلسطيني، وأبدت استعدادها للتحالف مع قوى مختلفة في الانتخابات التشريعية المقبلة وتشكيل حكومة وطنية بموجب ثوابت تاريخية.
مساعي لقوى خارجية لإحتواء الحالة الفتحاوية
لاتزال مساعي إقليمية تبذل على المستوى الداخلي الفلسطيني لإصلاح حركة فتح من الداخل، وانقاذها من تشرذمها المتسارع، كان آخرها مساعٍ تبذلها الإمارات لتشكيل تكتل سياسي يستقطب رموزاً فلسطينية بارزة لتكون حاضرة في الانتخابات الفلسطينية التشريعية القادمة، حيث تدعم أبوظبي تشكيل قائمة انتخابية تحت اسم “القدس أولاً” وتعمل على تسويقها. هذه التحركات تهدف إلى تشكيل تكتل سياسي وواجهة سياسية تتبع أبوظبي؛ لتشكل بوابة حقيقية للتسلل إلى الواقع السياسي الفلسطيني عبر تمثيل رسمي، خاصةً أن الإمارات ليس لديها تكتل أو واجهة سياسية حقيقية في الوسط السياسي الفلسطيني سواء عبر التشكيلات الرسمية بالسلطة الفلسطينية أو المجلس التشريعي.
وتحاول أبوظبي إعادة تصدير دحلان للمشهد السياسي الفلسطيني عبر إعادة عضويته في اللجنة المركزية لحركة فتح بعد أن فُصل منها، بقرار من الرئيس عباس في عام 2011، وذلك لتعزير عودته عبر الواجهة السياسية ضمن الإطار القانوني والمؤسسي لفتح ومؤسسات السلطة دون أي ملاحقات أو تضييقات خاصة
كما تدعم ابوظبي جهود محمد دحلان لتشكيل كتلة سياسية، يقودها مسؤول ملف القدس السابق د. “سري نسيبة” رفقة بعض المعارضين من حركة فتح وغير الراضين عن سياسة السلطة الفلسطينية والرئيس الفلسطيني محمود عباس مثل سلام فياض ونبيل عمرو ورامي الحمدلله.
وتاتي تحركات الإمارات في إعادة دحلانبدعم مشترك من الأردن ومصر لقادة فتح السابقين في مواجهة حركة حماس، مع ضمان إعادة 70 شخصية من قيادات فتح إلى الواجهة السياسية من جديد، على رأسهم نجاة أبوبكر، ونعيمة الشيخ، وعدلي صادق، وتوفيق أبوخوصة، بعد قرار فصلهم من حركتهم ومجلسها الثوري، الذي أصدره الرئيس محمود عباس في عام 2016 بسبب علاقاتهم وارتباطاتهم بدحلان.
خلاصة الحالة الفلسطينية
خلاصة القول أنّ حركتي فتح وحماس لهما مصلحة مشتركة ومتبادلة في الذهاب إلى القائمة المشتركة، لكن أيهما أكثر مصلحة من الآخر، يجيب عن هذا السؤال المحلل السياسي الفلسطيني د. ناجي شراب في حديث خاص قائلا بأنّ فتح تريد أن تستفيد من ثقل حماس، لكنّ حماس لاتبدي تشجعها نحو القائمة المشتركة بسبب البعد السياسي، فمشاركة حماس لفتح في تلك القائمة المشتركة قد تكون موافقة ضمنية على ماتريده فتح من أهداف سياسية، إضافة إلى أنّ حماس تعتبر نفسها هي الأقوى في هذه المرحلة، وأنّها قادرة على تحقيق نسبة كبيرة في انتخابات التشريعي، وهذا قد يكون أحد الأسباب لجذب بعض الفصائل لها في قائمة مشتركة، وقد تندرج تحتها بعض الفصائل الموالية والمؤيدة لها، لكن لن يكون لها تأثير كبير حيث أنّ حماس ستكون هي المكون الأساسي إذا ما تم تكوين القائمة المشتركة.
ويرجّح شراب أن تذهب حماس إلى بناء قائمتها الخاصة مستفيدة من الوضع الراهن، فهي تريد أن ترسل رسالة قوية للمجتمع الدولي أنّه في حال نجاحها وتحقيقها عددا كبيرا من المقاعد أن تفرض وجهة نظرها وخيارها السياسي، وترسل رسالة للفاعلين والقوى الدولية والإقليمية أنّها هي الأكثر قدرة على التفاوض والتحاور وفرض نفسها على الواقع الفلسطيني. ونرجح أن تتقدم فتح بقائمة خاصة بها وحماس بقائمة مستقلة مقابلة لها، وربما يستجد أمر جديد في عالم السياسة المتغير في الأيام القادمة.
أقرأ أيضاً: الانتخابات الليبية الأخيرة (جذور المفاجأة وتداعياتها)
اضغط لتحميل الملف