تفاقمت في الآونة الأخيرة الأزمة الاقتصادية التي تمر بها مصر، حيث ارتفعت أسعار السلع المستوردة بمعدل يتراوح من 20 إلى 40%، في حين توقفت عمليات الاستيراد للسلع تامة الصنع توقفًا ملحوظًا في ظل عدم قدرة المستوردين على توفير الدولار، حتى اشتكت شركات مثل الشركة المنتجة لشاي العروسة من قرب نفاد مخزونها من الشاي خلال شهر واحد.
من جانبه، تباهى نائب رئيس البنك المركزي بأن القيود المفروضة على الاستيراد هبطت بالفجوة الدولارية من 3.9 مليار دولار في شهر فبراير الماضي إلى 400 مليون دولار في يوليو الماضي، لكن هذا الوضع تسبب في توقف العديد من المصانع عن العمل لنفاد الخامات المستوردة، حيث رُصد توقف 25% من المصانع في العاشر من رمضان عن العمل، في حين توقف 3 آلاف مصنع في الصعيد، فيما انخفض الاحتياطي النقدي الأجنبي إلى 33.143 مليار دولار ليصل إلى أدنى مستوى منذ خمس سنوات.
وفي ظل ضغوط صندوق النقد الدولي لتخفيض قيمة الجنيه من أجل تقديم قرض جديد لمصر، استقال محافظ البنك المركزي قبل حلول موعد نهاية ولايته الثانية في نوفمبر 2023، كما أجرى السيسي تغييرًا وزاريًّا طال 13 وزيرًا (التعليم، الري، الصحة والسكان، التعليم العالي، الهجرة، السياحة، التجارة والصناعة، الطيران المدني، القوى العاملة، الثقافة، التنمية المحلية، قطاع الأعمال، الإنتاج الحربي) دون أن يمس التغيير الوزارات السيادية مثل الدفاع والداخلية والخارجية، وهو ما يشير إلى الرغبة في الإيحاء بوجود توجه نحو التغيير وضخ دماء جديدة في الحكومة. فيما أكدت الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية على القنوات التابعة لها بعدم نشر أي أخبار سلبية عن الوزراء الراحلين، والتنسيق مع إدارة الشركة قبل استضافة أي وزير جديد، وحظر تناول أي محاور جدلية بخصوص سد النهضة مع وزير الري الجديد هاني سويلم، على أن تُراجع تصريحاته قبل النشر في مواقع الشركة الصحفية.
وقد مثّل تجديد الثقة بوزير المالية دعمًا لموقف الوزير المرحب بشروط صندوق النقد في مواجهة محافظ البنك المركزي المستقيل طارق عامر الذي خشي وصول سعر الدولار الرسمي إلى 25 جنيهًا، وهو السعر الحالي بالفعل في السوق السوداء، والذي ستكون له عواقب وخيمة على المواطنين. ومن اللافت أن محافظ البنك المركزي الجديد هو حسن عبدالله رئيس الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، والعضو السابق بلجنة سياسات الحزب الوطني، والذي سبق أن أقصاه عامر من رئاسة البنك العربي الإفريقي عام 2018 لاتهامه بالفساد وتقديم تسهيلات للعملاء بشكل غير قانوني بنحو 9 مليار جنيه.
وفي ظل الأزمة الاقتصادية المتفاقمة، استقال رئيس مجلس إدارة شركة العاصمة الإدارية الجديدة اللواء أحمد زكي عابدين ومدير عام الشركة اللواء محمد عبد اللطيف وسط حديث عن مخالفات وأخطاء في أعمال البناء تسببت في خسائر ضخمة على خلفية الاستعجال في العمل في ظل ضغوط يتعرضان لها لافتتاح العاصمة الإدارية في أقرب وقت، وهو ما يكشف حجم التخبط والفوضى في إدارة الدولة للمشاريع الكبرى.
وفي مواجهة الأزمة الاقتصادية تفتق ذهن الحكومة عن إجراءات غير معهودة من أبرزها خطة ترشيد استخدام الكهرباء، والتي تهدف لتخفيض استخدام الكهرباء بالفنادق والمباني الحكومية ومراكز التسوق والشوارع والميادين عبر إطفاء الأنوار، وتشغيل التكييف على درجة 25 مئوية بالمولات، وغلق الإضاءات القوية بواجهات المحال التجارية، وكذلك غلق إنارة الملاعب والصالات المُغطاة الكبيرة، بهدف توفير 15% من الغاز المخصص حاليًّا لمحطات الكهرباء لتصديره للخارج والاستفادة بعائد بيعه الذي يتراوح بين 100 – 150 مليون دولار شهريًّا، وفقًا لما قاله رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، وقد فرضت غرامات على المخالفين تصل إلى 4 آلاف جنيه للمنشأة الواحدة.
من جانبه، أعلن وزير النقل كامل الوزير الموافقة على إطلاق أسماء رجال أعمال أو مشروعاتهم وشركاتهم على محطات قطارات المونوريل والقطارات الكهربائية السريعة والخفيفة مقابل مشاركتهم في تمويل إنشاء المحطات باليورو، وبالفعل أطلق اسم أحد الكمبوندات بالتجمع الخامس على محطة المونوريل المجاورة له مقابل ستة ملايين يورو.
ومن اللافت أن التدهور الاقتصادي يتسارع رغم وصول حجم تحويلات المصريين العاملين بالخارج إلى مقدار غير مسبوق بلغ 31.9 مليار دولار في العام المالي الأخير، وتراجع نسبة النمو السكاني التي اعتاد النظام إلقاء ثوب الفشل عليها، حيث كشف وزير الصحة خالد عبد الغفار انخفاضها من 30.2 لكل ألف نسمة في عام 2015 لتصبح 21.2 لكل ألف نسمة في عام 2021، وهو ما يُعزى إلى عزوف الشباب عن الزواج والإنجاب في ظل غلاء المعيشة.
وقد كشف تقرير للبنك المركزي صدر في أغسطس أنه تلقى خلال الربع الأول من 2022 ودائع خليجية بقيمة 13 مليار دولار، إضافة إلى الودائع القائمة بقيمة 15 مليار دولار، ليسجل إجمالي الودائع الخليجية نحو 28 مليار دولار، وهو ما يمثل 75.5% من احتياطي النقد الأجنبي المعلن في نهاية مارس الماضي، وجاءت الودائع الإماراتية في الصدارة بمبلغ 10.7 مليار دولار ثم 10.3 مليار دولار من السعودية، و4 مليار دولار من الكويت، و3 مليار دولار من قطر. وتجعل تلك المبالغ النظام المصري رهينًا للدعم المالي الخليجي الذي يمكن في حال سحبه أن يدفع المشهد الاقتصادي المصري للانهيار التام.
توجد مخاوف من عدم قدرة مصر على سداد التزاماتها من الديون، والاتجاه نحو المزيد من تخفيض قيمة الجنيه، في بيع الأصول التي تملكها الدولة، مما يزيد من أجواء الاحتقان التي قد تنعكس على حدوث احتجاجات فئوية وشعبية.