خليفة حفتر يتقرب من المجلس العسكري النيجري بمباركة بوتين

اضغط لتحميل الملف

إفريقيا إنتليجنس

بموافقة موسكو، يقيم الرجل المسيطر في شرق ليبيا علاقات أوثق مع المجلس العسكري في نيامي. ويمهد هذا التقارب الطريق لتحالف غير مسبوق على طول الحدود الصحراوية بين النيجر وليبيا، التي يعبرها المهاجرون في طريقهم إلى أوروبا.

يتشكل محور سياسي وأمني معزز بين بنغازي ونيامي، ففي الأسابيع الأخيرة، التقى مسؤولو المجلس العسكري بالنيجر بشكل متكرر مع نظرائهم العاملين لدى قائد الجيش الوطني الليبي اللواء خليفة حفتر وحكومته الموازية في طبرق.

تحظى هذه المبادرة بتشجيع من أجهزة المخابرات الروسية وإدارتها العسكرية، العازمة على تعزيز وجودها في منطقة الساحل بالشراكة مع الأنظمة المحلية. ويبدو أنَّ ليبيا، وتحديدًا برقة في الشرق وجزء من الجنوب الذي يسيطر عليه الجيش الوطني وحلفاؤه، مقدر لها أن تكون بمثابة مركز تكتيكي للتوسع الاستراتيجي الروسي في المنطقة.

محور الهجرة

في 27 يناير، وصل نائب وزير الدفاع الروسي يونس بك يفكوروف إلى بنغازي ليلتقي على مدى عدة أيام مع رجاله على الأرض واللواء حفتر. وتزامنت زيارة يفكوروف مع انعقاد المؤتمر الإفريقي الأول حول الهجرة في بنغازي بتنظيم من وزير الخارجية في حكومة طبرق عبد الهادي الحويج وزميله المكلف بملف الهجرة فتحي التباوي، الذي تمحور حول “الحلول المستدامة لإفريقيا”. وكانت هذه ذريعة مناسبة لزيارة يفكوروف، إذ يُعتبر ملف الهجرة أحد مواضيع البحث مع النظام العسكري في عاصمة النيجر نيامي.

في نوفمبر الماضي، ألغى المجلس الوطني لحماية النيجر قانونًا صدر عام 2015 يجرم المتورطين في تهريب البشر على طريق هجرة الساحل إلى جنوب أوروبا، الذي تسيطر عليه من الجانب الليبي قوات الجيش الوطني. ويبشر هذا التحول بتحقيق مكاسب غير متوقعة للمتاجرين بالبشر الذين لهم صلات بسلطة بنغازي.

ما دور قادة المتمردين السابقين؟

نظرًا لكون ملف الهجرة ذا بُعد اقتصادي وأمني، يستعين حفتر بقادة المتمردين السابقين، مثل وزير الشؤون الإفريقية عيسى عبد المجيد منصور. قاد منصور “جبهة التبو من أجل إنقاذ ليبيا” بين عامي 2007 و2011، وهو يضمن لحفتر حصوله على دعم قسم من إقليمه -المنقسم، لكن الاستراتيجي- في هذا الجزء من منطقة الساحل.

لعب منصور منذ يوليو الماضي دور المستشار الإفريقي لحفتر، الذي ينفذ إلى جانب حليفه الروسي سياسة تحالفات لا تزال قيد التشكيل مع المجالس العسكرية في منطقة الساحل. وهكذا، قدّم منصور نفسه كأحد سماسرة التقارب بين حفتر وزعيم المجلس العسكري النيجيري عبد الرحمن تشياني. كما نسق منصور الاستعدادات لزيارة وزير الخارجية النيجري بكاري ياو سانجاري إلى بنغازي في 28 ديسمبر الماضي، لمناقشة ملف الهجرة وأمن الحدود مع رئيس وزراء حكومة الشرق أسامة حماد. ثُمَّ سافر منصور إلى نيامي في 11 يناير لمتابعة المباحثات، وهذه المرة مع وزير الداخلية الجنرال محمد تومبا.

ويعتبر أغالي ألامبو شخصية رئيسية أخرى في العلاقة بين المجلس العسكري وحفتر. فقد حضر الزعيم السابق لحركة “نيجريين من أجل العدالة” في بنغازي في اجتماع 28 ديسمبر، إلى جانب وزير خارجية النيجر. ألامبو متمرد سابق من الطوارق، كان ذات يوم في خدمة معمر القذافي في ليبيا، ثُمَّ لفترة وجيزة مستشارًا لرئيس الجمعية الوطنية في النيجر هاما أمادو، حتى قُبض عليه في أغاديز في عام 2012 بتهمة تهريب متفجرات يشتبه في أنَّها متجهة إلى مجموعات من الإرهابيين. وفي أعقاب انقلاب النيجر في يوليو الماضي بقيادة الجنرال تشياني، بدأ ألامبو العمل كوسيط بين المجلس العسكري وحفتر الذي بات قريبًا منه في السنوات الأخيرة، وأنعش قنوات اتصاله مع كبار المهربين في المنطقة.

قنوات التفاوض

بالتنسيق مع صدام حفتر، نجل خليفة حفتر وقائد ميليشيا طارق بن زياد القوية، شارك ألامبو أيضًا في المفاوضات لإطلاق سراح ثلاثة ليبيين اعتقلوا بتهمة صيد الغزلان بشكل غير قانوني في 17 يناير في جادو شمال شرق النيجر. وبعد أسبوع، أُطلق سراح المعتقلين أخيرًا، وعادوا إلى ليبيا على متن طائرة خاصة استأجرها الجيش الوطني الليبي، واستقبلهم خليفة حفتر بضجة إعلامية كبيرة حين عادوا إلى بنغازي.

فتح ألامبو قناة تفاوضية أخرى للشيخ زلاوي مينا صالح، وهو موالٍ سابق للقذافي تعود أصوله إلى القطرون في جنوب غرب ليبيا، ويعمل كممثل لقبيلة التبو الليبية ويتمتع بعلاقات جيدة في نيامي داخل قبيلته وفي المجلس العسكري. كما تدخل ألامبو لدى الحكومة الإيطالية لصالح خليفة حفتر عام 2015، عندما تراجعت علاقات الأخير مع روما. وحظي حفتر حينها بدعم قبيلة التبو، الذين دعمهم في صراعهم ضد الطوارق في منطقة أوباري بمنطقة فزان.

التحركات العسكرية الروسية

تزايد النفوذ الروسي على المجلس العسكري في النيجر تدريجيًّا، منذ توقيع اتفاقية التعاون العسكري خلال زيارة وزير الخارجية يفكوروف إلى نيامي في ديسمبر الماضي. كما زارت العديد من الشخصيات البارزة في النيجر موسكو، كرئيس الوزراء علي الأمين زين في 15 يناير، ووزير الدفاع ساليفو مودي الذي أجرى محادثات مع يفكوروف. وإلى جانب ملف الهجرة، يسعى مودي ويفكوروف لتحديد تفاصيل الشراكة الأمنية، التي يمكن أن تعتمد جزئيًّا على الخدمات اللوجستية التي تُشغَّل من بنغازي حيث يستضيف حفتر بالفعل مرتزقة من شركة “فاغنر” الروسية، بالإضافة إلى شركات أخرى مرتبطة بوزارة الدفاع الروسية مثل “ريدوت” و”كونفوي”، التي جندت في الأشهر الأخيرة مقاتلين لنشرهم في المنطقة.

لم يستبعد وزير الدفاع النيجري إمكانية الترحيب بأعضاء هذه القوات الروسية شبه الخاصة، المتواجدة في ليبيا لدعم جيشه والمساعدة في تأمين المنشآت النفطية. حيث إنَّ إحدى أولويات الوزير مودي هي خط أنابيب تصدير النفط الخام “أغاديم- بنين”، الذي تديره شركة البترول الوطنية الصينية (CNPC). ويعتمد المجلس العسكري النيجري على هذا المشروع لتعزيز خزينة الدولة التي استنزفتها العقوبات الاقتصادية المفروضة بعد الانقلاب. ويخطط الجنرال مودي أيضًا للسفر إلى بنغازي في الأسابيع المقبلة لإجراء محادثات مع حفتر بدعوة من يفكوروف، الذي زار المدينة مرة أخرى أواخر يناير، للمرة الرابعة منذ أغسطس الماضي.

مرحبًا بتحالف دول الساحل

مودي هو مهندس التقارب بين النيجر وموسكو، وقد أجرى اتصالات مع المجلسين العسكريين في مالي وبوركينا فاسو قبل أيام قليلة من الانقلاب في بلاده الذي أطاح بالرئيس محمد بازوم. وقد اتحدت الدول الثلاث الآن ضمن تحالف دول الساحل الذي شُكل حديثًا، وأعلنت أنَّها ستنسحب من المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (ECOWAS) التي أدانت هذه الانقلابات.

ويعتبر مودي الرجل الثاني في المجلس العسكري، لكن علاقته معقدة مع الجنرال تشياني كونه أحد أنصار الرئيس السابق محمد يوسف. كما يختلف الوزير وزعيم المجلس العسكري حول قضايا عدة، كالدبلوماسية الإقليمية والتعاون مع روسيا وشركاتها شبه العسكرية. ويشتبه تشياني في أنَّ مودي حاول التخطيط للانقلاب عليه، وأنَّه سعى لاستغلال النشر المحتمل للمرتزقة الروس لتحقيق أهداف سياسية.

واشنطن لم ترفع يدها بعد

تستغل روسيا انسحاب فرنسا من منطقة الساحل الناطقة بالفرنسية، وتعمل على تعزيز شراكاتها مع تحالف الصحراء الشرقية وبسط نفوذها في تشاد، التي زار رئيسها محمد إدريس ديبي روسيا رسميًّا في أواخر يناير. ويبدو أنَّ موسكو وضعت أنظارها على شرق ليبيا كقاعدة عملياتية لخُططها الدبلوماسية والأمنية واللوجستية. كما أنَّها تعتمد على الجيش الوطني الليبي ووجود شبه عسكري في حوض النفط جنوب البلاد، فضلًا عن عدة مواقع عسكرية مثل قاعدة الجفرة الجوية.

ومع ذلك، لا تحتكر روسيا حفتر ومودي، إذ تحتفظ الولايات المتحدة بعلاقات جيدة مع كليهما. وكانت زيارة يفكوروف الأخيرة إلى بنغازي قد سبقتها زيارة المبعوث الأمريكي الخاص ريتشارد نورلاند ونائب وزير الخارجية الأمريكي جوشوا هاريس في 23 يناير.

وفي نيامي، يعمل المسؤولون الأمريكيون جاهدين للحفاظ على حضورهم في البلاد حيث تقع قاعدة أغاديز الجوية العسكرية الاستراتيجية، ولذا أقاموا اتصالات سرية مع العديد من جنرالات المجلس العسكري. ومن بين هؤلاء مودي، الذي يخطط على غرار حفتر لتوحيد جهوده مع موسكو دون الانفصال التام عن واشنطن.

اضغط لتحميل الملف
مشاركات الكاتب