أوكرانيا، مسرح جديد للمواجهة الإيرانية الإسرائيلية

لم تكن العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، مثارًا للجدل حول الأهداف الروسية من هذه العملية فحسب؛ بل باتت الساحة الأوكرانية صندوق بريد تُضمنه القوى الدولية رسائلها، وملعبًا لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية، الأمر الذي يُنذر باتساع مشاهد الفوضى، وما يتبع ذلك من تأثيرات على مُجمل الأوراق والملفات الإقليمية والدولية. ضمن ذلك، فإنّ الساحة الأوكرانية تشهد مواجهة غير مباشرة، بين إسرائيل وإيران، لا سيما أنّ هناك أسباب مُتعددة تُغري الصواريخ والمسيّرات الإيرانية بالدخول إلى ميدان الحرب الروسية – الأوكرانية، من بينها الرغبة في الوقوف في جبهة واحدة ضد خصم مشترك لموسكو وطهران، عنوانه البيت الأبيض والقوى الغربية المتحالفة معه.

في المقابل، ثمة هواجس جمّة لدى إسرائيل، جراء مساعدة إيران لروسيا، سواء من خلال تقديم دعم عسكري للقوات الروسية في أوكرانيا، أوتلك المساعدات المتعلقة بمساعدة طهران لموسكو، على الالتفاف حول العقوبات الدولية والتي تؤطر التحركات الروسية في المجالات كافة، إضافة إلى الخشية الإسرائيلية من تنامي التعاون الإيراني الروسي، والذي تراه تل أبيب نواة لتحالف استراتيجي عميق، يجذب بمزاياه الصين ودول أُخرى،  خاصة أنّ طهران باتت عضوًا في منظمة شنغهاي، التي تضم روسيا والصين وكازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان وأوزبكستان، إذ يُمكن لهذه الشراكة ووَفق المنظور الإسرائيلي، أن تُزود طهران بقدرات دفاع جوي أكثر تقدمًا، وصواريخ وأنظمة سيبرانية وقدرات حرب إلكترونية، كما أنّ التكامل العسكري والاقتصادي المتزايد بين موسكو وبكين وطهران، يُجبر دول الشرق الأوسط وآخرين على افتراض أن التكنولوجيا المشتركة مع الصين وروسيا، قد تجد طريقها إلى طهران. 

الخشية الإسرائيلية من تنامي التعاون الإيراني الروسي في أوكرانيا، تحكمها محددات تتعلق بماهية النتائج التي تُحققها المُسيرات الإيرانية في أوكرانيا، الأمر الذي يعكس حاجة موسكو لطهران في ساحة الصراع الأوكراني، وما يقابل ذلك، لجهة حاجة طهران لموسكو في سوريا، ومطالبتها بتقييد التحركات الإسرائيلية في سماء سوريا، بل ومساعدتها على إحباط أي هجوم إسرائيلي يطال المنشآت والنقاط الإيرانية في محيط دمشق، أو تلك المنتشرة في عمق الداخل السوري. 

مراكز الأبحاث الإسرائيلية استقرأت أوجه التعاون الروسي الإيراني في مُجمل ساحات الصراع، وأصدرت تحذيراتها من إمكانية تقديم الدعم الروسي لإيران، وتحديدًا في الساحة السورية، حيال تعزيز تواجد قواتها، فضلًا عن إمكانية تقديم الدعم لجهة المساعدة في نقل الأسلحة الإيرانية إلى حزب الله، بما يُقلص هامش المناورة الإسرائيلية في هذا الإطار. نتيجة لذلك، فقد حذر “مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي” في ورقة صادرة عنه مؤخرًا، من أنّه في حال لم تتخذ المؤسسة العسكرية في تل أبيب الاحتياطات اللازمة، فإنّ المسيرات الإيرانية قد تُحوِّل إحدى المدن الإسرائيلية في أي حرب قادمة إلى “كييف ثانية”.

يضاف إلى بواعث القلق الإسرائيلي من عمق التعاون الروسي الإيراني، أن تُقدِم موسكو على تزويد طهران بمنظومات صاروخية تُشكل تهديدًا حقيقيًّا لإسرائيل، كتسليح إيران بمنظومة S-400. ومما يضفي صدقية على بعض المخاوف الإسرائيلية ما كشفته تقارير عديدة، من أنّ روسيا قامت فعلًا بتزويد إيران بكميات من الأسلحة الغربية، والتي استحوذت عليها إبان عمليتها العسكرية في أوكرانيا. إلى جانب ذلك، فإنّ إسرائيل لديها مخاوف تتعلق بتوظيف إيران للساحة الأوكرانية، لجهة اختبار ترسانتها العسكرية، خاصة سلاح المُسيرات، الأمر الذي يشي بإمكانية تطوير الأسلحة الإيرانية، واستخدامها لاحقًا ضد تل أبيب.

جُملة المخاوف الإسرائيلية السابقة، دفعت صانع القرار الإسرائيلي إلى إعادة تقييم موقفه من الحرب الروسية الأوكرانية، مع وضع تصورات حيال الصراع الروسي الأوكراني، وإمكانية توظيفه واستثماره بما يضر بالمصالح الإسرائيلية. فبعد أن امتنعت إسرائيل عن إدانة الغزو الروسي لأوكرانيا في المحافل الدولية، لجأت اليوم إلى تغيير سياستها واستراتيجيتها، والتي بدأتها بعدم الاعتراف بضم روسيا مناطق دونيتسك ولوغانسك وخيرسون وزاباروجيا. إضافة إلى ذلك، فقد لجأت إسرائيل إلى تقديم دعم غير مباشر لأوكرانيا، بُغية إرضاء شركائها الأوروبيين، الذين تحفظوا في وقت سابق على الحياد الإسرائيلي من العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وأدانوا استمرار التعاون التجاري بين موسكو وتل أبيب. وبذلك فإنّ إسرائيل تسعى صراحة إلى استغلال موقفها من روسيا، وتوظيفه ضد إيران، لإقناع الغرب بضرورة اتخاذ مواقف أكثر تشددًا من إيران، جراء تدخلها في أوكرانيا ودعمها القوات الروسية، إضافة إلى جزئيات البرنامج النووي الإيراني، وكذا التواجد الإيراني في سوريا.

في التوقيت ذاته، فإنّ إسرائيل تحاول أن تُبقي علاقاتها بروسيا، بعيدة عن أي تجاذبات، وبصرف النظر عن تعزيز التعاون الروسي الإيراني، الذي تراه اسرائيل تهديدًا لها، لكن في المقابل، فإنّ تل أبيب يهمها أن يبقى التعاون مع روسيا مؤطرًا بإمكانية استمرار هجماتها ضد التواجد الإيراني في سوريا.

ورغم الاندفاعة الإيرانية للتدخل في أوكرانيا، فإنّ نمطية الصراع الإيراني الإسرائيلي، تبقى رهنًا بمآلات الحرب الروسية الأوكرانية، فضلًا عن عودة بنيامين نتنياهو، لتولي رئاسة الوزراء في إسرائيل، إذ قد يحاول نتنياهو والذي طالما تباهى بنجاحه في تدشين شبكة علاقات شخصية متينة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، من إقناع الأخير بالحفاظ على قواعد التنسيق المشترك في سوريا، التي ما زال يعمل بها حتى الآن.

في المحصلة، من المهم الإشارة إلى ما قاله مدير المجلس الروسي للشؤون الدولية آندريه كورتونوف، لجهة أنّ نتنياهو تجمعه علاقة شخصية متينة مع فلاديمير بوتين، مشيرًا في الوقت ذاته إلى حقيقة أنّ الحكومة الإسرائيلية حكومة ائتلافية، مما سيجبر رئيس الوزراء المستقبلي على تقديم تنازلات. وتابع كورتونوف؛ “إنّ العلاقة بين نتنياهو وبوتين هي العامل الذي سيميز الحكومة الجديدة مباشرةً عن سابقاتها، لكن في ظل استمرار وجود الأعباء الموضوعية، ستكون خطوات نتنياهو تحت المِجهر، ما يحرمه من القيام بأي مناورة”. وخلال وجود نتنياهو في صفوف المعارضة تغير تحالف القوى في المنطقة، الذي تجلى في توسع التعاون الروسي الإيراني وتزايد النفوذ الإيراني داخل كل من سوريا ولبنان.

ورأى كورتونوف أنّه “من غير المرجح قطع الاتصالات بين بوتين ونتنياهو، لكن كيف يمكن للأخير التوفيق بين وجهات النظر المختلفة، لا سيما في ظل اتخاذ المجتمع الإسرائيلي موقفًا مؤيدًا لأوكرانيا جنبًا إلى جنب مع ضغط الشركاء الغربيين، وعلى رأسهم الولايات المتحدة على الجانب الإسرائيلي بشأن أوكرانيا؟ ويشير كورتونوف إلى خوف إسرائيل من تنامي نفوذ الجهات الموالية لإيران على غرار حزب الله في لبنان، وتغذي الأنواع الجديدة من الأسلحة الإيرانية هذا الخوف، بما في ذلك الطائرات دون طيار الشهيرة. وحسب كورتونوف: “سيحاول نتنياهو إقناع موسكو بالتأثير على طهران؛ من أجل كبح جماحها والتوقف عن توريد مثل هذه الأسلحة إلى الدول المتاخمة للحدود الإسرائيلية”.

 ومن ثَمّ، وفي ظل الوضع الراهن، قد يحاول نتنياهو أداء دور الوسيط لينجح فيما فشل فيه آخرون. ومن أجل ذلك، قد ينأى بنفسه عن الصراع الأوكراني. وفي جميع الحالات، سيحاول الحصول على عروض من موسكو فيما يتعلق بإيران. ما يعني إمكانية تعزيز العلاقات الروسية الإسرائيلية تعزيزًا كبيرًا، وعليه تستبعد مسألة إمداد أوكرانيا بالأسلحة. ونتيجة للعلاقات المتوترة مع إيران، يحرص نتنياهو على التعاون الوثيق مع بوتين؛ بسبب ممارسته نفوذًا على كل من طهران ودمشق وكذا حزب الله في لبنان.