منذ الغزو الروسي لسوريا عام 2015، لا تزال موسكو عاجزة عن تحقيق الأهداف التي رفعتها يوم غزوها واحتلالها لسوريا، حيث هدفت بحسب رأس الهرم الروسي فلاديمير بوتين إلى بسط سيطرة النظام السوري على كامل التراب السوري، في فترة أقصاها ثلاثة أشهر، ولكن مع دخول الغزو الروسي عامه الثامن، وانشغال وغرق الروس أخيرًا في المستنقع الأوكراني يتعاظم النزيف الروسي في سوريا، وظهر ذلك بشكل واضح مع تقاسم أربعة جيوش دولية وإقليمية الرقعةَ الجغرافية السورية طوال فترة الاحتلال الروسي، مما هزّ مكانتها إقليميا ودوليًّا، وازداد وضوحًا مع تعاظم الخلافات بين حلفاء موسكو من مليشيات النظام السوري، ومليشيات قسد الكردية، مما أثّر بشكل كبير على الواقع الأمني في المناطق الخارجة عن سيطرة الثورة، لكن بالمقابل سيوفر فرصة ذهبية للثوار في استغلالها وانتهازها.
الفرقة الرابعة التابعة لماهر الأسد شقيق رأس النظام السوري بشار الأسد قامت أخيرًا بمحاصرة حييْن كرديين في حلب، وهما حي الأشرفية وحي الشيخ مقصود، وطالبت بفك حصار المليشيات الكردية على وسط مدينتي القامشلي والحسكة في شمال شرق سوريا، لاسيما بعد قطع المليشيات الكردية طرق إمداد مطار القامشلي الخاضع لسيطرة النظام السوري، فردّ رئيس مجلس إدارة الحييْن الكردييْن في حلب “محمد شيخو” باستدعاء قوات الأسايش الكردية الخاصة بالأمن الداخلي، فازدادت الأوضاع توترًا، على الرغم من الجهد الذي بذلته قاعدة حميميم في الإصلاح البيني، فعقدت أكثر من جلسة تفاوض بين الطرفين لكنها كلها باءت بالفشل، والتي كانت آخرها جلسة تفاوض بتاريخ 14 إبريل 2022.
مليشيات قسد ازدادت مخاوفها تجاه الاحتلال الروسي بعد أن اتخذت وضعية الصامت إزاء تصاعد الهجمات التركية المستهدفة ضد مليشيات قسد أخيرًا، حيث كانت تتوقع الأخيرة أن ترد القوات الروسية على هذا الاستهداف، ولكن الصمت الروسي شكّك القوات الكردية في تواطئ روسيا، كما قال عضو الهيئة الرئاسية لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي “مسلم صالح”.
ويعيش المدنيون في المناطق المحاصرة إن كان بمدينة حلب أو بشمال شرق سوريا، صعوبات كبيرة، لاسيما ونحن في شهر رمضان، إذ يمنع الطرفان عن مدنيي الآخر الطحين والوقود وكل المواد الأساسية، فقد دخل الحصار على وسط مدينتي الحسكة والقامشلي يومه الثاني عشر، مما يُنذر بمواجهة قد تكون خطيرة على الطرفين، ويأتي انشغال الجانب الروسي في أوكرانيا، ليُضعف موقفه أمام حلفائه، ووجوده بشكل عام في سوريا.
وفي الجنوب السوري تتصاعد أعمال الاغتيالات والاستهدافات على أيدي الفصائل الثورية لعناصر النظام السوري، إذ قلما يخلو يوم دون حصول عدة عمليات تصفية واغتيالات لرموز النظام، وكثير منها محسوب على الاحتلال الروسي، كونه هو الضامن للجنوب السوري منذ اتفاقيات عام 2017، يزيد من حدة وشدة هذه العمليات، إصرار النظام السوري على مواصلة عمليات الاعتقال وتسليم جثث المعتقلين للأهالي، بدل الإفراج عنهم كما نصت اتفاقيات ومعاهدات ضمنها الروس أنفسهم، الأمر الذي يدفع مزيدًا من الشباب إلى الانتقام عبر الالتحاق بالفصائل الثورية التي تنشد الثأر والانتقام من النظام وأسياده.
وقد تحدثت تقارير غربية أخيرًا عن نقل موسكو لعدد من الآليات والمعدات الروسية المتطورة من سوريا إلى أوكرانيا إثر الخسائر الكبيرة التي تكبّدتها قواتها في العدوان على أوكرانيا، ترافق هذا مع سحب كثير من القوات السورية الاحترافية وتحديدًا من قوات الفرقة الخامسة المسماة بالطراميح بقيادة سهيل الحسن، وقوات الفرقة الرابعة بقيادة ماهر الأسد، إضافة إلى قوات من الحرس الجمهوري والقوات الخاصة لمساعدة روسيا في حربها بأوكرانيا، وقبل هذا كله تم سحب المئات من قوات الفاغنر الروسية من البادية إلى الحرب في أوكرانيا.
الانشغال الروسي ونزيفه عسكريًّا و اقتصاديًّا انعكس بشكل واضح على الواقع في سوريا، حين بدأت القوات الروسية أخيرًا بصرف مائة دولار للجندي في سوريا بعد أن كانت تصرف مائتي دولار شهريًّا، مما يعني أن النزيف الروسي في أوكرانيا لم يعد عسكريًّا فحسب وإنما اقتصاديٌّ أيضًا.
الفرصة قد تكون ذهبية لكل ثوار سورية، ولكل ثائر ينشد التحرر من الهيمنة الروسية، وبالتالي ما لم يكن الثوار مستعدين وجاهزين لقنص فرصة لن تتكرر، فستضيع دماء مليون شهيد وعذابات 14 مليون مشرد، وأول الاستعدادات هو رصّ الصفوف والتهيؤ للانقضاض العسكري والسياسي والإداري البيروقراطي، فرصة ستكون ضخمة وهائلة، وضخامتها بضخامة القادر على استغلالها وانتهازها.