ينحاز رئيس جمهورية إفريقيا الوسطى إلى جانب قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان في حربه مع قوات الدعم السريع، فيما يريد منه اعتقال زعماء المتمردين ضده الموجودين في السودان.
يواصل رئيس جمهورية إفريقيا الوسطى فوستين أركانج تواديرا استراتيجيته للتقارب مع قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان، فيما ينأى بنفسه عن قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو “حميدتي”. وفي هذا الإطار، كلف تواديرا أقرب مستشاريه بضبط العلاقة مع جهاز المخابرات العامة السوداني حيث يعمل الجانبان معًا على القضايا الثنائية التي ناقشها تواديرا والبرهان خلال لقائهما في سبتمبر على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة في مدينة نيويورك.
تقرر في البداية عقد اجتماع بين الجانبين في بانغي، لكن البرهان قرر في النهاية عدم الحضور لأسباب وترتيبات أمنية. وعندما التقيا أخيرًا في الولايات المتحدة، طلب تواديرا تعقب اثنين من قادة المتمردين ضده يعملان من السودان، حيث أقاما قواعد خلفية لهما، ومن ثم اعتقالهما وتسليمهما لبلاده.
هدف تواديرا الرئيسي اعتقال علي داراس، الرئيس السابق لتحالف الوطنيين من أجل التغيير، والذي حاول في أغسطس التفاوض على استسلامه لباغي ودمج مقاتليه في برنامج نزع السلاح والتسريح والإعادة إلى الوطن الذي يقوده وزير الحكومة جان ويليبيرو ساكو، قبل أن يغير رأيه بعد ذلك. كما تريد بانغي اعتقال نور الدين آدم، رجل الشرطة والوزير السابق وأحد القادة السابقين لميليشيا “سيليكا” والذي صدرت بحقه مذكرة اعتقال من المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
اتفاق استراتيجي مقترح
خلال اجتماع تواديرا مع البرهان في نيويورك، تظاهر الأخير في البداية بعدم علمه بأنشطة هؤلاء المتمردين، فذكّره تواديرا بأنَّ داراس وآدم يعملان في المناطق الحدودية بين البلدين بما في ذلك الأراضي الخاضعة جزئيًّا لسيطرة الجيش السوداني. كما أشار تواديرا إلى أنَّ داراس عاش في الخرطوم بينما أقام آدم في أم درمان المجاورة، حيث حظي الأخير بحماية البرهان لبعض الوقت قبل أن يعود للعمل في المناطق النائية من السودان منذ حوالي عامين. كما يفرض آدم نفوذه على داراس الذي يحترمه ويخشاه في الوقت نفسه.
وافق البرهان أخيرًا على مطالب تواديرا مقابل دعمه ومساعدته في تضييق الخناق على شبكات حميدتي الاقتصادية والتسليحية في جمهورية إفريقيا الوسطى، حيث استفاد الأخير لفترة من الوقت من الدعم اللوجستي من مجموعة فاغنر الروسية. كما يريد البرهان تكثيف جهوده لتأمين حدود السودان، التي تخضع جزئيًّا لسيطرة قوات الدعم السريع.
كجزء من اتفاقهما غير الرسمي، تخطط بانغي لإرسال وزير دفاعها كلود رامو بيرو في المستقبل القريب إلى بورتسودان، التي نقل إليها البرهان مقرات الرئاسة السودانية والسلطات الانتقالية.
يشكك تواديرا فيما إذا كانت الالتزامات التي تعهد بها البرهان في نيويورك ستتحقق، لأنَّه يدرك جيدًا تردد الأخير ويشكك في صدقه. ولذا، يكافح تواديرا والبرهان من أجل إرساء الثقة المتبادلة وتنسيق التقارب الاستراتيجي بينهما. ومع ذلك، يعتزم رئيس إفريقيا الوسطى إعطاء هذا التغيير في سياسته الإقليمية فرصة مراهنًا على انتصار البرهان في الحرب، ويأمل في الحصول على دعم من شركائه الغربيين وكذلك من الجزائر التي تريد حلًا سلميًّا للحرب في السودان مع إعطاء الأولوية للعلاقات الثنائية مع البرهان.
ماذا عن التحالف مع رواندا؟
من خلال هذا التحول الدقيق في دبلوماسيته الإقليمية، يسعى الرئيس تواديرا إلى الاستفادة من التآكل التدريجي لقاعدة دعم حميدتي والحد من قدرته على زعزعة استقرار إفريقيا الوسطى. لكن المفارقة أنَّ حميدتي يحظى بدعم متفاوت من شريكي الأمن الرئيسيين لتواديرا. فبالإضافة إلى فاغنر، تحظى قوات الدعم السريع ببعض الدعم من رواندا التي أصبحت الحليف العسكري والاقتصادي والدبلوماسي الأكثر استراتيجية لحكومة إفريقيا الوسطى. وقد حذرت رواندا تواديرا من تغيير انحيازه في الحرب السودانية.
يبدو أيضًا أنَّ حميدتي الذي يرتكب مقاتلوه جرائم ضد المدنيين قد وصل إلى مرحلة من الإرهاق والشك، وتشكل الإمارات مثالًا واضحًا على ذلك. إذ تخطط أبو ظبي لخفض ميزانية 2 مليار دولار التي تقدمها لقوات الدعم السريع، والتي تشمل إمدادات جوية عبر كينيا أو خدمات لوجستية عبر تشاد المجاورة.
تدير أبو ظبي مطار أم جراس الدولي في شرق تشاد، ويشتبه مكتب الرئيس التشادي محمد إدريس ديبي في أنَّ بعض الأموال المقدمة من الإمارات اختلسها صديق الرئيس إدريس يوسف بوي، الذي شغل منصب قائد الأركان حتى إقالته في سبتمبر. كما لا تزال المخابرات التشادية تحتجز زعيمًا آخر من تحالف الوطنيين من أجل التغيير، المدعو محمد الخاتم، قيد الإقامة الجبرية. وقد حاولت جمعية Sant’Egidio الكاثوليكية الإيطالية لتعزيز السلام التوسط للتفاوض على إطلاق سراحه، ولكن دون جدوى حتى الآن. أما خاتم الذي صرح من قبل برغبته في ترك تحالف الوطنيين من أجل التغيير فيشكك في نوايا بانغي، ويهدد الآن بالانضمام إلى داراس.