استطاع بنيامين نتنياهو في نهاية ديسمبر 2022، بعد فوز كتلته بانتخابات الكنيست الأخيرة وحصولها على 64 مقعدًا من أصل 120 مقعدًا تشكيل حكومة وُصفت بأنّها الأكثر تطرفًا في تاريخ إسرائيل. فقد جمعت أحزابًا يمينية مثل الليكود مع أحزاب دينية مثل شاس، رفقة أحزاب دينية متطرفة مثل أحزاب “الصهيونية الدينية”و”القوة اليهودية” وحزب “نوعام”.
شرع التكتل الفائز بالانتخابات في سن قوانين تُضعف من نفوذ العلمانيين والجهاز القضائي في كيان الاحتلال لصالح تمكين المؤسسات التنفيذية، عبر تعزيز سلطة القوانين التي يسنها الكنيست وتقويض سلطة المحكمة العليا. ولذا عَيّنَ نتنياهو ياريف ليفين وزيرًا للقضاء، حيث يدعو ليفين لإحداث تغييرات واسعة في القوانين الإسرائيلية وسَن قوانين أبرزها:
- قانون “التغلب” الذي يمكّن الكنيست من إعادة سَن القوانين التي تلغيها المحكمة العليا.
- قانون يصعّب على المحكمة العليا إلغاء قوانين الكنيست عبر اشتراط أغلبية تصل إلى 12 أو 13 قاضيًا من بين 15 قاضيًا.
- قانون التمييز الذي يتيح لأصحاب المرافق عدم تقديم الخدمة للزبائن لدوافع دينية.
- قانون يلغي بند التحريض على العنصرية، وهو ما سيضاعف من نشاط المتطرفين الصهاينة.
توسيع صلاحيات سموتريتش وبن غفير
وعقب تعيين رئيس حزب “الصهيونية الدينية” بتسلئيل سموتريتش وزيرًا لمديرية مستقلة داخل وزارة الدفاع في منصب استُحدث لأجله، فضلًا عن تعيينه وزيرًا للمالية، فقد أجريت تعديلات تمنح سموتريتش حق تعيين منسق عمليات الحكومة الإسرائيلية في الضفة الغربية ورئيس الإدارة المدنية بدلًا من اختصاص وزارة الدفاع بتعيين شاغلي تلك المناصب، وهو ما يجعل سموتريتش بمثابة الحاكم الفعلي للضفة الغربية، والمسؤول عن التنسيق مع السلطة الفلسطينية رغم مواقفه العدائية تجاه سلطة رام الله.
وكذلك تولى رئيس حزب القوة اليهودية المتطرف إيتمار بن غفير وزارة الأمن الداخلي التي صار اسمها “وزارة الأمن القومي”، وقد وقعت الأحزاب المشاركة في الحكومة اتفاق شراكة فيما بينها يُعطي ابن غفير صلاحيات واسعة تتعلق بالعمليات الأمنية والتحقيقات المختصة بملاحقة الفلسطينيين وقمعهم. كما باتت قوات حرس الحدود تحت إمرة ابن غفير مباشرة بدلًا من خضوعها لسلطة الجيش وقائد المنطقة الوسطى، وهي قوات يغلب على نشاطها الطابع العسكري أكثر من الشرطي. ويعني هذا أنّ ابن غفير بات قادرًا على التحكم بقرارات اقتحام الأقصى والتضييق على الفلسطينيين، وسائر السياسات التي يتبعها الاحتلال في حالات التصعيد في الضفة. وهو ما يعزز موقف ابن غفير الداعي للسماح لليهود بإقامة صلواتهم داخل الأقصى.
معاقبة السلطة الفلسطينية
مع توجه السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس إلى الأمم المتحدة لطلب فتوى من محكمة العدل الدولية بشأن الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية، قررت حكومة نتنياهو معاقبة السلطة. ففرضت اللجنة الوزارية لشؤون الأمن القومي في الحكومة الإسرائيلية عقوبات جديدة على السلطة شملت مصادرة 139 مليون شيكل (ما يعادل 39 مليون دولار تقريبًا) من أموال الضرائب والجمارك التي يجبيها كيان الاحتلال لصالح السلطة، فضلًا عن مصادرة مبالغ أخرى تعادل ما دفعته السلطة للأسرى وعائلات الشهداء الفلسطينيين في عام 2022.
واتسعت العقوبات الإسرائيلية لتشمل تجميد خطط بناء للفلسطينيين فيما يسمى بـ “المنطقة ج” والتضييق على شخصيات ومنظمات تتبع لسلطة رام الله عبر سحب بطاقات VIP من بعض كبار المسؤولين في السلطة مثل وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي، ومندوب فلسطين في الأمم المتحدة رياض منصور، ومشرف لجنة التحرك الدولي زياد أبو عمرو، بالإضافة إلى ثلاثة أعضاء في اللجنة المركزية لحركة “فتح”.
التداعيات
تعمل حكومة نتنياهو بقوة على تكثيف الاستيطان الإسرائيلي في الضفة، فسموتريتش وابن غفير من دعاة ضم الضفة إلى إسرائيل. فاليمين ينطلق من نصوص دينية متطرفة لا ترى للعرب أي حق في فلسطين وترى حتمية بسط سيطرة إسرائيل على كامل أراضي “يهودا والسامرة”- أي الضفة الغربية. ومع إسناد صلاحيات أمنية لابن غفير ازدادت وتيرة العنف تجاه الفلسطينيين في الضفة والداخل المحتل، كما تعهد ابن غفير بتعزيز تواجد حرس الحدود في منطقة النقب، والتضييق على الأسرى الفلسطينيين في السجون. كما أنّه يعمل على فرض أمر واقع جديد في الحرم الشريف لتطبيع الوجود اليهودي فيه.
أمام تطرف الحكومة الجديدة وعجز سلطة رام الله عن احتواء مجموعات المقاومة في الضفة، يترجح أن تشهد المرحلة المقبلة المزيد من التصعيد في الساحة الفلسطينية، بالتزامن مع تكريس الخلافات داخل المجتمع الإسرائيلي المنقسم على نفسه، والذي بات يخشى هيمنة اليمين المتطرف على حياته، وهو ما تجلى في تنظيم مظاهرات ضخمة ضد الحكومة الجديدة. بينما لا يتوقع أن تتراجع الدول العربية المطبعة عن مسار التحالف مع تل أبيب، وذلك في ظل فكها للارتباط بين التطبيع وتطورات القضية الفلسطينية.