الملخص
تشير زيارة الرئيس الإماراتي محمد بن زايد إلى تركيا ولقاؤه بالرئيس أردوغان إلى نقلة نوعية في العلاقات الثنائية، حيث تتجاوز المصالح الاقتصادية الضيقة نحو شراكة استراتيجية متعددة الأبعاد. فالإمارات تسعى لترسيخ موقعها كفاعل إقليمي مستفيدة من الانفتاح التركي وتراجع حدة الخلافات السابقة. وتأتي الاتفاقيات الموقعة في مجالات حيوية كالسياحة والصناعة والزراعة والأدوية والبحوث القطبية ضمن استراتيجية إماراتية–تركية مزدوجة تهدف إلى تنويع الموارد، وتحقيق التكامل الاقتصادي، وتمتين الروابط السياسية في ظل أزمات اقتصادية ضاغطة في تركيا وتحولات جيوسياسية شاملة في المنطقة.
أما استضافة الإمارات للقاء بين الرئيس الأذري ورئيس الوزراء الأرمني فتعد مؤشراً على طموح إماراتي لتوسيع نفوذها ليشمل مناطق خارج نطاقها التقليدي. فدخولها على خط الوساطة في نزاع ناغورنو كاراباخ يعكس رغبة في تموضع جديد كفاعل أمني لا يكتفي بالشرق الأوسط والخليج، بل ينفتح على جنوب القوقاز حيث تراجعت قدرة روسيا على فرض التوازنات القديمة. وفي ظل رغبة الطرفين الأرمني والأذري في تجاوز مرحلة وقف إطلاق النار إلى تفاهمات سياسية، تتيح الوساطة الإماراتية فرصًا لتعزيز مكانة أبوظبي كوسيط ذي مصداقية في ملفات معقدة، خاصة إذا تم الربط بين الوساطة والدعم الاقتصادي.
في أفريقيا، تستمر الإمارات في بناء نفوذ متعدد الأدوات، يجمع بين الاستثمار والدبلوماسية الناعمة وتحالفات أمنية غير معلنة. فقد كثّف وزير الدولة شخبوط بن نهيان لقاءاته في غرب ووسط القارة، حيث تتخذ التحركات الإماراتية شكل دعم تنموي ظاهر، لكنها تتقاطع مع أجندات جيوسياسية أوسع تهدف لتطويق الخصوم وتعزيز النفوذ الإماراتي في مناطق التنافس الدولي. ففي السودان، تُتهم الإمارات بدعم قوات الدعم السريع لمحاولة فرض تسوية تُمكّن حلفاءها من العودة للمشهد، وفي المغرب العربي تتخذ أبوظبي موقفًا منحازًا للرباط، بما يهدد توازنات القوة مع الجزائر، ويفتح المجال لصراعات جديدة.
تُجسد هذه التحركات ملامح سياسة خارجية إماراتية نشطة ووظيفية، تسعى لصياغة فضاء نفوذ يتجاوز تقليدية المال والدبلوماسية إلى أدوار أمنية وسياسية مباشرة. فالإمارات باتت تراهن على قدرتها على التوسط في الصراعات، واستغلال الفراغات التي تتركها القوى الكبرى لإعادة رسم خرائط التأثير. غير أن هذا التوسع يثير في الآن ذاته شكوكًا واسعة حول دوافعه الحقيقية، خاصة عندما يتداخل مع ملفات حساسة كالصراع في السودان أو التوتر المغربي الجزائري، ما قد يحوّل بعض مبادرات الوساطة إلى أدوات هيمنة مقنّعة تنذر بمزيد من الاحتقان الإقليمي، بدلًا من أن تكون مدخلاً لحلول شاملة.