الملخص
في موازاة ذلك، تتحرك طرابلس خارجيًا نحو استقطاب دولي فاعل عبر بوابة الهجرة غير النظامية، مستضيفة اجتماعًا وزاريًا رفيعًا بحضور شخصيات أوروبية مرموقة، ما يدعم خطابها كحكومة قادرة على الضبط الأمني والتنسيق الدولي. ويتكرّس هذا المسار عبر اللقاءات العسكرية رئيس الأركان العامة للجيش الليبي “الحداد” مع بريطانيا، واجتماعات القائم بأعمال وزير الخارجية الليبي “الطاهر الباعور” مع سفراء قطر وكندا، في تأكيد لمتانة الشراكات الثنائية.
يتصاعد سعي حكومة “عبد الحميد الدبيبة” لترسيخ سلطتها المركزية في طرابلس من خلال توجيه خطاب سياسي وأمني حاد ضد قوة الردع الخاصة، وتقييد نفوذها في مفاصل استراتيجية كالمطار وسجن معيتيقة. هذا التصعيد يأتي ضمن جهود لإعادة تشكيل خارطة السيطرة الأمنية داخل العاصمة، وتحقيق وعود قديمة بإخضاع السلاح لسلطة الدولة. ويتقاطع ذلك مع أدوات ضغط قضائية، كما في ملاحقة “أسامة نجيم”، ما يمنح الحكومة بعدًا دوليًا بوصفها طرفًا مدنيًا يسعى لتعزيز القانون، مدعومًا بموقف “المصرف المركزي” الرافض لتمويل حكومة أسامة حماد، ما يخلق واقعًا مؤسسيًا مساندًا لحكومة دبيبة في مواجهة خصومها.
في المقابل، تتبنى حكومة “أسامة حماد” نهجًا تصعيديًا صريحًا مع البعثات الأجنبية، مُظهرة موقفًا سياديًا متشددًا، يعكس نفورًا من الأطر الأممية التقليدية، وسعيًا لإعادة تعريف العلاقة مع المجتمع الدولي بشروط شرق ليبيا. فمطالبة بعض المسؤولين الأوروبيين بمغادرة بنغازي تشير إلى رغبة في فرض قواعد تعامل جديدة، تضع حفتر وحلفاءه كفاعلين موازين في القرار السيادي الليبي. ويبدو أن هذه النزعة السيادية تتكامل مع الطموحات العسكرية والسياسية لبنغازي، من خلال إبراز ملف مكافحة المعارضة التشادية كورقة لإثبات الجدارة الأمنية داخليًا، وتحقيق النفوذ إقليميًا.
على الصعيد السياسي، يتجدد الانخراط المصري في الملف الليبي من بوابة جمع “عقيلة صالح” و”خالد المشري” في القاهرة، في مشهد يوحي بانفتاح محتمل لتوحيد السلطة، رغم اعتراضات أطراف أخرى. وتعكس مراسلات “عقيلة” التي تمنح المشري صفة رسمية محاولات لإعادة ترتيب المشهد السياسي. إلا أن هذه التحركات تصطدم بتعقيدات الداخل الليبي، إذ يسعى كل طرف لتحصيل أكبر قدر ممكن من النفوذ قبل الدخول في أي تسوية نهائية، مستفيدًا من التباين الدولي في أولويات التعامل مع طرفي النزاع.
أما في المجال الاقتصادي، فثمة سباق واضح بين الشرق والغرب نحو اجتذاب الاستثمارات وتوظيف أوراق الإعمار بوصفها أدوات سياسية. ففي الغرب، يُوظف اتفاق الحديد والصلب مع شركة ألمانية لإبراز الجدارة التكنولوجية، بينما يدير “بلقاسم حفتر” من الشرق دبلوماسية تنموية موجهة، تشمل تحالفات مع مصر واليونان، وتُربط بلقاءات سياسية يقودها “حفتر” الأب مع فرنسا. ويعكس هذا الانقسام واقعًا اقتصاديًا مزدوجًا، في ظل غياب سياسة مالية موحدة. في هذا السياق، يظل المجتمع الدولي حذرًا، ويتعامل مع ليبيا بمنطق أولوية الأمن والهجرة، مقابل ضغط سياسي محدود لتشكيل حكومة موحدة، مع اختلاف في الاستجابة من طرابلس وبنغازي تبعًا لأولويات كل منهما.