مفاوضات جدة وتآكل الدور التقليدي لمصر في السودان

بدأت محادثات أولية بين ممثلي الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في مدينة جدة برعاية أمريكية – سعودية، هذه المحادثات تهدف الوصول إلى وقف إطلاق نار دائم والالتزام بالهدن المعلنة وإنشاء ممرات إنسانية، وأعلن الجيش السوداني أنَّ المفاوضات لا تشمل الأجندة السياسية، وتتركز على الممرات الإنسانية وإخلاء المرافق الصحية من قوات الدعم السريع.

وتعمل واشنطن ولندن على التنسيق والترتيب مع الرياض وأبو ظبي بمعزل عن مصر،  للضغط على الأطراف المتقاتلة في السودان للالتزام بالهُدَن المعلنة وسُبل حل الأزمة.

التحليل

انعكست الأزمة السياسية والاقتصادية في مصر على فاعلية دورها في الإقليم، فالسودان الذي كان يعتبر ساحة نفوذ مصرية تاريخيًّا وعمق استراتيجي لها، تراجع الدور المصري فيها تاركًا فراغًا استغلته كل من السعودية والإمارات لتحقيق مصالحهم. فبعدما أرسلت مصر طائرات حربية وطيارين لدعم الجيش السوداني ضغطت الإمارات على مصر لعدم التعامل ميدانيًّا في الأزمة، ومع بداية القتال أرسل حميدتي رسائل عنيفة مبكرة إلى القاهرة الحليف الأقرب للجيش السوداني، حيث احتجزت قواته 27 ضابطًا وجنديًّا مصريًّا بقاعدة مروي، وصورتهم بشكل مهين ثُمَّ دمرت نحو 5 طائرات ميج 29 مصرية بمروي، ولم يفرج حميدتي عن الجنود سوى بوساطة إماراتية، وبعد أنْ أعلنَ السيسي أنَّ ما يحدث في السودان شأن داخلي مُبدًيا استعداده للوساطة بين من ساهم بالفرقاء في السودان. ورغم ذلك قُتل مساعد الملحق الإداري في السفارة المصرية بالخُرطوم في إطلاق نار على سيارته الدبلوماسية.

تعكس تصريحات السيسي غير الحازمة والتراجع عن التدخل الميداني استجابة للضغوط الإماراتية، تآكل قدرة مصر على التدخل في ملفاتها التقليدية لحاجة السيسي للدعم المالي الإماراتي، ويبدو أنَّ زيارة محمد بن زايد المفاجئة إلى مصر قبل يومين من اندلاع الاشتباكات في السودان، سعت لتوجيه السيسي بعدم التدخل في الوضع هناك لصالح البرهان والجيش.

كما مثّلت اتصالات وزير الخارجية الأمريكي مع وزيري الخارجية السعودي والإماراتي بشأن قضية السودان واستثناء مصر، وكذلك بدء المفاوضات في جدة، تأكيدًا على أنَّ السعودية والإمارات أصبحا يتقاسمان النفوذ في السودان.

إنَّ الأحداث في السودان ستكون لها تداعيات عميقة على الوضع الأمني بمصر، فمن جهة هي تُضْعِف موقف القاهرة بشأن ملف سد النهضة بشكل حاد، كما أنّها مرشحة للتحول إلى حرب أهلية موسعة، وبالأخص في ظل وجود حركات مسلحة انفصالية ونزاعات قبلية في العديد من المناطق مثل دافور وكردفان والشرق والنيل الأزرق، وهو ما سيحول السودان إلى مصدر للنزوح في ظل وجود أكثر من 46 مليون مواطن يعيشون في البلد، كما ستزداد صعوبة التحكم في حركة التهريب عبر الحدود المصرية السودانية.

 وفي حال تطورت الأوضاع ودخلت إثيوبيا على خط الصراع للسيطرة على منطقة الفشقة، ستزداد الضغوط على السيسي للتدخل عسكريًّا أو للانحياز علنًا إلى جانب الجيش السوداني. ولذا طالب وزير الخارجية السابق عمرو موسى بوقفة صريحة وجريئة لمراعاة المصالح المصرية في السودان التي أصبحت على المحك، حيث تتعارض بحسب قوله مع مصالح بعض الدول العربية الأخرى، في إشارة إلى الإمارات.

مشاركات الكاتب