ممر تركيا وإيطاليا (أوروبا-أفريقيا) التجاري : التفاهم التركى الإيطالى الجيوسياسى يشكل بعد متوسطي استراتيجي جديد.
معهد النمسا لسياسات أوروبا والأمن
* الكاتب/ ميشيل تانخوم
التعاون التركي الإيطالي لإقامة ممر يربط تركيا وإيطاليا بتونس يعيد رسم شبكة التجارة بين أوروبا وأفريقيا, يشكل خط تركيا- إيطاليا – تونس قوس ربطٍ تجاري من المغرب إلى البحر الأسود ويشكل ميناء تارانتو Taranto العميق في الطرف الجنوبي لشبه الجزيرة الإيطالية قلب الممر النابض وتدير مجموعة يلبورت التركية Yilport ميناء تارانتو الذي بدأ العمل في إطار الممر منذ يوليو 2020.
خط تونس – تارانتو سيعمل بشكل متزامن رابطا أساسيا في إطار ممر أوروبا -أفريقيا الملاحي ويربط شمال أفريقيا بالمراكز الصناعية الأوروبية في إيطاليا وألمانيا وشمال أوروبا من خلال أنظمة سكك حديدية فائقة السرعة, على الجانب الأفريقى يربط الممر تونس بالجزائر ثم الطريق السريع العابر للصحراء الكبرى ما يربط تركيا وإيطاليا من الجهة الأوروبية بلاجوس في نيجيريا, غرب أفريقيا , ستتحول تونس ومالطا إلى محطات رئيسية وسيضيف الممر التجاري التركي الإيطالي الجيوستراتيجي زخما في قلب المتوسط.
يهدف التوجه الإيطالى بالشراكة مع تركيا لإعادة التوازن في مناطق النفوذ الإيطالية (المتوسط حتى القرن الأفريقى) خارج المتوسط في تحدٍّ للسيطرة الفرنسية في أفريقيا, تبلور التفاهم التركي الإيطالي في إقامة هذا الممر المتوسطي الأفريقي عبر المغرب المتوسط وعزز من إنشائه ازدياد الحضور العسكري التركي في ليبيا.
تحافظ إيطاليا على ثلاث ركائز أساسية في سياستها الخارجية هى : الأوروبيانية , الأطلسية والمتوسطية وفي إطار رؤيتها الاستراتيجية (متوسط أكبر Mediterraneo Allargato) تحاول إيطاليا توسيع نفوذها في حوض المتوسط الكبير, في إطار هذه الرؤية ينظر لشبه الجزيرة الإيطالية كحدوة حصان في منتصف المتوسط يشكل خط المغرب إلى القرن الأفريقي أحد جوانبه بينما خط البلقان إلى الشرق الأوسط الجانب الآخر وتوسعة النفوذ داخل مناطق هذه الرؤية يمثل أولوية تشكل حدود السياسة الإيطالية وعلى هذا الأساس ازداد الحضور الإيطالى في المغرب العربي والقرن الأفريقي.
في يناير 2018 سحبت إيطاليا قواتها من العراق وأفغانستان ونشرتها في مهمات في النيجر وليبيا وهو ما أكدته وزيرة الدفاع الإيطالية روبرتا بينوتى بقولها إن أولويات إيطاليا تنحصر من البلقان إلى الساحل إلى القرن الأفريقي.
تمركز إيطاليا على خطوط التجارة الرابطة لأوروبا مع أفريقيا والشرق الأوسط كان المحرك الأساسي للسياسة الخارجية في إطار رؤية (متوسط أكبر) وقد زاد حجم التجارة الإيطالية مع منطقة المتوسط بقوة خلال العقدين الأخيرين متفوقًا على حجم تجارة إيطاليا مع الولايات المتحدة والصين, تتغلب حاجة إيطاليا الماسة بتنويع شبكات التجارة على معارضة بعض الأحزاب في الحكومة الإيطالية.
يرى الخبير العسكري الإيطالي أليساندرو مارون أن خطوط الشحن البحرية خلال الموانئ الإيطالية تمثل أهمية كبيرة للتجارة العالمية عبر أوروبا ثاني أكبر قاعدة صناعية عالميًّا وكذلك تمثل عنصرا رئيسيا في الدخل القومي الإيطالي.
تتناغم رؤية (متوسط أكبر) مع رؤية تركيا الاستراتيجية للتمدد في محيط يمثل ميراث الامبراطورية العثمانية وتتمتع إيطاليا وتركيا بعلاقات جيدة وتدفع في اتجاه تقارب أوروبي تركي وتمثل إيطاليا ثاني أكبر شريك تجاري لتركيا بعد ألمانيا كما تمثل إيطاليا أكبر سوق للصادرات التركية بعائدات 9.53 مليار دولار عام 2019.
باستثناء الخلاف شرق المتوسط بين تركيا من جهة واليونان وقبرص من جهة أخرى فقد نجحت إيطاليا وتركيا في استمرار التنسيق مع تركيا في المسائل الأخرى في المتوسط الكبير من البلقان إلى القرن الأفريقي. ولتركيا وإيطاليا مصالح مشتركة في تونس وليبيا والجزائر حيث تحاول تركيا وإيطاليا زيادة نفوذهما في شمال أفريقيا , ورغم قرب إيطاليا من الساحل الأفريقي إلا أنها لا تملك مستوى الهيمنة الفرنسية على دول المغرب العربي التي تزداد أهميتها كمعبر بين أوروبا وأفريقيا ما وراء الصحراء مع التوسع في مد السكك الحديدية فائقة السرعة.
بينما يتفوق الإنتاج الصناعي الإيطالي بمقدار الثلث على نظيره الفرنسي محتلا المرتبة الثانية أوروبيًّا إلا أن هيمنة سلاسل التصنيع الفرنسية على خطوط الربط التجاري بين أوروبا وأفريقيا تحد من تطوير إيطاليا لعلاقاتها الاقتصادية بشمال أفريقيا.
رغم العلاقات الاقتصادية القوية بين إيطاليا ومصر خصوصا في مجال الطاقة عبر شركة اينى ENI الإيطالية التي تطور حقول الغاز المصرية إلا أن النفوذ الايطالي في مصر يحده العلاقات الأمنية القوية بين مصر وفرنسا حيث تمثل فرنسا ثالث أكبر مورد للأسلحة إلى مصر ولها قاعدة بحرية في الإمارات الشريك الاستراتيجي للنظام المصرى.
تدعم باريس سرا قوات خليفة حفتر في شرق ليبيا بالتعاون مع مصر والإمارات ضد حكومة الوفاق الوطني في غرب ليبيا المدعومة من تركيا وإيطاليا وتجلى الحلف الفرنسي الإماراتي المصري من خلال التدريبات الجوية بين فرنسا والإمارات واليونان أغسطس 2020 والتدريبات البحرية بين فرنسا ومصر واليونان دعما لليونان في مواجهة تركيا في شرق المتوسط لتواجه تركيا تحديًا عصيبا في حوض المتوسط من خصومها فرنسا والإمارات.
– من عام 2010 إلى عام 2016 افتتحت تركيا 26 سفارة في أفريقيا في إطار سعيها لزيادة حضورها السياسي والاقتصادي في القارة لكن تركيا تظل عاجزة عن خلق ممر تجاري إقليمى في شمال أفريقيا بمفردها حيث مصر من الشرق والمغرب من الغرب وكلتا الدولتين ترتبطان بعلاقات قوية اقتصاديًّا وعسكريًّا بفرنسا والإمارات.
أثبتت تركيا أنها لاعبٌ أساسي في شمال أفريقيا بعد تدخلها العسكري وقلبت معادلة الحرب الأهلية لصالح حكومة الوفاق الوطني ضد خصومها المدعومين من فرنسا وروسيا والإمارات ومصر وخلقت لنفسها موطئ قدم استراتيجي في وسط المغرب العربي.
حضور القوات الجوية التركية في قاعدة الوطية الجوية على بعد 27 كم من الحدود التونسية الليبية وكذلك وجود القوات البحرية التركية في مصراتة قد زاد من الإحساس بقوة تركيا في تونس والجزائر, يشكل الوجود العسكري التركي في ليبيا منصة لأنقرة يمكنها من مد روابط أفريقية متوسطية عبر وسط المغرب العربي بالتعاون مع إيطاليا التي تدعم أيضا حكومة الوفاق الوطني ولها مستشفى عسكري في مصراتة, لن تستطيع تركيا الاستفادة من خط طرابلس – نجامينا وهو أحد أقسام شبكة الطريق الأفريقي السريع TAH-3 إلا بعد بسط الأمن والاستقرار في ليبيا بشكل تام والخيار البديل عن هذا القسم لكل من تركيا وإيطاليا هو القسم الجزائري من طريق TAH-3 والمرتبط بالموانئ التونسية.
زار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الجزائر في 26 يناير 2020 بعد شهر من تدخل تركيا العسكري في ليبيا لصالح حكومة الوفاق الوطني وشملت الزيارة كلا من الجزائر والسنغال وجامبيا وهم من دول النمور الإفريقية الصاعدة الذين وسعت أنقرة من علاقتها التجارية بهم, وسعت تركيا استثماراتها في الجزائر إلى 3.5 مليار دولار كأحد أكبر المستثمرين وأعلن الرئيس التركي الجزائر شريكا استراتيجيا لتركيا وبوابة هامة إلى أفريقيا ودول المغرب العربي.
تمثل إيطاليا الشريك التجاري الأول للجزائر وكذلك أكبر سوق مستورد للصادرات الجزائرية ولوقت طويل دعمت إيطاليا ترابطا ثلاثيا مع الجزائر وتونس ممثلا في خط ترانس مد TRANS-MED لنقل الغاز الطبيعي وهو مشروع مشترك بين سوناطراك الجزائرية واينى الإيطالية ويبلغ طول الخط 2475 كم كأحد أطول خطوط نقل الغاز الطبيعي في العالم يبدأ من الجزائر مرورا بتونس ثم إلى صقلية منتهيا إلى بقية الأراضي الإيطالية , لشركة اينى ENI وهي أكبر شركات إيطاليا من حيث الأرباح استثمارات كبيرة في قطاع النفط والغاز بالشراكة مع سوناطراك وفي يوليو 2020 وقعت الشركتان اتفاقا لتوسيع عمليات التنقيب وتوسعة الحقول المشتركة. بحلول عام 2025 ستكتمل عمليات الربط الكهربائي بعد مد كابل بحري بين تونس وجزيرة صقلية الإيطالية بطول 192 كم وسعة 600 ميجاوات.
مهدت إيطاليا لتوسعة الممر الاقتصادى (تركيا-إيطاليا-تونس) ليشمل الجزائر على غرار جهودها في مشروع الربط الكهربائى , طيلة العقد الماضي أنجزت الشركات الإيطالية أعمالا هامة في تحديث شبكة الطرق الجزائرية ومن ضمنها مشروع طريق سريع يربط شرق الجزائر بغربها بموازاة الساحل, وأنجزت شركتي أناس انترناشيونال وايتال كونسلت ANAS INTERNATIONAL & ITALCONSULT مسافة 399 كم من برج بوعريرج إلى الحدود التونسية وتمثل هذه التوسعة أكثر من نصف المسافة بين ميناء بنزرت التونسي والجزائر العاصمة التي ينطلق منها الطريق السريع العابر للصحراء الكبرى TRANS-SAHARAN.
الممر التجاري بين تركيا وإيطاليا وتونس هو عبارة عن قوس نقل متعدد الوسائط يحمل إمكانية أن يصبح مبدأً منظمًا للربط التجاري بين ثلاث قارات. يمتد قوس الاتصال الأساسي من موانئ تركيا الرئيسية على بحر إيجة إلى العقدة المركزية للممر في تارانتو ومن هناك إلى مالطا وموانئ بنزرت وصفاقس في تونس. من خلال الاستفادة من الموقع الجغرافي لشبه الجزيرة الإيطالية ونظام السكك الحديدية فائق السرعة في إيطاليا من خلال اتصالاته بشبكة السكك الحديدية الأوروبية الأوسع ، يحتوي الممر على محور شمال – جنوب يربط شمال إفريقيا بالمراكز الصناعية والتجارية الرئيسية في أوروبا. متصلة بخمسة مسارات سكة حديد نشطة ترتبط مباشرة بخدمة السكك الحديدية الوطنية الإيطالية ، يمكن أن تصل البضائع التي يتم تسليمها في تارانتو إلى ميلانو في غضون 9 ساعات وإلى فرانكفورت وشتوتغارت في غضون 17 ساعة , كما يدعم الاتحاد الأوروبي الربط البحري بين تارانتو ومالطا باعتباره الحلقة الواقعة في أقصى الجنوب في “الممر الإسكندنافي المتوسطي” الخاص بالاتحاد الأوروبي ، وهو أحد ممرات الشبكة الأساسية التسعة لشبكة النقل العابر لليورو التابعة للمفوضية الأوروبية TEN-T وهو شريان النقل المركزي بين شمال وجنوب الاتحاد الأوروبي يمتد عبر شبه الجزيرة الاسكندنافية والدنمارك وألمانيا والنمسا وإيطاليا ومالطا. نظرًا لأنه تم تحديد جزء تارانتو مالطا من ممر تركيا وإيطاليا وتونس سابقًا باعتباره الرابط الجنوبي للممر الاسكندنافي المتوسطي , أصبحت إيطاليا وتركيا حراس البوابة لما قد يصبح الممر الأكثر قيمة بين أوروبا وأفريقيا. من خلال ربط الممر الاسكندنافي المتوسطي للاتحاد الأوروبي بالطريق السريع بين الجزائر ونيجيريا عبر الصحراء الكبرى ، من المحتمل أن يشكل ممر تركيا وإيطاليا وتونس الرابط الحيوي لإنشاء ممر عملاق يمتد عبر أوروبا وأفريقيا من خط عرض 60 إلى خط عرض 6 قرب خط الاستواء.
شركة تشغيل الموانئ التركية يلبورت Yilport هي القوة التجارية المهيمنة التي تجمع الربط التحويلي للممر التركي-الإيطالي-التونسي. هي شركة تابعة لمجموعة Yildirim Holding Inc. الخاصة المملوكة للعائلة والتي يرأسها رئيسها الحالم روبرت يوكسيل يلدريم , في 30 يوليو 2019 ، أبرمت شركة Yilport اتفاقية امتياز لمدة 49 عامًا لتشغيل ميناء تارانتو. على الرغم من أن تارانتو كانت مركزًا صناعيًّا مزدهرًا خلال القرن العشرين ، فقد أعلن إفلاس الميناء في عام 2006 ، وظل في الحراسة القضائية لمدة أربع سنوات تقريبًا. تغيرت ملكية الميناء المضطرب عدة مرات حتى استحواذ يلبورت عليه عام 2019 والتزمت Yilport باستثمار 400 مليون يورو لتجديد المحطة وتوسيعها لتناسب المشاريع المستقبلية وعلى الرغم من تأخرها لمدة ثلاثة أشهر بسبب تفشي جائحة COVID19 تم الانتهاء من تطوير المرحلة الأولى من محطة الحاويات في صيف 2020, تصبح قادرة على خدمة سفن الحاويات الكبيرة جدًّا بغاطس 16.5 مترًا ومنطقة خدمة حاويات بمساحة 160 ألف متر مربع , يشمل استثمار يلبورت زيادة سعة الميناء إلى 4 ملايين حاوية بحلول عام 2028. كما أشار روبرت يوكسيل يلدريم في حفل التوقيع في 30 يوليو 2019 ، “القدرة على دخول إيطاليا والعمل هنا في تارانتو مثل ملء القطعة المفقودة من الأحجية التي نبنيها عالميًّا “
من شركاء ممر إيطاليا – تركيا – تونس التجاري شركة CMA CMG وهى رابع أكبر شركة شحن بحري في العالم ويملك روبرت يلدريم حصة 24% من أسهمها. بدأت شركة CMA CMG تقديم خدمات الشحن عبر ميناء تارانتو في 10 يوليو 2020 بعد أن عانى من التوقف لخمس سنوات وبذلك يصبح ميناء تارانتو مركزا هاما لشركة CMA CMG في تجارة تركيا المتوسطية , قبل استحواذ يلبورت التركية على ميناء تارانتو ب 8 سنوات, استحوذت المجموعة على حصة 50% من المنطقة الحرة لميناء مارساشلوك Marsaxlokk على الساحل الجنوبى لجزيرة مالطا ومثل هذا الاستحواذ أول توسع إقليمى ليلبورت, تشكل منطقة التجارة الحرة لميناء مارساشلوك مركزا لوجستيا هاما في منتصف المسافة بين ميناء تارانتو وتونس في إطار الممر التجاري التركي الإيطالي إلى تونس.
على الرغم من أن الممر التركي-الإيطالي-التونسي لا يزال في مراحله الأولية ، فقد بدأ بالفعل في إعادة كتابة القواعد الجيوسياسية لحوض البحر الأبيض المتوسط ، كما يتضح من المواقف المتغيرة لمالطا وتونس. تم جذب مالطا إلى شراكة أمنية مع تركيا حيث تعزز أنقرة وجودها في ليبيا. في أواخر كانون الثاني (يناير) 2019 ، خلال المرحلة الأولى من التدخل التركي في ليبيا ، انعقدت قمة مجلس الأعمال التركي-المالطي في إسطنبول ودعت إلى تعزيز التجارة الثنائية بين تركيا ومالطا إلى مليار دولار ، في حين سلطت القمة الضوء على الإمكانات الاقتصادية لجهود مالطا وتركيا لتحقيق إنشاء اتصال أفرو متوسطي ، أعطى نائب الرئيس التركي فؤاد أوكتاي صوتًا للبعد الأمني المتنامي للعلاقة بين تركيا ومالطا ، مشيرًا إلى أن “قطاعي الدفاع والأمن على وجه الخصوص” هما “مجالات استراتيجية” لتعزيز التعاون بين تركيا ومالطا. بحلول مايو 2020 ، انسحبت مالطا من عملية إيريني ، وهي الجهود البحرية للاتحاد الأوروبي لفرض حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة على ليبيا ، والذي يمكن أن يعيق تسليم تركيا للأسلحة بحرًا إلى حكومة الوفاق الوطني , بعد ذلك انخرطت تركيا وحكومة الوفاق الوطني في تعاون أمني وثيق مع مالطا في ملفات الهجرة غير الشرعية والاتجار غير المشروع.
رغم حرص تونس على الحياد بين فرقاء الحرب الأهلية الليبية ، ورفضها رسميًّا تسهيل التحركات العسكرية التركية من خلال الأراضي التونسية ، تعمقت علاقات تونس العسكرية بأنقرة. على الرغم من أن فرنسا تتمتع بنفوذ اقتصادي كبير بصفتها الشريك التجاري الرائد لتونس ، ولا سيما كسوق للصادرات التونسية ، إلا أن إيطاليا تشكل ثاني أكبر شريك تجاري لتونس ما يعزز موقفها التجاري , لمجاراة النفوذ الاقتصادي لفرنسا وعلى غرار النمط الذي شهدناه في أماكن أخرى في إفريقيا ، سعت تركيا إلى تعزيز التعاون العسكري مع تونس بينما ركزت حليفتها قطر على الاستثمار الاقتصادي بما يقرب من 3 مليارات دولار وبذلك تحتل قطر المرتبة الثانية كأكبر مستثمر في تونس ، بعد فرنسا وقبل إيطاليا وألمانيا ، اللذين يحتلان المرتبة الثالثة والرابعة على التوالي , تخفيف الاعتماد الاقتصادي لتونس على فرنسا مكّن تونس من بعض الاستقلالية في علاقاتها الخارجية.
قد يؤدي الممر التجاري بين تركيا وإيطاليا وتونس ، مع مركزه المركزي في ميناء تارانتو الإيطالي ، إلى تحول الحلف التركي الإيطالي إلى علامة دائمة للجغرافيا السياسية لمنطقة البحر الأبيض المتوسط. تأكيد إيطاليا لنفوذها الاستراتيجي في منطقة البحر الأبيض المتوسط الأوسع و شراكتها التنموية مع تركيا تحدث في إطار التزامات إيطاليا ضمن منظومة الناتو والاتحاد الأوروبي. تارانتو هي موطن قاعدة بحرية مهمة للناتو وتخدم برنامج ربط النقل الإسكندنافي المتوسطي الخاص بالاتحاد الأوروبي. من خلال إنشاء ممر تجاري من أوروبا إلى إفريقيا عبر منطقة المغرب الأوسط ، حقق التفاهم الجيوسياسي بين إيطاليا وتركيا نقلة نوعية في الجغرافيا السياسية للبحر الأبيض المتوسط والتي تعيد تشكيل ملامح الأجندة الاستراتيجية لحلف الناتو والاتحاد الأوروبي.
* البروفيسور مايكل تانخوم هو زميل مشارك أول في المعهد النمساوي للدراسات الأوروبية والأمنية (AIES) ويقوم بتدريس العلاقات الدولية لمنطقة البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط في جامعة نافارا بإسبانيا. وهو أيضًا زميل في معهد ترومان للأبحاث من أجل النهوض بالسلام ، الجامعة العبرية ، إسرائيل ، وفي مركز تنفيذ السياسات الاستراتيجية في جامعة باشكنت في أنقرة ، تركيا.
رابط البحث : https://www.aies.at/publkationen/2020/fokus-20-10.php
اضغط لتحميل الملف