مليشيات قسد واللعب على الحبال المتعددة

‏مع كل تحرّك تركي صوب قوات سوريا الديمقراطية أو ما باتت تعرف بمليشيات قسد الكردية التي أقامت فعليًّا وواقعيًّا كيانها الكردي في شمال شرق سوريا بدعم أمريكي وغير أمريكي، نرى حُمّى التحركات الدولية باتجاه المنطقة لكبح جماح أي تحرك ضدها، ومعها تتحرك قسد من الحبل الأمريكي إلى الحبل الروسي، مع التلويح بالعودة إلى حِضن الأسد الدافئ! ‏فازدحمت مناطق شرق سوريا بالزيارات الرسمية لوفود دولية، تعبيرًا عن الوقوف إلى جانب مليشيات قسد في مواجهة العملية العسكرية التركية الرابعة التي طال انتظارها، فقد وصل قائد القوات المركزية الأمريكية الجنرال ميشيل كوريلا يوم 20/6 من أجل دعم مليشيات قسد في مواجهة العملية العسكرية التركية، وأكد كوريلا دعم القوات الأمريكية لها في مواجهة العملية المرتقبة، وترافق هذا مع وصول قائد القوات الروسية السابق في سوريا ألكسندر تشايكو إلى القامشلي وقاعدة حميميم للتنسيق بين نظام الأسد وقسد في مواجهة العملية التركية الجديدة؛ فما جمع الدول كلها هذه المرة من أمريكا إلى روسيا وألمانيا وفرنسا فإيران والأسد، هو معارضة العملية العسكرية التركية المستهدفة لمليشيات قسد.

‏مليشيات قسد الكردية المدعومة في شمال شرق سوريا بوجود أمريكي يصل إلى 800 من القوات الأمريكية، هي الوحيدة المسموح لها في المسرح السوري أن تتنقل من الحبل الأمريكي إلى الحبل الروسي، والعكس صحيح دون أي اعتراض من الطرفين. وقد سبق وصول الوفد الأمريكي زيارة وفد فرنسي برئاسة وزير الخارجية الفرنسي برنارد كوشنير إلى المنطقة تعبيرًا عن الدعم الشعبي الفرنسي لمليشيات قسد في مواجهة العملية العسكرية التركية الرابعة.

‏ومما أكد على عداء تركي ودعم لكيان انفصالي كردي؛ مناشدة أكثر من 100 نائب فرنسي ينتمون للتيار الشيوعي، ومعهم حزب لافرانس أنسوميز اليساري الراديكالي، وغيرهم من القوى الاشتراكية الجمهورية وحتى من حزب ماكرون بفرض حظر جوي فوق مناطق قسد.

‏وهم الذين صمتوا صمت القبور على إبادة حلب والغوطة وحمص وحوران وإدلب وكل مدن سوريا، طيلة 12 عامًا من حملات الإبادة.

‏تأتي العملية العسكرية التركية بعد مماطلة أمريكية وروسية في تنفيذ اشتراطات العمليات السابقة بعد توقفها، وتمثلت التعهدات في إبعاد المليشيات الكردية 30 كم عن الحدود التركية وإخراج مقاتلي المليشيات من مناطق مدنية في منبج وتل رفعت، وهو الأمر الذي لم يحدث على الرغم من مرور أكثر من ثلاث سنوات على هذه التعهدات الروسية والأمريكية.

‏اللافت أن الموقف الإيراني انسجم تمامًا مع الموقف الأمريكي والروسي الداعي إلى وقف العملية العسكرية التركية، بقطع النظر عن بواعث وأسباب وخلفيات رفض كل طرف، فالإيرانيون يخشون اقتراب قوات الجيش الوطني السوري المقرّب من تركيا من مدينتي نبل والزهراء الشيعيتين، واللتان تتمتعان بحماية إيران، وهو الأمر الذي قد يتسبب في حصار المدينتين إن تمكنت القوات التركية والموالية لها من السيطرة على منطقة تل رفعت، أما الدول الغربية ومعها روسيا فالأمر أبعد من ذلك؛ إذ إن له علاقة في تفكيك حلف الأقليات الذي برز النظام السوري قائدًا له، ومن ثَمّ فإن إضعاف قسد يعني إضعاف لعصابات الأسد.

‏وعلى صعيد النظام السوري ومعه الشريك الجديد مليشيات قسد فقد دخلا في مناورات عسكرية مشتركة لأول مرة منذ اندلاع الثورة السورية، وسمح لدبابات النظام  بالتحرك في معاقل قسد بمدينتي منبج وتل رفعت، وهو ما أكّد أن نتيجة الدفع التركي ضد قسد أتت بعكس المتوقع أو ما تريده أنقرة، حيث كانت تأمل أن تحصل مواجهة بينهما، أو تتجاهل قوات النظام العملية وتتغاضى عنها، ما دامت موجهة ضد خصمها المعلن!

‏قد تزامن توقيت الإعلان المتكرر عن العملية العسكرية التركية مع ما وصفت بانتفاضة السويداء للدروز ضد قوات الأسد وهو ما تسبب في تصفية مليشيات تابعة للأمن العسكري السوري، مع تزايد السخط والغضب المترجم إلى مواجهات مسلحة أفضت إلى شنق ست من مليشيات الأمن العسكري في دوار المشنقة بالسويداء وهو الأمر الذي لم يحصل طيلة مدة الثورة السورية في المنطقة، ومعه تصاعد أيضًا الوضع في درعا من اغتيالات دورية لقادة أمن النظام السوري، وهو ما عكس غضب خامنئي بعد لقائه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حين عدَّ العملية العسكرية التركية ضررًا على المنطقة كلها.

ومع الإصرار التركي على المضي قدمًا في البدء بالعملية العسكرية، صاحب ذلك تصعيد المليشيات العراقية الموالية لإيران بقصفها القنصلية التركية في الموصل، مما عنى بوضوح أن ملفات المنطقة مرتبطة ببعضها، وأن المليشيات الإيرانية ستتحرك ضد المصالح التركية في العراق، وربما غيرها إن هي أصرّت على المضي قدمًا في العملية العسكرية ضد مليشيات قسد، لكن التصعيد العراقي الداخلي ربما سيُضعف الموقف الإيراني والمليشياوي المؤيد لها في مواجهة تركيا.

‏أخيراً، مليشيات قسد التي تحوز اليوم على رقعة جغرافية ضخمة ذاخرة بالنفط والغاز وكذلك على أراضٍ خصبة لزراعة الحبوب، تحظى بدعم دولي وصمت للنظام السوري عنها، حيث تلجأ إليه متى ترى الضغط التركي قاسيًا عليها، أما قوات الأسد تسعى إلى استغلالها  في خدمات أمنية واستخباراتية ضد المنطقة، ما دامت القوى المنضوية تحتها وعلى رأسهم حزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي وغيرهما، أحزاب مخترقة سوريًّا وإيرانيًّا حتى النخاع.

**الآراء الواردة تعبر عن رأي الكاتب ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر منتدى العاصمة**

مشاركات الكاتب