الملخص
تُكثف حكومة الوحدة الوطنية بقيادة عبد الحميد الدبيبة من تحركاتها الخارجية، في محاولة لتكريس موقعها كالحكومة المعترف بها دوليًا، لا سيما عبر بوابة الأمم المتحدة والشراكات الثنائية مع الدول الأوروبية. ويوظف التلويح بانسحاب البعثة الأممية من ليبيا، وما يرافقه من تحذيرات حول مخاطر انتشار الإرهاب ضمن استراتيجية دبلوماسية تهدف إلى تحشيد الدعم الدولي لبقاء الحكومة باعتبارها ضامنا للاستقرار. ويمتد هذا التوظيف إلى الملفات الاقتصادية، خصوصًا في مسألة الأصول المجمدة، حيث تحاول طرابلس إعادة تفعيلها سعيًا لتوسيع سيطرتها الفعلية على الموارد الحيوية.
في المقابل، تتحرك الحكومة المكلفة من البرلمان، بقيادة أسامة حماد، في اتجاه موازٍ يسعى إلى إبراز دورها كمركز سياسي بديل قادر على تمثيل السيادة الليبية. ويتجلى ذلك في خطابها الرافض للتدخل الأممي، وسعيها إلى تنويع الحضور الدولي عبر شراكات مع روسيا، بيلاروسيا، الصين، واليونان، مع التركيز على الملفات السيادية مثل ترسيم الحدود البحرية وإعادة الإعمار. هذه المقاربة تكشف عن محاولة لإعادة تعريف الشرعية من خلال القدرة على توفير بنية حوكمة اقتصادية وسياسية، رغم استمرار أزمات الشرعية القانونية والدستورية في شرق ليبيا، وتنامي التحذيرات من الإنفاق الموازي وغياب الشفافية.
ويمثل النفط حاليًا الساحة الأهم لتجسيد التنافس بين الحكومتين، ليس فقط من حيث العائدات، بل بوصفه ورقة سيادية في إدارة علاقات ليبيا الخارجية. فطرح المؤسسة الوطنية للنفط أول مناقصة دولية منذ عام 2011 يشير إلى رغبة طرابلس في إظهار الجدارة التقنية والانفتاح الاستثماري. لكن الجدل يتصاعد مع اقتراب البرلمان من التصديق على الاتفاقية الليبية–التركية الخاصة بالتنقيب، ما يهدد بإعادة رسم خريطة التحالفات الإقليمية، خصوصًا إذا تمّ تجاوز التحفظات المصرية. فموافقة البرلمان على الاتفاقية قد تُحدث شرخًا جديدًا في علاقة القاهرة بخليفة حفتر، الذي طالما اعتُبر حليفًا استراتيجيًا، ما يفتح المجال أمام تحولات في الموقف المصري.
يبدو أن ليبيا تتجه نحو مرحلة أكثر تعقيدًا من تعدد مراكز القرار، ليس فقط بين حكومتي الشرق والغرب، بل داخل المعسكرات الإقليمية الداعمة لكل طرف. ففي حين تستثمر طرابلس في الشرعية الدولية التقليدية، وتستند بنغازي إلى ثقل عسكري وتحالفات صاعدة، فإن كلا الطرفين يتحركان ضمن مساحات رمادية تتداخل فيها الجهود التنموية مع الأجندات السياسية. وقد يكون المشهد مرشحًا لانفجار توترات غير محسوبة، إذا ما تزايدت الضغوط الدولية والإقليمية لتوحيد المؤسسات أو ترسيم النفوذ البحري.