
ليبيا 1– 7 أغسطس 2025
الملخص
شهدت الساحة الليبية في الأسبوع الأول من أغسطس حراكًا دبلوماسيًا وأمنيًا متوازيًا بين حكومتي طرابلس وبنغازي، في ظل استمرار الانقسام المؤسسي وتنافس الطرفين على الشرعية والتمثيل الدولي.
فعلى جانب حكومة الوحدة الوطنية بقيادة عبد الحميد الدبيبة، تواصل طرابلس تكثيف تحركاتها الإقليمية والدولية لترسيخ موقعها باعتبارها “الفاعل الشرعي” المعترف به من الأمم المتحدة. وقد جاءت مشاركة الدبيبة في القمة الثلاثية بإسطنبول إلى جانب الرئيس التركي أردوغان ورئيسة الوزراء الإيطالية ميلوني لتؤكد سعي حكومته إلى لعب دور إقليمي عبر طرح رؤية للتنسيق في ملفات مكافحة التهريب، وتعزيز الشراكة في مجالات الطاقة والبنية التحتية، مع التشديد على أولويات تفكيك الميليشيات وتعزيز مركزية الدولة.
هذا المسار عززته لقاءات موازية في أنقرة وطرابلس، شملت مباحثات بين رئيس ديوان المحاسبة خالد شكشك ومسؤولين أتراك لتفعيل اتفاقية 2020، واجتماعات بين مسؤولين ليبيين والسفير التركي لتوسيع التعاون في السياسة والأمن والنقل الجوي. وفي إطار إعادة التموضع الخارجي، واصل المجلس الرئاسي بقيادة محمد المنفي تحركاته عبر المسار الأممي، حيث شارك في مؤتمر الأمم المتحدة للدول غير الساحلية في تركمانستان، مؤكدًا التزامه بدفع العملية السياسية، وباحثًا مع الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس تركمانستان سبل تفعيل الاتفاقيات الثنائية. كما استقبل المنفي ونائبه السفير الألماني لإحياء مسارات برلين الأربعة: السياسية، والاقتصادية، والأمنية، والإنسانية.
على الصعيد العسكري–الأمني، سعت طرابلس لتعزيز شراكاتها عبر لقاء مدير أمن السواحل مع وفد بريطاني لمناقشة مكافحة تهريب البشر، إضافة إلى لقاءات مع الملحق العسكري البريطاني، والسفير الإسباني، والسفير الصربي، تناولت التعاون العسكري والطبي.
في المقابل، تتحرك حكومة بنغازي المكلفة من البرلمان بقيادة أسامة حماد على مسار موازٍ يهدف إلى تثبيت موقعها كمركز سياسي بديل. وقد شارك حماد في مؤتمر للجرائم العابرة للحدود، مؤكدًا التزام حكومته بمواجهة التحديات الأمنية عبر الأطر التشريعية والتعاون الإقليمي. وعلى الصعيد الإقليمي، أجرى صدام حفتر، ممثلًا عن القائد العام خليفة حفتر، مباحثات موسعة في نجامينا مع الرئيس التشادي، شملت ملفات الأمن، والاقتصاد، والهجرة، في خطوة تعكس محاولة لتعزيز الحضور في محيط الجنوب الليبي. وتزامن ذلك مع اجتماعات أمنية مكثفة في بنغازي برئاسة صدام حفتر، جمعت قيادات الأجهزة الأمنية، وركزت على تنسيق الجهود لمكافحة الجريمة المنظمة وتعزيز الدعم اللوجستي.
غير أن حكومة حماد لا تزال تواجه تحديات كبيرة في ترسيخ شرعيتها، في ظل استمرار الجدل حول المحكمة الدستورية التي فعّلها مجلس النواب في بنغازي، ورفض المجلس الأعلى للدولة الاعتراف بها، معتبرًا أنها تهدد استقلال القضاء وتعمّق الفوضى المؤسسية. ويضاف إلى ذلك اتهامات نواب من البرلمان لحكومة الدبيبة بعرقلة عقد جلسة رسمية عبر منع طائرتهم من الإقلاع من مطار معيتيقة، ما يعكس استمرار التصعيد السياسي والإجرائي بين الحكومتين.
تظهر هذه التطورات أن كلا الطرفين يوظف نشاطه الخارجي لتعويض مكامن ضعفه الداخلي: فحكومة الدبيبة تستفيد من غطاء الشرعية الأممية لتعزيز حضورها الدولي وتوسيع شبكة حلفائها، بينما تراهن حكومة حماد على التحركات الأمنية والعسكرية وبناء شراكات استراتيجية لتعويض غياب الاعتراف الدولي. ورغم النشاط الملحوظ للطرفين، فإن تحركاتهما تنطلق من أجندات منفصلة لا تعكس أي إرادة سياسية حقيقية لتوحيد المؤسسات الليبية أو بناء مسار دبلوماسي مشترك، ما يبقي المشهد الليبي أسيرًا لحالة الانقسام والتنافس على الشرعية.