تخطي الروابط

السودان 25– 31 يوليو 2025

الملخص

يعكس إلغاء واشنطن لاجتماع اللجنة الرباعية حول السودان، رغم التحضيرات والبيان المشترك المعد، وجود تباينات جوهرية بين الأطراف المعنية بالملف السوداني، وتحديدًا مصر والسعودية والإمارات. ويأتي هذا القرار في سياق تصاعد الانتقادات للدور الإماراتي في الحرب السودانية، حيث تُتهم أبوظبي بدعم مشاريع تفتيتية تقوّض مساعي التسوية. وبينما أشار السفير المصري في واشنطن إلى احتمال تأجيل الاجتماع إلى سبتمبر، فإن هذا التأجيل يعكس فشلًا مبكرًا في تنسيق مقاربة موحدة إزاء الأزمة.

في المقابل، تُظهر الحكومة السودانية الجديدة بقيادة “كامل إدريس” سعيًا لتوسيع هامش التحرك الدبلوماسي شرقًا، في محاولة لفك العزلة الخارجية وكسر الطوق المفروض عليها من قبل بعض القوى الغربية والإقليمية. فقد وقّع وزير الدفاع السوداني اتفاقًا مع ماليزيا لنقل تكنولوجيا تصنيع الأسلحة، وهو ما يُظهر رغبة واضحة في تنويع الشراكات بعيدًا عن المحور الخليجي. كما جاء اللقاء الذي جمع رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان ورئيس الوزراء مع مبعوث الاتحاد الإفريقي ليعيد إلى الواجهة مطلب السودان برفع تجميد عضويته في الاتحاد، في إشارة إلى رغبة الحكومة في تثبيت شرعيتها القارية، بعد اعتبار تشكيلها أحد الشروط المسبقة للعودة إلى المنظومة الإفريقية.

في السياق ذاته، تتحرك القيادة السودانية نحو توطيد علاقاتها مع دول القارة لمواجهة ما تصفه بـ”التدخل الإماراتي”، وهو ما يفسر جولات نائب رئيس مجلس السيادة مالك عقار إلى ناميبيا وزامبيا، حيث سعى لحشد دعم سياسي إفريقي يدعم موقف الحكومة ضد مشاريع التقسيم. وقد جاء ذلك متوازيًا مع تنسيق متزايد مع القاهرة، تمثل في اتصالات بين وزيري الخارجية وتفاهمات على مستوى السفراء، كرّرت التأكيد على وحدة السودان ورفض التدخلات الخارجية.

غير أن المشهد الداخلي لا يقل تعقيدًا عن الخارجي، إذ أعلنت قوى الدعم السريع والحركة الشعبية-شمال تشكيل حكومة موازية في نيالا، تضمنت مجلسًا رئاسيًا ودستورًا، في خطوة تصعيدية تستهدف فرض واقع سياسي بديل وخلق توازن قسري مع الحكومة المركزية. وقد قوبل برفض واسع إقليميًا ودوليًا. 

وفي مواجهة هذا التحدي، تعمل حكومة “كامل إدريس” على تثبيت نفسها كمرجعية سياسية وإدارية عبر حزمة إجراءات تنفيذية وتعيينات، إضافة إلى نشاط ميداني في مناطق متوترة، بما يعكس استراتيجية لتأكيد الحضور المؤسسي واستعادة الثقة الشعبية. ومن بين الخطوات التي تخدم هذا المسار، إعلان كتيبة البراء بن مالك التحول إلى النشاط المدني، في اتفاق تم بالتنسيق مع الجيش. ضمن خطة لإفراغ الخرطوم من الجماعات المسلحة، وإعادة ضبط التوازن الأمني لصالح أجهزة الدولة النظامية، بعد أن بات تعدد الفواعل المسلحة يهدد الكيان الوطني ويقوض سلطة المركز.

وفي خضم هذه التحولات، أثار قائد حركة تحرير السودان مني أركو مناوي جدلًا واسعًا بإعلانه استعداده للحوار مع قائد الدعم السريع حميدتي، ورئيس الوزراء السابق حمدوك. هذا التصريح فُهم على أنه محاولة للتموضع بين المعسكرين المتصارعين، رغم نفي مناوي لاحقًا تأييده لفكرة تقسيم البلاد. وبالرغم من مواقفه المتذبذبة، فإن البعض رأى فيها بادرة لتأسيس مسار تفاوضي أوسع يضمن مصالحه، بينما اعتبرتها الحكومة محاولة للتلاعب بالمشهد السياسي، خاصة وأن التصريح جاء في وقت تشهد فيه الفاشر، معقل مناوي، حصارًا خانقًا.

في المجمل يقف السودان على مفترق طرق حاسم، بين حكومة تسعى لاكتساب الشرعية وتعزيز بنيان الدولة، وقوى مسلحة تسعى لفرض وقائع جديدة على الأرض. وفي ظل تنافس خارجي بين محاور إقليمية، تتباين أولوياتها وتتصارع أجنداتها، يبدو أن مفتاح الحسم سيعتمد على قدرة كل طرف في امتلاك أدوات الشرعية الفعلية: من السيطرة على الأرض، إلى التماسك المؤسسي، إلى القدرة على مخاطبة الداخل والخارج.